0 / 0

حكم إفشاء سر الأم وكيفية التغلب على الحزن على فقد الأخ ؟

السؤال: 263946

اعتنقت الإسلام وأنا في ال18 من عمري ، ربتني أمي الوثنية ، عندما كنت في ال13 من عمري أخبرتني أمي بأنها أجهضت حملها ، وكان ذلك عندما كنت في حوالي الثانية من عمري ، وطلبت مني بأن أحتفظ بهذا السر ، أريد أن أفِي بعهدي لأمي واحتفظ بسرّها، لكني أيضاً بشكل ملح أريد إخبار زوجي بهذا السر، أشعر بمرارة عظيمة لموت أخي/أختي ولا أعلم كيف أتعامل مع هذا الأمر بمفردي ، أنا أفكر يومياً بهذا الأمر. أشعر بأني فقدت شخصاً أحبه ، رغم أنه لم تتح لي الفرصة لمعرفته/معرفتها.
سؤالي هو: هل بإمكاني إخبار زوجي، على الرغم من الوعد الذي قطعته على نفسي بحفظ سر الإجهاض ؟ كيف أستطيع التغلب على حزني على فقد أخي/أختي بصورة صحيحة ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :

قال تعالي : ( وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا ) الإسراء/34

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في ( تفسيره ) : ” وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ أَيِ الَّذِي تُعَاهِدُونَ عَلَيْهِ النَّاسَ، وَالْعُقُودَ الَّتِي تُعَامِلُونَهُمْ بِهَا، فَإِنَّ الْعَهْدَ وَالْعَقْدَ : كُلٌّ مِنْهُمَا يُسْأَلُ صَاحِبُهُ عَنْهُ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولا ؛ أَيْ: عَنْهُ ” . انتهى .

وفي سنن الترمذي (1959) ، وغيره ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا حَدَّثَ الرَّجُلُ الحَدِيثَ ثُمَّ التَفَتَ فَهِيَ أَمَانَةٌ . حسنه الألباني .

وعَنِ الْحَسَنِ رَحِمَهُ اللَّهُ، قَالَ: ” إِنَّ مِنَ الْخِيَانَةِ أَنْ تُحَدِّثَ بِسِرِّ أَخِيكَ ” . انتهى، من “الصمت” لابن أبي الدنيا (404) .

قال البغوي رحمه الله :

” وَقَالَ عُمَر بْن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَا تصْحَب الْفَاجِر، فيحملك عَلَى الْفُجُور، وَلَا تفش إِلَيْهِ سرك، وشاور فِي أَمرك الّذين يَخْشونَ اللَّه.

وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود: قُولُوا خيرا تعرفوا بِهِ، وَاعْمَلُوا بِهِ تَكُونُوا مِن أَهله، وَلَا تَكُونُوا عجلاء مذاييع بذرا.

المذاييع وَالْبذْر وَاحِد: هُم الّذين يفشون لما يسمعُونَ مِن السِّرّ، يقَالَ: أذاع السِّرّ، إِذا أفشاه، قَالَ اللَّهُ عز وَجل: أَذَاعُوا بِهِ [النِّسَاء: 83] .

وَالْبذْر مِن قَوْلهم: بذرت الْكَلَام بَين النّاس كَمَا يبذر الْحُبُوب، وَاحِدهَا بذور…

وَقَالَ مَكْحُول: إِذا حَدثَك الرجل بِحَدِيث، ثُمَّ الْتفت هَل يسمعهُ أحد، فقد لزمك كِتْمَانه.” انتهى، من ” شرح السنة” (13/191-192) .

ولا فرق في أمانة الحديث والمجالس ، ووجوب الوفاء بالعهد ، وحفظ السر = لا فرق في ذلك كله بين أن يكون صاحب الأمانة والسر : مؤمنا أو كافرا ، برا أو فاجرا ، فالأمر بالوفاء بالعهد والميثاق ، وحفظ الأمانات وأدائها إلى أهلها : عام في ذلك كله ، وهو حق لكل أحد ، على كل أحد ؛ ألا يخون ، ولا يغدر ، ولا يفشي سره ، ولا يهتك ستره .

فإذا كان صاحب الأمانة والسر من الأرحام : فحقه أوكد .

فكيف إذا كان صاحب السر : هو أمك أنت ؟!

لا شك أن حقها عليك ، وحق الأمانة ، وحق الوفاء … = يوجب عليك أن تحفظي سر أمك ، وما استأمنتك عليه .

 ثانيا :

للتخلص من هذه الأفكار الملحة بشأن فقدان أخيكِ أو أختكِ : فاعلمي أرشدنا الله وإياكِ أن هذا له مسلكان ، مسلك شرعي ، ومسلك نفسي .  

فأما المسلك الشرعي : فبعلمك أن قدر الله نافذ لا محالة ، وأن ما أصابنا لم يكن ليخطأنا ، وأن ما أخطأنا لم يكن ليصيبنا ، فهذا أعظم ما يدفع عن المرء الأسى تسخطا على ما فات ، أو الفرح تفاخرا بما هو آت . قال تعالي : ( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ) الحديد/22-23 

فال الإمام الجلال المحلي في ( تفسير الجلالين ) :

مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَة فِي الْأَرْض بِالْجَدْبِ وَلَا فِي أَنْفُسكُمْ كَالْمَرَضِ وَفَقْد الْوَلَد إلَّا فِي كِتَاب يَعْنِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ مِنْ قَبْل أَنْ نَبْرَأهَا نَخْلُقهَا ، وَيُقَال فِي النِّعْمَة كَذَلِكَ إن ذلك على الله يسير .

لِكَيْلَا أَيْ أَخْبَرَ تَعَالَى بِذَلِكَ لِئَلَّا تَأْسَوْا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا فَرَح بَطَر ، بَلْ فَرَح شُكْر عَلَى النِّعْمَة بِمَا آتَاكُمْ أَعْطَاكُمْ وَاَللَّه لَا يُحِبّ كُلّ مُخْتَال مُتَكَبِّر بِمَا أُوتِيَ فَخُور بِهِ على الناس ” .

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

( مَا كَتَبَ اللهُ خَلْقَ نَسَمَةٍ هِيَ كَائِنَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا سَتَكُونُ ) .

رواه البخاري 6603 ومسلم 1438

فما من نسمة كتب الله أنها كائنة إلا كانت ، وما من نسمة كتب الله أنها غائبة إلا غابت .  

وأما المسلك النفسي : فننصح باللجوء إليه في حالة استمرار هذه الفكرة في الإلحاح عليكِ ، مع ظهور أعراض للتوتر والقلق معها ، والتفكير المتواصل بشأنها ، فهاهنا ننصح باستشارة أخصائية نفسية لمعرفة ملابسات هذه الفكرة بشكل أعمق ، وإيجاد الحلول العملية للتخلص من آثارها السلبية عليكِ .  

نسأل الله أن يصرف عنا وعنكم كل سوء .

والله أعلم . 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الاسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android