تنزيل
0 / 0

هل صح حديث بأن ( سوء الخلق يفسد العمل ) وما معنى الفساد ؟

السؤال: 251929

( سوء الخلق يفسد العمل ) هل هذا حديث ؟ وما درجته ؟
كيف يكون فساد العمل ؟ وما الفرق بين الفساد وإحباط العمل ؟

ملخص الجواب

ملخص الجواب : هذا الأثر ( سوء الخلق يفسد العمل كما يفسد الخل العسل ) لا يصح من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، لكن سوء الخلق قد يفسد ويحبط ثواب الأعمال الصالحة ؛ كما لو اقترن بها ، أو كان على شكل مظالم تجاه الخلق تسبب له خفة كفة حسناته وثقل كفة سيئاته .

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
روى ابن أبي الدنيا في ” قضاء الحوائج ” (ص 47) بسنده عَنْ بَكْرِ بْنِ خُنَيْسٍ ،
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَبُّ النَّاسِ
إِلَى اللَّهِ ؟
قَالَ : ( أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ ، وَإِنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ
سُرُورٌ تَدْخِلُهُ عَلَى مُؤْمِنٍ: تَكْشِفُ عَنْهُ كَرْبًا ، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ
دَيْنًا ، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا … وَإِنَّ سُوءَ الْخُلُقِ لَيُفْسِدُ
الْعَمَلَ كَمَا يُفْسِدُ الْخَلُّ الْعَسَلَ ) .
وهذا الحديث لم نقف على من صححه أو حسنّه سوى الشيخ الألباني رحمه الله تعالى ؛ حيث
قال :
” فرواه ابن أبي الدنيا في ” قضاء الحوائج ” (ص 80 رقم 36) ، وأبو إسحاق المزكي في
” الفوائد المنتخبة ” (1 / 147 / 2) – ببعضه – وابن عساكر (11 / 444 / 1) من طرق ،
عن بكر بن خنيس عن عبد الله بن دينار عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم – كذا
قال ابن أبي الدنيا، وقال الآخران : عن عبد الله بن عمر – قال : قيل يا رسول الله
من أحب الناس إلى الله ؟ … ”
قلت: وهذا إسناد حسن ، فإن بكر بن خنيس صدوق له أغلاط كما قال الحافظ .
وعبد الله بن دينار ثقة من رجال الشيخين ” انتهى من ” سلسلة الأحاديث الصحيحة ” (2
/ 575).

على
أن الراوي بكر بن خنيس ، الراجح في روايته الضعف كما ذهب إلى ذلك جمهور أهل العلم ،
قال الذهبي رحمه الله تعالى :
” بكر بن خنيس الكوفي ، زاهد ، قال الدارقطني : متروك . وقال النسائي وغيره : ضعيف
. وقال ابن معين مرة : لا بأس به إلا أنه يروي عن الضعفاء. وقد تكلم فيه ابن شيبة
وابن المديني ” انتهى من ” المغني في الضعفاء ” (1 / 113) .
ولهذا خلص الذهبي في الحكم عليه ؛ إلى القول :
” بكر بن خنيس العابد ، وَاهٍ ” انتهى من ” الكاشف ” (1 / 274) .

وقد اختار الشيخ الألباني
نفسه هذا الحكم فقال في ” سلسلة الأحاديث الضعيفة ” (13 / 728):
” بكر بن خنيس مختلف فيه ، فوثقه بعضهم وضعفه الجمهور ؛ كما ترى أقوالهم في ” تهذيب
الحافظ “، وقال في ” تقريبه “:
” صدوق له أغلاط ، أفرط فيه ابن حبان ” .
والحق أنه كما قال الذهبي في “الكاشف”:
واهٍ ” انتهى من ” سلسلة الأحاديث الضعيفة ” (13 / 782) .

ولهذا ضعف الألباني رحمه
الله تعالى عددا من أحاديث بكر بن خنيس في كتابه ” سلسلة الأحاديث الضعيفة ” .

والجملة الأخيرة من هذا
الأثر الضعيف ؛ وهي : ( وَإِنَّ سُوءَ الْخُلُقِ لَيُفْسِدُ الْعَمَلَ كَمَا
يُفْسِدُ الْخَلُّ الْعَسَلَ ) ، قد رويت بأسانيد أخرى ، لكنها كلها ضعيفة ، كما
لخّص ذلك الشيخ الألباني رحمه الله تعالى ؛ حيث قال :
” ( سوء الخلق يفسد العمل كما يفسد الخل العسل ) .
ضعيف جداً .
رواه الدامغاني في “الأحاديث والحكايات” (1/ 110/ 1) عن محمد بن عرعرة بن البرند:
حدثنا سكين بن أبي سراج أبو عمرو الكلابي ، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر
مرفوعاً.
ورواه عبد بن حميد في ” المنتخب من مسنده ” (87/ 2) : حدثنا داود بن محبر: حدثنا
سكين به.
قلت: وسكين بن أبي سراج ؛ قال ابن حبان:
” يروي الموضوعات “. وقال البخاري: ” منكر الحديث “.

وله طريق آخر؛ رواه العقيلي
في “الضعفاء” (436) ، والديلمي (2/ 207) من طريق أبي نعيم: حدثنا أبو داود: حدثنا
النضر بن معبد ، عن ابن سيرين ، عن أبي هريرة يرفعه ، وقال:
” النضر بن معبد أبو قحذم ؛ لا يتابع عليه ، قال يحيى : ليس بشيء”.
وقال النسائي:
” ليس بثقة” ” انتهى من ” سلسلة الأحاديث الضعيفة ” (8 / 189 – 190) .
ولم يذكر الألباني رحمه الله في هذا الموضع رواية ابن أبي الدنيا التي حسنها .

فالحاصل ؛ أن جملة ” سوء
الخلق يفسد العمل ” لا تصح نسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم .

ثانيا :
– إحباط العمل الصالح : هو أن يزول ثوابه وتذهب منفعته .
قال العراقي رحمه الله تعالى :
” معنى إحباط الطاعة محو أثرها المترتب عليها ، وهو الثواب ” انتهى من ” طرح
التثريب ” (3 / 238 – 239) .

– أما فساد العمل ؛ فالمقصود
به في غالب استعمال أهل العلم ؛ هو أن يؤدي الشخص العبادة على وجه غير مشروع حيث
يبقى مطالبا بإعادتها إن كانت واجبة .
جاء في ” الموسوعة الفقهية الكويتية ” (32/ 117) :
” عرف جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة الفساد بأنه : مخالفة الفعل
الشرع بحيث لا تترتب عليه الآثار ، ولا يسقط القضاء في العبادات .
وعرف الحنفية الفاسد بأنه ما شرع بأصله دون وصفه ” انتهى .

والفساد بهذا المفهوم لا
علاقة لسوء الخلق به ؛ لأن حسن الخلق ليس شرطا لصحة العبادات .

وقد يستعمل الفساد كما في
الأثر الضعيف السابق ، ويقصد به إحباط العمل وذهاب نفعه .
قال المناوي رحمه الله تعالى :
” ( سوء الخلق يفسد العمل كما يفسد الخل العسل) أي أنه يعود عليه بالإحباط ؛
كالمتصدق إذا أتبع صدقته بالمن والأذى ” انتهى من ” التيسير بشرح الجامع الصغير ”
(2 / 61) .
فالفساد بهذا المفهوم هو نفسه إحباط العمل .

ثالثا :
سوء الخلق هو ذنب من الذنوب ؛ ومن أصول أهل السنة أنه لا يحبط العمل كله إلا الكفر
.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
” ولا تحبط الأعمال بغير الكفر ؛ لأن من مات على الإيمان فإنه لابد من أن يدخل
الجنة ويخرج من النار إن دخلها ، ولو حبط عمله كله لم يدخل الجنة قط ، ولأن الأعمال
إنما يحبطها ما ينافيها ، ولا ينافي الأعمال مطلقا إلا الكفر ، وهذا معروف من أصول
أهل السنة ” انتهى من ” الصارم المسلول ” (2 / 114) .

وسوء الخلق وإن كان ليس
كالكفر في إحباط الأعمال الصالحة ، إلا أن له تأثيرًا عليها ؛ ومن صور ذلك :
الصورة الأولى : سوء الخلق يؤثر على العمل الصالح الذي يقترن به .
فالمتصدق إذا تصدق على وجه الكبر والفخر أو يمنّ بصدقته ويؤذي بها الفقير ، فإنه
بهذا الخلق السيئ يذهب أجر صدقته .
قال الله تعالى :
( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ
وَالْأَذَى ) البقرة /264 .
قال ابن كثير رحمه الله تعالى :
” فأخبر أن الصدقة تبطل بما يتبعها من المن والأذى ، فما يفي ثواب الصدقة بخطيئة
المن والأذى ” انتهى من ” تفسير ابن كثير ” (1 / 694) .
ومثل الصائم الذي يقرن صومه بأخلاق سيئة ، فإنه يفوت على نفسه الأجر.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ
بِهِ ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ ) رواه
البخاري (1903) ، وابن ماجه (1689) بلفظ : ( مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ ،
وَالْجَهْلَ ، وَالْعَمَلَ بِهِ ، فَلَا حَاجَةَ لِلَّهِ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ
وَشَرَابَهُ ) ..
قال ابن حجر رحمه الله تعالى :
” والمراد بقول الزور الكذب ، والجهل السفه ، والعمل به أي بمقتضاه …
قال ابن المنير في الحاشية : بل هو كناية عن عدم القبول ، كما يقول المغضب لمن رد
عليه شيئا طلبه منه فلم يقم به : لا حاجة لي بكذا ، فالمراد رد الصوم المتلبس
بالزور وقبول الصوم السالم منه …
وقال ابن العربي : مقتضى هذا الحديث أن من فعل ما ذكر : لا يثاب على صيامه ، ومعناه
أن ثواب الصيام لا يقوم في الموازنة بإثم الزور وما ذكر معه ” انتهى من ” فتح
الباري ” (4 / 117).

وهكذا القول في جميع الطاعات
إذا اقترن بها سوء الخلق ، لأن سوء الخلق مناقض لتقوى الله تعالى ، والتقوى هي
المطلب الأول في الطاعات .
قال الله تعالى – عن الأضاحي و الهدي – :
( لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى
مِنْكُمْ ) الحج /37 .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى :
” ( وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ ) ففي هذا حث وترغيب على الإخلاص في
النحر ، وأن يكون القصد وجه الله وحده ، لا فخرا ولا رياء ، ولا سمعة ، ولا مجرد
عادة ، وهكذا سائر العبادات ، إن لم يقترن بها الإخلاص وتقوى الله ، كانت كالقشور
الذي لا لب فيه ، والجسد الذي لا روح فيه ” انتهى من ” تفسير السعدي ” (ص 539) .

الصورة الثانية :
من المعلوم أن شطرا كبيرا من سوء الخلق متعلق بمعاملة الناس ، كالغيبة والنميمة
والبهتان والاحتقار وجميع أنواع الظلم .
ومظالم العباد سيكون فيها القصاص يوم القيامة .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،
قَالَ : ( أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ ؟ ) ، قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا
دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ ، فَقَالَ : ( إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي ،
يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ ، وَصِيَامٍ ، وَزَكَاةٍ ، وَيَأْتِي قَدْ
شَتَمَ هَذَا ، وَقَذَفَ هَذَا ، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا ، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا ،
وَضَرَبَ هَذَا ، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ،
فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ
خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ ) رواه مسلم (2581)
.
فهذه الأخلاق السيئة أذهبت طاعات هذا الإنسان عند حاجته إليها .

قال
شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في تقرير هذا الأصل :
” الذي ينفي من الإحباط على أصول أهل السنة : هو حبوط جميع الأعمال ؛ فإنه لا يحبط
جميعها إلا بالكفر .
وأما الفسق : فلا يحبط جميعها؛ سواء فسر بالكبيرة، أو برجحان السيئات؛ لأنه لا بد
أن يثاب على إيمانه فلم يحبط.
وأما حبوط بعضها وبطلانه ، إما بما يفسده بعد فراغه ، وإما لسيئات يقوم عقابها
بثوابه :
فهذا حق ، دل عليه الكتاب والسنة . كقوله : (لاَ تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ
وَالْأَذَى) البقرة/264 ؛ فأخبر أن المن والأذى يبطل الصدقة، كما أن الرياء المقترن
بها يبطلها .
وإن كان كل منهما : لا يبطل الإيمان؛ بل يبطله ورود الكفر عليه ، أو اقتران النفاق
به.

وقوله في الحديث الصحيح: إن
الذي تفوته صلاة العصر فقط حبط عمله
وقول.. : الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار
الحطب
.
وقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: من كانت عنده لأخيه مظلمة في عرض أو مال
فليأته فليستحل منه ، قبل أن يأتي يوم ليس فيه درهم ولا دينار، وإنما فيه الحسنات
والسيئات
.
وقوله: ما تعدون المفلس فيكم ؟ قالوا: المفلس من ليس له درهم ولا دينار، قال: ليس
ذلك بالمفلس ، وإنما المفلس الذي يأتي يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال ، فيأتي وقد
ضرب هذا وشتم هذا وأخذ مال هذا . فيعطى هذا من حسناته ، وهذا من حسناته ؛ فإذا لم
يبق له حسنة : أخذ من سيئاتهم ، فطرحت عليه ثم طرح في النار
” انتهى من “المستدرك
على مجموع الفتاوى” (1/127) .
وينظر جواب السؤال رقم : (81874).

فالحاصل ، أن الأثر ( سوء
الخلق يفسد العمل كما يفسد الخل العسل ) لا يصح من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ،
لكن سوء الخلق قد يفسد ويحبط ثواب الأعمال الصالحة ؛ كما لو اقترن بها ، أو كان على
شكل مظالم تجاه الخلق تسبب له خفة كفة حسناته وثقل كفة سيئاته .

والله أعلم .

المصدر

موقع الاسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android