قرأت فتوى مفصلة على موقعكم عن الأحوال التي يعتبر فيها بغض أو سب الصحابة كفرا. قلتم أنه كفر واضح إذا قال أحد الناس أن أغلب الصحابة كفروا. لكن ماذا بشأن من كفر فرداً من الصحابة ؟ هل يصبح كافراً ؟ أنا أسأل لأنني مؤخراً سمعت محاضرةً عن الخوارج في عهد علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وقال المتحدث أن بعض الخوارج كفروا علي بن أبي طالب ، وكانوا جهالا ، وقاموا بتفسيرات واعتقادات خاطئة. وبالنسبة لفتوى أخرى على موقعكم تقول : إن النظرة الصحيحة للخوارج أنهم ليسوا كفارا. أنا في حيرة من أمري تجاه هذه المسألة. جزاكم الله خيراً.
الخلاف في كفر الخوارج وكفر من كفر صحابيا
السؤال: 261235
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
من كفر عامة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أو جمهورهم ، فلا شك في كفره؛ لتكذيبه الوحي، وإنكاره ما علم من الدين بالضرورة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ” وأما من جاوز ذلك إلى أن زعم أنهم ارتدوا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا نفرا قليلا ، لا يبلغون بضعة عشر نفسا . أو أنهم فسقوا ، عامتهم : فهذا لا ريب أيضا في كفره ، فإنه مكذب لما نصه القرآن في غير موضع: من الرضى عنهم ، والثناء عليهم.
بل من يشك في كفر مثل هذا : فإن كفره متعين ؛ فإن مضمون هذه المقالة: أن نقلة الكتاب والسنة: كفار أو فساق ، وأن هذه الأمة التي هي : خير أمة أخرجت للناس ، وخيرها هو القرن الأول = كان عامتهم كفارا ، أو فساقا !!
ومضمونها أن هذه الأمة شر الأمم ، وأن سابقي هذه الأمة هم شرارها .
وكفر هذا : مما يُعلم بالاضطرار من دين الإسلام” انتهى من “الصارم المسلول” ص586
ثانيا:
أما من كفر صحابيا واحدا ، ففيه تفصيل:
1-فإن كفره أو سبه وأبغضه لأجل صحبته : فلا شك في كفر.
قال ابن حزم: ” ومن أبغض الأنصار لأجل نصرتهم للنبي صلى الله عليه وسلم : فهو كافر؛ لأنه وجد الحرج في نفسه مما قضى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ، من إظهار الإيمان بأيديهم . ومن عادى علياً لمثل ذلك : فهو أيضاً كافر ” انتهى من “الفصل” (3/ 300).
وقال تقي الدين السبكي: ” إن سب الجميع : لا شك أنه كفر .
وهكذا : إذا سب واحداً من الصحابة ، [من] حيث هو صحابي؛ لأن ذلك استخفاف بحق الصحبة، ففيه تعرض إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلا شك في كفر الساب…
ولا شك أنه لو أبغض واحداً منهما [أي : أبو بكر وعمر] لأجل صحبته : فهو كفر .
بل مَن دونهما في الصحبة، إذا أبغضه لصحبته : كان كافراً قطعاً” انتهى من فتاوى السبكي (2/ 575).
2-وإن كفره ، لا لأجل الصحبة، وكان ممن ثبتت النصوص بفضله، كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعائشة، فهذا مختلف في كفره، وقد ذهب جماعة إلى تكفيره.
جاء في الفتاوى البزازية: ” ويجب إكفار الخوارج بإكفار عثمان وعلي وطلحة والزبير وعائشة رضي الله عنهم.
وفي الخلاصة: الرافضي : إذا كان يسب الشيخين ويلعنهما : فهو كافر” انتهى من الفتاوى البزازية بهامش الفتاوى الهندية (6/ 318).
وقال الخرشي المالكي: ” إن رمى عائشة بما برأها الله منه ، بأن قال: زنت، أو أنكر صحبة أبي بكر ، أو إسلام العشرة ، أو إسلام جميع الصحابة، أو كفر الأربعة، أو واحداً منهم : كفر” انتهى من شرح الخرشي على مختصر خليل (7/ 74).
وقال تقي الدين السبكي: ” احتج المكفرون للشيعة والخوارج : بتكفيرهم لأعلام الصحابة رضي الله عنهم، وتكذيب النبي صلى الله عليه وسلم في قطعه لهم بالجنة .
وهذا عندي احتجاج صحيح ، فيمن ثبت عليه تكفير أولئك” انتهى من فتاوى السبكي (2/ 569).
ومن أهل العلم من لا يحكم بكفر هذا.
قال سحنون رحمه الله: من كفر أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، علياً أو عثمان أو غيرهما، يوجع ضرباً” انتهى من الشفا (2/ 1108).
ثالثا:
الخوارج : كفروا عليا رضي الله عنه ، ومعاوية ، ومن قبل التحكيم من الصحابة .
وقد اختلف الفقهاء في كفرهم :
والجمهور على أنهم فساق ، لا يكفرون .
ومرد ذلك لأمور منها:
الأول: القول بأن تكفير الواحد من الصحابة : ليس كفرا.
الثاني: أنه على القول بأنه كفر، لكن المتأول لا يكفر، والخوارج كانوا متأولين في تكفير بعض الصحابة رضي الله عنهم.
قال الرحيباني الحنبلي في مطالب أولي النهى (6/ 381) : ” (أو قال: قولا يتوصل به إلى تضليل الأمة) ؛ أي: أمة الإجابة؛ لأنه مكذب للإجماع على أنها لا تجتمع على ضلالة (أو كفر الصحابة) بغير تأويل (فهو كافر) ؛ لأنه مكذب للرسول في قوله: أصحابي كالنجوم ) وغيره. وتقدم الخلاف في الخوارج ونحوهم” انتهى.
وقال قبلها (6/ 273) مبينا الخلاف في كفر الخوارج:
” (ومن كفر أهل الحق والصحابة واستحل دماء المسلمين) وأموالهم (بتأويل فـ) هم (خوارج بغاة فسقة) باعتقادهم الفاسد . قال: في ” المبدع ” تتعين استتابتهم، فإن تابوا، وإلا قُتلوا على إفسادهم ، لا على كفرهم . ويجوز قتلهم ، وإن لم يَبدؤوا بالقتال، قدمه في ” الفروع ” .
قال الشيخ تقي الدين: نصوصه [أي الإمام أحمد] على عدم كفر الخوارج والقدرية والمرجئة وغيرهم، وإنما كفر الجهمية ، لا أعيانهم.
قال: وطائفة تحكي عنه روايتين في تكفير أهل البدع مطلقا ، حتى المرجئة والشيعة المفضلة لعلي.
(وعنه) ؛ أي: الإمام أحمد أن الذين كفروا أهل الحق والصحابة، واستحلوا دماء المسلمين بتأويل أو غيره : (كفار) قال: (المنقِّح: وهو أظهر) انتهى.
قال: في ” الإنصاف ” وهو الصواب، والذي ندين الله به” انتهى.
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ” وذهب أكثر أهل الأصول من أهل السنة : إلى أن الخوارج فساق، وأن حكم الإسلام يجري عليهم ، لتلفظهم بالشهادتين ، ومواظبتهم على أركان الإسلام .
وإنما فسقوا بتكفيرهم المسلمين ، مستندين إلى تأويل فاسد، وجرهم ذلك إلى استباحة دماء مخالفيهم وأموالهم ، والشهادة عليهم بالكفر والشرك.
وقال الخطابي: أجمع علماء المسلمين ، على أن الخوارج ، مع ضلالتهم : فرقة من فرق المسلمين. وأجازوا مناكحتهم ، وأكل ذبائحهم ، وأنهم لا يكفرون ، ما داموا متمسكين بأصل الإسلام.
وقال عياض: كادت هذه المسألة تكون أشد إشكالا عند المتكلمين من غيرها ، حتى سأل الفقيه عبد الحق ، الإمام أبا المعالي عنها ؟
فاعتذر : بأن إدخال كافر في الملة ، وإخراج مسلم عنها عظيم في الدين.
قال: وقد توقف قبله القاضي أبو بكر الباقلاني ، وقال: لم يصرح القوم بالكفر ، وإنما قالوا أقوالا تؤدي إلى الكفر.
وقال الغزالي في كتاب التفرقة بين الإيمان والزندقة: والذي ينبغي الاحتراز عن التكفير ما وَجَد إليه سبيلا ؛ فإن استباحة دماء المصلين المقرين بالتوحيد : خطآن . والخطأ في ترك ألف كافر في الحياة ، أهون من الخطأِ في سفك دم لمسلم واحد” انتهى من فتح الباري (12/ 300).
ودعوى الإجماع على عدم كفرهم : لا تصح.
قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله: “وقد قال بكفر الخوارج كثرة؛ لكن الصحيح أنهم بغاة ، ولكنهم أشد بغياً من غيرهم ، لكون لهم بدعة ابتدعوها” انتهى من فتاوى الشيخ (12/ 172).
وقال الدكتور عبد الله بن عمر الدميجي: ” فالخوارج الذين خرجوا على الخليفة الراشد علي بن أبي طالب – رضي الله تعالى عنه- اختلف الناس في حكمهم هل هم كفار أم لا؟
والصحابة – رضوان الله تعالى عليهم- وهم القدوة : لا يكفرونهم.
بل إن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب – رضي الله تعالى عنه – والذي ناله من أذاهم ما ناله، من الخروج عليه وقتاله وتكفيرهم إياه، وفي آخر الأمر قتلهم له – رضي الله تعالى عنه – لا يرى تكفيرهم .
وهذا قمة الورع والإنصاف منه – رضي الله عنه- لا كما يقوله بعض أصحاب الأهواء ” نكفر من كفَّرنا” .
فلما سئل -رضي الله عنه- عنهم: أكفار هم؟
قال: من الكفر فروا.
قيل له: فمنافقون؟
قال: إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلاً !!
– يعني على عكس الخوارج وما عرف من كثرة عبادتهم وذكرهم لله – تعالى -.
قال: فماذا يكونون؟
قال: قوم أصابتهم فتنة فعموا فيها وصموا . أو كما قال – رضي الله عنه – .
وهذا القول طبقه عملياً علي – رضي الله تعالى عنه – ومعه الصحابة -رضي الله عنهم- فلم يعاملهم معاملة المرتدين ، كما كان في زمن أبي بكر – رضي الله تعالى عنهم- ؛ فلم يبدأهم بقتال ولم يجهز على جريحهم ولم ، يسب نساءهم … إلخ.
وهذا هو الصحيح في الحكم على الخوارج، والأحاديث التي وردت فيهم من قول النبي – صلى الله عليه وسلم -: “بأنهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية” رواه البخاري (4351) ،ومسلم (1064) من حديث أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه- ، وقوله -صلى الله عليه وسلم-:” كلاب أهل النار” رواه ابن ماجة (176) من حديث أبي أمامة -رضي الله عنه-، وأمره- صلى الله عليه وسلم – بقتالهم والثناء على من قتلهم أو قتلوه ، فيما رواه البخاري (3611) ، ومسلم (1066) من حديث علي -رضي الله عنه- :
فهذه النصوص لا تدل على كفرهم بأعيانهم، ولا يلزم من الأمر بالقتال أن يكونوا كفاراً، وإنما هي من نصوص الوعيد الدالة على شنيع جرمهم ، والتحذير منه.
ومع ترجيحنا لعدم تكفيرهم ، فلا يعني ذلك استصغار جريمتهم وانحرافهم .
ويكفي في ذلك من الدلالة على مروقهم وضلالهم وبدعتهم وانحرافهم ما أشرنا إليه آنفاً من الأحاديث الواردة في ذمهم وتوعدهم بالنار، نسأل الله العافية والسلامة.
وهذا دليل على إنصاف أهل السنة والجماعة ، وبعدهم عن التكفير إلا من كفرته النصوص ، لا كما هو ديدن بعض الطوائف في تكفير كل من خالفهم في انحرافهم” انتهى من فتاوى الإسلام اليوم.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب