0 / 0

حكم القول : لولا اجتهادي ما نجحت .

السؤال: 255808

1- ما حكم من يقول: ( لولا اجتهادي ما نجحت في الامتحان)؟ 2- وهو خاص بالأسباب ، لو كان السبب صحيح شرعا أو حسا فهل لي الإختيار بين قول ( لولا فلان ) على جهة الإفراد ، أو قول ( لولا الله ثم فلان ) على وجه الإقتران ؟ أم أن لكل منهما موضع خاص به ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
إضافة الشيء إلى سببه قد يكون جائزا ، وقد يكون محرما ، بحسب قصد قائله من هذه الإضافة وما قام بقلبه من اعتقاد .

فإذا أضاف الشيء إلى سببه معتقدا أن السبب يؤثر بذاته بدون تقدير الله تعالى ومشيئته .
أو متناسيا أن الله تعالى هو المنعم على الحقيقة ، ولولا فضله وإحسانه ورحمته لم يصل إلى العبد شيء من النعم ، ولا اندفع عنه شيء من النقم .
أو فعل ذلك متعاظما متكبرا ، مادحاً نفسه بأنه هو الذي فعل وأنه لولاه لم يكن كذا وكذا ..
ففي هذه الحالات الثلاثة تكون إضافة الشيء إلى سببه محرمة ، وقد تكون شركا أصغر أو أكبر حسب اعتقاد القائل .
فإنه لا يجوز اعتقاد أن الأسباب تؤثر بذاتها ، فهذا منافٍ للإيمان الواجب بربوبية الله تعالى ، وأنه خالق كل شيء ، ومنافٍ للإيمان الواجب بالقضاء والقدر .
كما لا يجوز للعبد أن يغفل عن أن النعم كلها : إنما هي من الله تعالى ، ففي هذا جحد لكمال إحسانه وفضله وتدبيره سبحانه وتعالى .
قال الله تعالى :
( وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ )النحل/53 .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في “الرد على المنطقيين” (ص 537):
” ليس عند الحنفاء أن أحدا غير الله يستقل بفعل شيء ، بل غايته أن يكون سببا ، والأثر لا يحصل إلا به ، وبغيره من الأسباب ، وبصرف الموانع ، والله تعالى هو الذي يخلق ؛ بتأثير الأسباب ، وبدفع الموانع ، مع خلقه سبحانه أيضا لهذا السبب .
لكن المقصود : أنه ليس في الوجود ما يستقل بإحداث شيء ، ولا ثم شيء يوجب كل أثر ، إلا مشيئة الله وحده ، فما شاء كان ، وما لم يشأ لم يكن” انتهى .
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى :
” قول الآخرين : ” لولا فلان لما كان كذا ” فيتضمن قطع إضافة النعمة إلى من لولاه لم تكن ، وإضافتها إلى من لا يملك لنفسه ولا لغيره ضرا ولا نفعا ، وغايته أن يكون جزءا من أجزاء السبب أجرى الله تعالى نعمته على يده ، والسبب لا يستقل بالإيجاد ، وجعله سببا هو من نعم الله عليه، وهو المنعم بتلك النعمة ، وهو المنعم بما جعله من أسبابها ؛ فالسبب والمسبب من إنعامه ، وهو سبحانه قد ينعم بذلك السبب ، وقد ينعم بدونه فلا يكون له أثر ، وقد يسلبه تسبيبيته ، وقد يجعل لها معارضا يقاومها ، وقد يرتب على السبب ضدَّ مقتضاه ، فهو وحده المنعم على الحقيقة ” انتهى من ” شفاء العليل ” (ص 37) .

كما أن إضافة النعم إلى أسبابها ، وإنكار فضل الله وإنعامه : هو فعل المشركين ، ولا يجوز للمسلم أن يتشبه بهم ، قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في “كتاب التوحيد” :
“باب قول الله تعالى :) يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ ) النحل/83 .
قال مجاهد ما معناه : هو قول الرجل : هذا مالي ورثته عن آبائي .
وقال عون بن عبد الله : يقولون : لولا فلان لم يكن كذا .
وقال ابن قتيبة : يقولون : هذا بشفاعة آلهتنا .
وقال أبو العباس [يعني شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله] – بعد حديث زيد بن خالد الذي فيه : أن الله تعالى قال : (أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر): وهذا كثير في الكتاب والسنة ، يذم سبحانه من يضيف إنعامه إلى غيره ويشرك به .
قال بعض السلف : هو كقولهم : كانت الريح طيبة ، والملاح حاذقا ، ونحو ذلك مما هو جار على ألسنة كثير” انتهى .

ومن ذلك ما رواه ابن أبي حاتم في تفسيره (1 / 62) بإسناده عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تعالى : (فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا ) قَالَ: الأَنْدَادُ : هُوَ الشِّرْكُ ، أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ عَلَى صَفَاةٍ سَوْدَاءَ ، فِي ظُلْمَةِ اللَيْلِ .
وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: وَاللَّهِ ، وَحَيَاتِكَ يَا فُلانَةُ ، وَحَيَاتِي . وَيَقُولُ: لَوْلا كَلْبُهُ هَذَا لأَتَانَا اللُّصُوصُ ، وَلَوْلا الْبَطُّ فِي الدَّارِ لأَتَى اللُّصُوصُ . وَقَوْلُ الرَّجُلِ لِصَاحِبِهِ:
مَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْتَ ، وَقَوْلُ الرَّجُلِ: لَوْلا اللَّهُ وَفُلَانٌ . لَا تَجْعَلْ فِيهَا فلان ، فَإِنَّ هَذَا كُلَّهُ بِهِ شِرْكٌ).
والحديث : حسنه الدوسري في كتابه “النهج السديد” رقم (462) .

قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله : وقوله : ” لولا كلبه هذا لأتانا اللصوص ” .
يكون فيه شرك إذا نظر إلى السبب دون المسبِّب، وهو الله – عز وجل .
أما الاعتماد على السبب الشرعي أو الحسي المعلوم ، فقد تقدم أنه لا بأس به ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لولا أنا ، لكان في الدرك الأسفل من النار) ، لكن قد يقع في قلب الإنسان إذا قال: لولا كذا لحصل كذا ، أو ما كان كذا ، قد يقع في قلبه شيء من الشرك بالاعتماد على السبب بدون نظر إلى المسبِّب ، وهو الله عز وجل” .
انتهى من” القول المفيد” (2/147) .
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى :
” وأما الشرك الأصغر : فكيسير الرياء …
وقول الرجل للرجل: ما شاء الله وشئت ، وهذا من الله ومنك ، وأنا بالله وبك ، وما لي إلا الله وأنت ، وأنا متوكل على الله وعليك ، ولولا أنت لم يكن كذا وكذا .
وقد يكون هذا شركا أكبر ، بحسب قائله ومقصده ” انتهى من ” مدارج السالكين ” (2 / 924) .
أما إضافة الشيء إلى سببه الصحيح ، مع اعتقاد أن ذلك لم يقع إلا بمشيئة الله وتقديره ، وأنه لولا ذلك لم يقع : فهذا لا بأس به .
روى البخاري (3883) و، مسلم (209) عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، أَنَّهُ قَالَ: ” يَا رَسُولَ اللهِ ، مَا أَغْنَيْتَ عَنْ عَمِّكَ، فَإِنَّهُ كَانَ يَحُوطُكَ وَيَغْضَبُ لَكَ ؟ قَالَ: ( هُوَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ ، وَلَوْلاَ أَنَا لَكَانَ فِي الدَّرَكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ ) .
وجاء في رواية أخرى للحديث عند البخاري (3885) ، ومسلم (209) أيضا أن ذلك كان بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم فيه ، وقبول الله تعالى لشفاعته .
وقد سئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله : عن هذه العبارة ” لولا الله وفلان “
فأجاب: “قرْن غير الله بالله في الأمور القدرية بما يفيد الاشتراك وعدم الفرق أمر لا يجوز، ففي المشيئة مثلًا لا يجوز أن تقول : ” ما شاء الله وشئت ” لأن هذا قرن لمشيئة الله بمشيئة المخلوق بحرف يقتضي التسوية وهو نوع من الشرك . لكن لا بد أن تأتي بـ ” ثم ” فتقول ” : ما شاء الله ثم شئت ” .
كذلك أيضًا إضافة الشيء إلى سببه مقرون بالله بحرف يقتضي التسوية : ممنوع ، فلا تقول: ” لولا الله وفلان أنقذني لغرقت ” : فهذا حرام ولا يجوز، لأنك جعلت السبب المخلوق مساويًّا لخالق السبب، وهذا نوع من الشرك .
ولكن يجوز أن تضيف الشيء إلى سببه بدون قرن مع الله ، فتقول: ” لولا فلان لغرقت ” إذا كان السبب صحيحًا وواقعًا ، ولهذا قال الرسول، عليه الصلاة والسلام، في أبي طالب حين أخبر أن عليه نعلين يغلي منهما دماغه قال: (ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار) ، فلم يقل: لولا الله ثم أنا ، مع أنه ما كان في هذه الحال من العذاب إلا بمشيئة الله .

فإضافة الِشيء إلى سببه المعلوم شرعًا أو حسًّا : جائز ، وإن لم يذكر معه الله جل وعلا.
وإضافته إلى الله وإلى سببه المعلوم شرعًا أو حسًّا : جائز ، بشرط أن يكون بحرف لا يقتضي التسوية كـ ” ثم ” .
وإضافته إلى الله وإلى سببه المعلوم شرعًا أو حسًّا بحرف يقتضي التسوية كـ ” الواو ” حرام ، ونوع من الشرك.
وإضافة الشيء إلى سبب موهوم غير معلوم : حرام ، ولا يجوز ، وهو نوع من الشرك ، مثل العقد والتمائم وما أشبهها ، فإضافة الشيء إليها خطأ محض، ونوع من الشرك ، لأن إثبات سبب من الأسباب ، لم يجعله الله سببًا : نوع من الإشراك به، فكأنك أنت جعلت هذا الشيء سببًا، والله تعالى لم يجعله ، فلذلك صار نوعًا من الشرك بهذا الاعتبار”.
انتهى من “فتاوى ابن عثيمين” (3/130) .
ثانيا :
أما التخيير بين قول : “لولا فلان” وقول : “لولا الله ثم فلان” .
فالقول الأول جائز بشرط عدم اقتران هذا القول بشيء من الاعتقاد الفاسد – كما سبق بيانه-
والقول الثاني أفضل وأولى ، لأنه أوضح في الدلالة على سلامة الاعتقاد .
روى أحمد (23265) عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (لَا تَقُولُوا : مَا شَاءَ اللَّهُ وَشَاءَ فُلَانٌ ، قُولُوا : مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ شَاءَ فُلَانٌ) .

وأحسن من هذين القولين وأفضل أن يقول : “لولا الله وحده” ، ولا يضيف : “فلانا” ، فإن هذا أكمل في التوحيد وأبعد عن كل ما يقدح في كماله .
ويشبه هذا قول : “ما شاء الله ثم شاء فلان” فهو جائز ، وقول : “ما شاء الله وحده” وهذا هو الأكمل والأفضل .
روى أحمد (1964) عن ابن عباس قال: ” سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يَقُولُ : مَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْتَ ، فَقَالَ : (بَلْ مَا شَاءَ اللَّهُ وَحْدَهُ) “. قال الشيخ أحمد شاكر : إسناده صحيح .
قال الشيخ صالح الفوزان في “إعانة المستفيد ” :
“وهذا إرشاد إلى الأكمل أن يقول: ما شاء الله وحده ، وإذا قال: ما شاء الله، ثُمَّ شئت. فهذا بيانٌ للجائز، فلا تعارُض بين الحديثين” انتهى .
وفي “حاشية ابن قاسم على كتاب التوحيد” :
“أمرهم أن يقولوا : ما شاء الله وحده، ولا ريب أن هذا أكمل في الإخلاص، وأبعد عن الشرك، وأفضل وأكمل من قول : ما شاء الله ثم شاء محمد؛ لما في قول: ما شاء الله وحده من التصريح بالتوحيد، المنافي للتنديد من كل وجه، فالبصير يختار لنفسه أعلى مراتب الكمال في مقام التوحيد والإخلاص” انتهى .
وفي “تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد” (ص542) :
“قوله : (فلا تقولوا : ما شاء الله وشاء محمد ، ولكن قولوا : ما شاء الله وحده) هذا على سبيل الاستحباب ، وإلا فيجوز أن يقول : ما شاء الله ثم شاء فلان” انتهى .

والخلاصة : أن قول القائل : “لولا اجتهادي ما نجحت” : يكون جائزا إذا قصد به أن اجتهاده مجرد سبب ، وأن الله تعالى هو المتفضل عليه بالنجاح .
والأفضل من هذا أن يقول : (لولا الله وفقني … أو : لولا توفيق الله .. أو : لولا تيسير الله ..) ونحو ذلك .
أما إذا قصد بقوله : “لولا اجتهادي ما نجحت” : التعاظم والتعالى ونسبة الفضل لنفسه دون الله عز وجل ، فذلك محرم .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الاسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android