امرأة حامل بالشهر السادس عانت مشاكل عدة بحملها مؤخرا أظهرت الفحوصات الطبية أن الجنين به عدة مشكلات مثل تضخم القلب ومياه على الرئتين ومياه على المخ واستسقاء في البطن واعوجاج بالعمود الفقري وكان رأي الأطباء أن أقوم بالولادة الآن لإجهاض الجنين لأنه سيموت أثناء الحمل أو حال الولادة وقررت الطبيبة عملية ولادة لأجهض الجنين الآن وهو مازال حيا فما حكم الشرع؟
ثانيا إن قرر زوجي اتباع رأي الطب وخالفت أمره ورفضت العملية فهل أنا المحاسبة على جنيني أمام الله أم هو؟.
هل تطيع زوجها في إسقاط الحمل المشوه بعد نفخ الروح فيه؟
السؤال: 263741
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
يمر الجنين في بطن أمه بعدة مراحل حتى يتم مائة وعشرين يوما من بداية الحمل ، فيرسل الله تعالى إليه ملكًا فينفخ فيه الروح ، كما ثبت بذلك الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم .
فإذا نفخت فيه الروح فقد صار إنسانا ، له حرمة الإنسان ، ولا يجوز الاعتداء على حياته ، وقتله يعتبر قتلا لنفس مؤمنة بغير حق .. إلا صورة واحدة فقط استثناها أكثر العلماء المعاصرين – كما سيأتي – .
وإذا ثبت هذا ، فإن إسقاط الجنين المشوه، قبل نفخ الروح فيه : جائز ، دفعًا للضرر عنه وعن والديه وأسرته إذا ولد مشوها ، وهو بعدُ لم يصر إنسانا ، حيث لم تنفخ فيه الروح .
وأما بعد نفخ الروح فيه : فقد اتفق العلماء على أنه لا يجوز إسقاطه ، وإسقاطه في هذه الحالة هو قتل إنسان بغير حق ، وذلك من كبائر الذنوب التي تهلك صاحبها ، ويستحق عليها الوعيد الشديد الذي ورد في قوله تعالى : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) النساء /53 .
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء عن إسقاط الحمل في شهره الخامس ، بعد أن أثبتت الأشعة تشوهه بعدم وجود الجزء العلوي من الجمجمة .
فأجابت :
“لا يجوز إسقاطه من أجل التشوه الذي ذكر في السؤال مع العلم بأنه قد يشفيه الله بما بقي من المدة ، ويولد سليماً ، كما قد وقع ذلك لكثير من الناس ” انتهى . فتاوى اللجنة الدائمة (21/440) .
ومثل هذا : هو من المصائب التي يقدرها الله تعالى على المسلم ، وشأن المسلم : أن يقابلها بالصبر، فتكون خيرا لها ، قال الله تعالى : ( وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) البقرة/216 ، وقال تعالى : ( فعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً ) النساء/19 ، وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلا لِلْمُؤْمِنِ ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ) رواه مسلم (2999) .
وقد يقدر الله تعالى لعبده المؤمن منزلة عالية في الجنة، لا يبلغها بعمله ، حيث تقصر صلاته وصيامه وعبادته عن بلوغ تلك المنزلة ، فيقدر الله تعالى عليه من المصائب والآلام والابتلاءات، ما يصبر عليه، ويرضى به: فيكون ذلك زيادة في حسناته ، فيبلغ تلك الدرجة العالية ، قال الله تعالى : (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) الزمر/10 .
ثانيا :
الحالة التي أشرنا سابقا إلى إسقاط الجنين فيها ، بعد نفخ الروح فيه : قاصرة على ما إذا ثبت طبيا أن بقاء الجنين المشوه سيعرض حياة الأم للخطر ، ففي هذه الحالة أجاز أكثر العلماء المعاصرين إسقاطه، لضرورة الحفاظ على حياة الأم .
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء عن امرأة حامل في الشهر الخامس وفي الجنين تشوهات، مما يعرض حياة الأم للخطر فهل يجوز إسقاطه ؟
فأجابت :
“بعد دراسة اللجنة للاستفتاء أجابت : بأنه إذا كان الواقع كما ذكر، من أن استمرار الحمل لهذه المرأة حتى يتم وضعه، يترتب عليه تهديد حياة الأم بالخطر، فإنه لا مانع من إجهاض الحمل قبل اكتماله ، حماية لحياة الأم ، ودفعاً للضرر عنها .
أما إذا كان إجهاض الحمل من أجل التشوه فقط: فإنه لا يجوز إسقاطه ” انتهى . فتاوى اللجنة الدائمة (21/452) .
وينظر السؤال رقم (12811) ، (12289) ، (243822) .
ثالثا :
في الحالة التي يحرم فيها الإسقاط ، وهي كون الجنين قد نفخت فيه الروح ، وليس في بقائه خطر على حياة الأم .. في هذه الحالة لا يجوز للأب أن يأمر زوجته بالإسقاط ، ولا يجوز لها أن تطيعه ، فإنه (لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ) رواه أحمد (1089) وصححه الألباني .
فالله سبحانه هو الأحق أن يطاع فلا يعصى ، وكل من أمر بخلاف أمر الله تعالى فلا طاعة له.
فإن أطاعت المرأة زوجها، وعصت ربها ، فإن الإثم عليهما معًا ، فقد اشتركا في قتل نفس مؤمنة بغير حق ، وعليهما دفع الدية إلى ورثة الجنين ، كإخوته وأعمامه .. ولا يأخذ منها الأب ولا الأم شيئا .
ودية الجنين هي عشر دية الأم .
وعليهما – أيضا – كفارة القتل عند جمهور العلماء ، وهي عتق رقبة مؤمنة ، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين .
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله “عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَسْقِطِي مَا فِي بَطْنِك وَالْإِثْمُ عَلَيَّ. فَإِذَا فَعَلَتْ هَذَا وَسَمِعَتْ مِنْهُ: فَمَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا مِنْ الْكَفَّارَةِ؟
فَأَجَابَ:
إنْ فَعَلَتْ ذَلِكَ: فَعَلَيْهِمَا كَفَّارَةُ عِتْقِ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ، فَإِنْ لَمْ يَجِدَا فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ .
وَعَلَيْهِمَا غُرَّةٌ : عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ لِوَارِثِهِ الَّذِي لَمْ يَقْتُلْهُ؛ لَا لِلْأَبِ ، فَإِنَّ الْأَبَ هُوَ الْآمِرُ بِقَتْلِهِ، فَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا” انتهى من مجموع الفتاوى (34/159) .
وسئل رحمه الله (34/160، 161) عن رجل حملت منه جاريته ، فكان يضربها ضربا مبرحا ، ويسقيها أشياء لإسقاط الجنين، حتى أسقطته مكرهة، فماذا يجب على هذا الرجل ، وهل هذا مسقط لعدالته ؟
فَأَجَابَ:
“الْحَمْدُ لِلَّهِ، إسْقَاطُ الْحَمْلِ حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ ، وَهُوَ مِنْ الْوَأْدِ الَّذِي قَالَ اللَّهُ فِيهِ: (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ)، وَقَدْ قَالَ: (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إمْلَاقٍ) .
وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ الشَّخْصَ أَسْقَطَ الْحَمْلَ خَطَأً، مِثْلَ أَنْ يَضْرِبَ الْمَرْأَةَ خَطَأً فَتَسْقُطُ: فَعَلَيْهِ غُرَّةٌ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ ؛ بِنَصِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ ، وَتَكُونُ قِيمَةُ الْغُرَّةِ بِقَدْرِ عُشْرِ دِيَةِ الْأُمِّ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ: كَمَالِكِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد.
كَذَلِكَ: عَلَيْهِ ” كَفَّارَةُ الْقَتْلِ ” عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي قَوْله تَعَالَى: (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ إلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا ) إلى قوله تعالى : (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ) .
وَأَمَّا إذَا تَعَمَّدَ الْإِسْقَاطَ فَإِنَّهُ يُعَاقَبُ عَلَى ذَلِكَ عُقُوبَةً تَرْدَعُهُ عَنْ ذَلِكَ ، وَذَلِكَ مِمَّا يَقْدَحُ فِي دِينِهِ وَعَدَالَتِهِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ” انتهى .
وسئل أيضا (13/161) : “عَنْ امْرَأَةٍ حَامِلٍ تَعَمَّدَتْ إسْقَاطَ الْجَنِينِ إمَّا بِضَرْبِ وَإِمَّا بِشُرْبِ دَوَاءٍ: فَمَا يَجِبُ عَلَيْهَا؟
فَأَجَابَ:
يَجِبُ عَلَيْهَا، بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ: غُرَّةٌ؛ عَبْدٌ ، أَوْ أَمَةٌ ، تَكُونُ هَذِهِ الْغُرَّةُ لِوَرَثَةِ الْجَنِينِ، غَيْرَ أُمِّهِ . فَإِنْ كَانَ لَهُ أَبٌ، كَانَتْ الْغُرَّةُ لِأَبِيهِ ، فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يُسْقِطَ عَنْ الْمَرْأَةِ، فَلَهُ ذَلِكَ ، وَتَكُونُ قِيمَةُ الْغُرَّةِ عُشْرَ دِيَةٍ، أَوْ خَمْسِينَ دِينَارًا.
وَعَلَيْهَا أَيْضًا عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ: عِتْقُ رَقَبَةٍ ، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ صَامَتْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ أَطْعَمَتْ سِتِّينَ مِسْكِينًا” انتهى .
ووزن الدينار أربعة جرامات وربع من الذهب ، فيكون وزن الخمسين دينارا : 212.5 جراما من الذهب .
نسأل الله تعالى أن يصلح شأنكم ، ويرزقكم الذرية الصالحة .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب