0 / 0

ما حكم الأكل قائما ؟

السؤال: 268968

ما حكم الأكل قائما لغير حاجة (بدون عذر)؟

ملخص الجواب

مسألة الأكل قائما ، محل اجتهاد بين أهل العلم ، والأفضل للإنسان أن لا يأكل ولا يشرب إلا وهو قاعد ، فإن احتاج إلى الشرب أو الأكل قائما ، فإن الحاجة ترفع الكراهة ، وإن لم يكن بحاجة فليأكل وليشرب وهو قاعد ، وهو أهنأ وأمرأ وأصحّ للبدن .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

وردت الأحاديث عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالنهي عن الشرب قائماً ، منها ما رواه مسلم برقم (2024) و(2025) عَنْ أَنَسٍ وأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَجَرَ ( في لفظ : نَهَى) عَنْ الشُّرْبِ قَائِمًا .

وجاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث أخرى تدل على جواز الشرب قائما .

منها ما رواه البخاري (1637) مسلم (2027) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قَالَ : سَقَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ زَمْزَمَ فَشَرِبَ وَهُوَ قَائِمٌ .

ورُوي الشرب قائما عن جمع من الصحابة كعلي وعمر وعثمان وعائشة رضي الله عنهم وغيرهم.

وأحسن الطرق في الجمع بين النصوص في هذا الباب : أن تحَمْلَ أَحَادِيثِ النَّهْيِ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ وما ورد من فعله صلى الله عليه وسلم لذلك : فكان لبيان الجواز .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله  :

" وَهَذَا أَحْسَنُ الْمَسَالِكِ وَأَسْلَمُهَا ، وَأَبْعَدُهَا مِنَ الِاعْتِرَاضِ . وَقَدْ أَشَارَ الْأَثْرَمُ إِلَى ذَلِكَ أَخِيرًا فَقَالَ : إِنْ ثَبَتَتِ الْكَرَاهَةُ حُمِلَتْ عَلَى الْإِرْشَادِ وَالتَّأْدِيبِ ، لَا عَلَى التَّحْرِيمِ .

وَبِذَلِكَ جَزَمَ الطَّبَرِيُّ ، وَأَيَّدَهُ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ جَائِزًا ثُمَّ حَرَّمَهُ ، أَوْ كَانَ حَرَامًا ثُمَّ جَوَّزَهُ لَبَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ بَيَانًا وَاضِحًا ؛ فَلَمَّا تَعَارَضَتِ الْأَخْبَارُ بِذَلِكَ : جَمَعْنَا بَيْنَهَا بِهَذَا .

وَقِيلَ : إِنَّ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ الطِّبِّ مَخَافَةَ وُقُوعِ ضَرَرٍ بِهِ ، فَإِنَّ الشُّرْبَ قَاعِدًا أَمْكَنُ وَأَبْعَدُ مِنَ الشَّرَقِ وَحُصُولِ الْوَجَعِ فِي الْكَبِدِ أَوِ الْحَلْقِ ، وَكُلُّ ذَلِكَ قَدْ لَا يَأْمَنُ مِنْهُ مَنْ شَرِبَ قَائِمًا " انتهى من "الفتح" (10/84) .

وسبق بيان ذلك في جواب السؤال (21147) .

ثانيا :

لا خلاف بين أهل العلم في أنه لا يحرم الأكل قائما ، وإنما اختلفوا في ذلك : هل هو مكروه ، أو خلاف الأولى ؟

فقال بعض أهل العلم : يكره الأكل قائما لغير حاجة ؛ قياسا على الشرب .

ويؤيده تتمة حديث أنس في النهي عن الشرب قائما " قَالَ قَتَادَةُ لأنس : فَقُلْنَا فَالْأَكْلُ، فَقَالَ: "ذَاكَ أَشَرُّ أَوْ أَخْبَثُ " .

قال ابن حجر " قيل وَإِنَّمَا جُعِلَ الْأَكْلُ أَشَرَّ لِطُولِ زَمَنِهِ بِالنِّسْبَةِ لِزَمَنِ الشُّرْبِ " انتهى من "فتح الباري" (10/82) .

واختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية ، قال رحمه الله  :

" ويكره الأكل والشرب قائما لغير حاجة " انتهى من "الفتاوى الكبرى"(5/477) .

وقال به الشيخ ابن باز ، وابن عثيمين رحمهما الله . ينظر "فتاوى ابن باز" (25/276) ، و"شرح رياض الصالحين لابن عثيمين".

والقول الثاني : يباح الأكل قائما ، ولا يكره ؛ وهو ظاهر مذهب الحنابلة ، وقال به ابن حزم الظاهري .

لعدم ورود دليل على منع الأكل ، والكراهة إنما وردت في الشرب .

وأما القياس فقالوا : إنه قياس مع الفارق بين الأكل والشرب ، واحتمال الضرر فيه غير ظاهر .

قال المرداوي :

" قال صاحب الفروع : وظاهر كلامهم : لا يكره أكله قائما . ويتوجه أنه كالشرب . وقاله الشيخ تقي الدين رحمه الله .

قلت : إن قلنا : إن الكراهة في الشرب قائما لما يحصل له من الضرر ، ولم يحصل مثل ذلك في الأكل : امتنع الإلحاق " انتهى من "الإنصاف" (8/330) .

وأما ما ورد عن أنس (ذاك أشر أو أخبث) فموقوف على أنس .

قال ابن حزم : "ولم يأت في الأكل نهي؛ إلا عن أنس  من قوله" انتهى من "المحلى" (6/230).

وقال النووي رحمه الله : " مسألة: هل يكره الأكل والشرب قائمًا، وما الجواب عن الأحاديث في ذلك؟

الجواب: يكره الشرب قائمًا من غير حاجة، ولا يحرم.

وأما الأكل قائمًا فإن كان لحاجة : فجائز .

وإِن كان لغير حاجة : فهو خلاف الأفضل. ولا يقال: إِنه مكروه .

وثبت في صحيح البخاري من رواية ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: أنهم كانوا يفعلونه، وهذا مقدم على ما في صحيح مسلم عن أنس: أنه كرهه.

وأما الشرب قائمًا ففي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عنه، وفي صحيح البخاري وغيره، أحاديثُ صحيحةٌ أن النبي – صلى الله عليه وسلم – فعله. فأحاديث النهي تدل لكراهة التنزيه، وأحاديث فعله تدل لعدم التحريم . " انتهى، من "فتاوى النووي" (105) .

تنبيه : قول النووي رحمه الله في حديث ابن عمر " وثبت في البخاري .. " : كذا ، ولم نقف عليه فيه ، ولم نر من عزاه للبخاري ، وإنما هو في الترمذي وغيره ، وفيه كلام وبحث .

والخلاصة : أن مسألة الأكل قائما ، محل اجتهاد بين أهل العلم ، والأفضل للإنسان أن لا يأكل ولا يشرب إلا وهو قاعد ، فإن احتاج إلى الشرب أو الأكل قائما ، فإن الحاجة ترفع الكراهة ، وإن لم يكن بحاجة فليأكل وليشرب وهو قاعد ، وهو أهنأ وأمرأ وأصحّ للبدن .

قال الشيخ ابن عثيمين :

" أما الشرب : وهو قائم فإنه صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن ذلك ، وسئل أنس بن مالك عن الأكل ، قال: ذاك أشر وأخبث يعني .. : أنه إذا نهى عن الشرب قائما فالأكل قائما من باب أولى .

لكن في حديث ابن عمر الذي أخرجه الترمذي وصححه ، قال: كنا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم نأكل ونحن نمشي ، ونشرب ونحن قيام .

فهذا يدل على أن النهي ليس للتحريم ، ولكنه لترك الأولى ، بمعنى أن الأحسن والأكمل أن يشرب الإنسان وهو قاعد ، وأن يأكل وهو قاعد " انتهى من "شرح رياض الصالحين" (ص862) بترقيم الشاملة .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android