لديَّ سؤال بخصوص الحد الأدنى لسن الزواج ، يذكر القرآن في الآية (6) من سورة النساء: (وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح) ، فجاء في ” تفسير الجلالين ” ، وغيرها من كتب التفسير أنّ “بلوغ النكاح” يعنى بلوغ سن الخامسة عشرة ، والآن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج من عائشة عندما كانت تبلغ من العمر ست سنوات ، فهل ما فعله النبي يناقض القرآن ؟ وكيف يمكننا فهم الآية 6 من سورة النساء بخصوص الحد الأدنى لسن الزواج ؟
ليس للنكاح سن معين وبيان المراد بقوله تعالى (حتى إذا بلغوا النكاح)
السؤال: 256830
ملخص الجواب
خلاصة الجواب : أن الآية الكريمة ليس فيها منع تزويج الصغير أو الصغيرة، ولم تسق لبيان موضوع التزويج، وإنما هي في إيتاء المال لليتامى، وأن ذلك يكون بعد البلوغ، وغاية الأمر أنه جاء التعبير فيها عن بلوغ الحلم ببلوغ النكاح، مراعاة للغالب، وهو أن النكاح يكون مع البلوغ، وبه تتم مقاصده. وبلوغ المرأة يكون بالحيض، وغيره من العلامات، ويكون ذلك قبل سن الخامسة عشرة غالبا، لا سيما في البلاد الحارة .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
ليس في الشريعة تحديد لسن زواج الرجل أو المرأة، وقد أجمع أهل العلم على جواز تزويج الصغير، وكذا الصغيرة إذا زوجها أبوها من كفء .
وقد دل الكتاب والسنة والإجماع على صحة تزويج الصغيرة التي لم تبلغ، وعدم تحديد ذلك بسن معين .
قال ابن عبد البر رحمه الله: ” أجمع العلماء على أن للأب أن يزوج ابنته الصغيرة ولا يشاورها ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج عائشة بنت أبي بكر، وهي صغيرة بنت ست سنين، أو سبع سنين؛ أنكحه إياها أبوها” انتهى من ” الاستذكار ” ( 16 / 49) .
وقال ابن قدامة رحمه الله : ” : وإذا زوج الرجل ابنته البكر ، فوضعها في كفاءة : فالنكاح ثابت … أما البكر الصغيرة ، فلا خلاف فيها . قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم ، أن نكاح الأب ابنته البكر الصغيرة جائز ، إذا زوجها من كفء ، ويجوز له تزويجها مع كراهيتها وامتناعها .
وقد دل على جواز تزويج الصغيرة قول الله تعالى : ( وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) فجعل للائي لم يحضن عدة ثلاثة أشهر ، ولا تكون العدة ثلاثة أشهر إلا من طلاق في نكاح أو فسخ ، فدل ذلك على أنها تزوج وتطلق ، ولا إذن لها فيعتبر .
وقالت عائشة رضي الله عنهما : ( تزوجني النبي صلى الله عليه وسلم وأنا ابنة ست ، وبنى بي وأنا ابنة تسع ) متفق عليه . ومعلوم أنها لم تكن في تلك الحال ممن يعتبر إذنها .
وروى الأثرم ، أن قُدامة بن مظعون تزوج ابنة الزبير حين نفست ، فقيل له ؟ فقال : ابنة الزبير؛ إن مت ورثتني ، وإن عشت كانت امرأتي ، وزوج علي ابنته أم كلثوم وهي صغيرة عمر بن الخطاب رضي الله عنهما ” انتهى من “المغني” (7/ 30).
ولا تعارض بين هذا وبين قوله تعالى: ( وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ) النساء/6
فإن هذه الآية في بيان متى يُدفع المال لليتيم أو اليتيمة، وأن ذلك بعد بلوغهم ورشدهم، والرشد: حسن التصرف في المال، وهذا لا يكون إلا بعد البلوغ.
والمقصود ببلوغ النكاح هنا : بلوغ الحلم، الذي يعرف بالعلامات المشهورة، كالحيض للمرأة ونبات شعر القبل، أو بلوغ سن خمسة عشر.
وإنما عبر عن بلوغ الحلم ببلوغ النكاح: لأن الغالب أن النكاح لا يكون إلا من البالغ، وهذا لا يمنع من نكاح غير البالغ الذي دل على جوازه الكتاب والسنة والإجماع.
وآيات سورة النساء في هذا الموضع نفسه تدل عليه؛ فإن الله تعالى قال قبل هذه الآية: ( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ) النساء/3 ؛ وهذا دليل على جواز نكاح اليتيمة، واليتم لا يكون بعد البلوغ!
روى البخاري (2494) ومسلم (3018) عن عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا [النساء: 3] إِلَى وَرُبَاعَ [النساء: 3]، فَقَالَتْ: يَا ابْنَ أُخْتِي؛ هِيَ اليَتِيمَةُ تَكُونُ فِي حَجْرِ وَلِيِّهَا، تُشَارِكُهُ فِي مَالِهِ، فَيُعْجِبُهُ مَالُهَا وَجَمَالُهَا، فَيُرِيدُ وَلِيُّهَا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، بِغَيْرِ أَنْ يُقْسِطَ فِي صَدَاقِهَا، فَيُعْطِيهَا مِثْلَ مَا يُعْطِيهَا غَيْرُهُ، فَنُهُوا أَنْ يُنْكِحُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يُقْسِطُوا لَهُنَّ، وَيَبْلُغُوا بِهِنَّ أَعْلَى سُنَّتِهِنَّ مِنَ الصَّدَاقِ، وَأُمِرُوا أَنْ يَنْكِحُوا مَا طَابَ لَهُمْ مِنَ النِّسَاءِ سِوَاهُنَّ.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ” وفيه جواز تزويج اليتامى قبل البلوغ، لأنهن بعد البلوغ لا يقال لهن يتيمات” انتهى من فتح الباري (8/ 241).
وقال القرطبي رحمه الله في بيان المراد ببلوغ النكاح: ” قوله تعالى: (حتى إذا بلغوا النكاح) : أي الحلم، لقوله تعالى: (وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم) ؛ أي البلوغ ، وحال النكاح.
والبلوغ يكون بخمسة أشياء: ثلاثة يشترك فيها الرجال والنساء، واثنان يختصان بالنساء، وهما الحيض والحبل.
فأما الحيض والحبل: فلم يختلف العلماء في أنه بلوغ، وأن الفرائض والأحكام تجب بهما.
واختلفوا في الثلاث، فأما الإنبات والسن: فقال الأوزاعي والشافعي وابن حنبل: خمس عشرة سنةً : بلوغٌ لمن لم يحتلم. وهو قول ابن وهب وأصبغ وعبد الملك بن الماجشون وعمر بن عبد العزيز وجماعة من أهل المدينة، واختاره ابن العربي. وتجب الحدود والفرائض عندهم على من بلغ هذا السن…” انتهى من تفسير القرطبي (5/ 34).
وقال القاسمي رحمه الله: ” وَابْتَلُوا الْيَتامى أي اختبروا عقولهم، ومعرفتهم بالتصرف، حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ أي بأن يحتلموا، أو يبلغوا خمس عشرة سنة” انتهى من تفسير القاسمي (3/ 29).
وقد قلنا: إنه عبر عن بلوغ الحلم، ببلوغ النكاح، مراعاة للغالب؛ وهو أن النكاح يكون للبالغ، وهو الذي يتحقق به تمام مقاصد النكاح، لا سيما إنجاب الذرية، فالمراد: لا تدفعوا إليهم أموالهم إلا بعد بلوغهم مبلغ الرجال والنساء، مع الرشد.
قال النسفي رحمه الله: ” حتى إِذَا بَلَغُواْ النّكَاحَ أي الحلم، لأنه يصلح للنكاح عنده، ولطلب ما هو مقصود به وهو التولد ” انتهى من تفسيره (1/ 473). ومثله للزمشخري (1/ 473).
وقال البغوي رحمه الله: ” حتى إذا بلغوا النكاح أي: مبلغ الرجال والنساء” انتهى من تفسيره (2/ 165).
وقال الرازي رحمه الله: ” المراد من بلوغ النكاح: هو الاحتلام المذكور في قوله: (وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم) [النور: 59] .
وهو في قول عامة الفقهاء: عبارة عن البلوغ مبلغ الرجال، الذي عنده يجري على صاحبه القلم، ويلزمه الحدود والأحكام، وإنما سمي الاحتلام بلوغ النكاح لأنه إنزال الماء الدافق الذي يكون في الجماع” انتهى من تفسيره (9/ 498).
والحاصل: أن الآية الكريمة ليس فيها منع تزويج الصغير أو الصغيرة، ولم تسق لبيان موضوع التزويج، وإنما هي في إيتاء المال لليتامى، وأن ذلك يكون بعد البلوغ، وغاية الأمر أنه جاء التعبير فيها عن بلوغ الحلم ببلوغ النكاح، مراعاة للغالب، وهو أن النكاح يكون مع البلوغ، وبه تتم مقاصده.
وبلوغ المرأة يكون بالحيض، وغيره من العلامات، ويكون ذلك قبل سن الخامسة عشرة غالبا، لا سيما في البلاد الحارة .
وهذا يبطل قول من اعتمد على هذه الآية في تحديد سن للزواج، فالآية أشارت للبلوغ، والحكم بالبلوغ بناء على الحيض مجمع عليه كما تقدم.
وانظر للفائدة: جواب السؤال رقم (177280)، ففيه الرد على من حد للزواج سنا معينا.
ثم إننا مع هذا نقول: إنه لا ينبغي تزويج الصغير أو الصغيرة، بل ُينتظر بلوغهما، ليختارا لأنفسهما، وينظر للمرأة في مصلحتها ، مع مشورة والدها ، أو وليها .
وهذا كله أيضا : من حيث العقد.
وأما الوطء، فلا توطؤ الزوجة إلا إذا كانت تطيق ذلك، ولا يضرها، ويمنع الأب تسليم ابنته الصغيرة لذلك.
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم (9/ 206): ” واعلم أن الشافعي وأصحابه قالوا: يستحب أن لا يزوج الأب والجد البكر حتى تبلغ، ويستأذنها؛ لئلا يوقعها في أسر الزوج وهي كارهة.
وهذا الذي قالوه: لا يخالف حديث عائشة؛ لأن مرادهم أنه لا يزوجها قبل البلوغ، إذا لم تكن مصلحة ظاهرة يُخاف فوتها بالتأخير، كحديث عائشة، فيستحب تحصيل ذلك الزوج؛ لأن الأب مأمور بمصلحة ولده، فلا يفوتها والله أعلم.
وأما وقت زفاف الصغيرة المزوجة، والدخول بها، فإن اتفق الزوج والولي على شيء لا ضرر فيه على الصغيرة: عُمل به.
وإن اختلفا: فقال أحمد وأبو عبيد: تجبر على ذلك بنت تسع سنين دون غيرها.
وقال مالك والشافعي وأبو حنيفة: حد ذلك أن تطيق الجماع، ويختلف ذلك باختلافهن، ولا يضبط بسن، وهذا هو الصحيح، وليس في حديث عائشة تحديد، ولا المنع من ذلك فيمن أطاقته قبل تسع، ولا الإذن فيمن لم تطقه وقد بلغت تسعا. قال الداودي: وكانت عائشة قد شبت شبابا حسنا رضى الله عنها” انتهى.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب