0 / 0

الرد على من استدل بحديث سبيعة الأسلمية على جواز خروج المرأة سافرة متجملة

السؤال: 266483

هناك من احتج بحديث سبيعة رضي الله عنها المخرج في كتاب البخاري : حدثني عبيدالله أن أباه كتب إلى عمر بن عبدالله يأمره أن يدخل على سبيعة بنت الحارث الأسلمية فيسألها عن حديثها ، وعما قال لها رسول الله حين استفتته ، فكتب عمر بن عبدالله إلى عبدالله بن عقبة يخبره أن سبيعة أخبرته أنها كانت تحت سعد بن خولة ـ وهو في بني عامر بن لؤي ، وكان ممن شهد بدراً ـ ، وتوفي عنها في حجة الوداع وهي حامل ، فلم تنشب أن وضعت حملها بعد وفاته ، فلما تعلت من نفاسها تجملت للخطاب ، فدخل عليها أبو السنابل ، وقال لها : مالي أراك تتجملين ؟ لعلك ترجين النكاح ، إنك والله ما أنت بناكح حتى تمر عليك أربعة أشهر وعشرا ، قالت سبيعَة : فلما قال لي ذلك : جمعت علي ثيابي حين أمسيت ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك ، فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي ، وأمرني بالتزوج إن بدى لي … الحديث ، بتحليل كشف الوجة مع المكياج ، أريد شرحاً للحديث ، ورداً على هذا التأويل .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

الحديث الذي أورده السائل الكريم متفق عليه ، أخرجه البخاري (3991) ، ومسلم (1484) من حديث عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أَنَّ أَبَاهُ كَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الأَرْقَمِ الزُّهْرِيِّ: يَأْمُرُهُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى سُبَيْعَةَ بِنْتِ الحَارِثِ الأَسْلَمِيَّةِ ، فَيَسْأَلَهَا عَنْ حَدِيثِهَا ، وَعَنْ مَا قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ اسْتَفْتَتْهُ. فَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الأَرْقَمِ ، إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ ، يُخْبِرُهُ أَنَّ سُبَيْعَةَ بِنْتَ الحَارِثِ أَخْبَرَتْهُ: أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ سَعْدِ ابْنِ خَوْلَةَ ، وَهُوَ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ ، وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا ، فَتُوُفِّيَ عَنْهَا فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ وَهِيَ حَامِلٌ ، فَلَمْ تَنْشَبْ أَنْ وَضَعَتْ حَمْلَهَا بَعْدَ وَفَاتِهِ ، فَلَمَّا تَعَلَّتْ مِنْ نِفَاسِهَا ، تَجَمَّلَتْ لِلْخُطَّابِ ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا أَبُو السَّنَابِلِ بْنُ بَعْكَكٍ ، رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ ، فَقَالَ لَهَا: مَا لِي أَرَاكِ تَجَمَّلْتِ لِلْخُطَّابِ ، تُرَجِّينَ النِّكَاحَ؟ فَإِنَّكِ وَاللَّهِ مَا أَنْتِ بِنَاكِحٍ حَتَّى تَمُرَّ عَلَيْكِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ ، قَالَتْ سُبَيْعَةُ: فَلَمَّا قَالَ لِي ذَلِكَ جَمَعْتُ عَلَيَّ ثِيَابِي حِينَ أَمْسَيْتُ ، وَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَأَفْتَانِي بِأَنِّي قَدْ حَلَلْتُ حِينَ وَضَعْتُ حَمْلِي ، وَأَمَرَنِي بِالتَّزَوُّجِ إِنْ بَدَا لِي .

وفي لفظ عند أحمد في المسند (26715) وصححه الشيخ الألباني في “التعليقات الحسان” (4283) :” وَلَدَتْ سُبَيْعَةُ الْأَسْلَمِيَّةُ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِنِصْفِ شَهْرٍ ، فَخَطَبَهَا رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا شَابٌّ ، وَالْآخَرُ كَهْلٌ ، فَحَطَّتْ إِلَى الشَّابِّ ، فَقَالَ الْكَهْلُ: لَمْ تَحْلُلْ ، وَكَانَ أَهْلُهَا غَيْبًا ، وَرَجَا إِذَا جَاءَ أَهْلُهَا أَنْ يُؤْثِرُوهُ بِهَا ، فَجَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ: «قَدْ حَلَلْتِ فَانْكِحِي مَنْ شِئْتِ “.

ومعنى الحديث إجمالا : أن سُبيعة بنت الحارث الأسلمية تُوفي عنها زوجها وهي حامل ، فما هي إلا أيام ووضعت حملها ، فرأت أن العدة قد انتهت ، وأرادت أن تتزوج ، فتجملت للخطاب ، واكتحلت ، فخطبها اثنان : أحدهما أبو السنابل وكان كهلا ، وآخر شاب ، فرغبت في الشاب ، ولم ترغب في أبي السنابل ، فلما علم بذلك أبو السنابل ، أفتاها أن عدتها لم تنته بعد ، وأنه لا يحل لها الزواج الآن ، وكان أهلها غائبين ، فرجا أبو السنابل أن يعودوا فيوافقوا على زواجه ، فلما سمعت سُبيعة فتوى أبي السنابل لها ، ذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تستفتيه ، فأخبرها أن عدتها انتهت بوضع حملها ، وأن لها أن تتزوج إن أرادت.

أما ما جاء في السؤال ، من أن البعض يستدل بحديث سُبيعة هذا على جواز أن تخرج المرأة إلى الشوارع سافرة الوجه ، واضعة على وجهها المساحيق: فهذا الاستدلال فاسد ولا يصح، وبيان ذلك كما يلي:

أولا : أنه لم يرد قط في أي رواية للقصة أن سُبيعة خرجت إلى الشارع سافرة ، أو أن أبا السنابل رآها في الشارع سافرة ، بل لفظ الرواية :” فَدَخَلَ عَلَيْهَا أَبُو السَّنَابِلِ “.

ثانيا : أنه لم يرد قط في الرواية أنها كشفت وجهها في بيتها أمام أبي السنابل، بل الذي ورد ما يلي:

  1.  في رواية البخاري ومسلم ” تَجَمَّلَتْ لِلْخُطَّابِ “
  2. في رواية عبد الرزاق في المصنف (11723) :” وَقَدِ اكْتَحَلَتْ وَلَبِسَتْ “
  3.  في رواية ابن أبي عاصم في “الآحاد والمثاني” (3277) ” وَقَدْ تَهَيَّأْتُ لِلنِّكَاحِ وَتَخَضَّبْتُ “.
  4.  قال ابن حجر في “الفتح” (9/475) :”وفِي رِوَايَة الْأَسْوَدَ فَتَطَيَّبَتْ وَتَصَنَّعَتْ “. انتهى ، ولم أقف عليها مسندة .

فمما سبق تنحصر الروايات في كونها اكتحلت وتخضبت ولبست ، ومعلوم أنها كانت معتدة ، فرأت أن عدتها قد انقضت بوضعها جنينها ، فقامت فلبست ثوب زينة ، وتكحلت في عينها ، وخضبت كفيها ، فتركت حال المعتدة ، والمحادَّة ، وعادت إلى شأن المرأة ، وما تعتاده من زينة بيتها .

وغاية ما هنالك أن يكون أبو السنابل رآى عينيها مكتحلة وكفيها مخضبة ، وعليها ثوب غير ثياب العدة ، وليس في أي رواية أنه رأى وجهها .

ثالثا : أن أبا السنابل إنما كان من الخطاب الذين أرادوا خطبتها ، ويدل على ذلك رواية البخاري (5318) من طريق عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ الأَعْرَجِ ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ ، أَخْبَرَتْهُ عَنْ أُمِّهَا أُمِّ سَلَمَةَ ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ امْرَأَةً مِنْ أَسْلَمَ يُقَالُ لَهَا سُبَيْعَةُ ، كَانَتْ تَحْتَ زَوْجِهَا ، تُوُفِّيَ عَنْهَا وَهِيَ حُبْلَى ، فَخَطَبَهَا أَبُو السَّنَابِلِ بْنُ بَعْكَكٍ ، فَأَبَتْ أَنْ تَنْكِحَهُ ، فَقَالَ:” وَاللَّهِ مَا يَصْلُحُ أَنْ تَنْكِحِيهِ حَتَّى تَعْتَدِّي آخِرَ الأَجَلَيْنِ ” .

وهنا ذكر أنه خطبها فأبت أن تتزوجه ، وبذلك يتبين أنها عندما اكتحلت وخضبت كفيها ، ولبست ثيابا غير ثياب الإحداد : كان ذلك منها إعلاما للخطاب أنها انتهت عدتها ، وأنها لا مانع يمنعها من الزواج . ومن هؤلاء الذين رغبوا بها فدخل عليها خاطبا أبو السنابل .

ولذا قال ابن العطار في “العدة في شرح العمدة” (3/1337) :” وفي الحديث أحكام: …. ومنها: جواز تجمل المرأة للخطاب ، بشرط ألَّا يكون فيه زور في ملبس أو خَلْق ؛ من تفليج سن ، أو وصل شعر ، أو تحمير وجنة ، أو كثرة مال ، أو غير ذلك مما يُرَغِّب في نكاحها عادة ؛ فإنه كذب وغش، والله أعلم “. انتهى .
وقال ابن حجر في “الفتح” (9/475) :” وفِيهِ جَوَازُ تَجَمُّلِ الْمَرْأَةِ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا لِمَنْ يَخْطُبُهَا ، لِأَنَّ فِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ الَّتِي فِي الْمَغَازِي : فَقَالَ مَالِي أَرَاك تجملت للخطاب . وَفِي رِوَايَة بن إِسْحَاقَ : فَتَهَيَّأَتْ لِلنِّكَاحِ وَاخْتَضَبَتْ . وَفِي رِوَايَةِ مُعَمِّرٍ عَنِ الزُّهْرِي عِنْدَ أَحْمَدَ : فَلَقِيَهَا أَبُو السَّنَابِلِ وَقد اكتحلت”. انتهى .

فإذا ثبت أن أبا السنابل جاء يخطبها ، وأنها تجملت للخطاب ، وهو منهم ، فحتى لو ثبت أنها كشفت وجهها أمامه ، مكتحلة ، وقد خضبت كفيها : فهذا لا مانع من إظهاره للخاطب .

رابعا : مما يؤكد على كون ذلك التجمل كان في بيتها للخطاب : أنها عندما أرادت الذهاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم لسؤاله واستفساره ، تهيأت لحال الخروج من البيت ؛ فجمعت عليها ثيابها وذهبت ليلا ، فقد جاء في رواية البخاري :” قَالَتْ سُبَيْعَةُ: فَلَمَّا قَالَ لِي ذَلِكَ جَمَعْتُ عَلَيَّ ثِيَابِي حِينَ أَمْسَيْتُ ، وَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ “.

قال ابن حجر في “الفتح” (9/475) :” وفيه الرجوع في الوقائع إلى الأعلم ، ومباشرة المرأة السؤال عما ينزل بها ولو كان مما يستحي النساء من مثله . لكن خروجها من منزلها ليلا ، يكون أستر لها، كما فعلت سُبيعة “. انتهى

والله أعلم . 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android