أرجو منكم إعطائي إجابة وافية وكافية قدر المستطاع عن سؤالي ، راجياً عدم التطرق للأجوب التقليدية التي أكاد أحفظها. أنا شاب في العشرينيات ن أحب القراءة والأطلاع على الثقافات الأخرى ، أحفظ نصف القرآن تقريباً ، وأقرأه باستمرار، واجهتني العديد من الشكوك حول الإسلام فيما مضى ، واستطعت أن أجد الإجابة عنها ، ولكن كلما قرأت أكثر عن الإسلام وعن الأديان بشكل عام وجدت أنها تحوي العديد من الخرافات ، وأن الدين والعلم الحديث خطان متوازيان لا يمكن أن يلتقيا ، فالدين ينفي نظريات علمية مثبتة والمستخدمة في حياتنا اليومية بشكل قاطع ، مما أثار شكوكي . سؤالي هو: لماذا خلقنا الله وهو يعلم أن معظمنا لن يؤمن به وأن معظمنا سيذهب إلى جهنم ؟ ولماذا كل هذه الأديان والاختلافات فيما بينها ؟ وإذا كان الله هو خالق كل شيء فمن خلق الله ؟ ألا يتنافى ذلك مع منطقنا البشري ؟ علماً أني قرأت الحديث الذي مفاده أن من أتى خاطره هكذا سؤال فليستعذ بالله ولينته!! كيف لي أن أؤمن والإيمان يمنعي من أن أفكر منطقياً؟ ألم يقل الله في القرآن : ( قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ) ؟ ومما يزيد شكوكي حول هذا الأمر أن الدول العلمانية هي الدول المتقدمة اقتصادياً وسياسياً وعلمياً ، وأن المسلمين هم أكثر الشعوب تخلفاً ، خصوصاً في بلادنا العربية ، وكيف كان المسلمين يقتلون العلماء ، ويتهمونهم بالإلحاد في العصور الماضية حين يطرح أولئك نظريات جديدة ، كما حصل بالذات مع الفلكي غاليلو غاليليه . أعتذر عن الإطالة ، وأرجو منكم إعطائي الجواب الشافي الذي يبين لي جادة الصواب ، وشكراً.
يسأل: لماذا خلق الله الخلق وهو يعلم أن أكثرهم لن يؤمن به؟
السؤال: 271769
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
لقد آلمتنا رسالتك أشد الألم ، لما وصل إليه الحال ببعض المسلمين إلى الشك في أحقية الإسلام، مع الجهل بحقيقة هذا الدين وعلاقته بالعقل والعلم ، وإلصاق التهم به التي يرددها أعداؤه ، من غير بصيرة ولا تعقل ولا تدبر .
ونحن نقول لك حقيقة ظاهرة ساطعة ولكنها خفية عمن تعامى عنها وأغلق عينيه فلم يرها :
لم يطعن أحد في دين الإسلام إلا أحد رجلين :
إما أن يكون صاحب هوى ، ويعلم الحق ويخالفه عمدا ، وإما أن يكون جاهلا بحقيقة الإسلام ، فينسب إليه ما هو بريء منه ، ثم يطلق عليه الاتهامات !!
ثانيا :
يجب أن تعلم أنه مهما بلغ الإنسان من الذكاء وقوة العقل، وحصل على ما حصل عليه من الشهادات والدرجات العلمية ، فإنه إذا لم يهتد بنور الوحي، فإنه سيكون في ضلال ، وسيتناقض، ويأتي بما يخالفه فيه كل العقلاء ، وهو يظن أنه أكمل الناس عقلا وذكاء !!
واعتبر ذلك بمن مضوا، ممن وصفوا بأنهم من “أذكياء العالم” ، ولكنهم حين اعتمدوا على عقولهم، وتركوا نور الله : ضلوا ، ولم يبلغوا حقيقة العلم ، ولا شفاء الصدور !!
وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن الفلاسفة : “وَمَنْ عَلِمَ أَنَّ الْمُتَكَلِّمِينَ مِنْ الْمُتَفَلْسِفَةِ وَغَيْرِهِمْ ، فِي الْغَالِبِ : (لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ * يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ) ، يَعْلَمُ الذَّكِيُّ مِنْهُمْ وَالْعَاقِلُ: أَنَّهُ لَيْسَ هُوَ فِيمَا يَقُولُهُ عَلَى بَصِيرَةٍ ، وَأَنَّ حُجَّتَهُ لَيْسَتْ بِبَيِّنَةٍ ، وَإِنَّمَا هِيَ كَمَا قِيلَ فِيهَا:
حُجَجٌ تهافت كَالزَّجَّاجِ تَخَالُهَا * حَقًّا وَكُلُّ كَاسِرٍ مَكْسُورٌ
وَيَعْلَمُ الْعَلِيمُ الْبَصِيرُ بِهِمْ : أَنَّهُمْ ، مِنْ وَجْهٍ : مُسْتَحِقُّونَ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، حَيْثُ قَالَ: حُكْمِي فِي أَهْلِ الْكَلَامِ أَنْ يُضْرَبُوا بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ ، وَيُطَافُ بِهِمْ فِي الْقَبَائِلِ وَالْعَشَائِرِ ، وَيُقَالُ: هَذَا جَزَاءُ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، وَأَقْبَلَ عَلَى الْكَلَامِ.
وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ إذَا نَظَرْت إلَيْهِمْ بِعَيْنِ الْقَدَرِ – وَالْحَيْرَةُ مُسْتَوْلِيَةٌ عَلَيْهِمْ ، وَالشَّيْطَانُ مُسْتَحْوِذٌ عَلَيْهِمْ – : رَحِمَتْهُمْ ، وَتَرَّفِّقْت بِهِمْ؛ أُوتُوا ذَكَاءً، وَمَا أُوتُوا زكَاءً، وَأُعْطُوا فُهُومًا ، وَمَا أُعْطُوا عُلُومًا ، وَأُعْطُوا سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً ؛ (فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) .
وَمَنْ كَانَ عَلِيمًا بِهَذِهِ الْأُمُورِ: تَبَيَّنَ لَهُ بِذَلِكَ حِذْقُ السَّلَفِ ، وَعِلْمُهُمْ وَخِبْرَتُهُمْ ؛ حَيْثُ حَذَّرُوا عَنْ الْكَلَامِ ، وَنَهَوْا عَنْهُ ، وَذَمُّوا أَهْلَهُ وَعَابُوهُمْ . وَعَلِمَ أَنَّ مَنْ ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لَمْ يَزْدَدْ مِنْ اللَّهِ إلَّا بُعْدًا.
فَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ أَنْ يَهْدِيَنَا صِرَاطَهُ الْمُسْتَقِيمَ ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ ، غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ آمِينَ. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَصَلَاتُهُ وَسَلَامُهُ عَلَى مُحَمَّدٍ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ” انتهى من “مجموع الفتاوى” (5/119) .
فاحذر يا عبد الله من أن تبتعد عن الكتاب والسنة ، أو تطلب الهدى من غيرهما .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
“فَمَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ الْخَارِجِينَ عَنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ جَمِيعِ فُرْسَانِ الْكَلَامِ وَالْفَلْسَفَةِ إلَّا وَلَا بُدَّ أَنْ يَتَنَاقَضَ ، فَيُحِيلَ مَا أَوْجَبَ نَظِيرَهُ ، وَيُوجِبُ مَا أَحَالَ نَظِيرَهُ ، إذْ كَلَامُهُمْ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا)” انتهى من “مجموع الفتاوى” (13/305) .
وبيان ذلك :
- أنك ذكرت أنك وجدت أن الأديان – بما فيها الإسلام – تحوي العديد من الخرافات .
ونحن لا يعنينا الحديث عن سائر الأديان فإننا نوافقك على أن فيها خرافات لأنها ليست من عند الله ، ولكن .. أين هي تلك الخرافات التي تنسبها إلى الإسلام ؟!
فلعلك قرأت مقالا أو كتابا لأحد أعداء الإسلام ، نسب فيه إلى الإسلام ما هو بريء منه ، حتى يتمكن من الطعن في الإسلام ، فظننت – لنقص علمك بالإسلام – أن هذا هو الإسلام فعلا ، وأنه يحوي على بعض الخرافات ، والأمر في حقيقته ليس كذلك ، ولكنك أُتِيت من عدم علمك بالإسلام حق العلم .
ولذلك فنحن ننصحك بالقراءة عن الإسلام من كتب الإسلام المعتبرة نفسها ، فهذا القرآن الكريم وتفاسيره المعتمدة ، كابن جرير الطبري وابن كثير والقرطبي .. وغيرهم .
وهذه كتب السنة الصحيحة وشروحها .
وهذه كتب الفقه والسيرة والأدب والأخلاق .. التي ألفها علماء معتبرون ، قديما وحديثا .
أما أن تأخذ الإسلام من أعدائه أو جهاله أو منافقيه – فقطعا – لن يكون هذا هو الإسلام الذي ارتضاه الله لنا دينا .
ولذلك فنحن نطالبك بأن تبين لنا هذه الخرافات التي تدعي أنها موجودة في الإسلام حتى نتبين أمرها وننظر فيها ، ولكنك لم تذكر ولو خرافة واحدة .
2- وذكرت تعارض الدين – ومنه الإسلام – والعلم ، وأن الدين ينفي حقائق علمية ثابتة بشكل قاطع ..
ونحن نتساءل : أين هذا التعارض ؟ وأين تلك الحقائق العلمية الثابتة والتي نفاها الإسلام ؟
ونحن نجيب بشكل قاطع : لا وجود لذلك في ديننا ، فالإسلام حث على العلم وحض عليه ، وقد كان علماء المسلمين يخترعون ويكتشفون والدنيا كلها من حولهم في ظلام دامس تتخبط في الجهل والتخلف .
وبحسبك أن تقرأ ما كتبه المنصفون من مؤرخي الغرب وعلمائهم ، عن : تاريخ العلوم في الإسلام ، وتاريخ الحضارة الإسلامية ، وعظمتها .
3- وأما كون الإيمان يمنعك من أن تفكر تفكيرا منطقيا .. فلا ندري عن أي منطق تتحدث ؟
عن المنطق الذي يريد أن يجعل الخالق مخلوقا؟
والذي يريد أن يجعل الأول الذي لا ابتداء له ، ولم يُسبق بعدم ، يريد أن يجعله مخلوقا مسبوقا بعدم ؟
فهل هذا هو المنطق الذي تريده ؟
إن المنطق الصحيح هو الذي يؤدي إلى نتائج صحيحة ، عن طريق قضايا عقلية صحيحة .
أما تركيب قضايا فاسدة ، وبناء النتائج عليها : فهذا شأن المسفسطين ، وأهل الباطل ، لا طلاب الحقائق .
وما ذكرته من شأن السؤال : فيمن خلق الله ، إنما هو وساوس شيطانية يلقيها الشيطان في نفس ابن آدم ويخدعه حتى يظن أنها هي العقل والمنطق فتستقر في قلبه .
ومن أجل ذلك أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أشرت إليه أن من عرض له شيء من هذه الوساوس أن يستعيذ بالله تعالى من الشيطان الرجيم ولينته ، لأن هذه الأفكار هي مجرد وساوس من الشيطان ، لا علاقة لها بالعقل والمنطق .
فهذا هو ما نهاك عنه الشرع .
وانظر السؤال رقم (6660) ، (225512) .
أما التفكير العقلي المنطقي الصحيح فإن الشرع لا ينهاك عنه ، بل يأمرك به ، فانظر إلى نفسك وإلى الكون جميعه من حولك وتأمل ذلك .
وانظر الحكمة التي خلقت من أجلها .
والغاية التي تسير إليها ، فاستعد واعمل لذلك .
هذا الكون من حولك خلقه الله لك ، فتأمل فيه ، وأعمل عقلك واكتشف واخترع وجرب .. حتى تفيد نفسك والمجتمع والناس جميعا . فهل الإسلام منعك من شيء من هذا ؟
ولكن للأسف !!
كثير من الناس – أو أكثرهم – تركوا ما خلقوا من أجله وما أمروا به ، وانشغلوا بما لم يخلقوا من أجله ولم يؤمروا به ، بل نهوا عنه .
إننا نخاطبك هنا بصفتك مسلما تحفظ كثيرا من القرآن وتقرؤه باستمرار .
مالك ولسؤال الخالق جل وعلا : لماذا خلقك ؟
فهل هذا هو الأدب مع الله ؟ وهل هذا هو تعظيم الله الواجب على كل مسلم ؟
إنه ليس لك ولا لغيرك أن يسأل الله تعالى : لماذا فعلتَ كذا ، قال الله تعالى : (لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) الأنبياء/23 .
هل تدري لماذا لا يُسأل الله عما يفعل ؟ ذلك لكمال سلطانه وعلمه وحكمته ، فلا يفعل إلا أحسن الأشياء وأحكم وأتقن الأشياء ، علم ذلك من علمه وجهله من جهله ، فدعك مما لا يحل لك ، ولا شأن لك به ، واهتم بشأنك وما ستُسأل عنه (وَهُمْ يُسْأَلُونَ).
فإنك تعتقد – بصفتك مسلما – أن الله خلقك وكلفك بشريعة (أوامر ونواهٍ) وجعل مدة الاختبار والعمل هي حياتك ، وبنهايتها تبدأ مرحلة الحساب على ما قدمته من عمل ، حتى ينتهي الأمر إلى البعث والحساب والعرض الأكبر ، ثم إما إلى جنة وإما إلى نار .
فإن كنت تعتقد ذلك كله ، كما هو شأن المسلم ، وكما هو الواجب عليك : فعليك بما خلقت من أجله ، وأمرت به ، ودع عنك ما وراء ذلك ، فما هي إلا وساوس عدوك الشيطان يريد منك أن تصاحبه في نار جهنم ، (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) فاطر/6 .
4- وأما تخلف الدول الإسلامية وتقدم الدول العلمانية ، فلا علاقة للإسلام بذلك ، فالإسلام أمر أتباعه بالعلم والعمل والبحث والاستفادة من السنن والقوانين التي جعلها الله في الكون ، ولكنهم لم يفعلوا ذلك فتخلفوا ، فما ذنب الإسلام في هذا ؟
وهل كل من ترك الإسلام ، أو من لم يدخل فيه أصالة : صار عالما ، غنيا ، قويا .. ؟
5- وأما كثرة الأديان والاختلاف بينها .
فالدين عند الله تعالى دين واحد ، وهو دين الإسلام ، وهو دين الانبياء جميعا من آدم إلى خاتمهم نبينا محمد ، عليهم جميعا الصلاة والسلام (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ) آل عمران/19 .
ولو اتبع الناس الأنبياء لم يقع بينهم اختلاف في الدين ، ولكن أكثر الناس لم يرض باتباع الأنبياء ، وسلم قياده للشيطان والنفس والهوى والعقل القاصر ، فأدى بهم ذلك في النهاية إلى اختراع أديان ومذاهب وملل حسب أمزجتهم وما تهواه أنفسهم ، وقد كان كل أولئك يظنون أو يرون أنهم أعقل الناس وأكثرهم تفكيرا منطقيا ، وهم في الحقيقة يعبدون الشيطان ، الذي أمرهم بالكفر فكفروا وزين لهم أعمالم فاتبعوه .
قال الله تعالى : (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ * وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ)60-62 .
وانظر السؤال رقم (175339) .
وسوف يعترف هؤلاء بأنهم لم ينتفعوا من نعمة العقل بشيء ، حين ضلوا عن صراط الله المستقيم في الدنيا ؛ لكن : ساعة لا ينفعهم ذلك الاعتراف بشيء : (وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ) الملك/10 .
فاستمسك يا عبد الله بما جاءك من البينات والهدى ، وحبل الله المستقيم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
” وَفِي الحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ عَن الْحَارِث عَن عَليّ ، عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم . وَرَوَاهُ أَبُو نعيم الْأَصْفَهَانِي وَغَيره من طرق عديدة عَن عَليّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ، فِي الْقُرْآن ، الحَدِيث الْمَعْرُوف :
( قَالَ : قلت يَا رَسُول الله ، سَتَكُون فتن ؛ فَمَا الْمخْرج مِنْهَا ؟
قَالَ كتابُ الله ، فِيهِ نبأ مَا قبلكُمْ ، وَخبر مَا بعدكم ، وَحكم مَا بَيْنكُم .
هُوَ الْفَصْل لَيْسَ بِالْهَزْلِ ، من تَركه من جَبَّار قصمه الله ، وَمن ابْتغى الْهدى فِي غَيره أضلّهُ الله، وَهُوَ حَبل الله المتين ، وَهُوَ الذّكر الْحَكِيم ، وَهُوَ الصِّرَاط الْمُسْتَقيم ، وَهُوَ الَّذِي لَا تزِيغ بِهِ الْأَهْوَاء، وَلَا تخْتَلف بِهِ الآراء ، وَلَا تَلْتَبِس بِهِ الألسن ، وَلَا يخلق عَن كَثْرَة الرَّد .
وَلَا تنقضى عجائبه ، وَلَا يشْبع مِنْهُ الْعلمَاء !!
من قَالَ بِهِ صدق ، وَمن حكم بِهِ عدل ، وَمن عمل بِهِ أُجِر ، وَمن دَعَا إِلَيْهِ ، هُدي إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم ) .
فَقَوله : ( من تَركه من جَبَّار قصمه الله ، وَمن ابْتغى الْهدى فِي غَيره أضلّهُ الله ) : يُنَاسب قَوْله تَعَالَى : ( كَذَلِك يضل الله من هُوَ مُسْرِف مرتاب ) [سُورَة غَافِر 34] ، وَكَذَلِكَ قَوْله : ( كَذَلِك يطبع الله على كل قلب متكبر جَبَّار ) سُورَة غَافِر 35 .
فَذكر ضلال الأول ، وَذكر تجبر الثَّانِي !!
وَذَلِكَ : لِأَن الاول مرتاب ، ففاته الْعلم ، حَيْثُ ابْتغى الْهدى فِي غَيره .
وَالثَّانِي : جَبَّار عمل ، بِخِلَاف مَا فِيهِ ، فقصمه الله .
وَهَذَانِ الوصفان : يجمعان الْعلم ، وَالْعَمَل .
وَفِي ذَلِك بَيَان : أن كل علمِ دينٍ ، لَا يُطْلب من الْقُرْآن ، فَهُوَ ضلال ، كفاسد كَلَام الفلاسفة والمتكلمة والمتصوفة والمتفقهة .
وكل عَاقل يتْرك كتاب الله ، مرِيدا للعلو فِي الارض وَالْفساد : فإن الله يقصمه .
فالضال : لم يَحصل لَهُ الْمَطْلُوب ، بل يُعذب بِالْعَمَلِ الَّذِي لَا فَائِدَة فِيهِ .
والجبار : حصل لَذَّة ، فقصمه الله عَلَيْهَا .
فَهَذَا : عُذِّب بِإِزَاءِ لذاته الَّتِي طلبَهَا بِالْبَاطِلِ .
وَذَلِكَ : يعذب بسعيه الْبَاطِل ، الَّذِي لم يفده !! ” انتهى، من “الاستقامة” (1/20-21) .
وننصحك بالعناية بقراءة ومدارسة : كتاب “مشكلة الشر” وكتاب ” من خلق الله ” ، كلاهما للدكتور سامي عامري ، حفظه الله .
نسأل الله تعالى لك الهداية والتوفيق إلى ما فيه خيركم في الدنيا والآخرة .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة