0 / 0
42,34901/10/2017

يسأل: لماذا خلق الله الخلق وهو يعلم أن أكثرهم لن يؤمن به؟

السؤال: 271769

أرجو منكم إعطائي إجابة وافية وكافية قدر المستطاع عن سؤالي ، راجياً عدم التطرق للأجوب التقليدية التي أكاد أحفظها. أنا شاب في العشرينيات ن أحب القراءة والأطلاع على الثقافات الأخرى ، أحفظ نصف القرآن تقريباً ، وأقرأه باستمرار، واجهتني العديد من الشكوك حول الإسلام فيما مضى ، واستطعت أن أجد الإجابة عنها ، ولكن كلما قرأت أكثر عن الإسلام وعن الأديان بشكل عام وجدت أنها تحوي العديد من الخرافات ، وأن الدين والعلم الحديث خطان متوازيان لا يمكن أن يلتقيا ، فالدين ينفي نظريات علمية مثبتة والمستخدمة في حياتنا اليومية بشكل قاطع ، مما أثار شكوكي . سؤالي هو: لماذا خلقنا الله وهو يعلم أن معظمنا لن يؤمن به وأن معظمنا سيذهب إلى جهنم ؟ ولماذا كل هذه الأديان والاختلافات فيما بينها ؟ وإذا كان الله هو خالق كل شيء فمن خلق الله ؟ ألا يتنافى ذلك مع منطقنا البشري ؟ علماً أني قرأت الحديث الذي مفاده أن من أتى خاطره هكذا سؤال فليستعذ بالله ولينته!! كيف لي أن أؤمن والإيمان يمنعي من أن أفكر منطقياً؟ ألم يقل الله في القرآن : ( قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ) ؟ ومما يزيد شكوكي حول هذا الأمر أن الدول العلمانية هي الدول المتقدمة اقتصادياً وسياسياً وعلمياً ، وأن المسلمين هم أكثر الشعوب تخلفاً ، خصوصاً في بلادنا العربية ، وكيف كان المسلمين يقتلون العلماء ، ويتهمونهم بالإلحاد في العصور الماضية حين يطرح أولئك نظريات جديدة ، كما حصل بالذات مع الفلكي غاليلو غاليليه . أعتذر عن الإطالة ، وأرجو منكم إعطائي الجواب الشافي الذي يبين لي جادة الصواب ، وشكراً.

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :

لقد آلمتنا رسالتك أشد الألم ، لما وصل إليه الحال ببعض المسلمين إلى الشك في أحقية الإسلام، مع الجهل بحقيقة هذا الدين وعلاقته بالعقل والعلم ، وإلصاق التهم به التي يرددها أعداؤه ، من غير بصيرة ولا تعقل ولا تدبر .

ونحن نقول لك حقيقة ظاهرة ساطعة ولكنها خفية عمن تعامى عنها وأغلق عينيه فلم يرها :

لم يطعن أحد في دين الإسلام إلا أحد رجلين :

إما أن يكون صاحب هوى ، ويعلم الحق ويخالفه عمدا ، وإما أن يكون جاهلا بحقيقة الإسلام ، فينسب إليه ما هو بريء منه ، ثم يطلق عليه الاتهامات !!

ثانيا :

يجب أن تعلم أنه مهما بلغ الإنسان من الذكاء وقوة العقل، وحصل على ما حصل عليه من الشهادات والدرجات العلمية ، فإنه إذا لم يهتد بنور الوحي، فإنه سيكون في ضلال ، وسيتناقض، ويأتي بما يخالفه فيه كل العقلاء ، وهو يظن أنه أكمل الناس عقلا وذكاء !!

واعتبر ذلك بمن مضوا، ممن وصفوا بأنهم من “أذكياء العالم” ، ولكنهم حين اعتمدوا على عقولهم، وتركوا نور الله : ضلوا ، ولم يبلغوا حقيقة العلم ، ولا شفاء الصدور !!

وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن الفلاسفة : “وَمَنْ عَلِمَ أَنَّ الْمُتَكَلِّمِينَ مِنْ الْمُتَفَلْسِفَةِ وَغَيْرِهِمْ ، فِي الْغَالِبِ : (لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ * يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ) ، يَعْلَمُ الذَّكِيُّ مِنْهُمْ وَالْعَاقِلُ: أَنَّهُ لَيْسَ هُوَ فِيمَا يَقُولُهُ عَلَى بَصِيرَةٍ ، وَأَنَّ حُجَّتَهُ لَيْسَتْ بِبَيِّنَةٍ ، وَإِنَّمَا هِيَ كَمَا قِيلَ فِيهَا:

حُجَجٌ تهافت كَالزَّجَّاجِ تَخَالُهَا * حَقًّا وَكُلُّ كَاسِرٍ مَكْسُورٌ

وَيَعْلَمُ الْعَلِيمُ الْبَصِيرُ بِهِمْ : أَنَّهُمْ ، مِنْ وَجْهٍ : مُسْتَحِقُّونَ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، حَيْثُ قَالَ: حُكْمِي فِي أَهْلِ الْكَلَامِ أَنْ يُضْرَبُوا بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ ، وَيُطَافُ بِهِمْ فِي الْقَبَائِلِ وَالْعَشَائِرِ ، وَيُقَالُ: هَذَا جَزَاءُ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، وَأَقْبَلَ عَلَى الْكَلَامِ.

وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ إذَا نَظَرْت إلَيْهِمْ بِعَيْنِ الْقَدَرِ – وَالْحَيْرَةُ مُسْتَوْلِيَةٌ عَلَيْهِمْ ، وَالشَّيْطَانُ مُسْتَحْوِذٌ عَلَيْهِمْ – : رَحِمَتْهُمْ ، وَتَرَّفِّقْت بِهِمْ؛ أُوتُوا ذَكَاءً، وَمَا أُوتُوا زكَاءً، وَأُعْطُوا فُهُومًا ، وَمَا أُعْطُوا عُلُومًا ، وَأُعْطُوا سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً ؛ (فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) .

وَمَنْ كَانَ عَلِيمًا بِهَذِهِ الْأُمُورِ: تَبَيَّنَ لَهُ بِذَلِكَ حِذْقُ السَّلَفِ ، وَعِلْمُهُمْ وَخِبْرَتُهُمْ ؛ حَيْثُ حَذَّرُوا عَنْ الْكَلَامِ ، وَنَهَوْا عَنْهُ ، وَذَمُّوا أَهْلَهُ وَعَابُوهُمْ . وَعَلِمَ أَنَّ مَنْ ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لَمْ يَزْدَدْ مِنْ اللَّهِ إلَّا بُعْدًا.

فَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ أَنْ يَهْدِيَنَا صِرَاطَهُ الْمُسْتَقِيمَ ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ ، غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ آمِينَ. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَصَلَاتُهُ وَسَلَامُهُ عَلَى مُحَمَّدٍ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ” انتهى من “مجموع الفتاوى” (5/119) .

فاحذر يا عبد الله من أن تبتعد عن الكتاب والسنة ، أو تطلب الهدى من غيرهما .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

“فَمَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ الْخَارِجِينَ عَنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ جَمِيعِ فُرْسَانِ الْكَلَامِ وَالْفَلْسَفَةِ إلَّا وَلَا بُدَّ أَنْ يَتَنَاقَضَ ، فَيُحِيلَ مَا أَوْجَبَ نَظِيرَهُ ، وَيُوجِبُ مَا أَحَالَ نَظِيرَهُ ، إذْ كَلَامُهُمْ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا)” انتهى من “مجموع الفتاوى” (13/305) .

وبيان ذلك :

  1. أنك ذكرت أنك وجدت أن الأديان – بما فيها الإسلام – تحوي العديد من الخرافات .

ونحن لا يعنينا الحديث عن سائر الأديان فإننا نوافقك على أن فيها خرافات لأنها ليست من عند الله ، ولكن .. أين هي تلك الخرافات التي تنسبها إلى الإسلام ؟!

فلعلك قرأت مقالا أو كتابا لأحد أعداء الإسلام ، نسب فيه إلى الإسلام ما هو بريء منه ، حتى يتمكن من الطعن في الإسلام ، فظننت – لنقص علمك بالإسلام – أن هذا هو الإسلام فعلا ، وأنه يحوي على بعض الخرافات ، والأمر في حقيقته ليس كذلك ، ولكنك أُتِيت من عدم علمك بالإسلام حق العلم .

ولذلك فنحن ننصحك بالقراءة عن الإسلام من كتب الإسلام المعتبرة نفسها ، فهذا القرآن الكريم وتفاسيره المعتمدة ، كابن جرير الطبري وابن كثير والقرطبي .. وغيرهم .

وهذه كتب السنة الصحيحة وشروحها .

وهذه كتب الفقه والسيرة والأدب والأخلاق .. التي ألفها علماء معتبرون ، قديما وحديثا .

أما أن تأخذ الإسلام من أعدائه أو جهاله أو منافقيه – فقطعا – لن يكون هذا هو الإسلام الذي ارتضاه الله لنا دينا .

ولذلك فنحن نطالبك بأن تبين لنا هذه الخرافات التي تدعي أنها موجودة في الإسلام حتى نتبين أمرها وننظر فيها ، ولكنك لم تذكر ولو خرافة واحدة .

2- وذكرت تعارض الدين – ومنه الإسلام – والعلم ، وأن الدين ينفي حقائق علمية ثابتة بشكل قاطع ..

ونحن نتساءل : أين هذا التعارض ؟ وأين تلك الحقائق العلمية الثابتة والتي نفاها الإسلام ؟

ونحن نجيب بشكل قاطع : لا وجود لذلك في ديننا ، فالإسلام حث على العلم وحض عليه ، وقد كان علماء المسلمين يخترعون ويكتشفون والدنيا كلها من حولهم في ظلام دامس تتخبط في الجهل والتخلف .

وبحسبك أن تقرأ ما كتبه المنصفون من مؤرخي الغرب وعلمائهم ، عن : تاريخ العلوم في الإسلام ، وتاريخ الحضارة الإسلامية ، وعظمتها .

3- وأما كون الإيمان يمنعك من أن تفكر تفكيرا منطقيا .. فلا ندري عن أي منطق تتحدث ؟

عن المنطق الذي يريد أن يجعل الخالق مخلوقا؟

والذي يريد أن يجعل الأول الذي لا ابتداء له ، ولم يُسبق بعدم ، يريد أن يجعله مخلوقا مسبوقا بعدم ؟

فهل هذا هو المنطق الذي تريده ؟

إن المنطق الصحيح هو الذي يؤدي إلى نتائج صحيحة ، عن طريق قضايا عقلية صحيحة .

أما تركيب قضايا فاسدة ، وبناء النتائج عليها : فهذا شأن المسفسطين ، وأهل الباطل ، لا طلاب الحقائق .

وما ذكرته من شأن السؤال : فيمن خلق الله ، إنما هو وساوس شيطانية يلقيها الشيطان في نفس ابن آدم ويخدعه حتى يظن أنها هي العقل والمنطق فتستقر في قلبه .

ومن أجل ذلك أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أشرت إليه أن من عرض له شيء من هذه الوساوس أن يستعيذ بالله تعالى من الشيطان الرجيم ولينته ، لأن هذه الأفكار هي مجرد وساوس من الشيطان ، لا علاقة لها بالعقل والمنطق .

فهذا هو ما نهاك عنه الشرع .

وانظر السؤال رقم (6660) ، (225512) .

أما التفكير العقلي المنطقي الصحيح فإن الشرع لا ينهاك عنه ، بل يأمرك به ، فانظر إلى نفسك وإلى الكون جميعه من حولك وتأمل ذلك .

وانظر الحكمة التي خلقت من أجلها .

والغاية التي تسير إليها ، فاستعد واعمل لذلك .

هذا الكون من حولك خلقه الله لك ، فتأمل فيه ، وأعمل عقلك واكتشف واخترع وجرب .. حتى تفيد نفسك والمجتمع والناس جميعا . فهل الإسلام منعك من شيء من هذا ؟

ولكن للأسف !!

كثير من الناس – أو أكثرهم – تركوا ما خلقوا من أجله وما أمروا به ، وانشغلوا بما لم يخلقوا من أجله ولم يؤمروا به ، بل نهوا عنه .

إننا نخاطبك هنا بصفتك مسلما تحفظ كثيرا من القرآن وتقرؤه باستمرار .

مالك ولسؤال الخالق جل وعلا : لماذا خلقك ؟

فهل هذا هو الأدب مع الله ؟ وهل هذا هو تعظيم الله الواجب على كل مسلم ؟

إنه ليس لك ولا لغيرك أن يسأل الله تعالى : لماذا فعلتَ كذا ، قال الله تعالى : (لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) الأنبياء/23 .

هل تدري لماذا لا يُسأل الله عما يفعل ؟ ذلك لكمال سلطانه وعلمه وحكمته ، فلا يفعل إلا أحسن الأشياء وأحكم وأتقن الأشياء ، علم ذلك من علمه وجهله من جهله ، فدعك مما لا يحل لك ، ولا شأن لك به ، واهتم بشأنك وما ستُسأل عنه (وَهُمْ يُسْأَلُونَ).

فإنك تعتقد – بصفتك مسلما – أن الله خلقك وكلفك بشريعة (أوامر ونواهٍ) وجعل مدة الاختبار والعمل هي حياتك ، وبنهايتها تبدأ مرحلة الحساب على ما قدمته من عمل ، حتى ينتهي الأمر إلى البعث والحساب والعرض الأكبر ، ثم إما إلى جنة وإما إلى نار .

فإن كنت تعتقد ذلك كله ، كما هو شأن المسلم ، وكما هو الواجب عليك : فعليك بما خلقت من أجله ، وأمرت به ، ودع عنك ما وراء ذلك ، فما هي إلا وساوس عدوك الشيطان يريد منك أن تصاحبه في نار جهنم ، (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) فاطر/6 .

4- وأما تخلف الدول الإسلامية وتقدم الدول العلمانية ، فلا علاقة للإسلام بذلك ، فالإسلام أمر أتباعه بالعلم والعمل والبحث والاستفادة من السنن والقوانين التي جعلها الله في الكون ، ولكنهم لم يفعلوا ذلك فتخلفوا ، فما ذنب الإسلام في هذا ؟

وهل كل من ترك الإسلام ، أو من لم يدخل فيه أصالة : صار عالما ، غنيا ، قويا .. ؟

5- وأما كثرة الأديان والاختلاف بينها .

فالدين عند الله تعالى دين واحد ، وهو دين الإسلام ، وهو دين الانبياء جميعا من آدم إلى خاتمهم نبينا محمد ، عليهم جميعا الصلاة والسلام (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ) آل عمران/19 .

ولو اتبع الناس الأنبياء لم يقع بينهم اختلاف في الدين ، ولكن أكثر الناس لم يرض باتباع الأنبياء ، وسلم قياده للشيطان والنفس والهوى والعقل القاصر ، فأدى بهم ذلك في النهاية إلى اختراع أديان ومذاهب وملل حسب أمزجتهم وما تهواه أنفسهم ، وقد كان كل أولئك يظنون أو يرون أنهم أعقل الناس وأكثرهم تفكيرا منطقيا ، وهم في الحقيقة يعبدون الشيطان ، الذي أمرهم بالكفر فكفروا وزين لهم أعمالم فاتبعوه .

قال الله تعالى : (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ * وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ)60-62 .

وانظر السؤال رقم (175339) .

وسوف يعترف هؤلاء بأنهم لم ينتفعوا من نعمة العقل بشيء ، حين ضلوا عن صراط الله المستقيم في الدنيا ؛ لكن : ساعة لا ينفعهم ذلك الاعتراف بشيء : (وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ) الملك/10 .

فاستمسك يا عبد الله بما جاءك من البينات والهدى ، وحبل الله المستقيم .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

” وَفِي الحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ عَن الْحَارِث عَن عَليّ ، عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم . وَرَوَاهُ أَبُو نعيم الْأَصْفَهَانِي وَغَيره من طرق عديدة عَن عَليّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ، فِي الْقُرْآن ، الحَدِيث الْمَعْرُوف :

( قَالَ : قلت يَا رَسُول الله ، سَتَكُون فتن ؛ فَمَا الْمخْرج مِنْهَا ؟

قَالَ كتابُ الله ، فِيهِ نبأ مَا قبلكُمْ ، وَخبر مَا بعدكم ، وَحكم مَا بَيْنكُم .

هُوَ الْفَصْل لَيْسَ بِالْهَزْلِ ، من تَركه من جَبَّار قصمه الله ، وَمن ابْتغى الْهدى فِي غَيره أضلّهُ الله، وَهُوَ حَبل الله المتين ، وَهُوَ الذّكر الْحَكِيم ، وَهُوَ الصِّرَاط الْمُسْتَقيم ، وَهُوَ الَّذِي لَا تزِيغ بِهِ الْأَهْوَاء، وَلَا تخْتَلف بِهِ الآراء ، وَلَا تَلْتَبِس بِهِ الألسن ، وَلَا يخلق عَن كَثْرَة الرَّد .

وَلَا تنقضى عجائبه ، وَلَا يشْبع مِنْهُ الْعلمَاء !!

من قَالَ بِهِ صدق ، وَمن حكم بِهِ عدل ، وَمن عمل بِهِ أُجِر ، وَمن دَعَا إِلَيْهِ ، هُدي إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم ) .

فَقَوله : ( من تَركه من جَبَّار قصمه الله ، وَمن ابْتغى الْهدى فِي غَيره أضلّهُ الله ) : يُنَاسب قَوْله تَعَالَى : ( كَذَلِك يضل الله من هُوَ مُسْرِف مرتاب ) [سُورَة غَافِر 34] ، وَكَذَلِكَ قَوْله : ( كَذَلِك يطبع الله على كل قلب متكبر جَبَّار ) سُورَة غَافِر 35 .

فَذكر ضلال الأول ، وَذكر تجبر الثَّانِي !!

وَذَلِكَ : لِأَن الاول مرتاب ، ففاته الْعلم ، حَيْثُ ابْتغى الْهدى فِي غَيره .

وَالثَّانِي : جَبَّار عمل ، بِخِلَاف مَا فِيهِ ، فقصمه الله .

وَهَذَانِ الوصفان : يجمعان الْعلم ، وَالْعَمَل .

وَفِي ذَلِك بَيَان : أن كل علمِ دينٍ ، لَا يُطْلب من الْقُرْآن ، فَهُوَ ضلال ، كفاسد كَلَام الفلاسفة والمتكلمة والمتصوفة والمتفقهة .

وكل عَاقل يتْرك كتاب الله ، مرِيدا للعلو فِي الارض وَالْفساد : فإن الله يقصمه .

فالضال : لم يَحصل لَهُ الْمَطْلُوب ، بل يُعذب بِالْعَمَلِ الَّذِي لَا فَائِدَة فِيهِ .

والجبار : حصل لَذَّة ، فقصمه الله عَلَيْهَا .

فَهَذَا : عُذِّب بِإِزَاءِ لذاته الَّتِي طلبَهَا بِالْبَاطِلِ .

وَذَلِكَ : يعذب بسعيه الْبَاطِل ، الَّذِي لم يفده !! ” انتهى، من “الاستقامة” (1/20-21) .

وننصحك بالعناية بقراءة ومدارسة : كتاب “مشكلة الشر” وكتاب ” من خلق الله ” ، كلاهما للدكتور سامي عامري ، حفظه الله .

نسأل الله تعالى لك الهداية والتوفيق إلى ما فيه خيركم في الدنيا والآخرة .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android