0 / 0

هل ثبت أن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه كان يطلق نساءه جزافا من دون سبب؟

السؤال: 248033

قرأت في فتوى لكم أن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه تزوج ٧٠ امرأة ، وكان يجمع ٤ مع بعضهم ثم يطلقهم مرة واحد ؟ أليس هذا خطأ من ناحية أنه يطلقهم دون سبب شرعي ، وكيف له أن يربي أولاده وهو متزوج ٧٠ امرأه ؟ فهل يجوز أن نقول عنه مخطئ ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
زواج المغيرة بن شعبة رضي الله عنه بسبعين امرأة أو أكثر : ثابت عنه ، رواه البيهقي في “سننه” (7/ 136) عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْمُزَنِيِّ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: ” تَزَوَّجْتُ سَبْعِينَ أَوْ بِضْعًا وَسَبْعِينَ امْرَأَةً ” . وهذا إسناد صحيح ، انظر: “سلسلة الأحاديث الصحيحة” (1/ 198).
وهذا لا يعاب به ، وإنما يحمد عليه ، لأنه من تمام فحولته وفتوته ، ثم هو يحصن النساء الحرائر ، ويبتغي الحلال ، ويطلب الأبناء الذين يجاهدون في سبيل الله وينصرون الله ورسوله ، ويكثر الأمة امتثالا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم ، وغير ذلك من المصالح الكثيرة التي يحمد عليها ، رضي الله عنه .

وقد طاف نبي الله سليمان عليه السلام على تسعين امرأة يبتغي بذلك أن تلد كل امرأة منهم غلاما يجاهد في سبيل الله . رواه البخاري (6639) .
فأي لوم أو عتب على المغيرة فيما فعل من ذلك ؟!

أما كيف يربي أولاده ؟
فقد ربَّى الصحابة رضي الله عنهم أولادهم وطلابهم أحسن تربية ، فخرج منهم العلماء والقراء والمجاهدون في سبيل الله .
حتى كانوا أفضل الناس بعد الأنبياء والصحابة ، بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم ، كما في قوله : (خير الناس قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم) رواه البخاري ( 2652 ) ، ومسلم ( 2533 ) .

والصحابة رضي الله عنهم كانوا أعقل الناس وأتقى الناس لله ، وأعلمهم بشريعته ، وأعلم الناس بمصالحهم ومصالح أولادهم .
ومن كان كذلك فهو جدير بأن يوفقه الله تعالى ويسدده ويصلح له أولاده ، قال الله تعالى : (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً ) الطلاق/2، 3 وفي الآية التي بعدها: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً ) الطلاق/4.

وليس حسن تربية الأولاد مرتبطا بقلة عددهم ، كما يظهر لك ذلك جليا إذا قلبت نظرك فيمن حولك ممن رزقهم الله أولادا كثيرين أو قليلين .

على أنه ينبغي التنبه إلى الدور التربوي للمجتمع في ذلك الوقت ، فقد كان المجتمع فاضلا ، (أفضل مجتمع في البشرية على الإطلاق) فكان هذا المجتمع يؤثر بدور عظيم في التربية ، فيتربى الأولاد على محبة الله ورسوله وطاعتهما ، ونصرة هذا الدين ، والجهاد في سبيل الله ، ومحبة العلم الشرعي ، وتعظيم حرمات الله ، وكراهة الكفر والفسوق والعصيان ، مع الكرم والشهامة والنبل والمروءة والأمانة ،وحسن الخلق ، وواقعهم رضي الله عنهم يشهد بذلك .

ثم أحوال الناس في عاداتهم ، وأمور معايشهم : على اليسر في الأمر ، والسداد ، وقِوام العيش؛ لم تكن في شيء من تعقيدات أوضاع الناس الاجتماعية والاقتصادية ، والتربوية ـ تبعا لذلك كله.

ثالثا :
أما ما ذكر من كونه رضي الله عنه كان يطلق نساءه بدون سبب : فغير ثابت عنه .
فقد رواه ابن عساكر في “تاريخ دمشق” ، وفي إسناده أبو بكر الهذلي ، وقد ضعفه الإمام أحمد والجوزجاني ، وقال عنه النسائي : متروك الحديث ، وقال الدارقطني : منكر الحديث متروك .
انظر : “ميزان الاعتدال” للذهبي (7/334) ، “أحوال الرجال” للجوزجاني (1/22) ، “الضعفاء والمتروكين” للنسائي (1/46) ، “الضعفاء والمتروكين” لابن الجوزي (2/12) .
فإذا لم يثبت ذلك عنه لم يجز أن يقال : إنه أخطأ في هذا ، لأن حسن الظن بالصحابة رضي الله عنهم ، يقتضي أنه لم يكن يطلق إلا لسبب .

والغالب في أسباب الطلاق ، أنها تكون أسبابا خاصة لا يذكرها الزوج ، لاسيما مع مكارم الأخلاق التي كان القوم يتحلون بها ، رضي الله عنهم ، فلا يقوم أحدهم بذكر عيوب امرأته وغيبتها والتشهير بها أمام الناس .

ولذلك لم نطلع على أسباب طلاقه ، كما لم نطلع على أسباب طلاق غيره من الصحابة ، إلا في قضايا يسيرة جدا أو نادرة ، وصلت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، فذكرت فيها الأسباب ، كقضية الخلع بين ثابت بن قيس وامرأته .

وهبه قد ثبت ذلك عنه ، تأول فيه أمرا يسعه ، أو عذار يسوغ لمثله ؛ فهل من الإنصاف في شيء : أن نعتب على أمر لم نقف على حقيقته ، ولم يبين لنا وجهه ، بإسناد تقوم به الحجة ، وينقطع به العذر ؟!
وهذا الإنصاف ، والعدل ، وحسن الظن ، وترك العجلة : إنما يكون في آحاد الناس ، ممن ثبتت عدالته ، أو تقارب أمره ؛ فكيف بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وذوي الهيئات من الناس ؟!
لا شك أنه في حقهم : آكد ، وألزم .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android