0 / 0
22,30023/08/2017

هل يجب الكفر بكل دين سوى الإسلام وبكل شريعة سوى شريعته؟

السؤال: 267530

ما معنى جملة الكفر بكل دين سوى الإسلام هل تعني أن يكفر المرء بكل دين محرف ، مثل : النصرانية ، أم يكفر بالأديان الوضوعية فقط ؟ فالذي فهمته أن الأديان مثل النصرانية محرفة ومنسوخة ، فلابد للمسلم أن يكفر بها ، فهل يكفر بها ؛ لأنها محرفة ومنسوخة ، أم يكفر بها لأنها محرفة فقط ؟ ومالواجب نحو الشرائع الأخرى كيف يكون الإيمان بها ؟ والأديان الحقة التي نزلت على الأنبياء مالواجب نحوها ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا:

أوجب الله على عباده المؤمنين أن يؤمنوا بأنبياء الله ورسله جميعا ، فمن عرفهم بأمره ، وجب عليهم الإيمان به تفصيلا ، فيما فصل لهم ، وإجمالا ، فيمن أجمل ذكره .

قال الله تعالى : (وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (135) قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ) البقرة/135-136

وقال تعالى : (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) البقرة/285

وفي حديث جبريل المشهور ، لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الإِيمَانُ؟

قَالَ: ( الإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَلِقَائِهِ، وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ الآخِر ) ..

رواه البخاري (4777) ومسلم (9) من حديث أبي هريرة .

وحذر عباده من الكفر ببعض أنبيائه ورسله ، بين لهم أن هذا هو الكفر حقا ، وما كفر كثير من أهل الكتاب إلا بمثل ذلك .

قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا * أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا * وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ) النساء/150-152

وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (8929) ورقم (138141) ورقم (10468) ورقم (9519).

ثانيا :

الواجب على العبد أن يعلم أن دين الله واحد وهو الإسلام، كما قال تعالى: ( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ) آل عمران/19 ، وقال : ( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) آل عمران/85

ولم يأت نبي بغير دين الإسلام، الذي هو الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله.

قال الله عن نوح عليه السلام : ( وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) يونس/72.

وقال عن إبراهيم : ( مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) آل عمران/67.

وقال : ( مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ) الحج/78

وقال عن موسى ( يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ ) يونس/84.

وقال عن يوسف : ( تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ) يوسف/101.

فالإسلام هو عبادة الله وحده لا شريك له ، والإيمان بما جاء من عنده ، وهذا قدر مشترك متفق عليه بين جميع الأنبياء ، ثم يقع التمييز بينهم في تفاصيل الشرائع ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَالْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلَّاتٍ ، أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى ، وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ) رواه البخاري ( 3443).

والإخوة لعلات : هم الإخوة لأب .

والمراد : أن أصل دينهم واحد ، وإن اختلفت فروع شرائعهم .

ثالثا:

يجب الإيمان بأن الله تعالى أرسل الرسل ، وأنزل الكتب ، وشرع الشرائع لأنبيائه ورسله، وأن شرائعهم حق من عند الله ، يجب العمل بها في وقتها، ولا يجوز العمل بما نسخ منها، فضلا عما بدل وغير.

كما يجب الإيمان بأن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم نَسَخَت ما قبلها من الشرائع، فليس لأحد أن يعمل بشريعة التوراة لو فرض بقاؤها دون تحريف، إذا جاء في شريعتنا ما يخالفها.

قال تعالى : ( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) المائدة /48

قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (3/ 130): ” ثم إنه تعالى ندبهم إلى المسارعة إلى الخيرات والمبادرة إليها، فقال: فاستبقوا الخيرات وهي طاعة الله ، واتباع شرعه الذي جعله ناسخا لما قبله، والتصديق بكتابه القرآن الذي هو آخر كتاب أنزله” انتهى.

وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكِتَابٍ أَصَابَهُ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْكُتُبِ ، فَقَرَأَهُ عَلَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَغَضِبَ وَقَالَ: ” أَمُتَهَوِّكُونَ فِيهَا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً، لَا تَسْأَلُوهُمْ عَنْ شَيْءٍ فَيُخْبِرُوكُمْ بِحَقٍّ فَتُكَذِّبُوا بِهِ، أَوْ بِبَاطِلٍ فَتُصَدِّقُوا بِهِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ مُوسَى كَانَ حَيًّا، مَا وَسِعَهُ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعَنِي ” . رواه أحمد في مسنده (15156) وحسنه الألباني في “الإرواء” .  

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

” فإن قيل فقد قال تعالى مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، وقال تعالى كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، وهذا ذم لليهودية والنصرانية ، وما كان عليه موسى والمسيح لا يُذم ؟

قيل : الذم يلزم من أمر باتباع ما اختص به اليهود والنصارى من الشرع المنسوخ ، وذم من اتبع ذلك المنسوخ من حين بُعث محمد.

وكان هؤلاء يقولون نحن على ملة إبراهيم دون محمد ؛ فبين الله كذبهم في ذلك ، ولم يكونوا مُبَدِّلين؛ فكيف مع التبديل والنسخ ؟!

فإن إبراهيم كان قبل التوراة والإنجيل . وما كان عليه أهل التوراة والإنجيل اختص به أهل التوراة ، ولم يكن إبراهيم عليه ، بل ولا كان يجوز لإبراهيم أن يتبعه ، ولم يشرعه الله له …

فامتنع أن يكون إبراهيم يهوديًّا أو نصرانيًّا ، بوجه من الوجوه ؛ بل كان حنيفًا مسلمًا وهو الذي يعبد الله وحده لا شريك له ، بما أمر به ، فيعبده في كل زمان ، بما أمر به في ذلك الزمان.

فأهل التوراة والإنجيل قبل النسخ والتبديل : مسلمون حنفاء ، على ملة إبراهيم ، كما قال تعالى وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ * وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ

فالحنيفية ، ملة إبراهيم : تتناول كل من عبد الله وحده بما أمره به ، كما قال تعالى وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ .

فكل الأنبياء الذين يعيشون بعد إبراهيم ، وأتباعُهم : على ملة إبراهيم . لكنْ محمد صلى الله عليه وسلم أولاهم به ، وشرعه أقرب إلى شرع إبراهيم من وجوهٍ متعددةٍ ، كأمره بحج البيت وغيره ، فإنه سبحانه جعل في ذرية إبراهيم الكتاب والحكم والنبوة …

وأما اليهودية والنصرانية المتضمنة للمنسوخ المبدل ، وهي التي عليها اليهود والنصارى الذين كذبوا محمدًا : فهذه ليست دين أحدٍ من الأنبياء ؛ لا موسى ، ولا عيسى ، ولا غيرهما !!

فإذا قال أهل الكتاب للمسلمين كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى ، فقد أمرهم الله أن يقولوا : بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا !!

فلا يجوز لنا اتباع ما اختُصَّ به أهلُ التوراة والإنجيل ، من الشرع المنسوخ ؛ فكيف بالمبدل ؟!

بل نتبع ملة إبراهيم ، وهي عبادة الله وحده بما أمر به ، وهي التي كان عليها موسى وعيسى ؛ لكن كان لهم شرع اختصوا به دون إبراهيم ، وكان من الدين في حق أولئك الذين أمروا به خاصة ، وإبراهيم ومن كان قبله لم يُؤمروا به .

وكذلك محمد صلى الله عليه وسلم ومن آمن به : لم يؤمروا بتلك الآصار والأغلال ؛ بل رفعت عنهم ، كما كانت مرفوعة عن إبراهيم ، ولهذا قال عليه السلام : ( بُعِثت بالحنيفية السمحة ) . وقال : ( لا رهبانية في الإسلام ) …

فقد تبين أن اليهود والنصارى : فيهم سعيد ، وهم المتبعون شرع التوراة والإنجيل ، قبل النسخ والتبديل . وفيهم من هو مستحق العذاب .

ومع هذا نحن منهيون أن نتبع اليهودية والنصرانية مطلقًا :

فإن ما اختُصَّ به السعداء منهم : قد نسخ .

وأما ما اختُصَّ به الأشقياء : فهو مبدل ، أو منسوخ تمسكوا به بعد النسخ .

وما كان مشروعًا : كان داخلًا في مسمى الإسلام والحنيفية ، لما كان مشروعًا .

فلما نسخ : لم يبق داخلًا في الإسلام ، ولا في الحنيفية ، ملة إبراهيم ؛ والمُبَدَّل بطريق الأولى!!

ولهذا قال الله تعالى : وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا ، إلى قوله : وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ ، وقال : أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى .

فلم ينكر أن يكون موسى وهارون من اليهود ، ولا أن يكون المسيح والحواريون نصارى .

لكن : نهى عن اتباع ما تختص به اليهودية والنصرانية ، مطلقًا ، وأمر باتباع ملة إبراهيم ؛ لأن ما تختص به : إما منسوخ ، وإما مبدل .

والذي لا يجوز نسخه : ملة إبراهيم ، وهو عبادة الله وحده بما أمر به ؛ ففي كل زمان يعبده بما أمر به في ذلك الزمان ، وهذا هو دين الإسلام الذي لا يقبل الله لا من الأولين ولا من الآخرين دينًا سواه ، وعليه الأنبياء جميعهم ، وأتباعهم ، وهذا العمل هو العمل الصالح المذكور في قوله بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ ، وقد قال وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ الآية.

والصلاة إلى بيت المقدس كانت من الإسلام ، ومن الحنيفية ملة إبراهيم ، لما كانت مشروعة ؛ فلما نهوا عن ذلك ، وأمروا بالصلاة إلى المسجد الحرام : صارت الصلاة إليه هي المشروعة الداخلة في الإسلام ، وملة إبراهيم ؛ فإن جماع ملة إبراهيم : عبادة الله وحده ، بما أمر به..” . انتهى، من “تفسير آيات أشكلت” (1/278-287) .

رابعا :

الشرائع السابقة على ثلاثة أنواع:

الأول: شرائع مبدلة مغيرة، وهذه يجب الكفر بها، بمعنى البراءة منها وإنكار كونها من عند الله، وإنكار العمل بها مطلقا.

الثاني: شرائع منسوخة، بشريعتنا، وهذه يجب اعتقاد بطلان العمل بها والرجوع إليها بعد النسخ، ولو سمي هذا كفرا بها فلا حرج، مع بيان أنها من عند الله، وأنها كانت صالحة في وقتها.

الثالث: ما لم يحرف، ولم يرد في شرعنا ما يخالفه، كالنكاح بلفظ الإجارة كما في زواج موسى عليه السلام من ابنة صالح مدين، فهذه التي اختلف فيها أهل الأصول: هل شرع من قبلنا شرع لنا أم لا؟ والجمهور على أنه شرع لنا.

وهذا القسم قليل أو محصور في مسائل معينة.

ولهذا يطلق كثير من العلماء أن شريعة الإسلام ناسخة لما قبلها من الشرائع- كما تقدم في كلام ابن كثير- مراعاة لأن غالب هذه الشرائع منسوخ أو مبدل.

كما يجب الاعتقاد بأن جميع الأديان منسوخة بالإسلام، وأنه يجب الكفر بها، أي اعتقاد بطلان اتباعها، سواء اتبعها على تحريفها، أو على ما قبل التحريف، فليس لأحد أن يقول: أنا أتبع الدين الذي جاء بها إبراهيم أو موسى أو عيسى عليهم السلام، ويقصد شرائعهم الخاصة، أو الوقوف عندها وعدم الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، فكل ذلك باطل، ولا إيمان ولا نجاة بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم إلا لمن آمن به واتبعه.

وفي صحيح مسلم (153) ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ، وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

” فمن حين بعث محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لم يكن الإسلام إلا ما أَمَر به ، لأن الإسلام : أن يستسلم العبد لله رب العالمين ، لا لغيره .

فمن استسلم له ولغيره ، فجعل له ندا : فهو مشرك . قال الله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ البقرة/165

ومن استكبر عن عبادة الله ، فلم يستسلم له : فهو معطل لعبادته ، وهو شر من المشركين ، كفرعون وغيره . قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ غافر/60

والإسلام : إنما يكون بأن تعبد الله وحده لا شريك له ، وإنما يُعبد بما أمر به .

فكل ما أمر به ، فهو ، حين أمر به : من دين الإسلام .

وحين نهى عنه : لم يبق من دين الإسلام .

كما كانت الصخرة أولا من دين الإسلام ، ثم لما نهى عنها : لم تبق من دين الإسلام .

فلهذا صار المتمسك بالسبت وغيره من الشرائع المنسوخة : ليس من دين الإسلام؛ فكيف بالمبدل.

والله تعالى قط لم يرض له دينا غير الإسلام ، ولا أحد من رسله ، لا سيما خاتم الأنبياء : فإنه لم يرض من أحد إلا بدين الإسلام ، لا من المشركين ولا من الذين أوتوا الكتاب .

وقوله تعالى: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ إلى آخرها ، وهي كلمة تقتضي براءته من دينهم ؛ وأن ديني لي ، وأنتم بريئون منه ، ودينكم لكم ، وأنا بريء منه…” انتهى ، من ” الصفدية” (2/314-315) .

جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (12/ 275) :

” أولاً: أن من أصول الاعتقاد في الإسلام، المعلومة من الدين بالضرورة، والتي أجمع عليها المسلمون: أنه لا يوجد على وجه الأرض دين حق سوى دين الإسلام، وأنه خاتمة الأديان، وناسخ لجميع ما قبله من الأديان والملل والشرائع، فلم يَبْق على وجه الأرض دين يُتعبد الله به سوى الإسلام، قال الله تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران: 85] والإسلام بعد بعثة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو ما جاء به دون ما سواه من الأديان.

ثانياً: ومن أصول الاعتقاد في الإسلام: أن كتاب الله تعالى: (القرآن الكريم) هو آخر كتب الله نزولاً وعهداً برب العالمين، وأنه ناسخ لكل كتاب أنزل من قبل، من التوراة والزبور والإنجيل وغيرها، ومهيمن عليها، فلم يبق كتاب منزل يُتعبد الله به سوى: (القرآن الكريم) قال الله تعالى: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ [المائدة: 48]

ثالثاً: يجب الإيمان بأن (التوراة والإنجيل) قد نسخا بالقرآن الكريم، وأنه قد لحقهما التحريف والتبديل بالزيادة والنقصان، كما جاء بيان ذلك في آيات من كتاب الله الكريم، منها: قول الله تعالى: فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا [النساء: 155] وقوله جل وعلا: فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ [البقرة: 79] وقوله سبحانه: وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران: 78] .

ولهذا: فما كان منها صحيحاً فهو منسوخ بالإسلام .

وما سوى ذلك فهو محرف أو مبدل .

وقد ثبت عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه غضب حين رأى مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه صحيفة فيها شيء من التوراة، وقال عليه الصلاة والسلام: “أفي شك أنت يا ابن الخطاب؟! ألم آت بها بيضاء نقية؟ لو كان أخي موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي رواه أحمد والدارمي وغيرهما” انتهى.

وقال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد رحمه الله: ” فمن لم يؤمن بمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نبيا ورسولا، وأنه خاتم الأنبياء والرسل، وأن شريعته ناسخة لجميع ما قبلها، وأنه لا يسع أحدا من أهل الأرض اتباع غير شرعه: فهو كافر مخلد في النار ، كمن كفر بالله ، وجحده ربا معبودا” انتهى من “الإبطال لنظرية الخلط بين الأديان” ص85

والحاصل :

أن من أركان الإيمان : أن يؤمن العبد برسل الله ، وأنبيائه جميعا ، وأن يؤمن بما أنزل الله عليهم من الكتب ، وما جاؤوا به من الشرائع .

ومن حين جاء النبي صلى الله عليه وسلم : لم يبق شرع واجب الاتباع على الناس جميعا : إلا شرعه الذي جاء به ؛ وما سواه : فإما شرع صحيح في أصله ، غير أنه نسخ بشرعه . أو شرع مبدل ، لم يشرعه الله لعباده أصلا .

فما علمنا أنه شرع مبدل ، لم يشرع أصلا : كفرنا به ، كلية .

وما لم نعلم أنه بعينه من جملة ما بُدل ، وحُرِّف : لم نصدق به ، لاحتمال أن يكون محرفا مبدلا ، ولم نكذبه ، لاحتمال أنه من جملة الشرع المنزل في أصله .

وبكل حال : لا يحل لأحد اتباع غير شرع النبي صلى الله عليه وسلم الذي جاء به .

قال الله تعالى : ( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ * وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ * أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) المائدة/48-50 .

والله أعلم . 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android