حديث النبي صلى الله عليه وسلم ( قلتُ أجعلُ لكَ صلاتي كلَّها قال : إذًا تُكْفَى همَّكَ ويغفرْ لكَ ذنبُكَ ) فربما أنا جعلت بين الأذان والإقامة كلها صلاة على النبي أو قمت من الليل فقنت بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فقط أي أني جعلت كل القنوت صلاة على النبي هل هذا يجوز ؟ ثم هل يجوز أن أرفع يدي كل ما طبقت هذا الحديث أم بدون رفع اليد ؟
حكم جعل الدعاء بين الأذان والإقامة والقنوت صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، وهل يرفع يديه في الدعاء؟
السؤال: 269231
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
فإن فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم جليل القدر ، عظيم الثواب ، وقد جاءت فيه أحاديث كثيرة .
ومن ذلك ما ذكره السائل ، وهو حديث أبي بن كعب رضي الله عنه ، وفيه أنه قال : ( يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلاَةَ عَلَيْكَ فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلاَتِي؟ فَقَالَ: مَا شِئْتَ. قَالَ: قُلْتُ: الرُّبُعَ ، قَالَ: مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ ، قُلْتُ: النِّصْفَ ، قَالَ: مَا شِئْتَ ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ ، قَالَ: قُلْتُ: فَالثُّلُثَيْنِ ، قَالَ: مَا شِئْتَ ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ ، قُلْتُ: أَجْعَلُ لَكَ صَلاَتِي كُلَّهَا قَالَ: إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ ، وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ ) .
والحديث أخرجه الترمذي في “سننه” (2457) ، وأحمد في “المسند” (21242) .
والحديث : حسنه الحافظ ابن حجر في “الفتح” (11/168) ، وقال الشيخ الألباني في “صحيح الترغيب والترهيب” (1670) :” حسن صحيح” .
ثانيا :
مما لا شك فيه أنه ليس المقصود من الحديث، على فرض صحته : ترك دعاء المسألة بالكلية ، وإنما المقصود هو أن العبد إن كان له وقت معين ، أو دعاء معين ، يدعو فيه ربه ، فجعل هذا الدعاء الخاص ، أو هذا الوقت الخاص ، في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يدع لنفسه دعاء مسألة : فإنه يُكفى همَّه ويغفر ذنبُه .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في “مجموع الفتاوى” (1/349):” وَقَوْلُ السَّائِلِ: أَجْعَلُ لَك مِنْ صَلَاتِي؟ يَعْنِي مِنْ دُعَائِي ؛ فَإِنَّ الصَّلَاةَ فِي اللُّغَةِ هِيَ الدُّعَاءُ قَالَ تَعَالَى:” وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ” . وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :” اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى ” ، وَقَالَتْ: امْرَأَةٌ: صَلِّ عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَعَلَى زَوْجِي فَقَالَ : ” صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكِ وَعَلَى زَوْجِك ” . فَيَكُونُ مَقْصُودُ السَّائِلِ أَيْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ لِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ أَسْتَجْلِبُ بِهِ الْخَيْرَ وَأَسْتَدْفِعُ بِهِ الشَّرَّ فَكَمْ أَجْعَلُ لَك مِنْ الدُّعَاءِ قَالَ: ” مَا شِئْت ” فَلَمَّا انْتَهَى إلَى قَوْلِهِ: أَجْعَلُ لَك صَلَاتِي كُلَّهَا؟ قَالَ :” إذًا تُكْفَى هَمَّك وَيُغْفَرُ ذَنْبُك ” . وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى :” إذًا يَكْفِيك اللَّهُ مَا أَهَمَّك مِنْ أَمْرِ دُنْيَاك وَآخِرَتِك ” . وَهَذَا غَايَةُ مَا يَدْعُو بِهِ الْإِنْسَانُ مِنْ جَلْبِ الْخَيْرَاتِ وَدَفْعِ الْمَضَرَّاتِ ؛ فَإِنَّ الدُّعَاءَ فِيهِ تَحْصِيلُ الْمَطْلُوبِ وَانْدِفَاعُ الْمَرْهُوبِ “. انتهى
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين كما في لقاءات الباب المفتوح (21/148) عن هذا الحديث ، فقال:” هناك احتمالان: الاحتمال الأول: وإليه ذهب شيخ الإسلام فيما أظن أن الرسول كان يعلم له دعاءً معيناً ، فأراد الرسول عليه الصلاة والسلام أن يجعل دعاءً معيناً كله للرسول عليه الصلاة والسلام.
والوجه الثاني: أن يقال: المراد أنك تشرك النبي عليه الصلاة والسلام في كل دعاء تدعوه .
وإلا فإن من المعلوم أن الإنسان لو أخذ بظاهر الحديث لكان لا يقل: رب اغفر لي ، ولا يقل: اللهم ارحمني ، ولا يقل اللهم ارزقني بل يقول: اللهم صل على محمد ويكفى الهم ، وهذا خلاف ما جاءت به الشريعة ، الإنسان مأمور أن يدعو لنفسه في السجود وفي الجلسة بين السجدتين وفي دعاء الاستفتاح على أحد الوجوه التي وردت فيه .
فهذا يحمل على المعنيين : إما أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يعلم أنه يدعو بدعاء معين، فأراد الرسول عليه الصلاة والسلام أن يجعله للرسول ، وإما أن يشركه معه في دعائه ، فكأنه قال : صلاتي كلها ، يعني: كلما دعوت لنفسي صليت عليك “. انتهى
وعلى هذا فإن المسلم إن شغل الوقت الذي بين الأذان والإقامة بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فلا بأس، وكذلك لو جعل دعاء القنوت في وتره بالليل صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فلا بأس أيضا .
وإن كان الهدي الأكمل في مثل ذلك هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال الحسن بن علي رضي الله عنهما :” عَلَّمَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي الوِتْرِ: ( اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ ، فَإِنَّكَ تَقْضِي وَلاَ يُقْضَى عَلَيْكَ ، وَإِنَّهُ لاَ يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ ) “.
أخرجه الترمذي في “سننه” (464) ، وأحمد في “المسند” (1718) ، وصححه الشيخ الألباني في “صحيح سنن أبي داود” (1281) .
وقد سبق في جواب السؤال رقم (128455) البحث في معنى الحديث ، وبيان النظر في صحته أيضا ، من ناحية إسناده .
ثالثا :
وأما رفع اليدين حال الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، فلم نقف على شيء من كلام أهل العلم في خصوص رفع اليدين ، عند الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم .
والأقرب في “الصلاة على النبي” صلى الله عليه وسلم : أنها أشبه بدعاء الذكر والثناء ، كحمد الله وتكبيره والثناء عليه ، ونحو ذلك ، فلا يسن فيها رفع اليدين.
وعلى هذا عامة عمل الناس ، فيما نعلم .
وإن تأول متأول أنها من الدعاء ، فتدخل في عموم الأدلة الواردة برفع اليدين عند الدعاء ، فنرجو أن يكون في الأمر سعة ، إن شاء الله ، وإن كان الأقرب عندنا : ما ذكرنا أولا .
وينظر جواب السؤال رقم (238733) .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة