تعلمون ما تمر به بلاد اليمن من أزمات ، وظروف اقتصادية أدت إلى شح في السيولة النقدية في البنوك ، فأفادت البنوك أن من لديه رصيد لا يمكن سحبه إلا بصورة شيك يقيد من حسابه إلى حساب شخص آخر، خاصة في المبالغ الكبيرة ، وتماشياً مع الواقع اضطر بعض التجار إلى سحب أموالهم عن طريق تحويلها بشيكات إلى أرصدة تجار آخرين ، ومن هنا ظهرت صور من البيوع تفرق بين من يدفع نقداً ومن يدفع شيكاً ، فأصبح للسلعة سعران ؛ سعرٌ لمن يدفع نقداً، وآخر لمن يدفع بالشيك ، وقد تطور الأمر فدخل صرف العملات الأجنبية في هذه المعاملات ، فصار الصرف نقداً مقابضة بسعر ، وبالشيك بسعر آخر ، فمثلاً الدولار نقداً 320 ريال ، وبالشيك 350 ريال يمني ، والريال السعودي 85 ريال نقداً ، وبالشيك 95 ريال ، وانقسم التجار إلى قسمين: قسم مضطر لسحب مبالغه من البنك بهذه الطريقة ، وقسم جعلها طريقة لزيادة مكاسبه عن طريق البيع والشراء في العملات الأجنبية. فسؤالي الأول: هل يعد الشيك في حال شح السيولة في البنوك ؛ قبضاً ؟ ثانيا: ما حكم البيع والشراء بهذه الصورة في كلٍ من العروض والعملات؟ ثالثاً: في بعض الحالات عندما يأتي العميل إلى البنك ليصرف شيكه ؛ يحيله إلى تاجر ليبيعه بضاعة بقيمة الشيك الذي في يده ، فهل صورة البيع صحيحة ؟ طبعاً بالسعر الذي يطلبه البائع. ورابعاً: جاء رجل معه مليونان وثمانمائة ألف ريال يمني ، إلى صراف يريد صرفها بالعملة السعودية ، على أن يبيعها بالشيك على أي أحد لأن سعر بيع العملة بالشيك مرتفع ، ليتحصل على فارق في السعر، فما كان من الصراف عندما علم بهدفه إلا أن أختصر له مشواره وأعطاه شيكاً بثلاثة ملايين ريال يمني؛ لحاجة الصراف للسيولة النقدية، فما حكم تصرف الصراف؟
شراء السلع والعملات بالشيك وحكم تحويل البنك لعملائه على تجار السلع لعدم توفر السيولة
السؤال: 264697
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
مدار هذه الأسئلة على كون الشيك يعتبر قبضا أم لا؟
وجوابه : أن الشيك المصرفي (أي الذي يصدره المصرف لصالح مستفيد معين)، والشيك المصدَّق، لهما حكم القبض.
وأما الشيك الشخصي (الذي يعطيه الشخص لمستفيد معين) فليس له حكم القبض إلا أن يكون مصدقا.
جاء في ” قرار مجمع الفقه الإسلامي ” رقم 84 (1/ 9):
” يجوز شراء الذهب والفضة بالشيكات المصدقة ، على أن يتم التقابض بالمجلس ” انتهى.
وجاء في ” المعايير الشرعية ” – المعيار الشرعي رقم (16) الأوراق التجارية -:
” 1/ 6 يعتبر تسلم الشيك الحالّ الدفع قبضاً حكمياً لمحتواه إذا كان شيكاً مصرفياً (Banker’s Cheque) ، أو كان مصدقاً (Certified Cheque) ، أو في حكم المصدق، وذلك بأن تسحب الشيكات بين المصارف أو بينها وبين فروعها، وبناء على ذلك: يجوز التعامل بالشيك فيما يشترط فيه القبض كصرف العملات، وشراء الذهب أو الفضة به، وجعل الشيك رأس مال للسلم.
2/ 6 لا يعتبر تسلم الشيك الحالّ الدفع قبضاً حكمياً لمحتواه إذا لم يكن مصرفيا أو مصدقا أو في حكم المصدق، فإذا لم يكن كذلك: لا يجوز التعامل به فيما يشترط فيه القبض ” انتهى.
ولكن إذا كانت المصارف لا تملك السيولة، بحيث من ذهب إليها بالشيك المصدق أو المصرفي لم يستلم ماله فورا، فإن مبلغ الشيك يكون دينا على المصرف، ولا يكون للشيك حينئذ حكم القبض.
ثانيا:
حيث كان للشيك حكم القبض، فإنه يجوز شراء العملات الأجنبية به، حتى لو كان الشراء بالنقد يختلف عن الشراء بالشيك.
وإذا لم يكن له حكم القبض : لم يجز شراء العملات به.
ويجوز أن يُشترى به السلع (العروض) في الحالتين. ولا يضر لو كان التاجر يبيع السلعة بسعرين، وأن سعر البيع بالنقد أرخص من سعر البيع بالشيك.
وإنما جاز شراء السلعة بالشيك الذي ليس له حكم القبض؛ لأن السلع يجوز شراؤها بالدين، ولا يشترط في شرائها بالنقود التقابض، بخلاف شراء العملات بعضها ببعض.
ثالثا:
إذا أحال البنك من له نقود، على بائع ليعطيه سلعا، فهذه ليست حوالة شرعية؛ لأن شرط الحوالة: اتفاق الدينين في الجنس والقدر والحلول والأجل.
قال ابن قدامة رحمه الله في “المغني” (4/ 336):
” من شرط صحة الحوالة شروط أربعة:
أحدها : تماثل الحقين ؛ لأنها تحويل للحق ونقل له، فينقل على صفته .
ويعتبر تماثلهما في أمور ثلاثة:
أحدها : الجنس ؛ فيحيل من عليه ذهب بذهب، ومن عليه فضة بفضة. ولو أحال من عليه ذهب بفضة، أو من عليه فضة بذهب، لم يصح.
الثاني : الصفة ؛ فلو أحال من عليه صحاح بمكسرة، أو من عليه مصرية بأميرية، لم يصح. الثالث: الحلول والتأجيل. ويعتبر اتفاق أجل المؤجلين، فإن كان أحدهما حالا والآخر مؤجلا، أو أجل أحدهما إلى شهر والآخر إلى شهرين : لم تصح الحوالة.” انتهى .
وقال في “كشاف القناع” (3/ 385): ” (و) يشترط تماثل الدينين في (القدر؛ فلا تصح) الحوالة (بعشرة على خمسة ، ولا عكسه) ؛ إن أحال بخمسة على عشرة ، للتخالف ، كما سبق.
(وتصح) الحوالة (بخمسة من العشرة ، على الخمسة ، و) تصح الحوالة (بالخمسة على خمسة من العشرة) للموافقة .
(ولا يضر اختلاف سببي الدينين) ، بأن يكون أحدهما عن قرض ، والآخر ثمن مبيع ، أو نحوه” انتهى.
فلو كان للبنك على التاجر مبلغ قدره 100 ريال مثلا، وكان لك على البنك 100 ريال، فللبنك أن يحيلك على التاجر لتأخذ منه المائة .
وأما أن يحيلك لتأخذ سلعا، فهذه ليست حوالة أصلا، وإنما التاجر هنا يشتري دينك .
وشراء الدين بالسلع يجوز على الراجح؛ لعدم اشتراط التقابض، ولا التماثل، وهو رواية عن أحمد اختارها ابن تيمية وابن القيم.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في بيان صور بيع الدين:
” الأولى: بيع الدين على الغير، فلا يجوز أن يباع بالدين، بل ولا بالعين على المذهب مطلقاً.
مثال ذلك: إنسان في ذمته لشخص مائة صاع بر، فجعل هذا الرجل يطلبه ، يقول: أعطني يا فلان، وهو يماطل به . فقيل للرجل الذي له الحق: نعطيك عنها مائة درهم، ونحن نأخذها من المطلوب : فلا يجوز، حتى وإن كان بعين، فإنه لا يجوز .
فلو قيل لهذا الرجل الذي له مائة الصاع في ذمة فلان: سوف نعطيك عنها مائة ريال تأخذها نقداً، فإنه لا يجوز؛ لأنه يشبه أن يكون غير مقدور على تسليمه، وإذا كان كذلك فإنه يكون فيه غرر، إذ إن المطلوب قد يوفي كاملاً، وقد لا يوفي، وقد يوفي ناقصاً، فلا يصح.
لكن لو كان الذي اشترى دَين فلان، قادراً على أخذه منه، كرجل له سلطة يستطيع أن يأخذ هذا المال الذي في ذمة الرجل .
فالصحيح أنه يجوز وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ؛ لأن العلة في النهي عن بيع ما في الذمم، إنما هي الخوف من الغرر وعدم الاستلام ، فإذا زالت العلة زال المعلول وزال الحكم، ثم إن عجز عن أخذه فله الفسخ .
وبشرط ألا يربح فيه البائع ، بمعنى ألا يبيعه بأكثر من ثمنه؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم نهى عن ربح ما لم يضمن، ولحديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما ، [قَالَ : ” كُنْتُ أَبِيعُ الْإِبِلَ بِالدَّنَانِيرِ [أي مؤجلاً] وَآخُذُ الدَّرَاهِمَ ، وَأَبِيعُ بِالدَّرَاهِمِ وَآخُذُ الدَّنَانِيرَ ، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال : لَا بَأْسَ أَنْ تَأْخُذَهَا بِسِعْرِ يَوْمِهَا ، مَا لَمْ تَفْتَرِقَا وَبَيْنَكُمَا شَيْءٌ [ والحديث صححه بعض العلماء كالدارقطني والحاكم والنووي . وصوّب شعبة والترمذي والبيهقي أنه موقوف ، ورجحه الحافظ في “الدراية” (2/155) ، والألباني في “إرواء الغليل” (5/173).]
وبشرط ألا يكون بينهما ربا نسيئة ، مثل أن أبيع عليه مائة صاع من التمر في ذمة فلان ، بمائة صاع من الشعير : فهذا لا يجوز، لأنه يجري فيه ربا النسيئة وأنا لم أقبض العوض” انتهى من “الشرح الممتع” (8/ 444).
وقد أخذ بهذا القول مجمع الفقه الإسلامي كما جاء في قراره رقم: 158 (7/17) بشأن بيع الدين، ونصه:
” من صور بيع الدين الجائزة:
(1) بيع الدائن دينه لغير المدين في إحدى الصور التالية: …..
( ب ) بيع الدين بسلعة معينة.
( ج ) بيع الدين بمنفعة عين معينة” انتهى.
رابعا:
لا يجوز شراء مليونين وثمانمائة ريال يمني نقدا، بشيك قدره ثلاثة ملايين ريال يمني، حتى لو كان الشيك مصدقا ، أو مصرفيا له حكم القبض؛ لعدم التماثل.
فحيث اتحدت العملة : اشترط لجواز الصرف فيها: التماثل والتقابض، فإذا اختلفت العملة اشترط شرط واحد وهو التقابض.
وهذا يعلم من قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ رواه مسلم (1587).
والعملات أجناس، لها ما للذهب والفضة من الأحكام.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب