0 / 0

حول صحة وجود نبي اسمه “أشعياء”

السؤال: 270208

هل هناك نبي من عند الله اسمه أشعياء ؟ أم هذا من محرفات الكتب المقدسة ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

فإن أنبياء الله ورسله لا يعلم أسماءهم جميعا إلا الله تبارك وتعالى ، ومنهم من ذكر الله اسمه في القرآن ، ومنهم من لم يذكر الله اسمه ، كما في قوله سبحانه : ( وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ) النساء/164 .

وأنبياء بني إسرائيل كُثر ، وأحيانا يكون في الزمان الواحد أكثر من نبي .

وأما ما ذكره السائل من هل هناك نبي يدعى ” أشعياء ” ؟

فهذا الاسم ورد ذكره كثيرا في كتب التفسير مرة باسم ” أشعياء ” ، ومرة باسم ” أشعيا ” ، ومرة باسم ” شعياء ” ، ومرة باسم ” شعيا ” . وفي كل مرة يذكره المفسرون على أنه من أنبياء بني إسرائيل .

بل نقل كثير منهم أنه من الأنبياء الذين قتلهم بنو إسرائيل ، كما في “تفسير الطبري” (17/362) نقلا عن محمد بن إسحاق ، وتفسير ابن عطية “المحرر الوجيز” (3/439) ، و “تفسير السمعاني” (3/218) ، و “التحرير والتنوير” (1/530) لابن عاشور ، وغيرهم .

ومجرد الورود لا يدل على الثبوت ، وكتب التفسير يكثر فيها النقل عن بني إسرائيل ، ولذا فالذي ينبغي في مثل ذلك التوقف ، دون تصديق أو تكذيب ، لما يلي :

أولا : لم يرد في القرآن ولا في السنة النبوية ذكر لنبي بهذا الاسم مطلقا .

ثانيا : ورد في بعض الآثار عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه ذكر لنبي بهذا الاسم ، ولا يصح عنه .

ومن ذلك ما أخرجه الخطيب البغدادي في “المتفق والمفترق” (1717) ، ومن طريقه ابن عساكر في “تاريخ دمشق” (8/32) ، من طريق جويبر بن سعيد عن الضحاك بن مزاحم عن ابن عباس في قوله تعالى :”ولقد آتينا موسى الكتاب ، يعني به التوراة ، جملة واحدة مفصلة محكمة ، وقفينا من بعده بالرسل ؛ يعني رسولا يدعي إشمويل بن نابل ، ورسولا يدعى ميشآيل ، ورسولا يدعى شعيا بن أمصيا ، ورسولا يدعى حزقيل ، ورسولا يدعى أرميا بن حلقيا وهو الخضر، ورسولا يدعى داود بن إيشا وهو أبو سليمان ، وهو من المرسلين ورأس العابدين ، ورسولا مرسلا يدعى المسيح عيسى بن مريم ، فهؤلاء الرسل ابتعثهم الله وانتخبهم للأمة بعد موسى بن عمران ، وأخذ عليهم ميثاقا غليظا أن يؤدوا إلى أمتهم صفة محمد صلى الله عليه وسلم وصفة أمته “.

وإسناده ضعيف جداً ، لما يلي :

1-      فيه الضحاك بن مزاحم ، حسن الحديث كما قال الذهبي في “ديوان الضعفاء” (1984) ، إلا أنه لم يلق ابن عباس ، وحديثه عنه منقطع ، كان شعبة ويونس بن عبيد والإمام أحمد ينكرون أن يكون لقي ابن عباس ، نقل ذلك عنهم العلائي في “جامع التحصيل” (304).

2-      فيه جويبر بن سعيد ، متروك الحديث ، قال ابن حجر في “تهذيب التهذيب” (2/124) :” قال النسائي وعلي بن الجنيد والدارقطني متروك وقال النسائي في موضع آخر ليس بثقة … وقال الحاكم أبو أحمد : ذاهب الحديث . وقال الحاكم أبو عبد الله : أنا أبرأ إلى الله من عهدته “. اهـ .

     ثم ولو صح سنده لم يكن – بمجرده – حجة ؛ لأن عبد الله بن عباس كان يأخذ عن كعب الأحبار، كما قال ابن الصلاح في “علوم الحديث” (ص182) ، فيحتمل أن يكون ذلك مما تلقاه عنهم .

3- قد ورد ذكره عن وهب بن منبه ، كما عند  ابن أبي حاتم في تفسيره (14758) أنه قال :” إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَوْحَى إِلَى نَبِيٍّ مِنْ أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ يُقَالُ لَهُ أَشْعِيَا ، أَنْ قُمْ فِي قَوْمِكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَإِنِّي مُطْلِقٌ لِسَانَكَ بِوَحْيٍ … ” . فذكر حديثا مطولا ، وفيه وصف النبي صلى الله عليه وسلم ، والبشارة بمبعثه .

ووهب بن منبه من التابعين ، وكان ممن ينقل عن أهل الكتاب ، قال الذهبي في “تاريخ الإسلام” (3/334) :” وكان صدوقاً عالماً ، قد قرأ كتب الأولين ، وعرف قصص الأنبياء عليهم السلام ، وكان يُشبَّه بكعب الأحبار فِي زمانه ، وكلاهما تابعيّ “. اهـ

وأشعياء مشهور ذكره عند أهل الكتاب كنبي من أنبياء بني إسرائيل ، بل له سفر باسمه فيما يدعى بالعهد القديم يسمى ” سفر أشعياء ” .

والحاصل :

أنه ليس عندنا دليل على “إثبات” نبوة “أشعياء” ، أو نفيها .

ووروده في كتب التفسير عندنا مأخوذ عن بني إسرائيل ، والنبي صلى الله عليه وسلم أذن بالتحديث عن بني إسرائيل ، دون تصديق أو تكذيب ، كما في قوله صلى الله عليه وسلم :” بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً ، وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلاَ حَرَجَ ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا ، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ . أخرجه البخاري (3461) ، وكما في قوله صلى الله عليه وسلم :” إِذَا حَدَّثَكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَلَا تُصَدِّقُوهُمْ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ ، وَقُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ ، فَإِنْ كَانَ حَقًّا لَمْ تُكَذِّبُوهُمْ ، وَإِنْ كَانَ بَاطِلًا لَمْ تُصَدِّقُوهُمْ “. أخرجه أبو داود في “سننه” (3644) ، وقد حسنه الشيخ الألباني في “السلسلة الصحيحة” (2800) .

قال الخطابي في “معالم السنن” (4/187) :” ليس معناه إباحة الكذب في أخبار بني إسرائيل ورفع الحرج عمن نقل عنهم الكذب ، ولكن معناه الرخصة في الحديث عنهم ، على معنى البلاغ، وإن لم يتحقق صحة ذلك بنقل الإسناد ، وذلك لأنه أمر قد تعذر في اخبارهم لبعد المسافة ، وطول المدة ، ووقوع الفترة بين زماني النبوة “. اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في “مجموع الفتاوى” (13/366) :” وَلَكِنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ الإسرائيلية تُذْكَرُ لِلِاسْتِشْهَادِ لَا لِلِاعْتِقَادِ ؛ فَإِنَّهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا : مَا عَلِمْنَا صِحَّتَهُ مِمَّا بِأَيْدِينَا مِمَّا يَشْهَدُ لَهُ بِالصِّدْقِ : فَذَاكَ صَحِيحٌ. و”الثَّانِي” : مَا عَلِمْنَا كَذِبَهُ ، بِمَا عِنْدَنَا مِمَّا يُخَالِفُهُ. و” الثَّالِثُ “: مَا هُوَ مَسْكُوتٌ عَنْهُ ، لَا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ وَلَا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ ؛ فَلَا نُؤْمِنُ بِهِ وَلَا نُكَذِّبُهُ ، وَتَجُوزُ حِكَايَتُهُ لِمَا تَقَدَّمَ “. اهـ

والله أعلم 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android