أريد ان أعرف حكم الشرع في علاقة زوجية ، إذا مرض الزوج بالشيزوفرينيا أو الجنون، وأصبح كل تفكيره غير صحيح ، ولا يستطيع تحمل أي مسئولية ، وأصبح فاقد الأهلية ، وهما يعيشان في دولة غربية ، فهل هذا الزواج أصبح باطلا ، أم لا يزال على الزوجة واجبات تجاهه ؟ مع العلم أنه دخل مستشفى للأمراض العقلية ، وخرج منها ليعيش في شقة تحت إشراف المستشفى ، فما هي حقوق هذه الزوجة ، وواجباتها ؟ وقد عاشوا منفصلين منذ ستة عشر سنة ، هي مع الأولاد ، وهو في المستشفى ، وكيف لها الطلاق ؟ وهي في بلد غربي ، والقاضي غير مسلم.
أصيب زوجها بالجنون أو بالشيزوفرينيا وتعيش في بلد غير إسلامي فهل لها الطلاق أو الفسخ ؟
السؤال: 264546
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
إذا أصيب الزوج بالجنون ، أو بالشيزوفرينيا، فإن نكاحه لا يبطل بذلك، لكن للزوجة حق الفسخ أو طلب الطلاق.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ” وقوله: ولو حدث بعد العقد هذا إشارة خلاف، حيث إن بعض أهل العلم يقول: إن العيب إذا حدث بعد العقد، وهو لا يتعدى ضرره فإنه لا خيار، كما لو حدث عيب السلعة بعد البيع ، فلا خيار للمشتري؛ لأنها تعيبت على ملكه، فكذلك إذا حدث بعد العقد فإنه لا خيار .
وهذا القول يكون متوجهاً في بعض العيوب، أما بعضها فإنه لا ينبغي أن يكون فيه خلاف، فالجنون المطبق ـ والعياذ بالله ـ إذا حدث بعد العقد لو قلنا: ليس للمرأة الخيار ، لكان مشكلاً، وهو أن نلزمها بالبقاء مع رجل مجنون تخاف على نفسها منه وعلى أولادها، وهذا لا يمكن أن تأتي به الشريعة الرحيمة .
فبعض العيوب قد نقول: إنه لا يضر حدوثه، فالشيء الذي لا يؤثر من هذه العيوب لا ينبغي أن يكون فيه خيار إذا حدث بعد العقد، والمؤثر كما قال المؤلف [أي : يكون للطرف الثاني حق الفسخ ] ” انتهى من “الشرح الممتع” (12/ 222).
وينظر: جواب السؤال رقم (132519) فيما يتعلق بمرض الفصام ” شيزوفرينيا “.
لكن ينبغي أن يعلم أن الفسخ بالجنون وغيره من العيوب يشترط فيه عدم التراخي، فلو رضيت الزوجة بالعيب ولم تطلب الفسخ بعد علمها بجنونه، فليس لها الفسخ، لكن لها طلب الطلاق للضرر، لكونه لا يجامعها، أو لا ينفق عليها، أو يعتدي عليها.
نقل الباجي في المنتقى (4/ 121) : ” عن ابن وهب في المجنون سواء كان جنون إفاقة أو مطبق: إن كان يؤذيها ويُخاف عليها منه حيل بينهما، وأجل سنة ينفق عليها من ماله, فإن برئ وإلا فهي بالخيار” انتهى.
لكن إن جهلت الزوجة أن لها الفسخ، فلم تطالب به فور علمها بالجنون، لم يسقط حقها في الفسخ على الراجح.
قال في زاد المستقنع: ” وَمَنْ رَضِيَ بِالعَيْبِ، أَوْ وُجِدَتْ مِنْهُ دَلاَلَتُهُ مَعَ عِلْمِهِ فَلاَ خِيَارَ لَهُ” انتهى.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ” فإذا علمنا أن هذه المرأة تمكن زوجها من أن يستمتع بها، وكأنه ليس به مرض، وهي عالمة بهذا العيب، فهذا دليل على الرضا، أما إذا كنا نعلم أنها امرأة تريد أن تتروى في الأمر، أو ترجو زوال هذا العيب ، فإنه لا يكون دليلاً على رضاها.
وقوله: فلا خيار له سواء كان الرجل أو المرأة.
وظاهر قوله من رضي بالعيب أن خياره يسقط ولو كان جاهلاً بالحكم، وفي هذه المسألة يكون التفريق بين الجهل بالحكم ، والجهل بالحال، فالجهل بالحال لا يسقط الخيار، ولهذا قال المؤلف: مع علمه به ، فعلم منه أنه لو كان جاهلاً بالعيب : فالخيار لا يسقط .
وأما الجهل بالحكم فظاهر كلام المؤلف: أنه يسقط الخيار، مثل ألا تدري أنه إذا وجد به برص أو كان عنيناً أن لها الفسخ .
وهذا القول ليس بصحيح، والصواب أن الجهل بالحكم ، كالجهل بالحال، فالتي مكنته من نفسها وهي لا تدري بعيبه، كالتي مكنته من نفسها وهي لا تدري أن لها الفسخ .
لا سيما وأن كثيراً من النساء قد يجهلن هذا الأمر، ثم إننا نقول: إنه لا بد من الرضا بالعيب، وهل الذي لا يدري بالحكم يكون راضياً بالعيب؟ لا؛ ربما أنها لو علمت لفسخت العقد من أول ما علمت” انتهى من الشرح الممتع (12/ 225).
ثانيا:
إذا اختارت الزوجة البقاء مع زوجها الذي أصيب بالجنون فلها ذلك، وتجب لها النفقة من ماله، وتؤدي إليه ما تستطيع من الحقوق إن كان العيش معه مأمونا.
ثالثا:
إذا اختارت الزوجة الفراق ، وكانت في بلد لا يوجد به قاض مسلم، فإنها ترفع أمرها للمركز الإسلامي ليقوم بتطليقها، ثم لا حرج عليها بعد ذلك لو وثقت هذا في المحكمة المدنية.
وقد نص البيان الختامي للمؤتمر الثاني لمجمع فقهاء الشريعة بأمريكا، المنعقد بكوبنهاجن- الدانمارك مع الرابطة الإسلامية، في الفترة من 4 – 7 من شهر جمادى الأولى لعام 1425 هـ الموافق 22 – 25 من يونيو لعام 2004 م على:
” أنه يرخص في اللجوء إلى القضاء الوضعي ، عندما يتعين سبيلا لاستخلاص حق أو دفع مظلمة في بلد لا تحكمه الشريعة، شريطة اللجوء إلى بعض حملة الشريعة لتحديد الحكم الشرعي الواجب التطبيق في موضوع النازلة، والاقتصار على المطالبة به والسعي في تنفيذه “.
وجاء فيه: ” المحور السابع: مدى الاعتداد بالطلاق المدني الذي تجريه المحاكم خارج ديار الإسلام:
” بَيَّن القرار أنه إذا طلق الرجل زوجته طلاقا شرعيا ، فلا حرج في توثيقه أمام المحاكم الوضعية، أما إذا تنازع الزوجان حول الطلاق ، فإن المراكز الإسلامية تقوم مقام القضاء الشرعي عند انعدامه ، بعد استيفاء الإجراءات القانونية اللازمة، وأن اللجوء إلى القضاء الوضعي لإنهاء الزواج من الناحية القانونية لا يترتب عليه وحده إنهاء الزواج من الناحية الشرعية .
فإذا حصلت المرأة على الطلاق المدني : فإنها تتوجه به إلى المراكز الإسلامية ، وذلك على يد المؤهلين في هذه القضايا من أهل العلم ، لإتمام الأمر من الناحية الشرعية، ولا وجه للاحتجاج بالضرورة في هذه الحالة ، لتوافر المراكز الإسلامية، وسهولة الرجوع إليها في مختلف المناطق” انتهى.
والحاصل : أن للزوجة طلب الطلاق أو الفسخ من زوجها المصاب بالجنون، وأنها تلجأ إلى المركز الإسلامي الذي يوقع هذا الطلاق، ولا مانع من توثيق ذلك في المحكمة المدنية.
ولا يعتدّ بطلاق الزوج نفسه؛ لفقدانه الأهلية.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة