هل يجوز للمسلم القول بأن الله يجلس على العرش؟ وهل يجوز أن نقول بينما الله يجلس فوق العرش يقوم بفعل كذا وكذا ؟ أرجو العلم أن من قال ذلك لم يقصد الاستهزاء بالله ، ولكنه استخدم كلمة الجلوس على العرش ، فهل يكفي أن يطلب من الله المغفرة ، وأن يعقد العزم على عدم فعل ذلك مرة أخرى ؟ وسؤالي عن ذلك ؛ لأنني أعلم خطورة الحديث عن الله بشكل غير لائق ، ويمكن أن تخرج الشخص من الملة في بعض الحالات، فهل يقع ما ذكرت في مثل هذه الحالات؟
هل يصح تفسير الاستواء على العرش بالجلوس أو القعود
السؤال: 258981
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
الثابت في حق الله تعالى هو استواؤه على العرش، على ما يليق بجلاله ، وكماله ، سبحانه .
وقد ورد ذلك في سبعة مواضع من كتاب الله، منها قوله تعالى: (إنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) الأعراف/54
والمشهور في تفسير الاستواء: أنه العلو والارتفاع.
قال البخاري في صحيحه: " باب : ( وكان عرشه على الماء ) ، ( وهو رب العرش العظيم ) .
قال أبو العالية: استوى إلى السماء: ارتفع… وقال مجاهد: استوى: علا على العرش".
وقال البغوي رحمه الله: (ثم استوى إلى السماء): قال ابن عباس وأكثر مفسري السلف: أي ارتفع إلى السماء) انتهى من تفسير البغوي (1/78)، ونقله الحافظ في الفتح (13/417)، وقال: "وقال أبو عبيدة والفراء وغيرهما بنحوه".
وأما الجلوس : فقد ورد في أحاديث لم تصح .
لكن أثبته بعض السلف تفسيرا للاستواء، كما جاء عن الإمام خارجة بن مصعب الضبعي، أخرجه عبد الله بن أحمد في السنة (1/ 105) .
وأثبت الحافظ الدارقطني: القعود، في أبيات مشهورة له.
وعلى فرض ثبوت هذا "اللفظ" ، فإنه يجب اعتقاد نفي التشبيه.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: " فإذا عرف أن ما وُصفت به الملائكة ، وأرواح الآدميين ، من جنس الحركة والصعود والنزول وغير ذلك، لا يماثل حركة أجسام الآدميين ، وغيرها مما نشهده بالأبصار في الدنيا، وأنه يمكن فيها ما لا يمكن في أجسام الآدميين = كان ما يوصف به الرب من ذلك أولى بالإمكان ، وأبعد عن مماثلة نزول الأجسام .
بل نزوله لا يماثل نزول الملائكة وأرواح بني آدم، وإن كان ذلك أقرب من نزول أجسامهم.
وإذا كان قعود الميت في قبره ، ليس هو مثل قعود البدن، فما جاءت به الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم من لفظ (القعود والجلوس) ، في حق الله تعالى، كحديث جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، وحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وغيرهما = أولى أن لا يماثل صفات أجسام العباد" انتهى من مجموع الفتاوى (5/527).
والأقرب التوقف في هذا اللفظ لعدم وروده في الكتاب والسنة الصحيحة ولا في أقوال الصحابة رضي الله عنهم.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " فأما تفسير استواء الله تعالى على عرشه باستقراره عليه ، فهو مشهور عن السلف، نقله ابن القيم في النونية وغيره.
وأما الجلوس والقعود : فقد ذكره بعضهم، لكن في نفسي منه شيء. والله أعلم" انتهى من مجموع فتاوى ابن عثيمين (1/ 196).
وقال الشيخ البراك حفظه الله : " ورد في بعض الآثار نسبة الجلوس إلى الله تعالى، وأنه يجلس على كرسيه كيف شاء سبحانه . وربما أطلق بعض الأئمة هذا اللفظ أيضاً .
وسياق كلام الشيخ [يعني : شيخ الإسلام ابن تيمية] يشعر بأن الاستواء يتضمن القعود .
لكن الأولى التوقف في إطلاق هذا اللفظ ؛ إلا أن يثبت " انتهى من "شرح الرسالة التدمرية" ص 188
وبناء على ما سبق :
فلا نرى التعبير بلفظ الجلوس، إنما يقال: استوى على العرش، ويفسر الاستواء بالعلو والارتفاع.
ومن تمسك بما جاء عن بعض السلف، فلا إنكار عليه .
لكن يقال له: لا ينبغي أن يقال هذا أمام العامة، فربما كان فتنة لهم، وربما حملهم على التشبيه.
وقد بان بذلك أن هذا التعبير ليس كفرا، بل هو تفسير لصفة الاستواء، مختلف فيه .
وذكرنا أن الأظهر : التوقف في إطلاق هذا اللفظ .
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب