0 / 0
78,11305/12/2017

تحب زوجها وتغار عليه غيرة شديدة ، وإذا تخيلت أن من نعيم الجنة الحور العين تتضايق بشدة ، وتسأل لماذا لا يكتفي في الجنة بزوجته في الدنيا ؟

السؤال: 272165

أنا عمري ٢٠ سنة ، ومتزوجة من ثلاثة سنوات ، وأحب زوجي جدًا ، وهو يحبني ـ ولله الحمد ـ ، ولكن لم يشأ الله لنا الذرية ، فزوجي لا يستطيع الإنجاب ، أعلم أن الله سبحانه وتعالى حكم عدل لا يظلم مطلقاً ، ولكن أنا منذ عرفت أن لأقل الرجال منزلة في الجنة زوجتين من الحور العين وأنا غاضبة ، لا أعترض على حكم الله ، ولكن هل لكل المؤمنين هذا الجزاء أم البعض يحرم منه؟
وإن كانت المرأة الصالحة في الجنة أجمل من الحور العين و أفضل فلماذا خلق الله الحور العين؟
لماذا لا يكتفي بأن تكون الزوجة الصالحة فقط لزوجها ؟
أيضاً الله يعلم أن المرأة لا ترضى مطلقاً أن يشاركها أحد في زوجها ، فلماذا يمتحن صبرنا بشيء لا نقدر عليه ؟ لا تقولوا: إن الله ينزع الغيرة من صدرنا، أنا لن تنزع الغيرة من صدري لا دنيا ولا آخرة ، أنا أبكي وأنا أكتب هذا السؤال ، ولا أستطيع العيش مع زوجي وأنا أتخيله يلمس امرأة غيري ، لا أقدر ، وأغضب ، وأحزن ، ولا أستطيع الاستمرار في هذا الزواج ، فأنا التي تضحي بموضوع الأمومة ، وأصبر على هذا الابتلاء ، واصبر على كل ما يأتيني من زوجي ، وأخدمه ، ولا أطلق منه على الرغم من عقمه ، وأفني عمري معه ، وفوق كل هذا يتزوج غيري في الجنة ، أنا لا أستطيع أن أكمل معه بسبب الحور العين ، لماذا يفعل الله هذا بنا؟ كيف يريد لنا أن نهنأ في حياتنا ـ وهو يعطي أزواجنا أزواجا غيرنا ؟
ولن أعيش معه في الجنة إذا كان يريد الحور العين ، حتى وإن كنا في الآخرة تنزع منا الغيرة ، ففي الدنيا لا تنزع ، فلماذا يخبرنا الله بشيء يحزننا؟
أيضاً لماذا لا يخلق الله للمرأة حورا عينا من الرجال؟ ليست كل النساء تحب أزواجهن ، فلماذا لا يكون لهن حور عين إذا أردن؟ لماذا يعطي الله الرجل ولا يعطي المرأة ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

نعم ، يا أمة الله ، حق لك أن تكتبي هذا السؤال ، إن كان لا بد لك أن تكتبيه ؛ فحق لك أن تكتبيه وأنت تبكين !!

ليس أن تبكي لأجل زوجك ورفيق حياتك ، وليس أن تبكي لأجل غيرتك عليه ، وخوفك من أن “يُخطف” منك ، أو يشاركه فيك غيرك ، ولو كانت “الخاطفة” ، أو “الضرة” : إحدى الحور العين ، في جنة رب العالمين !!

إنما حقك أن تبكي على قلبك الذي تلاعب به الشيطان ؛ تلاعب به في صورة محبة زائدة ، وتعلق فاق حد الاعتدال ، وراح إلى الشطط البعيد ….

الشطط ، بلا حد يحده ، ولا منتهى يقف عنده !!

حق لك البكاء على تلك النفس الأمارة بالسوء … التي غلبها هواها ، وغَلَّبته ؛ فلا تريد أن تسمع سواه ، ولا أن تبصر إلا ما تهواه !!

حتى لقد طغى بها الهوى … طغى على كل شيء؛ وما أشد الخطر والفرَقَ على من غلبه هواه ؛ وقد قال رب العالمين ، سبحانه : (فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) النازعات/37-41

انظري يا أمة الله ، كيف يريد أن يُصِمك فلا تسمعي الجواب ؟!

ولا تريدين أن تقبلي أن يقال : تلك حال ، غير الحال … فأين ما هنا ، مما هناك ؟!

فهمنا ، يا أمة الله ، أن تغاري على زوجك ، فتقولي له : لا تتزوج علي …

فهمنا أن تشترطي عليه ..

فهمنا أن تتحسسي حركاته ، وسكناته ، وخطواته ، وجلساته ؛ لأجل هاجس ألم بك ، أو غيرة مرضية …

فهمنا كل ذلك ، وعذرناك في شيء منه ، ودعوناك لعلاج ما زاد عن حد الاعتدال والقبول ….

أما أن ينحدر الشيطان بك من ذلك كله ، ويتلعَّب بقلب كما يتلعب الصبيان بالكرة …

فتتشككين مرة في حكمة أحكم الحاكمين …

أو تسألين سؤال “المعترض” ، “الممتعض” ، “المتنغص” ، “المتملص” …

هوني عليك ، يا أمة الله ، ولا يعمينَّك حبك لزوجك .. أو هواه ، أصلحكما الله !!

هوني عليك يا أمة الله ؛ ولا يكن حبك كلفا … ولا بغضك تلفا …

هوني عليك يا أمة الله ؛ فلا يُعمينك هواك عن مزالق الردى ، فتقعين …

ولا يصدنك عن سبيل الهدى .. فتضلين …

هوني عليك ، يا أمة الله ؛ فما هو إلا بشر من البشر ، يموت ، كما يموتون ..
وقد بنيت الدنيا على فراق الأحبة ؛ ولا إلفين دام لهما فيها العيش على حال .. بل لا بد للناس فيها ، من زوال ..

تَعَزِّ فَلاَ إلْفَيْنِ بالعَيْشِ مُتِّعَا * وَلكِنْ لِوُرِّادِ المَنُونِ تَتَابُعُ

فأين أنت ، وكيف تكونين ، إن قتل الرجل .. أو مات …

وقد قال رب العالمين للمؤمنين ، عن حبيبه وصفيه محمد صلى الله عليه وسلم :

( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ) آل عمران/144 !!

هوني عليك ، ولا يكونن زوجك الذي تحبينه : فتنة لك ، ولا يكونن عدوا لك ، وأنت لا تشعرين :

(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) التغابن/14-16

قال مجاهد : ” إِنَّهُمَا يَحْمِلَانِهِ عَلَى قَطِيعَةِ رَحِمِهِ، وَعَلَى مَعْصِيَةِ رَبِّهِ، فَلَا يَسْتَطِيعُ ، مَعَ حُبِّهِ : إِلَّا أَنْ يُطِيعَهُ ” !!

وقال قتادة : ” مِنْهُمْ مَنْ لَا يَأْمُرُ بِطَاعَةِ اللَّهِ، وَلَا يَنْهَى عَنْ مَعْصِيَتِهِ ” .

“تفسير الطبري” (23/15-16) .

وقال مجاهد أيضا : ” ما عادوهم في الدنيا، ولكن حملتهم مودتهم لهم على أن اتخذوا لهم الحرام ؛ فأعطوه إياهم ” .

قال القرطبي رحمه الله : ” والآية عامة في كل معصية ، يرتكبها الإنسان، بسبب الأهل والولد”.

“تفسير القرطبي” (19/137) .

ثم ها أنت ، تسألين : لماذا فعل الله كذا ؟ ولماذا سيفعل بعباده كذا ؟

لماذا ينعمهم ذلك النعيم ؟ أليس من العدل أن يفعل كذا ، ويترك كذا ؟

فلا إله إلا الله ، وسبحان الله العظيم وبحمده ؛ جل شانه ، وعز سلطانه : (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) الأنبياء/23

فمن ذا الذي شارك رب العالمين في خلق خلقه ؟

ومن ذا الذي شاركه في جبروته ، وملكوته ؛ حتى ينازعه في سلطانه وحكمته ؟

قال الله تعالى : ( مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا ) الكهف/51

قال ابن كثير رحمه الله :

” يَقُولُ تَعَالَى: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ اتَّخَذْتُمُوهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي عَبِيدٌ أَمْثَالُكُمْ، لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا، وَلَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقِي لِلسَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَلَا كَانُوا إِذْ ذَاكَ مَوْجُودِينَ .

يَقُولُ تَعَالَى: أَنَا الْمُسْتَقِلُّ بِخَلْقِ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا، وَمُدَبِّرُهَا وَمُقَدِّرُهَا وَحْدي، لَيْسَ مَعِي فِي ذَلِكَ شَرِيكٌ وَلَا وَزِيرٌ، وَلَا مُشِيرٌ وَلَا نَظِيرٌ، كَمَا قَالَ: (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ) الْآيَةَ [سَبَإٍ: 23، 22] ؛ وَلِهَذَا قَالَ: (وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا) قَالَ مَالِكٌ: أَعْوَانًا.” انتهى، من “تفسير ابن كثير” (5/169) .

ويقول الشيخ السعدي رحمه الله : ” يقول تعالى: ما أشهدت الشياطين وهؤلاء المضلين ، خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم أي: ما أحضرتهم ذلك، ولا شاورتهم عليه، فكيف يكونون خالقين لشيء من ذلك؟!

بل المنفرد بالخلق والتدبير، والحكمة والتقدير : هو الله ، خالق الأشياء كلها، المتصرف فيها بحكمته، فكيف يجعل له شركاء من الشياطين، يوالون ويطاعون، كما يطاع الله، وهم لم يخلقوا ولم يشهدوا خلقا، ولم يعاونوا الله تعالى؟!

ولهذا قال: (وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا) أي: معاونين، مظاهرين لله على شأن من الشئون، أي: ما ينبغي ولا يليق بالله، أن يجعل لهم قسطا من التدبير، لأنهم ساعون في إضلال الخلق والعداوة لربهم، فاللائق أن يقصيهم ولا يدنيهم.” انتهى، من ” تفسير السعدي” (480) .

بل استمعي يا أمة الله ، ذلك الذي كان بين رب العالمين ، وملائكته المكرمين ؛ حينما سألوه ، سؤال المستفهم المسترشد ، لا سؤال المعترض على العليم الحكيم :

( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ * وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَاآدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ) البقرة/30-33

قال ابن كثير رحمه الله :

” وَقَوْلُ الْمَلَائِكَةِ هَذَا لَيْسَ عَلَى وَجْهِ الِاعْتِرَاضِ عَلَى اللَّهِ، وَلَا عَلَى وَجْهِ الْحَسَدِ لِبَنِي آدَمَ، كَمَا قَدْ يَتَوَهَّمُهُ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ ، وَقَدْ وَصَفَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنَّهُمْ لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ، أَيْ: لَا يَسْأَلُونَهُ شَيْئًا لَمْ يَأْذَنْ لَهُمْ فِيهِ . وَهَاهُنَا ، لَمَّا أَعْلَمَهُمْ بِأَنَّهُ سَيَخْلُقُ فِي الْأَرْضِ خَلْقًا. قَالَ قَتَادَةُ: وَقَدْ تَقَدَّمَ إِلَيْهِمْ أَنَّهُمْ يُفْسِدُونَ فِيهَا ، فَقَالُوا: (أَتَجْعَلُ فِيهَا) الْآيَةَ =

وَإِنَّمَا هُوَ سُؤَالُ اسْتِعْلَامٍ وَاسْتِكْشَافٍ عَنِ الْحِكْمَةِ فِي ذَلِكَ، يَقُولُونَ:

يَا رَبَّنَا، مَا الْحِكْمَةُ فِي خَلْقِ هَؤُلَاءِ مَعَ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يُفْسِدُ فِي الْأَرْضِ وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ ؟

فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ عِبَادَتُكَ، فَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ، أَيْ: نُصَلِّي لَكَ كَمَا سَيَأْتِي، أَيْ: وَلَا يَصْدُرُ مِنَّا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَهَلَّا وَقَعَ الِاقْتِصَارُ عَلَيْنَا؟

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى مُجِيبًا لَهُمْ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ: (إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) أَيْ: إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ الْمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ فِي خَلْقِ هَذَا الصِّنْفِ ، عَلَى الْمَفَاسِدِ الَّتِي ذَكَّرْتُمُوهَا ، مَا لَا تَعْلَمُونَ أَنْتُمْ؛ فَإِنِّي سَأَجْعَلُ فِيهِمُ الْأَنْبِيَاءَ، وَأُرْسِلُ فِيهِمُ الرُّسُلَ، وَيُوجَدُ فِيهِمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ، وَالصَّالِحُونَ وَالْعُبَّادُ، وَالزُّهَّادُ وَالْأَوْلِيَاءُ، وَالْأَبْرَارُ وَالْمُقَرَّبُونَ، وَالْعُلَمَاءُ الْعَامِلُونَ وَالْخَاشِعُونَ، وَالْمُحِبُّونَ لَهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الْمُتَّبِعُونَ رُسُلَهُ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ…

وَقِيلَ: مَعْنَى قَوْلِهِ جَوَابًا لَهُمْ: (إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) : أَنَّ لِي حِكْمَةً مُفَصَّلَةً فِي خَلْقِ هَؤُلَاءِ ، وَالْحَالَةُ مَا ذَكَرْتُمْ ، لَا تَعْلَمُونَهَا … ” انتهى، من “تفسير ابن كثير” (1/216-217) .

وقال ابن القيم رحمه الله :

” فإذا كانت الملائكة، مع قربهم من الله ، وعلمهم بأسمائه وصفاته ، وما يجب له ، ويمتنع عليه = لم تعلم حكمته سبحانه في خلق من يفسد ، كما يعلمها الله، بل هو سبحانه متفرد بالعلم الذي لا يعلمونه ؛ فالبشر أولى بأن لا يعلموا ذلك .

فالخير كله في يدي الرب، والشر ليس إليه، فلا يدخل في أسمائه ولا في صفاته ولا في أفعاله، وإن دخل في مفعولاته ، بالعرض لا بالذات، وبالقصد الثاني ، لا الأول ، دخولا إضافيا، وأما الخير فهو داخل في أسمائه وصفاته وأفعاله ومفعولاته بالذات والقصد الأول .. ” انتهى، من “مختصر الصواعق” (258) .

فأي علم يعلمه ، بل أي منتهى ينتهي إليه ذلك الإنسان (الطين) ؛ و”الماء المَهين” ، لينازع حكمة أحكم الحاكمين ، ورب العالمين ؟!!

العلمُ للرحمنِ جَلَّ جلالهُ * وسِواهُ في جلالته يتغمغمُ

ما للترابِ وللعلومِ وإِنما * يسعى ليعلمَ أنه لا يعلم

جل الله أن يُنازع في سلطانه ، يا أمة الله …

وجل الله أن يُسأل ، وأن يقترح عليه ، أو ينازع في حكمته ، وملكوته …

وما أحلم الله … وما أصبره على أذى العباد ؛ فسبحانه وبحمده ، وعز شانه ، وجل سلطانه ..

بل قصة الخلق ، كان بدؤها مع هذا الابتلاء …

أن يبتلي الله عباده .. ويخفي عنهم بعض أسراره وحكمته ، لينظر كيف يفعلون ؟

ولمن يطيعون ، ويسلمون ؟

ألعقولهم القاصرة ، أم لعلم رب العالمين ، وحكمة أحكم الحاكمين ؟

فإن فهمت بعد ذلك كله ، يا أمة الله : أن الجنة دار الطيبين …

وأن الجنة دار النعيم المقيم ..

وأن الله يصلح أهل الجنة ، ويهيئهم تهيئة تلائم تمتعهم الدائم ، بذلك النعيم المقيم ..

وأن الله برأ جنات النعيم ، من البؤس كله ، ومن التنغيص كله ، ومن الكدر كله ، ومن الشقاء والضيق كله …

بل ما فيها إلا النعيم المحض ، الخالص من كل شوب ..

يطهر أهلها ، قبل أن يدخلوها من الذنوب والخطايا ..

ويطهرهم من سفاسف الأخلاق ..

وينزع ما في صدورهم من الغل ، ليتم لهم النعيم …

ويهديهم … ويصلح بالهم ، وشانهم …

حتى إن أقل أهل الجنة منزلة فيها ، وآخر من يدخلها من بني آدم : يرى أن الله قد أعطاه فيها من النعيم ، ما لم يعط أحدا من الأولين ، والآخرين …

فكيف تجلبين لنفسك ذلك التنغيص ، وتلك الشقوة ، ونحن ما زلنا هنا .. ما دخلناها … ولا رأيناها ، ولا شممناها ؛ فواها لتلك الجنة .. وسكناها ..

وحسبنا والله : أن نزحزح عن دار البوار ، ويمن الرحمن علينا بجنته .. وعلى الدنيا السلام :

(فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) آل عمران/185

فهلا سألت نفسك ، وشغلت بالك : كيف لنا أن ندخل الجنة ؟

وهلا أعنت زوجك ، وساعدتيه على ذلك الطريق ؟

فإن كفاك ذلك الجواب ، يا أمة الله .. ؛ وإلا فلا راحة لك إلا في الرضا والتسليم …

ولن يهنأ لك قلب ، ولن يصلح لك بال إلا بالتسليم ، لرب العالمين .

عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: ( ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا ) . رواه مسلم (34) .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

” والذي يجب على العبد : أن يعلم :

أن علم الله ، وقدرته ، وحكمته ، ورحمته : في غاية الكمال ، الذي لا يُتصور زيادة عليها ؛ بل كلُّ ما أمكن من الكمال ، الذي لا نقص فيه : فهو واجب للرب تعالى .

وقد يُعلم بعضَ العباد بعض حكمته ، وقد يُخفي عليهم منها ما يُخفي.

والناس يتفاضلون في العلم بحكمته ، ورحمته ، وعدله .

وكلما ازداد العبد علما بحقائق الأمور : ازداد علما بحكمة الله ، وعدله ، ورحمته ، وقدرته .

وعلم أن الله منعم عليه بالحسنات ، عملِها وثوابِها .

وأن ما يصيبه من عقوبات ذنوبه : فبعدل الله تعالى …

وأن الرب ، مع أنه قد خلق النفس وسواها ، وألهمها فجورها وتقواها : فإلهام الفجور والتقوى : وقع بحكمة بالغة ، لو اجتمع الأولون والآخرون من عقلاء الآدميين على أن يروا حكمة أبلغ منها ، لم يروا حكمة أبلغ منها.

لكن تفصيل حكمة الرب مما يعجز كثير من الناس عن معرفتها ، ومنها ما يعجز عن معرفته جميع الخلق ، حتى الملائكة؛ ولهذا قالت الملائكة لما قال الله تعالى لهم: (إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء) ، قال: (إني أعلم ما لا تعلمون) فتكفيهم المعرفة المجملة والإيمان العام.

والله سبحانه قد أمرهم أن يطلبوا منه جميع ما يحتاجون إليه ، من هدى ورشاد وصلاح ، في المعاش والمعاد؛ ومغفرة ورحمة .

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الصحيح: (اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفة والغنى) .

ويقول: (اللهم آت نفسي تقواها؛ وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها) .

ويقول: (اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي؛ وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي ، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير؛ واجعل الموت راحة لي من كل شر) .

وكل هذا في الأحاديث التي في الصحيح.

وفي صحيح مسلم (أنه كان يقول إذا قام من الليل: اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل؛ فاطر السموات والأرض؛ عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون. اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم) .

وقد أمرنا الله تعالى أن نقول في صلاتنا: (اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين) . وهذا أفضل الأدعية وأوجبها على العباد. ومن تحقق بهذا الدعاء جعله الله من أهل الهدى والرشاد؛ فإنه سميع الدعاء لا يخلف الميعاد؛ والله أعلم.” “مجموع الفتاوى” (8/513-515) .

عفا الله عنك ، يا أمة الله ..

وأصلح قلبك ، وبالك ، وأصلح لك زوجك ..

وهداك لما يحب ويرضى .. من العلم النافع ، والعمل الصالح .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android