تنزيل
0 / 0

حول قصة السلطان مراد الرابع والرجل الذي اشتهر عنه الزنى وشرب الخمر

السؤال: 264091

أردت أن أستفسر عن مدى صحة هذه القصة المنتشرة بوسائل التواصل الإجتماعي ، والقصة كما وصلتني: ” قصة من مذكرات السلطان مراد الرابع ، يقول : إنه حدث له في ليلة ضيق شديد ، ﻻ يعلم سببه ، فنادى لرئيس حرسه ، وأخبره ، وكان من عادته تفقد الرعية متخفياً ، فقال : لنخرج نتمشى قليلاً بين الناس ، ، فساروا حتى وصلوا حارة متطرفة ، فوجدوا رجلاً ملقى على اﻷرض ، فحركه السلطان ، فإذا هو ميت ، والناس تمر من حوله ، ﻻ أحد يهتم ، فنادى عليهم : تعالوا ، وهم ﻻ يعرفونه ، قالوا: ماذا تريد ؟ قال : لماذا هذا الرجل ميت ، وﻻ أحد يحمله من هو ؟ وأين أهله ؟ قالوا : هذا فلان الزنديق ، شارب الخمر ، الزاني ، قال : أليس هو من أمة محمد عليه الصلاة والسلام ؟ فاحملوه معي إلى بيته ففعلوا ، ولما رأته زوجته أخذت تبكي ، وذهب الناس ، وبقي السلطان ورئيس الحرس ، وأثناء بكائها كانت تقول: رحمك الله ياولي الله ، أشهد أنك من الصالحين ، فتعجب السلطان مراد وقال: كيف من اﻷولياء ، والناس تقول عنه زنديق ، وخمار ، وزان ، حتى إنهم لم يكترثوا لموته ؟ قالت : كنت أتوقع هذا ، إن زوجي كان يذهب كل ليلة للخمارة يشتري ما استطاع من الخمر ، ثم يحضره للبيت ، ويصبه في المرحاض ، ويقول : أخفف عن المسلمين ، وكان يذهب إلى من تفعل الفاحشة يعطيها المال ، ويقول : هذه الليلة على حسابي ، أغلقي بابك حتى الصباح ، ويرجع يقول : الحمد لله خففت عنها ، وعن شباب المسلمين الليلة ، فكان الناس يشاهدونه يشتري الخمر ، ويدخل على المرأة فيتكلمون فيه ، وقلت له مرة : إنك لو مت لن تجد من يغسلك ، ويصلي عليك ، ويدفنك من المسلمين ، فضحك ، وقال : ﻻ تخافي ، سيصلي علي سلطان المسلمين والعلماء والأولياء ، فبكى السلطان مراد ، وقال : صدق والله ، أنا السلطان مراد ، وغدا نغسله ، ونصلي عليه ، وندفنه ” .

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

هذه القصة منتشرة على الشبكة العنكبوتية ( الإنترنت ) ، وعلى كثير من مواقع التواصل الاجتماعي ، وكثير من الناس ينشرها تحت عنوان ” حسن الظن ” ، ويمكن الحديث حول هذه القصة في عدة نقاط :

أولا : من حيث الثبوت فغالب الأمر أنها لا تثبت ، لأمرين :

الأول : لا يوجد ما يسمى بمذكرات السلطان مراد الرابع ، وقد بحثنا جهدنا في الكتب التي أرخت للخلافة العثمانية ، وسلاطين آل عثمان ، فلم نجد ذكرا لهذه القصة مطلقا .

الثاني : أن السلطان مراد بن أحمد بن محمد بن مراد بن سليم ، المشهور بالسلطان مراد الرابع ، والمولود ِي 28 جُمَادَى الأولى سنة  (1018) هـ ، 29 اغسطس سنة 1609 م ، كان مشهورا بالديانة والجهاد ، حتى إنه لما تولى الخلافة والملك سنة 1032هـ ، أصدر أمرا بمنع شرب الخمور ، وأمر بإغلاق أماكن بيع الخمور كافة ، وظل الأمر كذلك طيلة فترة حكمه حتى مات سنة 1049 هـ رحمه الله .

وقد ذكر ذلك يلماز أوزتونا في كتابه ” تاريخ الدولة العثمانية” (1/472) ، فقال :” وفي 5/8/ 1634م منع شرب المشروبات الكحولية ، أغلقت كافة أماكن الشرب ، حظر الشرب على المسلمين حتى في بيوتهم لأن الشريعة منعت تعاطي الخمر “انتهى.

ثانيا : من ناحية المعنى :

فعلى فرض حدوث مثل هذا الأمر ، فلا يصح الاستدلال بها على وجوب حسن الظن فيمن يرتاد مثل هذه الأماكن ، وذلك لما يلي :

أنه يجب على المسلم ألا يضع نفسه في مواضع التهم ، بل يجب أن يصون نفسه وعرضه عن إساءة الظن فيه .

وقد جاء في الحديث المشهور الذي أخرجه البخاري في “صحيحه” (3281) ، ومسلم في “صحيحه” (2175) ، من حديث صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ ، قَالَتْ: ” كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعْتَكِفًا فَأَتَيْتُهُ أَزُورُهُ لَيْلًا ، فَحَدَّثْتُهُ ثُمَّ قُمْتُ فَانْقَلَبْتُ ، فَقَامَ مَعِي لِيَقْلِبَنِي ، وَكَانَ مَسْكَنُهَا فِي دَارِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ، فَمَرَّ رَجُلاَنِ مِنَ الأَنْصَارِ ، فَلَمَّا رَأَيَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْرَعَا ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  عَلَى رِسْلِكُمَا إِنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ   ، فَقَالاَ سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ:  إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ الإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا سُوءًا ، أَوْ قَالَ: شَيْئًا   .

وهذا الحديث أخرجه أيضا أبو عوانة في “المستخرج” (17/305) ، وبوب عليه فقال :” بيان الخبر الدال على الكراهية أن يقف الرجل مواقف التُهم ، وأن يكلم امرأة ليست له بمحرم ، أو يخلُو بها في أي موضع كان ، ووجوب نفي التهمة عن نفسه ” انتهى.

وأخرجه البيهقي في “السنن الكبرى” (4/324) ، وبوب عليه فقال :” بَابُ الْمَرْأَةِ تَزُورُ زَوْجَهَا فِي اعْتِكَافِهِ ، وَمَا فِي تِلْكَ الْقِصَّةِ مِنَ السُّنَّةِ فِي تَرْكِ الْوُقُوفِ فِي مَوَاضِعِ التُّهَمِ ” انتهى .

فلا يجوز للمسلم أن يدخل هذه الأماكن إلا للإنكار ، إن غلبت المصلحة على المفسدة .

وواجب على المسلم أن يتقي الشبهات ، استبراء لدينه وعرضه .

قال ابن رجب في “جامع العلوم والحكم” (1/212) :” من اتَّقى الأمور المشتبهة واجتنبها ، فقد حَصَّنَ عِرْضَهُ مِنَ القَدح والشَّين الداخل على من لا يجتنبها .

وفي هذا دليل على أنَّ من ارتكب الشُّبهات ، فقد عرَّض نفسه للقدح فيه والطَّعن ، كما قال بعض السَّلف: من عرَّض نفسه للتُّهم ، فلا يلومنَّ من أساء به الظنَّ ” انتهى.

وقد روى أبوداود في “الزهد” (83) ، أن عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال:  ” مَنْ عَرَّضَ نَفْسَهُ لِلتُّهْمَةِ ، فَلَا يَلُومَنَّ مَنْ أَسَاءَ بِهِ الظَّنَّ “.

ولذلك كله، فالأغلب أن القصة لا تثبت ، وإن ثبتت فلا تدل على إحسان الظن بمن يرتادون حانات الخمور ، وبيوت الفواحش ، فإن أمر الناس إنما يحمل على ما ظهر من حالهم، وفعالهم ، وأقوالهم، ولم نؤمر أن نشق عن صدور الناس ، ولا أن ننقب عما في قلوبهم .

وإنما نحسن الظن في عموم المسلمين ما لم يضعوا أنفسهم مواضع التهمة .

والله أعلم .

المصدر

موقع الاسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android
at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android