0 / 0

هل ثبت أن رقيب و عتيد ملكان حقا ؟ ام يقصد بهما الفص الأيمن و الأيسر من العقل ؟؟

السؤال: 270304

قد قرأت تلك الرسالة في موقع من مواقع فتوى، وقد أصابني الشك في أنها خرافات ، فكاتبة تلك الفتوى تقول : إن الملكين اللذين يلزمان الإنسان ليس إلا العقل ، وأنه يقصد به الفص الأيمن والأيسر للعقل ، فقلت لنفسي : إنها قد ادعت هذا الكلام ، وأنكرت وجود الملكين اللذين يكتبان أعمال الإنسان ويلازمانه ، اعتذر عن طول الموضوع .
فسؤالي هو : هل هذا الكلام صحيح ؟
انظر المقال في هذا الرابط
https://saaid.net/daeyat/nabela/13.htm

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :

من اعتقاد أهل السنة والجماعة الإيمان بالملائكة الكرام الكاتبين ، الموكلين بكتابة أعمال العباد ، وقد دلَ الكتاب والسنة وإجماع الأمة على ذلك .

قال الإمام الطحاوي في “العقيدة الطحاوية” (ص187) :” ونؤمن بالكرام الكاتبين ، فإن الله قد جعلهم علينا حافظين “. اهـ

وقال اللالكائي في “شرح أصول اعتقاد أهل السنة” (1/181) :” ونؤمن بالمساءلة في القبر

 وبالكرام الكاتبين “. اهـ

وقال ابن حزم في “الفصل في الملل والنحل” (4/55) وَأما كتاب الْمَلَائِكَة لأعمالنا فَحق ، قَالَ الله تَعَالَى (وَإن عَلَيْكُم لحافظين كراماً كاتبين) ، وَقَالَ تَعَالَى (إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخ مَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ) ، وَقَالَ تَعَالَى (وكل إِنْسَان ألزمناه طَائِره فِي عُنُقه وَنخرج لَهُ يَوْم الْقِيَامَة كتابا يلقاه منشوراً اقْرَأ كتابك) ، وَقَالَ تَعَالَى (إِذْ يتلَقَّى المتلقيان عَن الْيَمين وَعَن الشمَال قعيد مَا يلفظ من قَول إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيب عتيد) .

قَالَ أَبُو مُحَمَّد : وكل هَذَا مَا لَا خلاف فِيهِ بَين أحد مِمَّن ينتمي إِلَى الْإِسْلَام ؛ إِلَّا أَنه لَا يعلم أحد من النَّاس كَيْفيَّة ذَلِك الْكتاب “. اهـ

وقال ابن أبي زمنين في “أصول السنة” (ص145) :” وَأَهْلُ اَلسُّنَّةِ يُؤْمِنُونَ بِالْحَفَظَةِ اَلَّذِينَ يَكْتُبُونَ أَعْمَالَ اَلْعِبَادِ ، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: ( وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ ) ، وَقَالَ: ( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) . اهـ

وقال ابن رجب  في جامع العلوم والحكم ( ص134) :” وقد أجمع السلف الصالح على أن الذي عن يمينه يكتب الحسنات ، والذي عن شماله يكتب السيئات “. اهـ

ثانيا :

ادعاء صاحبة الفتوى أن المراد بقوله تعالى :” إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ ” سورة ق /17 . العقل البشري المعجز بفصيه الأيمن والأيسر : كلام باطل ، وفيه قول على الله بلا علم ، ومخالف لإجماع المفسرين من الصحابة والتابعين إلى يومنا هذا .

وما ذكرته السائلة الكريمة عن تلك السيدة التي كتبت هذا الكلام اعتراضا على وجود الكرام الكاتبين ، فهو كلام باطل شرعا وعقلا ، لما يلي :

أولا : اعتراضها على الاستدلال بقوله تعالى : ( وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ) سورة الانفطار /10 ، 11 ، 12 . اعتراض باطل من وجوه :

1-              أن الله تعالى أثبت كونهم يكتبون بقوله :” كاتبين “.

2-              تتابع المفسرين وأهل العلم قاطبة على الاحتجاج بهذه الآية في إثبات الكرام الكاتبين.

ثانيا : قولها أن الأحاديث الواردة في إثبات ذلك أحاديث ضعيفة ، وظنية الثبوت ، قول باطل لما يلي :

1-              أنه قد صح في إثبات الكرام الكاتبين ، وأنهم يكتبون أفعال العباد أحاديث بلغت حدّ التواتر المعنوي ، وهذه بعضها :

·        ما أخرجه البخاري  (7501) ، ومسلم (128) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” يَقُولُ اللَّهُ : إِذَا أَرَادَ عَبْدِي أَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً ، فَلاَ تَكْتُبُوهَا عَلَيْهِ حَتَّى يَعْمَلَهَا ، فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا بِمِثْلِهَا ، وَإِنْ تَرَكَهَا مِنْ أَجْلِي فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْمَلَ حَسَنَةً فَلَمْ يَعْمَلْهَا  فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً ، فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ ” .

·        ما أخرجه مسلم في صحيحه (2969) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَحِكَ ، فَقَالَ: هَلْ تَدْرُونَ مِمَّ أَضْحَكُ؟ قَالَ قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ: ” مِنْ مُخَاطَبَةِ الْعَبْدِ رَبَّهُ ، يَقُولُ: يَا رَبِّ أَلَمْ تُجِرْنِي مِنَ الظُّلْمِ؟ قَالَ: يَقُولُ: بَلَى ، قَالَ: فَيَقُولُ: فَإِنِّي لَا أُجِيزُ عَلَى نَفْسِي إِلَّا شَاهِدًا مِنِّي ، قَالَ: فَيَقُولُ: كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ شَهِيدًا ، وَبِالْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ شُهُودًا ، قَالَ: فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ ، فَيُقَالُ لِأَرْكَانِهِ: انْطِقِي ، قَالَ: فَتَنْطِقُ بِأَعْمَالِهِ ، قَالَ: ثُمَّ يُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَلَامِ ، قَالَ فَيَقُولُ: بُعْدًا لَكُنَّ وَسُحْقًا ، فَعَنْكُنَّ كُنْتُ أُنَاضِلُ ” .

وموضع الشاهد فيه : قوله :” وبالكرام الكاتبين شهودا ” .

·        ما أخرجه أحمد في “مسنده” (7424) ، والترمذي في “سننه” (3600) من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً سَيَّاحِينَ فِي الْأَرْضِ ، فُضُلًا عَنْ كُتَّابِ النَّاسِ ؛ فَإِذَا وَجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَنَادَوْا هَلُمُّوا إِلَى بُغْيَتِكُمْ فَيَجِيئُونَ فَيَحُفُّونَ بِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا … ثم ساق الحديث ” . والحديث صححه الشيخ الألباني في “السلسلة الصحيحة ) (3540)

وموضع الشاهد من الحديث قوله :” فضلا عن كتاب الناس ” ، أي هؤلاء الملائكة السياحين في الأرض : هم زائدون على الملائكة الذين يكتبون أعمال العباد ، قال القاري في “مرقاة المفاتيح” (4/1548) :” قَالَ الْعُلَمَاءُ: مَعْنَاهُ ، عَلَى جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ : أَنَّهُمْ زَائِدُونَ عَلَى الْحَفَظَةِ وَغَيْرِهِمْ ، لَا وَظِيفَةَ لَهُمْ إِلَّا حِلَقُ الذِّكْرِ “. اهـ

·        ما أخرجه الترمذي في “سننه” (2639) من حديث عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ العَاصِ ، قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِنَّ اللَّهَ سَيُخَلِّصُ رَجُلاً مِنْ أُمَّتِي عَلَى رُءُوسِ الخَلاَئِقِ يَوْمَ القِيَامَةِ ، فَيَنْشُرُ عَلَيْهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ سِجِلًّا ، كُلُّ سِجِلٍّ مِثْلُ مَدِّ البَصَرِ ، ثُمَّ يَقُولُ: أَتُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئًا؟ أَظَلَمَكَ كَتَبَتِي الحَافِظُونَ؟ فَيَقُولُ: لاَ يَا رَبِّ ، فَيَقُولُ: أَفَلَكَ عُذْرٌ؟ فَيَقُولُ: لاَ يَا رَبِّ ، فَيَقُولُ: بَلَى إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَةً ، فَإِنَّهُ لاَ ظُلْمَ عَلَيْكَ اليَوْمَ ، فَتَخْرُجُ بِطَاقَةٌ فِيهَا: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، فَيَقُولُ: احْضُرْ وَزْنَكَ ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ مَا هَذِهِ البِطَاقَةُ مَعَ هَذِهِ السِّجِلاَّتِ ، فَقَالَ: إِنَّكَ لاَ تُظْلَمُ ، قَالَ: فَتُوضَعُ السِّجِلاَّتُ فِي كَفَّةٍ وَالبِطَاقَةُ فِي كَفَّةٍ ، فَطَاشَتِ السِّجِلاَّتُ وَثَقُلَتِ البِطَاقَةُ ، فَلاَ يَثْقُلُ مَعَ اسْمِ اللهِ شَيْءٌ ). والحديث  صححه الشيخ ألباني في “السلسلة الصحيحة” (135)

وموضع الشاهد في الحديث قوله :” أظلمك كتبتي الحافظون “.

·        ما أخرجه المروزي في “تعظيم قدر الصلاة” (122) من حديث حذيفة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( إذا قام أحدكم – أو قال : الرجل – في صلاته ، يقبل الله عليه بوجهه ، فلا يبزقن أحدكم في قبلته ، ولا يبزقن عن يمينه ، فإن كاتب الحسنات عن يمينه ، ولكن ليبزق عن يساره ). والحديث صححه الشيخ الألباني في “السلسلة الصحيحة” (1062)

وموضع الشاهد في الحديث قوله :” فإن كاتب الحسنات عن يمينه ” .

·        ما أخرجه الطبراني في “المعجم الكبير” (7765) من حديث أَبِي أُمَامَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ( إِنَّ صَاحِبَ الشِّمَالِ لِيَرْفَعُ الْقَلَمَ سِتَّ سَاعَاتٍ عَنِ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ الْمُخْطِئِ أَوِ الْمُسِيءِ ، فَإِنْ نَدِمَ وَاسْتَغْفَرَ اللهَ مِنْهَا أَلْقَاهَا ، وَإِلَّا كُتِبَتْ وَاحِدَةً )» . والحديث حسنه الشيخ الألباني في “السلسلة الصحيحة” (1209)

وموضع الشاهد من الحديث واضح بين .

·        ما أخرجه أحمد في “مسنده” (13712) من حديث أَنَسٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( إِذَا ابْتَلَى اللهُ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ بِبَلَاءٍ فِي جَسَدِهِ ، قَالَ لِلْمَلَكِ: اكْتُبْ لَهُ صَالِحَ عَمَلِهِ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُ ، فَإِنْ شَفَاهُ ، غَسَلَهُ وَطَهَّرَهُ ، وَإِنْ قَبَضَهُ ، غَفَرَ لَهُ وَرَحِمَهُ ) . والحديث حسنه الشيخ الألباني في “إرواء الغليل” (2/346)

وموضع الشاهد من الحديث قوله :” قَالَ لِلْمَلَكِ: اكْتُبْ لَهُ صَالِحَ عَمَلِهِ “.

·        ما أخرجه أحمد في “مسنده” (6482) من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( مَا أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ يُصَابُ بِبَلَاءٍ فِي جَسَدِهِ إِلَّا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ يَحْفَظُونَهُ فَقَالَ: اكْتُبُوا لِعَبْدِي فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ، مَا كَانَ يَعْمَلُ مِنْ خَيْرٍ ، مَا كَانَ فِي وِثَاقِي ) .

 والحديث جود سنده ابن عبد البر في “الاستذكار” (8/407) ، وصححه الألباني في “السلسلة الصحيحة” (1232)

وموضع الشاهد من الحديث قوله :” إِلَّا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ يَحْفَظُونَهُ فَقَالَ: اكْتُبُوا لِعَبْدِي فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ “.

·        ما أخرجه أحمد في “مسنده” (6895) من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا كَانَ عَلَى طَرِيقَةٍ حَسَنَةٍ مِنْ الْعِبَادَةِ ثُمَّ مَرِضَ قِيلَ لِلْمَلَكِ الْمُوَكَّلِ بِهِ اكْتُبْ لَهُ مِثْلَ عَمَلِهِ إِذَا كَانَ طَلِيقًا حَتَّى أُطْلِقَهُ أَوْ أَكْفِتَهُ إِلَيَّ ).

والحديث حسنه الشيخ الألباني في “السلسلة الصحيحة” (3/233)

وموضع الشاهد من الحديث قوله :” قِيلَ لِلْمَلَكِ الْمُوَكَّلِ بِهِ اكْتُبْ لَهُ مِثْلَ عَمَلِهِ “.

فهذه تسعة أحاديث منها ما هو صحيح ، ومنها ما هو حسن ، كافية لمن أراد الحق .

وأما قولها أنها ” ظنية الثبوت ” ، فهذا باطل من وجهين :

الأول : أنها فضلا عن ثبوت الكرام الكاتبين بنص القرآن ، وهو قطعي الثبوت قطعي الدلالة ، إلا أن الأحاديث الواردة في ثبوت الملائكة الكرام الكاتبين أحاديث متواترة تواترا معنويا ، والمتواتر المعنوي هو ما تواتر معناه دون لفظه ، أي أن تُروى أحاديث مختلفة إلا أنه يتكرر في جميعها معنى معين ، فيكون حينئذٍ من قبيل التواتر المعنوي ، وهذا معلوم عند أهل العلم بلا خلاف ، قال السخاوي في “فتح المغيث” (3/43) :” والشيخ أبو إسحاق الشيرازي قال بعد ذكر الأحاديث المروية عن النبي صلى الله عليه و سلم في غسل الرجلين : لا يقال إنها أخبار آحاد ، لأن مجموعها تواتر معناه ، وكذا ذكر غيره في التواتر المعنوي كشجاعة علي وجود حاتم وأخبار الدجال “. اهـ

وقد تبين أن الأحاديث السابق ذكرها تكرر فيها ذكر الملائكة الكتبة الحفظة .

الثاني : أن دعوى أن الحديث ” ظني الثبوت ” لأجل ترك العمل به طريقة لأهل البدع كالمعتزلة وغيرهم ، وأهل السنة قاطبة يحتجون بالحديث إذا صح إسناده ، في العقائد والأحكام دون فرق .

يقول الإمام الشافعي رحمه الله في “الرسالة” (ص 453) :” ولو جاز لأحد من الناس أن يقول في علم الخاصة: أجمع المسلمون قديما وحديثاً على تثبيت خبر الواحد ، والانتهاء إليه ، بأنه لم يُعلم من فقهاء المسلمين أحد ، إلا وقد ثبَّته ؛ جاز لي.

ولكنْ أقول: لم أحفظ عن فقهاء المسلمين أنهم اختلفوا في تثبيت خبر الواحد “. اهـ

 وقال ابن بطال في “شرح صحيح البخاري” (10/385) :” انعقد الإجماع على القول بالعمل بأخبار الآحاد ، وبطل قول من خرج عن ذلك من أهل البدع “. اهـ .

 وقال ابن عبد البر في “التمهيد” (1/2) :” وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالْأَثَرِ فِي جَمِيعِ الْأَمْصَارِ فِيمَا عَلِمْتُ عَلَى قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ ، وَإِيجَابِ الْعَمَلِ بِهِ : إِذَا ثَبَتَ ، وَلَمْ يَنْسَخْهُ غَيْرُهُ مِنْ أَثَرٍ أَوْ إِجْمَاعٍ ، عَلَى هَذَا جَمِيعُ الْفُقَهَاءِ فِي كُلِّ عَصْرٍ مِنْ لَدُنِ الصَّحَابَةِ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا؛ إِلَّا الْخَوَارِجَ وَطَوَائِفَ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ شِرْذِمَةٌ لَا تُعَدُّ خِلَافًا “. اهـ

ومن أراد التوسع فليرجع إلى رسالة الشيخ الألباني ” الحديث حجة بنفسه في العقائد والأحكام “.

ثالثا : ما نقلته السائلة الكريمة عن صاحبة الفتوى : أن الأحاديث تخالف المعني اللغوي للآيات، حيث إن الآيات تقول : ( إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ). سورة ق/17 ، 18 ، ومعنى القعيد : هو المداوم الذي لا يفارق بحال ، وأن الأحاديث فيها أن الحفظة يفارقون العبد عند الغائط والجنابة والغسل = فهو أيضا فهم خاطئ، لما يلي :

1-  أن الأحاديث الواردة في أن الكرام الكاتبين يفارقون العبد عند ثلاث ( الغائط والجنابة والغسل ) أحاديث ضعيفة لا تثبت ، وقد رويت عن ابن عباس وزيد بن ثابت رضي الله عنهما .

أما حديث ابن عباس فأخرجه البزار في “مسنده” (4799) من حديث  ابنِ عباس ، رَضِي الله عنه ، قال : قال رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم : إن الله ينهاكم عن التعري فاستحيوا من ملائكة الله الذين معكم الكرام الكاتبين الذين لا يفارقونكم إلاَّ عند إحدى ثلاث حالات : الغائط والجنابة والغسل فإذا اغتسل أحدكم بالعراء فليستتر بثوبه ، أو بخذمة حائط ، أو ببعيره “.

فهذا حديث ضعيف ، ضعفه الشيخ الألباني في “السلسلة الضعيفة” (2243) .

وأما حديث زيد بن ثابت فأخرجه البيهقي في “شعب الإيمان” (7345) من حديث زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” أَلَمْ أَنْهَكُمْ عَنِ التَّعَرِّي ، إِنَّ مَعَكُمْ مَنْ لَا يُفَارِقُكُمْ فِي نَوْمٍ وَلَا يَقَظَةٍ ، إِلَّا حِينَ يَأْتِي أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ أَوْ حِينَ يَأْتِي خَلَاءَهُ ، أَلَا فَاسْتَحْيُوهَا ، أَلَا فَأَكْرِمُوهَا ” .

وهو حديث ضعيف جدا أيضا ، وقد ضعفه الشيخ الألباني في “السلسلة الضعيفة” (2300) .

2-  أن أهل العلم منهم من يقول أن الحفظة لا تفارق العبد بحال ، قال ابن حمدان في “نهاية المبتدئين” (ص 53):” الرَّقِيبُ وَالْعَتِيدُ : مَلَكَانِ مُوَكَّلَانِ بِالْعَبْدِ ، نُؤْمِنَ بِهِمَا ، وَنُصَدِّقَ بِأَنَّهُمَا يَكْتُبَانِ أَفْعَالَهُ ، كَمَا قَالَ  تَعَالَى -: (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) ، وقوله تعالى :” وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين ” ، ولا يفارقانه بحال ، وقيل عند الخلاء “. اهـ .

 ولو ثبت حديث المفارقة فيكون معناه الابتعاد شيئا قليلا ، وليس المفارقة التامة ، قال ابن حجر الهيتمي في “فتاويه” (ص25) :” علم مِمَّا قدمْنَاهُ : أَن مَلَائِكَة الْحِفْظ الموكلين بالإنسان : ينقسمون إِلَى أَن مِنْهُم من هُوَ مُوكل بِالْحِفْظِ لَا غير ، وَمِنْهُم ، وهما الكاتبان الكريمان : من هُوَ مُوكل بِالْحِفْظِ وَالْكِتَابَة . وَورد فِي هذَيْن أَنهم يفارقون الْإِنْسَان. فقد أخرج الْبَزَّار عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:” إِن الله يَنْهَاكُم عَن التعري فاستحيوا من مَلَائكَته الَّذين مَعكُمْ الْكِرَام الْكَاتِبين الَّذين لَا يفارقونكم إِلَّا عِنْد أحد ثَلَاث الْجَنَابَة وَالْغَائِط وَالْغسْل” . وَظَاهر : أَنه لَيْسَ المُرَاد هُنَا الْمُفَارقَة بِالْكُلِّيَّةِ بل يبعدون عَنهُ حينئذٍ نوع بعد “. اهـ

وينظر للفائدة : جواب السؤال رقم (147161).

3- أن غاية ما يقال في معنى : “رقيب عتيد” أن هذا وصف للملكين ، وليس هذا هو اسمهما الذي هو علم عليهما ، وهذا لا إشكال فيه ، ما دام قد ثبت أن هنا ملكين يحصيان على العباد أعمالهم ، ويكتبانها ، عن اليمين وعن الشمال .

وقد بيان ذلك في جواب السؤال رقم (148026).

ومما سبق يتبين بطلان ما اعترضت به صاحبة الفتوى ، وأن كلامها مخالف للقرآن والسنة وإجماع الأمة ، ونوصي الأخت السائلة الكريمة أن تتجنب أمثال هذه الفتاوى المغلوطة ، وأن تأخذ العلم عن أهله المتحققين به ، والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android