سؤالي يتعلق بالمسبوق في الصلاة ، عندما كنت أدرس في الجامعة منذ 4 سنوات مضت ، كانت لدينا مكتبة في مسجد الإقامة الجامعية ، وكنت أعمل بها، ومما لاحظته على الطلبة المصلين أنني وجدت بعضهم لا يعرف أحكام المسبوق وسجود السهو، فقمت بتعليق أوراق توضح هذه الأمور، وكان مما وضعته أحكام المسبوق في الصلاة حسب مذهب الإمام مالك رحمه الله : قضاء في الأقوال ، بناء في الأفعال ، فقام بعضهم بتقطيعها خفية ! ، وعندما سألت جاءتني بعض الأخبار أن من قطعها يقول أنها : خاطئة ، فقلت : لماذا لم يقم بوضع الصحيح ، واكتفى بالفعل السهل؟ مع العلم أني أعرف الكيفية الأخرى حسب مذهب الإمام الشافعي رحمه الله : تتمة في الأقوال ، بناء في الأفعال ، وأنا لست متعصبا لمذهب معين وإنما أينما وجدت الحق قصدته ،لهذا أرجوا منكم أن تبينوا هذه المسألة من كل نواحيها .
كيف يقضي المسبوق ما لم يدركه من الصلاة مع الإمام؟
السؤال: 259183
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
اختلف العلماء فيما يدركه المسبوق مع إمامه في الصلاة : هل يجعله أول صلاته ويبني عليه بعد سلام الإمام ؟ أم يجعله آخر صلاته ، فيقوم يقضي أول صلاته بعد سلام الإمام ؟
فذهب إلى القول الأول الإمام الشافعي رحمه الله .
وذهب إلى الثاني الإمامان أبو حنيفة وأحمد .
وجمع الإمام مالك بين القولين كما سيأتي إن شاء الله .
وسبب اختلافهم : هو اختلاف روايات الحديث ، حيث جاء في بعضها : (فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا ، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا) رواه البخاري ( 636 ) ومسلم ( 602 ) .
وجاء في بعضها : (وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا) . رواه أحمد (7209) .
وعند مسلم (603) : (صَلِّ مَا أَدْرَكْتَ ، وَاقْضِ مَا سَبَقَكَ) .
فالإتمام يقتضي : أن يكون ما أدركه هو أول صلاته .
والقضاء يقتضي : أن يكون آخر صلاته ، فمن ثم اختلف العلماء في ذلك .
قال ابن رشد في “بداية المجتهد” (1/151) :
“مسألة : هل إتيان المأموم بما فاته من الصلاة مع الامام : أداء، أو قضاء ؟
في ذلك ثلاثة مذاهب: قوم قالوا: إن ما يأتي به بعد سلام الإمام هو قضاء ، وإنَّ ما أدرك ليس هو أول صلاته .
وقوم قالوا: إن الذي يأتي به بعد سلام الإمام هو أداء، وإنَّ ما أدرك هو أول صلاته .
وقوم فرقوا بين الأقوال والأفعال، فقالوا: يقضي في الأقوال ، يعنون في القراءة، ويبني في الأفعال يعنون الأداء.
فمن أدرك ركعة من صلاة المغرب – على المذهب الأول: أعني مذهب القضاء – قام إذا سلم الإمام إلى ركعتين يقرأ فيهما بأم القرآن وسورة ، من غير أن يجلس بينهما.
[وهذا قول أبي حنيفة والحنابلة ، غير أن الحنابلة يقولون : يقضي ركعة ثم يجلس للتشهد ، حتى لا يغير هيئة الصلاة , والمعتمد في مذهب الحنفية هو ما اختاره محمد بن الحسن وأبو يوسف ، أن المسبوق يقضي أول صلاته في حق القراءة ، وآخرها في حق التشهد . انظر : “الموسوعة الفقهية” (6/28)].
وعلى المذهب الثاني ؛ أعني : على البناء : قام إلى ركعة واحدة يقرأ فيها بأم القرآن وسورة ، ويجلس، ثم يقوم إلى ركعة يقرأ فيها بأم القرآن فقط.
وعلى المذهب الثالث يقوم إلى ركعة، فيقرأ فيها بأم القرآن وسورة ، ثم يجلس ، ثم يقوم إلى ركعة ثانية يقرأ فيها أيضا بأم القرآن وسورة.
وقد نسبت الأقاويل الثلاثة إلى المذهب [يعني مذهب الإمام مالك] .
والصحيح عن مالك : أنه يقضى في الأقوال، ويبني في الأفعال، لأنه لم يختلف قوله في المغرب : أنه إذا أدرك منها ركعة : أن يقوم إلى الركعة الثانية ، ثم يجلس .
ولا اختلاف في قوله : إنه يقضي بأم القرآن ، وسورة.
وسبب اختلافهم: أنه ورد في بعض روايات الحديث المشهور: (فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) ؛ والإتمام يقتضي أن يكون ما أدرك هو أول صلاته .
وفي بعض : (فاقضوا) ؛ والقضاء يوجب أن ما أدرك هو آخر صلاته .
فمن ذهب مذهب الإتمام قال: ما أدرك هو أول صلاته .
ومن ذهب مذهب القضاء قال: ما أدرك هو آخر صلاته .
ومن ذهب مذهب الجمع : جعل القضاء في الأقوال، والأداء في الافعال . وهو ضعيف: أعني أن يكون بعض الصلاة أداء وبعضها قضاء.
واتفاقهم على وجوب الترتيب في أجزاء الصلاة، وعلى أن موضع تكبيرة الإحرام هو افتتاح الصلاة : فيه دليل واضح على أن ما أدرك هو أول صلاته ؛ لكن تختلف نية المأموم والإمام في الترتيب، فتأمل هذا.
ويشبه أن يكون هذا هو أحد ما راعاه من قال: ما أدرك فهو آخر صلاته” انتهى .
وقال ابن عبد البر في “التمهيد” (20/234) :
“وأما قوله: (وما فاتكم فأتموا) : ففيه دليل على أن ما أدرك المصلي مع إمامه فهو أول صلاته ، وهذا موضع اختلف فيه العلماء.
ثم ذكر اختلافهم ، ثم قال :
“…. وأما المزني وإسحاق وداود فقالوا : ما أدرك فهو أول صلاته، يقرأ فيه مع الإمام بالحمد لله وسورة، إن أدرك ذلك معه ، وإذا قام للقضاء قرأ بالحمد لله وحدها، فيما يقضي لنفسه، لأنه آخر صلاته ، وهو قول عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون فهؤلاء: اطرد على أصلهم وقولهم وفعلهم.
….
وثبت عن سعيد بن المسيب والحسن البصري وعمر بن عبد العزيز ومكحول وعطاء والزهري والأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز: ما أدركت فاجعله أول صلاتك .
والذي يجيء على أصولهم ، إن لم يثبت عنهم نص في ذلك : ما قاله المزني وإسحاق وداود.
ثم قال : واحتج القائلون بأن ما أدرك هو أول صلاته بقوله صلى الله عليه وسلم: (وما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) . قالوا : والتمام هو الآخر .
واحتج الآخرون بقوله: (ما فاتكم فاقضوا) قالوا : والذي يقضيه هو الفائت .
والحجج متساوية لكلا المذهبين من جهة الأثر والنظر ؛ إلا أن رواية من روى : (فأتموا) أكثر .
وأما من جعل ما أدرك مع الإمام أول صلاته فليس يطرد فيه ويستقيم إلا ما قاله ابن أبي سلمة والمزني وإسحاق وداود والله أعلم وبه التوفيق والسداد لا شريك له” انتهى باختصار .
تنبيه :
مذهب الإمام الشافعي رحمه الله أن ما أدركه المسبوق مع الإمام هو أول صلاته ، ومع ذلك قال: إن من أدرك ركعتين مع الإمام في صلاة رباعية : قام وأتى بركعتين ، بالفاتحة وسورة .
فظن بعض العلماء أن هذا لا يستقيم ، أو أن فيه شيئا من التناقض ، وقد نبه النووي رحمه الله على هذه المسألة ، وأن الشافعي قال في هذه الصورة : إنه يقرأ بالفاتحة وسورة ليس من أجل أنه يرى أن ما يصليه بعد سلام الإمام ، هو أول صلاته ، بل قال ذلك حتى لا تخلو الصلاة من قراءة سورة ، فقد نظر إلى علة أخرى بنى عليها هذا الاجتهاد ، والله أعلم .
وانظر : “المجموع” (3/352) .
وبهذا يتبين أن بعض العلماء أخذ برواية (فاقضوا) ، وبعضهم أخذ برواية (فأتموا) ، وجمع الإمام مالك بين اللفظين ، بأن حمل الإتمام على الأفعال ، والقضاء على الأقوال .
ولكن الراجح هو العمل برواية (فأتموا) وتفسر رواية (فاقضوا) أي : أتموا ، لأن من معاني القضاء في اللغة : الإتيان بالفعل وإتمامه .
وبهذا تتفق الروايتان في الأمر بالإتمام ، وإن اختلفتا في اللفظ .
وانظر السؤال رقم (49037) .
ثانيا :
هذه المسألة – كما هو ظاهر – من المسائل الاجتهادية التي لا يجوز الإنكار فيها على المخالف ، والأدلة في المسألة محتملة ، وتقدم قول ابن عبد البر رحمه الله : “والحجج متساوية لكلا المذهبين من جهة الأثر والنظر”.
وكل مسلم – في هذه المسألة وما شابهها- يفعل ما ظهر له أنه الأقرب للسنة – إن كان أهلا للنظر في الأدلة – أما إذا كان عاميا فإنه يتبع ما أفتاه به من يثق بدينه وعلمه ، أو يتبع إمام مذهبه إن كان متبعا لأحد المذاهب الفقهية ، أو يتبع ما عليه علماء بلده .
ومذهب الإمام مالك رحمه الله هو المذهب المشهور في بلادكم .
ولذلك : نرى أن من قام بتقطيع الورقة لم يصب ، وكان يسعه أن يترك من يقرؤها ، ويعمل بما فيها . وأما من كان عنده علم واطلاع على أقوال العلماء وأدلتهم ، فلن يضره تعليق هذه الورقة شيئا ، لأنه سيبحث في المسألة ويعمل بما ظهر له أنه الصواب .
ويترك من ليس عنده كثير من العلم الشرعي يقلد الإمام مالكا رحمه الله ، وهو واسع له من غير شك ، ولا إنكار .
وانظر لبيان الموقف من اختلاف العلماء وعدم الإنكار في المسائل الاجتهادية السؤال رقم (22652) ، (70491) .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة