0 / 0

لم يصح حديث في أن طلحة رضي الله عنه أراد الزواج من عائشة رضي الله عنها

السؤال: 258063

وقفت على بعض كتب الشيعة والتي وجدتها قبيحة بشكل كبير حيث جاء فيها أن طلحة رضي الله عنه أراد الزواج من عائشة رضي الله عنها، وأريد أن أعرف لماذا أراد أن يتزوجها؟ وهل انتهى الأمر بعد نزول الآية من سورة الأحزاب أم أثير الموضوع مرة أخرى؟ وماذا كانت ردة فعل عائشة رضي الله عنها تجاه ذلك؟
أرجو مساعدتي في هذا ألأمر فأنا منزعج منذ 3 أسابيع بسبب ما قرأته في كتب الشيعة.

ملخص الجواب

أن هذا الذي ذكر من قول طلحة ، وعزمه على الزواج بأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : لم يصح ، بل روي من طرق عامتها تالف ، موضوع.

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

فإن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هم أفضل هذه الأمة ، وأبرها قلوبا ، وأعظمها علما ، وقد أثنى عليهم رب العالمين في محكم التنزيل فقال سبحانه : ( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ) . الفتح/29 .

ومحبة الصحابة دين وإيمان وإحسان ، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان .

هذا وقد دأب الطاعنون في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كالروافض وغيرهم ، على اختلاق الأكاذيب ، للنيل من مكانة الصحابة رضوان الله عليهم عموما ، ومن أم المؤمنين عائشة الصديقة الطاهرة المبرأة من فوق سبع سموات ، زوج نبينا صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها وأرضاها ، خصوصا .

ومن ذلك ما أورده السائل الكريم في سؤاله حول ما اختلقه الكذابون ، من أن طلحة بن عبيد الله، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة : أراد أن يتزوج عائشة رضي الله عنها ، وهذا باطل مكذوب ، وإلى السائل الكريم بيان ذلك :

روي هذا الباطل من ثلاثة طرق عن ابن عباس رضي الله عنهما ، ولا يصح طريق منها بل جميعها تالف ، وروي كذلك عن بعض التابعين وليس فيها حجة ، وإليك بيان ذلك :

أما ما روي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما :

الطريق الأول : فأخرجه ابن أبي حاتم في “تفسيره” كما في “تخريج أحاديث الكشاف” لابن حجر (3/128) ، والبيهقي في “السنن الكبرى” (7/96) من طريق محمد بن حميد الرازي قال : ثنا مِهْرَانُ بْنُ أَبِي عُمَرَ، ثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَوْ قَدْ مَاتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، لَتَزَوَّجْتُ عَائِشَةَ ، أَوْ أُمَّ سَلَمَةَ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ، وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمًا.

تنبيه : السند عند ابن أبي حاتم ( علي بن الحسين عن محمد بن أبي حماد عن مهران بن أبي عمر به) ، ومحمد بن أبي حماد هو محمد بن حميد الرازي كما قال الخطيب في “موضح أوهام الجمع والتفريق” (2/410) وليس شخصا آخر متابعا له .

أما الإسناد فهو واه تالف ، وفيه علتان :

الأولى : وهي مهران بن أبي عمر ، حيث وثقه غير واحد وقال فيه النسائي :”ليس بالقوي ” ،  غير أنه مضطرب في حديثه عن سفيان خاصة ، قال ابن معين :” كان عنده غلط كثير في حديث سفيان “. “الجرح والتعديل” لابن أبي حاتم (8/301) ، والإسناد الذي معنا من حديثه عن سفيان .

العلة الثانية : محمد بن حميد الرازي ، حيث إنه واه ومتهم ، وقد اختلفت أقوال النقاد فيه على ثلاثة أقوال :

القول الأول : أنه كذاب . وممن قال بذلك أبو زرعة الرازي ، ومحمد بن مسلم بن وارة ، وإسحاق الكوسج ، وصالح بن محمد الحافظ ، وابن خراش .انظر “تاريخ بغداد” (3/60) ، والحافظ العراقي كما في تخريجه على الإحياء” (1/488) ، والسيوطي كما في “اللآلئ المصنوعة” (1/12).”

القول الثاني : أنه ضعيف جدا وليس بكذاب ، وقال بذلك جمع :

قال البخاري :”فيه نظر “.انتهى “التاريخ الكبير” (1/69) ، وقال النسائي ليس بثقة كما في “الأباطيل والمناكير” (2/190) ، وقال يعقوب بن شيبة : كثير المناكير كما في “تاريخ بغداد” (3/60) ، وقال الذهبي :”منكر الحديث “. انتهى “السير” (11/503) ، وقال ابن رجب :” محمد بن حميد، كثير المناكير، وقد اتهم بالكذب، فلا يلتفت إلى تفرده بما يخالف الثقات”.انتهى “فتح الباري” (5/70) ، وقال ابن حبان في “المجروحين” (2/303) :” كَانَ مِمَّن ينْفَرد عَن الثِّقَات بالأشياء المقلوبات وَلَا سِيمَا إِذا حدث عَن شُيُوخ بَلَده “.انتهى ، وقال ابن حجر في “التقريب” (5834) :”ضعيف “.

القول الثالث : يقوون أمره . ومن هؤلاء الإمام أحمد حيث قال :” لا يزال بالري علم ما دام محمد بن حميد حيا”. انتهى “تاريخ بغداد” (3/60) ، وابن معين حيث قال فيه :” ثقة ليس به بأس “. انتهى كما “الجرح والتعديل” لابن أبي حاتم (7/232).

والراجح في ذلك – والله أعلم – أنه واه وليس بكذاب ، بل كان يركب الأسانيد على المتون ، كما نقل الذهبي عن أبي أحمد العسال قال: سَمِعْتُ فَضْلَكَ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ عَلَى ابْنِ حُمَيْدٍ، وَهُوَ يُرَكِّبُ الأَسَانِيْدَ عَلَى المُتُوْنِ. قال الذهبي : آفَتُه هَذَا الفِعْلُ، وَإِلاَّ فَمَا أَعْتَقِدُ فِيْهِ أَنَّهُ يَضَعُ مَتْناً. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِم: فُلاَنٌ سَرَقَ الحَدِيْثَ “. انتهى “السير” (11/504) ،

ثم إن كثيرا ممن قوى أمره كالبخاري وأحمد وابن معين كان توثيقهم له في بادئ أمره ، ثم طرأ عليه ما أوجب ضعفه ، حتى اتهم بالكذب ، ولذا قد رجعوا عن توثيقهم له ، فهذا ابن معين قد روجع فيه حيث قال أبو حاتم :” سألني يحيى بن معين عن ابن حميد ، من قبل أن يظهر منه ما ظهر ، فقال : أي شيء تنقمون عليه؟ فقلت : يكون في كتابه الشيء ، فنقول ليس هذا هكذا إنما هو كذا وكذا ؛ فيأخذ القلم فيغيره على ما نقول. قال : بئس هذه الخصلة ، قدم علينا بغداد فأخذنا منه كتاب يعقوب القمي ، ففرقنا الأوراق بيننا ، ومعنا أحمد بن حنبل فسمعناه ، ولم نر إلا خيرا “. انتهى “الجرح والتعديل” (7/232) .

وأما الإمام أحمد فكان بعد أن بلغه قول أبي زرعة وابن وارة فيه أنه يكذب ، كان إذا سئل عنه ينفض يديه . كما في “المجروحين” لابن حبان (2/304) .

وأما البخاري فهذا الترمذي يقول عن البخاري ورأيه في محمد بن حميد :” وحين رأيته كان حسن الرأي في محمد بن حميد الرازي، ثم ضعّفه بعد”. انتهى “سنن الترمذي” (1677) .

وقال ابن القطان في “الوهم والإيهام” (4/412):” ومحمد بن حميد كذلك وثقه قوم ، ولكنه اعتراه بعد ما ضعف به ، وربما  اتهم ، وكان أبو زرعة ومحمد بن مسلم بن وارة ، كتبا عنه ، ثم تركا الرواية عنه”. انتهى

ثم إن علماء كل بلد أدرى بأهله كما قال حماد بن زيد :” بلديَّ الرجل أعرف بالرجل”.

قال الخطيب البغدادي معلقا على قول حماد :” لما كان عندهم زيادة علم بخبره على ما علمه الغريب من ظاهر عدالته جعل حماد الحكم لما علموه من جرحه دون ما أخبر به الغريب من عدالته”. انتهى “الكفاية للخطيب” (1/106) ، ومعلوم أن محمد بن حميد من الري ، وأدرى الناس به أهل بلده الذين اتهموه وتركوه ، ولذا لما قيل لابن خزيمة وهو من الري :” لو حَدَّثَ الأستاذ عن محمد بْن حميد، فإنّ أحمد بْن حنبل قد أحسن الثّناء عليه ؟

قال: إنّه لم يعرفه، ولو عرفه كما عرفناه لَمَا أثنى عليه أصلا “. انتهى “سير أعلام النبلاء” (11/504) .

ولما قيل لأبي زرعة الرازي :” إن أحمد بن حنبل قال: إن أحاديث ابن حميد ، عن جرير صحاح ، وأحاديثه عن شيوخه لا يدري. قال أبو زرعة: ” نحن أعلم من أبي عبد الله رحمه الله . يعني في إمساكه عن الرواية عنه”. انتهى “الضعفاء لأبي زرعة” (2/583)

بل قال أبو نُعيم بنُ عديٍّ: “سمعت أبا حاتمٍ الرازيّ في منزله، وعنده ابنُ خراشٍ، وجماعةٌ من مشايخ أهل الريِّ وحُفَّاظهم ، فذكروا ابن حميدٍ ، فأجمعوا على أنه ضعيف الحديث جدًّا ، وأنه يحدثُ بما لم يسمعه ، وأنه يأخذُ أحاديث أهل البصرة والكوفة، فيحدث بها عن الرازيين”. انتهى “تاريخ بغداد” (3/60) .

الطريق الثاني عن ابن عباس : أخرجه ابن بشكوال في “غوامض الأسماء المبهمة” (2/711) من طريق مُحَمَّد بْن مَرْوَانَ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : فَلَمَّا ضُرِبَ عَلَيْهِنَّ الْحِجَابُ قَالَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ – وَهُوَ طَلْحَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ – : أَنُنْهَى أَنْ نَدْخُلَ عَلَى بنَاتِ عَمِّنَا وَنُكَلِّمَهُنَّ إِلا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ، أَمَا وَاللَّهِ لَوْ قَدْ مَاتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَتَزَوَّجَنَّ عَائِشَةَ ؛ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيما. انتهى .

وإسناده موضوع ، فيه كذابان :

الأول : محمد بن السائب الكلبي ، قال الثوري :” قَالَ الكلبي كل شيء أحدث، عَن أبي صالح فهو كذب “. انتهى “الكامل لابن عدي” (7/276) ، وقال أبو حاتم :” الناس مجتمعون على ترك حديثه لا يشتغل به ، هو ذاهب الحديث”. انتهى “الجرح والتعديل” (7/271) .

ثم هو ضال زائغ حيث يقول ابن حبان :” وَكَانَ الْكَلْبِيّ سبئياً ، من أَصْحَاب عَبْد اللَّهِ بْن سبأ من أُولَئِكَ الَّذين يَقُولُونَ إِن عليا لم يمت ، وَإنَّهُ رَاجع إِلَى الدُّنْيَا قبل قيام السَّاعَة فيملؤها عدلا كَمَا ملئت جورا ، وَإِن رَأَوْا سَحَابَة قَالُوا أَمِير الْمُؤمنِينَ فِيهَا”. انتهى “المجروحين” (2/253).

الثاني : محمد بن مروان السدي الصغير ، كذاب متروك ، قال فيه جرير بن عبد الحميد: كذاب. وقال يحيى بْن مَعِين: ليس ثقة. وَقَال مُحَمَّد بْن عَبد اللَّهِ بن نمير : ليس بشيءٍ.

وَقَال صَالِح  بْن مُحَمَّد الْبَغْدَادِيّ الحافظ: كان ضعيفا، وكان يضع الحديث ، وَقَال أَبُو حاتم  : ذاهب الحديث، متروك الحديث، لا يكتب حديثه البتة. وقَال البُخارِيُّ  : لا يكتب حديثه البتة . وَقَال النَّسَائي  : متروك الحديث. وَقَال في موضع آخر: ليس بثقة، ولا يكتب حديثه . انظر “الجرح والتعديل” (8/86) ، و”تهذيب الكمال” (26/393) ، وقال ابن حبان :” كَانَ مِمَّن يروي الموضوعات عَن الْأَثْبَات ، لَا يحل كِتَابَة حَدِيثه إِلَّا عَلَى جِهَة الِاعْتِبَار وَلَا الِاحْتِجَاج بِهِ بِحَال من الْأَحْوَال”. انتهى “المجروحين” (2/286).

الطريق الثالث عن ابن عباس : عزاه السيوطي إلى جويبر بن سعيد في تفسيره فقال في “لباب المنقول” (ص163) :” وأخرج جويبر عن ابن عباس أن رجلا أتي بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، فكلمها ، وهو ابن عمها . فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تقومن هذا المقام بعد يومك هذا . فقال يا رسول الله أنها ابنة عمي ، والله ما قلت لها منكرا ، ولا قالت لي . قال النبي صلى الله عليه وسلم قد عرفت ذلك؛ إنه ليس أحد أغير من الله ، وإنه ليس أحد أغير مني . فمضى ، ثم قال : يمنعني من كلام ابنة عمي ؟ لأتزوجنها من بعده .

فأنزل الله هذه الآية .

قال ابن عباس : فأعتق ذلك الرجل رقبة ، وحمل على عشرة أبعرة في سبيل الله ، وحج ماشيا ؛ توبة من كلمته”.انتهى

هكذا عزاه السيوطي إلى تفسير جويبر بن سعيد ، ولم يذكر له إسنادا .

وعلى أية حال ، فيكفي أن راويه جويبر بن سعيد ، فهو متروك الحديث ، ضعفه علي بن المديني جداً ، وقال ابن معين : ليس بشيء “. انظر “تاريخ بغداد” (8/180) ، وتركه النسائي كما في “الضعفاء والمتروكين” (104) ، وكذا الدارقطني كما في “الضعفاء والمتروكين” (147).

أما من ذكر عنهم من التابعين ومن بعدهم

منهم :

أبو أمامة أسعد بن سهل بن حنيف ، وقد أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمع منه إجماعا .

وحديثه أخرجه ابن سعد في “الطبقات” (8/201) قال : أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، قَالَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ مُوسَى بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ قَالَا فِي قَوْلِهِ: إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ الأحزاب/54، قَالَ: أَنْ تَكَلَّمُوا بِهِ فَتَقُولُوا نَتَزَوَّجُ فُلَانَةَ لِبَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلم ، أَوْ تُخْفُوا ذَلِكَ فِي أَنْفُسِكُمْ ، فَلَا تَنْطِقُوا بِهِ يَعْلَمْهُ اللَّهُ .

وهذا مع كونه ليس بحجة إلا أنه أيضا لا يصح إسناده ، إذ إنه من طريق الواقدي محمد بن عمر شيخ ابن سعد ، وهو متروك تركه البخاري ومسلم وكذبه أحمد وغيره . انظر “تهذيب الكمال” (26/188).

ومنهم أيضا أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم : وهو من طبقة صغار التابعين ، وقد رواه عنه ابن سعد في “الطبقات” (8/201) قال : أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَوْنٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فِي قَوْلِهِ: وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًاالأحزاب/53 ، قَالَ: ” نَزَلَتْ فِي طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ لِأَنَّهُ قَالَ: إِذَا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ تَزَوَّجْتُ عَائِشَةَ”. انتهى .

وهو كسابقه أيضا ليس بحجة إذ أنه قول لتابعي ، ومع ذلك لا يصح أيضا لأجل الواقدي كما تقدم .

ومنهم عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وهو من صغار التابعين ، وقد رواه عنه الطبري في “تفسيره” (19/170) فقال : حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًاالأحزاب/53 قَالَ: ” رُبَّمَا بَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الرَّجُلَ يَقُولُ: لَوْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوِفِّيَ تَزَوَّجْتُ فُلَانَةَ مِنْ بَعْدِهِ، قَالَ: فَكَانَ ذَلِكَ يُؤْذِي النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَزَلَ الْقُرْآنُ: وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ الْآيَةُ “. انتهى .

وهذا لا حجة فيه أيضا لأنه من أتباع التابعين ، ثم هو ضعيف في الحديث كذلك ، ضعفه أحمد وعلي بن المديني وأبو زرعة والنسائي والدارقطني وقال ابن معين ليس بشيء . انظر “تهذيب الكمال” (17/117) .

ومنهم قتادة :

وقد رواه عنه عبد الرزاق في “تفسيره” (2372) عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ قَتَادَةَ ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ: لَوْ قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، لَتَزَوَّجْتُ فُلَانَةَ يَعْنِي عَائِشَةَ: ” فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًاالأحزاب/53.

وهذا منقطع ، إذ إن قتادة جل روايته عن كبار التابعين ، وغاية ما هنالك أن يكون هذا قوله ، وحينئذ لا حجة فيه .

وهنا فائدة وهي أن جمعا من أهل العلم نفوا أن يكون القائل هو طلحة بن عبيد الله أحد العشرة المبشرين بالجنة ؛ وإنما هو طلحة بن عبيد اللَّه بن مسافع بن عياض .

وممن ذكر ذلك ابن الأثير في “أسد الغابة” (3/88) حيث قال في ترجمته :” سمي طلحة الخير أيضًا، كما سمي طلحة بْن عبيد اللَّه، الذي من العشرة، وأشكل عَلَى الناس، وقيل: إنه الذي نزل في أمره: وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا ؛ وذلك أَنَّهُ قال: لئن مات رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأتزوجن عائشة، فغلط لذلك جماعة من أهل التفسير، فظنوا أَنَّهُ طلحة بْن عبيد اللَّه الذي من العشرة، لما رأوه طلحه بْن عبيد اللَّه التيمي القرشي، وهو صحابي.

أخرجه أَبُو موسى، ونقل هذا القول عن ابن شاهين”. انتهى .

وكذا قال السيوطي في “الحاوي في الفتاوي” (2/116) :” وَقَدْ كُنْتُ فِي وَقْفَةٍ شَدِيدَةٍ مِنْ صِحَّةِ هَذَا الْخَبَرِ ; لِأَنَّ طلحة أَحَدُ الْعَشَرَةِ أَجَلُّ مَقَامًا مِنْ أَنْ يَصْدُرَ مِنْهُ ذَلِكَ، حَتَّى رَأَيْتُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ رَجُلٌ آخَرُ شَارَكَهُ فِي اسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ وَنَسَبِهِ ; فَإِنَّ طلحة الْمَشْهُورَ الَّذِي هُوَ أَحَدُ الْعَشَرَةِ – طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم التيمي – وطلحة صَاحِبُ الْقِصَّةِ – طلحة بن عبيد الله بن مسافع بن عياض بن صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم التيمي – قَالَ أبو موسى فِي الذَّيْلِ عَنِ ابن شاهين فِي تَرْجَمَتِهِ: هُوَ الَّذِي نَزَلَ فِيهِ: وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ الأحزاب/53 الْآيَةَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ: لَئِنْ مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ لَأَتَزَوَّجَنَّ عائشة، وَقَالَ: إِنَّ جَمَاعَةً مِنَ الْمُفَسِّرِينَ غَلِطُوا، وَظَنُّوا أَنَّهُ طلحة أَحَدُ الْعَشَرَةِ”. انتهى

والصحيح : أنه لا يصح ذلك ، لا في طلحة بن عبيد الله ، ولا في غيره من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم .

وهذا إن ثبت أنه قيل ؛ فلعله من أحد المنافقين الذين آذوا رسول الله عليه وسلم ، وهذا ما رجحه القرطبي في “المفهم لما أشكل من تلخيص مسلم” (4/150) قال :” وقوله : وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدًا ؛ أي : ما ينبغي ، ولا يحل ، ولا يجوز شيء من ذلك بوجهٍ من الوجوه . ويقال : إن هذه الآية نزلت لَمَّا قال بعضهم – وقد تكلَّم مع زوجة من زوجات النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ – : لأتزوجنَّ بها بَعْدَه ؛ فأنزل الله الآية.

وقد حكي هذا القول عن بعض فضلاء الصحابة . وحاشاهم عن مثله . وإنما الكذب في نقله . وإنما يليق مثل هذا القول بالمنافقين الْجُهَّال “. انتهى .

والحاصل : أن هذا الذي ذكر من قول طلحة ، وعزمه على الزواج بأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : لم يصح ، بل روي من طرق عامتها تالف ، موضوع .

والله أعلم . 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android