0 / 0

حكم طاعة الأم في رفضها الزواج من امرأة ثيب

السؤال: 267887

أريد أن أتزوج من امرأة مطلقة ولها ابن إلا أن الوالدة لا تريد هذه البنت ، والسبب لأنها مطلقة ولها ولد فقط. علما أن البنت من اسرة محافظة وذات حياء ولا يسمع عنها سوء بين العائلة أو الجيران وأنا في نيتي التحصن لأني أجد نفسي اعصي الله بسبب العزوبية.
سؤالي ما هو رأي الشرع فيما تطلبه الوالدة وماذا أفعل معها؟ وهل الشرع أوجب تقديم الزواج من البكر عن غيرها؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :

طاعة الوالدين : من أجل الطاعات ، وإدخال السرور عليهما ، من أجل القربات إلى رب العالمين .

ويتفاوت حكم طاعتهما ، بحسب الحال ، فقد تكون طاعتهما واجبة ، وقد تكون مندوبة ، وقد تكون غير ذلك بحسب الحال .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – :

ويلزم الإنسان طاعة والديه في غير المعصية وإن كانا فاسقين ، وهو ظاهر إطلاق أحمد ، وهذا فيما فيه منفعة لهما ولا ضرر ، فإن شق عليه ولم يضره : وجب ، وإلا فلا .

“الفتاوى الكبرى” (5/381) .

وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (174831) ورقم (35533).

ثانيا :

هل يطيع والديه في رفضهما لزواجه من امرأة معينة ؟.

إذا كانت عدم موافقتهم على فتاة يختارها لأسباب شرعية ، كأن تكون سيئة السمعة : فيجب على الابن طاعة والديه ، لأنه سيقدم على أمرٍ فيه شر لابنهم، وقد ينتشر ليصيبهم .

وأما إذا كانت عدم موافقتهم على فتاة يختارها ليست لأسباب شرعية ، بل لأسباب شخصية ، أو دنيوية ، كنقص جمالها ، أو حسبها ونسبها : فالذي يظهر: أنه لا يجب عليه طاعتهما ؛ فاختيار الزوجة من حق الابن ، وليس من حق والديه.

وفي فتاوى اللجنة : ” أما ما يتعلق بطاعتهما في الأمور المباحة والعادية، وفي أمر التزويج والطلاق، فهذا يعود إلى تقدير المصالح والمضار والمقابلة بينها، فإذا أمر الوالدان ولدهما بشيء من ذلك منعا أو إيجابا، والمصلحة في مخالفتهما فلا حرج على الولد في ذلك، بلطف وحسن معاملة؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (أنتم أعلم بأمور دنياكم) ، ولا يكون الولد عاقا بذلك.

وإذا كانت المصلحة راجحة في طاعتهما في شيء من ذلك: ففي طاعة الولد لهما الخير والبركة والبر والإحسان”. انتهى من  “فتاوى اللجنة الدائمة” (25/ 133) .

وسئل الشيخ ابن عثيمين : أنا شاب مسلم ولي ابنة عم ، ويريد جدي أن يزوجني ابنة عمي وأنا أريدها لدينها ، ولكن أبي وأمي عندهم بعض التحفظ، فهل أخطبها رغم أنني أعلم بأنني لا أستطيع أن أجد مثل خلقها ودينها ؟

فأجاب رحمه الله تعالى: ” أرى أن تمضي في خطبة هذه المرأة، ما دامت قد أعجبتك في دينها وخلقها، وأن تقنع والديك بذلك ، فان أصرا على كراهية خطبتك إياها فامضِ في خطبتها ، ولا تهتم بمعارضتهما إلا أن يذكرا سببا شرعيا يوجب العدول عن خطبتها ؛ لأن مثل هذه الأمور مسائل شخصية تتعلق بالإنسان نفسه “. انتهى من فتاوى “نور على الدرب” للعثيمين (ص/ 3) .

ومن العلماء من أوجب طاعة الوالدين في هذا إلا إذا تعلقت نفس الابن بها أو خشي على نفسه.

قَالَ الإمام أحمد: إنْ كَانَ الرَّجُلُ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ ، وَوَالِدَاهُ يَمْنَعَانِهِ مِنْ التَّزَوُّجِ ، فَلَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ .

وقال له رجلٌ : لِي جَارِيَةٌ ، وَأُمِّي تَسْأَلُنِي أَنْ أَبِيعَهَا .

قَالَ : تَتَخَوَّفُ أَنْ تُتْبِعَهَا نَفْسَك ؟

قَالَ : نَعَمْ .

قَالَ : لَا تَبِعْهَا .

قَالَ : إنَّهَا تَقُولُ : لَا أَرْضَى عَنْك أَوْ تَبِيعَهَا !

قَالَ : إنْ خِفْت عَلَى نَفْسِك فَلَيْسَ لَهَا ذَلِكَ . الآداب (1/448) .

قَالَ شيخ الإسلام ابن تيميَّة : لِأَنَّهُ إذَا خَافَ عَلَى نَفْسِهِ يَبْقَى إمْسَاكُهَا وَاجِبًا ، أَوْ لِأَنَّ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ ضَرَرًا.

وَمَفْهُومُ كَلَامِهِ : أَنَّهُ إذَا لَمْ يَخَفْ عَلَى نَفْسِهِ يُطيعُهَا فِي تَرْكِ التَّزَوُّجِ وَفِي بَيْعِ الْأَمَةِ ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ حِينَئِذٍ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِيهِ ، لَا دِينًا وَلَا دُنْيَا . الآداب (1/448) .

وينظر جواب السؤال رقم (98768) ورقم (26852) ورقم (111787) .

ثالثا :

لا شك أن نفوس الخطاب أكثر تعلقا بنكاح الأبكار ، وأكثر رغبة فيهن ، وتقديما للأبكار على الثيبات ، لأسباب لا تخفى على نفوس الطالبين .

وينظر جواب السؤال رقم (227006).

وقد روى البخاري (5247) ومسلم (715) عَنْ عَطَاءٍ، أَخْبَرَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَقِيتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:

يَا جَابِرُ تَزَوَّجْتَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ .

قَالَ: بِكْرٌ، أَمْ ثَيِّبٌ؟ قُلْتُ: ثَيِّبٌ .

قَالَ: فَهَلَّا بِكْرًا تُلَاعِبُهَا؟ .

قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ: إِنَّ لِي أَخَوَاتٍ، فَخَشِيتُ أَنْ تَدْخُلَ بَيْنِي وَبَيْنَهُنَّ .

قَالَ: فَذَاكَ إِذَنْ، إِنَّ الْمَرْأَةَ تُنْكَحُ عَلَى دِينِهَا، وَمَالِهَا، وَجَمَالِهَا، فَعَلَيْكَ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ .

فدل هذا الحديث ، على ما تقرر في النفوس ، من طلب البكر ، وتقديمها في النكاح على الثيب .

غير أن الحديث نفسه قد دل أيضا : على أن ذات الصفة المفضولة – الثيب – قد تكون أفضل من غيرها ، ومقدمة على البكر ، في حالات تلائمها .

فمن هذه الحالات : ما ذكره جابر ، من أن أباه توفي ، وترك له أخوات ، يحتجن من يقوم على رعايتهن ، وإصلاح شأنهن ، فوافقه النبي صلى الله عليه وسلم ، وأقره على اختياره .

ومن هذه الحالات : أن تكون الثيب أخف مؤنة في النكاح ، وأيسر مهرا ، وأرضى بالعيش اليسير مع الزوج المعين ، وهو ليس عنده من المال ما يعينه على نكاح البكر ، أو احتمال مؤنتها .

ومن ذلك أيضا : أن تكون ذات جمال ، قد تعلقت نفسه بها ، أو ذات دين وحسب ، أو نحو ذلك من المرغبات ، التي قد ترجح للشخص نكاح الثيب على البكر ، وهذا أيضا معروف ، مشهور ، لا ينكر .

وفي البخاري (4052) عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ نَكَحْتَ يَا جَابِرُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: مَاذَا أَبِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا؟ قُلْتُ: لاَ بَلْ ثَيِّبًا، قَالَ فَهَلَّا جَارِيَةً تُلاَعِبُكَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبِي قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَتَرَكَ تِسْعَ بَنَاتٍ، كُنَّ لِي تِسْعَ أَخَوَاتٍ، فَكَرِهْتُ أَنْ أَجْمَعَ إِلَيْهِنَّ جَارِيَةً خَرْقَاءَ مِثْلَهُنَّ، وَلَكِنِ امْرَأَةً تَمْشُطُهُنَّ وَتَقُومُ عَلَيْهِنَّ، قَالَ: أَصَبْتَ .

قال ابن العراقي : ”  وَفِيهِ فَضِيلَةٌ لِجَابِرٍ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – بِإِيثَارِهِ مَصْلَحَةَ إخْوَانِهِ عَلَى حَظِّ نَفْسِهِ وَأَنَّهُ عِنْدَ تَزَاحُمِ الْمَصْلَحَتَيْنِ يَنْبَغِي تَقَدُّمُ أَهَمِّهِمَا وَقَدْ صَوَّبَهُ النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فِيمَا يَفْعَلُ وَدَعَا لَهُ لِأَجْلِ ذَلِكَ، وَفِيهِ الدُّعَاءُ لِمَنْ فَعَلَ خَيْرًا وَإِنْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِالدَّاعِي.” انتهى ، من “طرح التثريب” (7/12) .

وقال العظيم آبادي رحمه الله : ” وَفِي الْحَدِيث دَلِيل عَلَى اِسْتِحْبَاب نِكَاح الْأَبْكَار إِلَّا لِمُقْتَضٍ لِنِكَاحِ الثَّيِّب كَمَا وَقَعَ لِجَابِرٍ” انتهى ، من “عون المعبود” (6/44) .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ” قد يختار الإنسان الثيب لأسباب، مثل ما فعل جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ فإنه اختار الثيب؛ لأن والده عبد الله بن حرام ـ رضي الله عنه ـ استشهد في أحد، وخلف بناتاً يحتجن إلى من يقوم عليهن، فلو تزوج بكراً لم تقم بخدمتهن ومؤنتهن، فاختار ـ رضي الله عنه ـ ثيباً لتقوم على أخواته، ولهذا لما أخبر النبي صلّى الله عليه وسلّم بذلك أقره النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ، فإذا اختار الإنسان ثيباً لأغراض أخرى فإنها تكون أفضل، وفي هذا دليل على اعتبار الأمور، وأن التفضيل يرجع إلى هذه الاعتبارات، كما سبق ذكره.” انتهى، من “الشرح الممتع” (12/16) .

وينظر : “أسنى المطالب” لزكريا الأنصاري (3/108) .

وحينئذ ، فالذي ينبغي لك أن توازن أمرك ، وتنظر في مصلحة نفسك :

فإن لم تكن نفسك قد تعلقت بهذه المرأة ، وفي النساء المرغوبات سواها من يقوم بأمرك ، ويعفك ، ويرضي والدتك : فليكن ذلك هو المقدم ، جمعا بين المصالح الشرعية المعتبرة .

وإن كانت نفسك قد تعلقت بهذه المرأة ، وتخشى الفتنة إن لم تنكحها ..

أو كنت فقيرا ، لا تقدر على تكلفة نكاح البكر الصغيرة ، وهذه المرأة نكاحها أخف مؤنة عليك ، وأيسر : فتزوجها ، وأعف نفسك بها ، ولا حرج عليك في مخالفة رغبة الوالدة في ذلك .

لكن مع الحرص على استرضاء والدتك ، قدر طاقتك ، والإحسان إليها ، وتحبيبها لهذه المرأة ، وتحبيب المرأة إليها .

والله أعلم . 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android