هل يجوز أن يفصل بين خطبة الجمعة وبين الصلاة بجمع التبرعات للمسجد ؟
السؤال: 263728
جرت العادة في معظم مساجد أروبا أن يعلن الخطيب عن جمع التبرعات للمسجد بعد فراغه من خطبة الجمعة ، ثم يقوم أحد الناس بجمعها من الناس قبل إقامة الصلاة والإمام ينتظر حتى يتم ذلك ، ثم يأذن بإقامة الصلاة ، ويصلي بالناس ، فهل هذا الفعل صحيح ، ولا ينقص أجر الجمعة؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
الأصل في الخطبة والصلاة أن تكون متصلة ولا يفصل بينهما بفاصل .
بل إن من العلماء من جعل الموالاة بين خطبة الجمعة والصلاة بعدها شرطا من شروط الجمعة، فتبطل إن طال الفصل ، وإن كان يسيرا بنى عليه ، ومنهم من قال بعدم الاشتراط .
وعلى ذلك ؛ فلا ينبغي أن يفصل بين خطبة الجمعة والصلاة بفاصل أجنبي عن الصلاة ، فإن السنة الثابتة عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، والمقطوع بها : أنه كان إذا فرغ من الخطبة ، نزل من المنبر ، فأقيمت الصلاة، فصلى .
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ؛ فتكون الموالاة بين الخطبة والصلاة : أعظم أجرا ، وأتبع لسنة النبي صلى الله عليه وسلم .
وقد فصَّل العلماء حكم الفصل بين الخطبة والصلاة بما يلي :
- إذا كان الفاصل متعلقا بالصلاة ، كما لو أحدث الإمام ، فذهب وتوضأ ثم صلى بالناس ، فإن هذا الفاصل لا يضر ، “لأنه من أعمال الصلاة” . “البحر الرائق” (2/159) .
- إذا كان الفاصل غير متعلق بالصلاة – كما في جمع التبرعات- :
فإن كان هذا الفاصل طويلا : بطلت الخطبة ، ولزم إعادتها .
وإن كان الفاصل يسيرا : فإنه معفو عنه ، فلا يمنع من صحة الخطبة والصلاة .
وهذا هو ما عليه جمهور العلماء ، وبه صرحت كتب المذاهب الفقهية الأربعة .
جاء في “البحر الرائق” [حنفي] (2/159) :
“وَقَدْ صَرَّحَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ : بِلُزُومِ الِاسْتِئْنَافِ ، وَبُطْلَانِ الْخُطْبَةِ . وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّهُ إذَا طَالَ الْفَصْلُ : لَمْ يَبْقَ خُطْبَةٌ لِلْجُمُعَةِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَلَّ” انتهى .
وفي “الدر المختار” (2/19) ذكر من شروط صحة صلاة الجمعة :
كون الخطبة قبل الصلاة . قال ابن عابدين : “أي : بلا فاصل كثير” انتهى .
وفي “الشرح الكبير” وحاشية الدسوقي عليه [مالكي] (3/455) :
“(قَوْلُهُ لِأَنَّ مِنْ شُرُوطِهَا : وَصْل الصَّلَاةِ بِهَا ) ؛ أَيْ : وَوَصْلُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ كَذَلِكَ ، وَيَسِيرُ الْفَصْلِ مُغْتَفَرٌ ا هـ تَقْرِيرُ شَيْخِنَا عَدَوِيٍّ” انتهى .
وفي “الذخيرة” للقرافي (2/333) فيما لو تفرق الناس بعد الخطبة ، ثم عادوا ، قال :
“فَإِنْ عَادُوا بِالْقربِ : اجتزؤوا بِالْخُطْبَةِ ، لِأَنَّ الْفَصْل الْيَسِيرَ لَا يَمْنَعُ .
وَإِنْ بَعُدَ الْوَقْتُ : فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ إِعَادَةُ الْخُطْبَةِ ، لِارْتِبَاطِهَا بِالصَّلَاةِ” انتهى .
وقال الإمام الشافعي في “الأم” (1/220): “ولا يجوز أن يكون بين الخطبة والصلاة فصل يتباعد” انتهى .
قال النووي : “قال أبو العباس: الخطبة مع الصلاة : كالصلاتين المجموعتين ؛ فكما لا يجوز الفصل الطويل بين الصلاتين ، لم يجز بين الخطبة والصلاة” انتهى من “المجموع” (4/513).
وقال ابن قدامة الحنبلي : “وكذلك يشترط الموالاة بين الخطبة والصلاة. وإن احتاج إلى الطهارة : تطهر، وبنى على خطبته، ما لم يطُل الفصل” انتهى من “المغني” (2/230).
وفي “الموسوعة الفقهية” (19/180) في ذكر شروط صحة خطبة الجمعة :
الْمُوَالاَةُ بَيْنَ أَرْكَانِ الْخُطْبَةِ ، وَبَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ ، وَبَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الصَّلاَةِ .
وَيُغْتَفَرُ يَسِيرُ الْفَصْل ، هَذَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ .
أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَيَشْتَرِطُونَ أَنْ لاَ يَفْصِل بَيْنَ الْخُطْبَةِ وَالصَّلاَةِ ، بِأَكْلٍ ، أَوْ عَمَلٍ قَاطِعٍ .
أَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ قَاطِعًا ، كَمَا إِذَا تَذَكَّرَ فَائِتَةً وَهُوَ فِي الْجُمُعَةِ فَاشْتَغَل بِقَضَائِهَا ، أَوْ أَفْسَدَ الْجُمُعَةَ فَاحْتَاجَ إِلَى إِعَادَتِهَا ، أَوِ افْتَتَحَ التَّطَوُّعَ بَعْدَ الْخُطْبَةِ : فَلاَ تَبْطُل الْخُطْبَةُ بِذَلِكَ ؛ لأِنَّهُ لَيْسَ بِعَمَلٍ قَاطِعٍ .
وَلَكِنَّ الأْوْلَى إِعَادَتُهَا .
وَإِنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ يَصِيرُ مُسِيئًا” انتهى .
وعلى ذلك ؛ فالمشروع : أن لا يفصل بين الخطبة والصلاة بجمع التبرعات .
- لأن الموالاة بين الخطبة والصلاة هو الموافق لهدي النبي صلى الله عليه وسلم وسنته .
- ولأنه قد يطول الوقت ، فإن صلى الإمام حينئذ ، ولم يُعِد الخطبة : بطلت الصلاة عند جمهور العلماء .
- ولأنه قد يكون في ذلك مشقة على بعض المصلين ، الذين يحتاجون أن ينصرفوا من المسجد سريعا بعد الصلاة ، إما لمرض أو عمل أو لحاجة ما .
وبعض الأئمة يفعل ذلك لمصلحة يراها ، وهي : جمع التبرعات للمسجد قبل تفرق الناس .
ولكن ذلك لا يلزم له أن يكون في هذا الوقت ، فمن الممكن تأخيره إلى ما بعد الصلاة ، فيحث الإمام المصلين على التبرع للمسجد ، وتوضع الصناديق على الأبواب ، أو يقف من يجمعون هذه التبرعات على أبواب المسجد ؛ فمن شاء أن يتبرع ، فلم تفت فرصته ، ومن لم يشأ التبرع فلن يجبره شيء على ذلك .
والله أعلم .
المصدر:
موقع الاسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟