ما حكم القول : (إن الله ليس غبي) ، وللعلم أن الجملة قيلت تحت تأثير الانفعال بسبب نقاش حاد؟
حكم التصريح بنفي صفة غير لائقة عن الله سبحانه وتعالى
السؤال: 272167
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
من عقيدة المسلمين التي اجتمع عليها أهل السنة والجماعة؛ أن الله يوصف بأوصاف الكمال على وجه التفصيل، وتنفى عنه أوصاف النقص على وجه الإجمال، ولم يرد التفصيل في نفي النقص إلا لسبب يقتضي ذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
” ومن أبلغ العلوم الضرورية أن الطريقة التي بعث الله بها أنبياءه ورسله، وأنزل بها كتبه، مشتملة على الإثبات المفصل، والنفي المجمل، كما يقرر في كتابه، علمه، وقدرته، وسمعه، وبصره، ومشيئته، ورحمته، وغير ذلك.
ويقول في النفي: ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ )، ( هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا )، ( لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ).
وعلى أهل العلم والإيمان اتباع المرسلين من الأولين والآخرين ” انتهى، من “الفتاوى الكبرى” (6 / 337).
والحكمة في الإجمال في النفي؛ أن التفصيل في النفي ليس طريقا للمدح ، كما هو معلوم لكل عاقل، بل ربما أدت المبالغة في النفي إلى نوع من الاستهزاء ، وإساءة الأدب.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
” وأما الصفات المنفية التي نفاها الله عن نفسه؛ فكلها صفات نقص، ولا تليق به، كالعجز، والتعب، والظلم، ومماثلة المخلوقين، والغالب فيها الإجمال؛ لأن ذلك أبلغ في تعظيم الموصوف، وأكمل في التنزيه. فإن تفصيلها لغير سبب يقتضيه فيه سخرية وتنقص للموصوف.
ألا ترى أنك لو مدحت ملكاً فقلت له: أنت كريم، شجاع محنك، قوي الحكم، قاهر لأعدائك … إلى غير ذلك من صفات المدح؛ لكان هذا من أعظم الثناء عليه، وكان فيه من زيادة مدحه وإظهار محاسنه ما يجعله محبوباً محترماً؛ لأنك فصلت في الإثبات.
ولو قلت: أنت ملك لا يساميك أحد ملوك الدنيا في عصرك؛ لكان ذلك مدحاً بالغاً؛ لأنك أجملت في النفي.
ولو قلت: أنت ملك غير بخيل، ولا جبان، ولا فقير، ولا بقال، ولا كنّاس، ولا بيطار، ولا حجام … وما أشبه ذلك من التفصيل في نفي العيوب التي لا تليق به؛ لعد ذلك استهزاء به وتنقصاً لحقه…” انتهى، من “تقريب التدمرية” (ص 19).
ثانيا:
والمسلم واجب عليه أن يعظم الله تعالى ويقدّره حق قدره، ولا يهجم على وصف الله تعالى بما يخالف هذا التعظيم.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
” ومن منازل ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) منزلة التعظيم.
وهذه المنزلة تابعة للمعرفة. فعلى قدر المعرفة يكون تعظيم الرب تعالى في القلب. وأعرف الناس به: أشدهم له تعظيما وإجلالا. وقد ذم الله تعالى من لم يعظمه حق عظمته. ولا عرفه حق معرفته. ولا وصفه حق صفته. وأقوالهم تدور على هذا. وقال تعالى: ( مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا )، قال ابن عباس ومجاهد: لا ترجون لله عظمة. وقال سعيد بن جبير: ما لكم لا تعظمون الله حق عظمته؟ وقال الكلبي: لا تخافون لله عظمة.
قال البغوي رحمه الله: والرجاء بمعنى المخوف. والوقار العظمة. اسم من التوقير. وهو التعظيم…
وروح العبادة هو الإجلال والمحبة، فإذا خلى أحدهما عن الآخر فسدت، فإذا اقترن بهذين الثناء على المحبوب المعظم. فذلك حقيقة الحمد. والله سبحانه أعلم ” انتهى، من “مدارج السالكين” (4 / 2709 – 2710).
ولا شك أن العبارة المذكورة : فيها من الجفاء ، ومجافاة الأدب الواجب في حق الله جل جلاله : ما لا يخفى على أحد .
ونفي مثل ذلك عن رب العالمين ليس من الأدب مع الله في شيء ، ولا من مدحه وتعظيمه في شيء ؛ بل هو إلى القحة وسوء الأدب والجفاء أقرب .
بل لو واجه العبد بذلك ذوي الهيئات من الناس ، من رئيس ، أو عالم ، أو كبير : لكان مسيئا في حقه ، لامزا له ؛ فكيف برب العالمين سبحانه .
ومقام رب العالمين أعظم وأجل من أن يقال فيه ذلك ، أو يذكر في مقام المغاضبة مع الناس .
والواجب على العبد أن يحفظ لسانه ؛ فإن أكثر ما يكب الناس على وجوههم في جهنم : حصائد ألسنتهم .
وكل نقصان في التعظيم، هو نقصان في التوحيد والإيمان.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
” فمن اعتقد الوحدانية في الألوهية لله سبحانه وتعالى والرسالة لعبده ورسوله، ثم لم يتبع هذا الاعتقاد موجبه من الإجلال والإكرام ، والذي هو حال في القلب يظهر أثره على الجوارح، بل قارنه الاستخفاف والتسفيه والازدراء بالقول أو بالفعل كان وجود ذلك الاعتقاد كعدمه، وكان ذلك موجبا لفساد ذلك الاعتقاد، ومزيلا لما فيه من المنفعة والصلاح، إذ الاعتقادات الإيمانية تزكي النفوس وتصلحها، فمتى لم توجب زكاة النفس ولا صلاحا فما ذاك إلا لأنها لم ترسخ في القلب ” انتهى، من “الصارم المسلول” (3 / 700).
فالحاصل؛ أن العبارة التي ذكرت في السؤال، هي غير لائقة لوصف الله تعالى، فمن التعظيم لله تعالى : ذكره بما يليق ، وتسبيحه وتنزيهه ، واللهج بذكره المحبوب له سبحانه .
فاستغفر الله من مثل ذلك ، وزُمَّ لسانك ؛ لا يوردك الموارد .
وليكن لسانك رطبا من ذكر الله تعالى ، واشغل نفسك بالحق ؛ لا تشغلك بالباطل !!
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب