فى حكم الصلاة منفردا فى البيت ذهب الإمام أحمد ابن حنبل وشيخ الاسلام ابن تيمية أن صلاة الجماعة شرط لصحة الصلاة ، وأن من صلى فذاً لغير عذر فصلاته باطلة غير مقبولة ، وغير مجزئه ، فهل هذا يعنى فى قولهم أن من ترك صلاة الجماعة عمدا يأخذ حكم من ترك صلاة حتى يخرج وقتها ، ويعتبر تاركا للصلاة ؟
هل تارك صلاة الجماعة يعتبر تاركا للفريضة عند من جعل الجماعة شرط صحة ؟
السؤال: 249439
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
اختلف الفقهاء في صلاة الجماعة هل هي شرط لصحة الصلاة ، أو واجب عين ، أو كفائي، أو سنة مؤكدة، على أقوال مشهورة .
والقول بأن الجماعة شرط صحة : ذهب إليه الإمام أحمد في رواية، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
قال شيخ الإسلام: " وإذا ترك الجماعة من غير عذر : ففيه قولان في مذهب أحمد وغيره : أحدهما : تصح صلاته ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (تفضل صلاة الرجل في الجماعة على صلاته وحده بخمس وعشرين درجة) .
والثاني : لا تصح لما في السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (من سمع النداء ثم لم يجب من غير عذر فلا صلاة له) ولقوله : (لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد) وقد قواه عبد الحق الإشبيلي .
وأيضا : فإذا كانت واجبة ، فمن ترك واجبا في الصلاة ، لم تصح صلاته .
وحديث التفضيل محمول على حال العذر ، كما في قوله : ( صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم ، وصلاة القائم على النصف من صلاة القاعد) . وهذا عام في الفرض والنفل …" انتهى من "مجموع الفتاوى" (23/ 241).
وقال ابن القيم رحمه الله : "وأما المسالة السابعة وهي هل الجماعة شرط في صحة الصلاة أم لا ؟
فاختلف الموجبون لها في ذلك على قولين :
أحدهما: أنها فرض يأثم تاركها ، وتبرأ ذمته بصلاته وحده ، وهذا قول أكثر المتأخرين من أصحاب أحمد ، ونص عليه أحمد في رواية حنبل فقال: إجابة الداعي إلى الصلاة فرض، ولو أن رجلا قال : هي عندي سنة أصليها في بيتي مثل الوتر وغيره ، لكان خلاف الحديث، وصلاته جائزة.
وعنه رواية ثانية ، ذكرها أبو الحسن الزعفراني في كتاب الإقناع : أنها شرط للصحة، فلا تصح صلاة من صلى وحده ، وحكاه القاضي عن بعض الأصحاب ، واختاره أبو الوفاء ابن عقيل ، وأبو الحسن التميمي ، وهو قول داود وأصحابه، قال ابن حزم: وهو قول جميع أصحابنا" .
انتهى من " الصلاة وحكم تاركها" (ص155) .
وقال المرداوي في "الإنصاف" (2/149): " وعنه [يعني : الإمام أحمدٍ] أن الجماعة شرط لصحة الصلاة ، ذكرها القاضي وابن الزاغوني في الواضح والإقناع ، وهي من المفردات، واختارها ابن أبي موسى وابن عقيل والشيخ تقي الدين. فلو صلى وحده من غير عذر : لم تصح.
قال في الفتاوى المصرية: هو قول طائفة من أصحاب الإمام أحمد . ذكره القاضي في شرح المذهب عنهم . انتهى.
قال ابن عقيل: بناء على أصلنا في الصلاة في ثوب غصب ، والنهي يختص بالصلاة . وقال في الحاوي الكبير: وفي هذا القول بعد" انتهى.
وهذا القول صريح في أن صلاة المنفرد بغير عذر لا تصح.
لكن ما الذي يلزمه ؟
صرح شيخ الإسلام بأنه يلزمه أن يعيدها مع الجماعة ، إن وجدت، فإن لم يجد جماعة، لزمه الاستغفار فقط ، كمن فاتته الجمعة وصلى ظهرا.
قال رحمه الله في تتمة كلامه السابق: " وعلى هذا القول فإذا صلى الرجل وحده ، وأمكنه أن يصلي بعد ذلك في جماعة : فعل ذلك.
وإن لم يمكنه فعلُ الجماعة: استغفر الله، كمن فاتته الجمعة ، وصلى ظهرا" انتهى.
وظاهر كلامه أنه إن لم يجد جماعة، صحت صلاته مع الاستغفار؛ لأنه صار معذورا.
وعليه: فتارك الجماعة لا يعتبر تاركا للفريضة بإطلاق، بل يكون تاركا للفريضة إذا أبى أن يعيدها مع الجماعة، أما إذا لم يجد جماعة فإن صلاته تصح ، ويكون معذورا.
هذا، والقول بأن الجماعة شرط لصحة الصلاة : قول مرجوح.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ما نصه: " قال الخطيب في خطبة الجمعة : إن الصلاة في جماعة المسجد تعادل سبعاً وعشرين صلاة ، وهذا معروف، لكنه قال: إن الله لا يقبل صلاة الفرد خارج المسجد ، ويكون من المشركين والعياذ بالله . فهل هذا صحيح؟ مع ذكر الأدلة على ذلك من الكتاب والسنة؟ وما حكم الصلاة في المنزل أو في أي مكان خارج المسجد؟
فأجاب فضيلته بقوله: الشق الأول من سؤالك تقول: إن الخطيب ذكر أن صلاة الجماعة تفضل صلاة المنفرد بسبع وعشرين صلاة، وهو كما قال.
الشق الثاني قوله:"إن من صلى فإنه لا صلاة له، ويكون مشركاً".
وقوله : "يكون مشركاً" لا يصح هذا الكلام، اللهم إلا بالمعنى الأعم، أن كل من اتبع هواه بمخالفة أمر الله عز وجل فإنه يكون فيه نوع من الإشراك، لكنه ليس هو الشرك الذي يطلق عليه أنه شرك في القرآن والسنة وكلام أهل العلم.
وأما قوله: "بأنها لا تقبل صلاته" فإن هذا قول لبعض أهل العلم ، أن من صلى في بيته بدون عذر ، فإنه لا صلاة له؛ وهذا القول ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله – وهو رواية عن الإمام أحمد، اختارها ابن عقيل أحد أتباع الإمام أحمد – رحمه الله- .
وحجة هؤلاء من الأثر والنظر :
أما الأثر فهو ما جاء في الحديث عن النبي صلي الله عليه وسلم (من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر).
وأما من النظر فقالوا: إن صلاة الجماعة واجبة، وإن من ترك واجباً في العبادة ، بدون عذر : بطلت تلك العبادة بهذا الترك.
ولكن هذا القول مرجوح ، والراجح أن المصلي في بيته ، تاركاً للواجب من غير عذر : آثم وعاص، وإذا استمر على ذلك صار فاسقاً تسقط ولايته وشهادته، كما ذهب إليه كثير من أهل العلم ، ولكن صلاته تصح .
ويدل لذلك حديث ابن عمر وحديث أبي هريرة، في تفضيل صلاة الجماعة على صلاة الفذ، فإن التفضيل لصلاة الجماعة ، يدل على أن في صلاة الفذ أجراً، ومادام فيها أجر فإنه يدل على صحتها، لأن ثبوت الأجر فرع عن الصحة ، إذ لو لم تصح ، لم يكن فيها أجر، لكنه بلا شك آثم عاص ، يعاقب على ذلك ، إلا أن يتوب إلى الله عز وجل، أو يعفو الله عنه.
وعلى كل حال فإن [الصلاة في ] البيت بدون عذر أمر محرم ، لا يحل للمسلم فعله، ولهذا قال ابن مسعود – رضي الله عنه -: (ما يتخلف عنها إلا منافق أو معذور) ، والمؤمن لا ينبغي له أن يتصف بعمل المنافقين ، الذين إذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى…" انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (15/ 69)..
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب