ترك لي الوالد قبل وفاته مبلغا من المال على أن يتم إيداعه فى البنك على أن انتفع بأرباحه حال حياته ، أو أن توزع أرباحه لأعمال الخير حال وفاته، وأوصى الوالد بذلك ، هل هذه الوصية واجبة النفاذ ؟ أم يرد أصل المال إلى الورثة الشرعيين ؟ علما إنه مبلغ بسيط ، وقد أوصى بما ذكرته على أن يكون صدقة جارية عنه .
أوقف المال على نفسه ثم على أوجه الخير بعد مماته .
السؤال: 270573
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
إذا تبرع الإنسان بربح ماله لا بأصله وجعل ذلك على الدوام فهذا وقف .
وبناء على هذا ؛ فحقيقة التصرف الذي فعله والدك أنه أوقف هذا المال على أن توزع أرباحه في أوجه الخير بعد وفاته ، وهذا التصرف يحتمل أنه أوقفه على نفسه ثم على أوجه الخير بعد وفاته.
ويحتمل أنه أوقفه على أوجه الخير لكنه استثنى الانتفاع بالأرباح في حياته .
وهذان الاحتمالان لا يحمل عليهما تصرف والدك ، لأن الوقف على النفس أو الوقف مع استثناء المنفعة مدة الحياة ليست من الأقوال المشهورة في بلادكم ، فإنه لم يقل بذلك إلا الحنابلة ، فمثل هذه المسائل لا يعرفها إلا من درس الفقه ، فلا تحمل عليها تصرفات عامة الناس .
ينظر : الإنصاف (7/16، 18) ، الموسوعة الفقهية (44/143) .
وعلى هذا ؛ فلم يبق إلا أن والدك أراد الوصية بوقف هذا المال بعد وفاته ، وتصرف أرباحه في أوجه الخير .
وهي وصية جائزة ، ويجب على الورثة تنفيذها إذا كان هذا المبلغ لا يزيد عن ثلث التركة .
وما زاد عن الثلث فإن الوصية فيه لا تنفذ إلا برضى الورثة .
قال ابن قدامة رحمه الله في “المغني” (8/216) :
“فَأَمَّا إذَا قَالَ : هُوَ وَقْفٌ بَعْدَ مَوْتِي ، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ أَنَّهُ يَصِحُّ ، وَيُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ كَسَائِرِ الْوَصَايَا وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ .
…
ويدل عَلَى صِحَّةِ الْوَقْفِ الْمُعَلَّقِ بِالْمَوْتِ ، مَا احْتَجَّ بِهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ عُمَرَ وَصَّى ، فَكَانَ فِي وَصِيَّتِهِ : هَذَا مَا أَوْصَى بِهِ عَبْدُ اللَّهِ عُمَرُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، إنْ حَدَثَ بِهِ حَدَثٌ : أَنَّ ثَمْغًا صَدَقَةٌ [أرض بالمدينة] صدقة … رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِنَحْوٍ مِنْ هَذَا ، وَهَذَا نَصٌّ فِي مَسْأَلَتِنَا ، وَوَقْفُهُ هَذَا كَانَ بِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلِأَنَّهُ اشْتَهَرَ فِي الصَّحَابَةِ ، فَلَمْ يُنْكَرْ ، فَكَانَ إجْمَاعًا” انتهى .
وقال المرداوي في “الإنصاف” (16/398) :
“إذا قال : هو وَقْفٌ مِن بعدِ مَوْتِي، فيَصِحَّ في قَوْلِ الخِرَقيِّ. وهو المذهبُ…
فعلى المذهبِ، يُعْتَبَرُ مِنَ الثلُثِ” انتهى .
وينظر السؤال رقم (111918) .
ثانيا :
ما دام الوالد قد أوصاك بذلك : فالواجب عليك أن تنفذ تلك الوصية – في حدود ثلث التركة كما سبق – ولا يجوز أن يرد المال إلى التركة ، لأن الوصية مقدمة على حق الورثة ، قال الله تعالى في تقسيم الميراث : (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ) النساء/11 .
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
“يجب على القائم على تنفيذ الوصية أن يتقي الله سبحانه وتعالى في هذه الوصية، وذلك بتنفيذها كما حدده الموصي، فإنه مؤتمن فيما وكل إليه.
الشيخ بكر أبو زيد … الشيخ صالح الفوزان … الشيخ عبد الله بن غديان … الشيخ عبد العزيز آل الشيخ … الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز” انتهى من “فتاوى اللجنة الدائمة” (16/350) .
وقالوا أيضا (16/369) :
“يجب على الولي في الوصية الشرعية أن ينفذها، فإن لم ينفذ الوصي الوصية ، أو أساء تنفيذها فإن الوزر على الولي، قال تعالى: (فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) .وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
الشيخ عبد الله بن غديان … الشيخ عبد الرزاق عفيفي … الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز” انتهى .
ثالثا :
إذا كان المال مودعا في بنك ربوي ، فإن هذا محرم ومن كبائر الذنوب ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم : (لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه ، وقال : هم سواء) رواه مسلم (1598) .
والواجب سحب هذا المبلغ من البنك الربوي ، وإيداعه في بنك إسلامي ، أو في استثمار شرعي آمن ، يغلب فيه السلامة .
رابعا :
الوصية بصرف أرباح المال لأعمال الخير ، تشمل جميع أعمال الخير ، كالصدقة على الفقراء والمساكين والمساهمة في بناء المساجد .. ونحو ذلك .
وأقارب الوالد الفقراء والمحتاجون : هم أولى بهذه الأموال .
لأن “القرابة أحق في الحياة بالصدقة والصلة، وبعد الموت بالوصية” الشرح الكبير (18/163) .
فتعطي أقاربك من جهة الوالد من هذا الوقف .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة