0 / 0

حول شبهة ترك النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الجماعة عندما هجر زوجاته

السؤال: 273605

عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : ” أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم سَقَطَ عَنْ فَرَسِهِ ، فَجُحِشَتْ سَاقُهُ ، أوْ كَتِفُهُ ، وَآلَى مِنْ نِسَائِهِ شَهْراً ، فَجَلَسَ فِي مَشْرُبَةٍ لَهُ ، دَرَجَتُهَا مِنْ جُذُوعٍ ، فَأتَاهُ أصْحَابُهُ يَعُودُونَهُ ، فَصَلَّى بِهِمْ جَالِساً وَهُمْ قِيَامٌ ، فَلَمَّا سَلَّمَ قال: ( إنَّمَا جُعِلَ الإمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ ، فَإذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، وَإنْ صَلَّى قَائِماً فَصَلُّوا قِيَاماً ) ، وَنَزَلَ لِتِسْعٍ وَعِشْرِينَ ، فَقَالُوا: يَارَسُولَ الله، إنَّكَ آلَيْتَ شَهْراً؟ ، فَقَال: ( إنَّ الشَّهْرَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ ) متفق عليه ، وحديث آخر يروي قصة هجر الرسول عليه أفضل الصلوات و التسليم لزوجاته وإسناده : أخبرنا محمد بن عمر ، حدثنا جارية بن أبي عمران ، قال : سمعت أبا سلمة الحضرمي يقول : ” جلست مع أبي سعيد الخدري وجابر بن عبد الله ، وهما يتحدثان ، وقد ذهب بصر جابر، فجاء رجل فسلم ثم جلس فقال : يا أبا عبد الله أرسلني إليك عروة بن الزبير أسألك فيم هجر رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه ؟ فقال جابر : تركنا رسول الله يوما وليلة لم يخرج إلى الصلاة ، فأخذنا ما تقدم وما تأخر ، فاجتمعنا ببابه نتكلم ليسمع كلامنا ، ويعلم مكاننا ، فأطلنا الوقوف فلم يأذن لنا ، ولم يخرج إلينا ، قال : فقلنا قد علم رسول الله مكانكم ولو أراد أن يأذن لكم لأذن فتفرقوا لا تؤذوه ، فتفرق الناس غير عمر بن الخطاب يتنحنح ، ويتكلم ، ويستأذن حتى أذن له رسول الله ” هل كان الرسول صلى الله عليه و سلم مصابا ولذلك لم يصلي بالمسلمين لمدة يوم وليلة ؟ أم أن هناك سبب آخر؟ وهل صلى الرسول صلى الله عليه وسلم في جماعة لكن مع أناس آخرين في ذلك اليوم ؟

ملخص الجواب

ملخص الجواب :  أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي في البيت بسبب إصابته ، وكان يصلي جماعة بمن حضر من المسلمين يعوده .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :

لا يخفى على أحد من المسلمين فضل صلاة الجماعة ، وحرص النبي صلى الله عليه وسلم عليها ، حتى إنه في مرض موته صلى الله عليه وسلم لم يستطع لشدة المرض أن يخرج لصلاة الجماعة ، وأمر أن يصلي أبو بكر الصديق رضي الله عنه بالصحابة إماما ، فلما شعر في نفسه بخفة ، خرج صلى الله عليه وسلم لصلاة الجماعة يهادَى بين رجلين من أصحابه .
وفي ذلك يقول الأسود بن يزيد : كُنَّا عِنْدَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، فَذَكَرْنَا المُوَاظَبَةَ عَلَى الصَّلاَةِ وَالتَّعْظِيمَ لَهَا ، قَالَتْ: لَمَّا مَرِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ ، فَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ ، فَأُذِّنَ فَقَالَ:” مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ ” فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ ، وَأَعَادَ فَأَعَادُوا لَهُ ، فَأَعَادَ الثَّالِثَةَ ، فَقَالَ:” إِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ ، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ ” ، فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ فَصَلَّى ، فَوَجَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً ، فَخَرَجَ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ ، كَأَنِّي أَنْظُرُ رِجْلَيْهِ تَخُطَّانِ مِنَ الوَجَعِ ، فَأَرَادَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَتَأَخَّرَ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَنْ مَكَانَكَ ، ثُمَّ أُتِيَ بِهِ حَتَّى جَلَسَ إِلَى جَنْبِهِ “. أخرجه البخاري (664) ، ومسلم (418) .

ولقد تربى الصحابة رضوان الله عليهم على ذاك الحرص ، فيقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه :” مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللهَ غَدًا مُسْلِمًا ، فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ ، فَإِنَّ اللهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُنَنَ الْهُدَى ، وَإِنَّهُنَّ مَنْ سُنَنَ الْهُدَى ، وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّي هَذَا الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ ، لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ ، وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ ، وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ ، ثُمَّ يَعْمِدُ إِلَى مَسْجِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ ، إِلَّا كَتَبَ اللهُ لَهُ بِكُلِّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً ، وَيَرْفَعُهُ بِهَا دَرَجَةً ، وَيَحُطُّ عَنْهُ بِهَا سَيِّئَةً ، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ » . أخرجه مسلم (654).

ثانيا :

أما الحديث الأول الوارد في السؤال فهو حديث صحيح ، أخرجه البخاري (378) ، ومسلم (411) من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَقَطَ عَنْ فَرَسِهِ فَجُحِشَتْ سَاقُهُ – أَوْ كَتِفُهُ – وَآلَى مِنْ نِسَائِهِ شَهْرًا ، فَجَلَسَ فِي مَشْرُبَةٍ لَهُ دَرَجَتُهَا مِنْ جُذُوعٍ ، فَأَتَاهُ أَصْحَابُهُ يَعُودُونَهُ ، فَصَلَّى بِهِمْ جَالِسًا وَهُمْ قِيَامٌ ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ:” إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا ، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا ، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا ، وَإِنْ صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا ” .

وَنَزَلَ لِتِسْعٍ وَعِشْرِينَ ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّكَ آلَيْتَ شَهْرًا ، فَقَالَ:” إِنَّ الشَّهْرَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ “. وفي لفظ عند البخاري (2469) عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ: آلَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نِسَائِهِ شَهْرًا ، وَكَانَتْ انْفَكَّتْ قَدَمُهُ ، فَجَلَسَ فِي عُلِّيَّةٍ لَهُ ، فَجَاءَ عُمَرُ فَقَالَ: أَطَلَّقْتَ نِسَاءَكَ؟ قَالَ:” لاَ ، وَلَكِنِّي آلَيْتُ مِنْهُنَّ شَهْرًا ، فَمَكَثَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ ، ثُمَّ نَزَلَ ، فَدَخَلَ عَلَى نِسَائِهِ» .

وروايات الحديث تدل على أنه توافق أمران :

الأول : مرض النبي صلى الله عليه وسلم نتيجة سقوطه من على فرسه، فجُحِشت ساقه أو كتفه ، وانفكت قدمه ، فأصبح لا يقدر على القيام .

والثاني : أنه آلى من نسائه شهرا ، أي حلف ألا يدخل عليهن شهرا . واختلف في سبب ذلك ، وليس هذا محل بيانه ، فمكث صلى الله عليه وسلم يبيت في المشربة ، وهي غرفة يُصعد إليها ، ولا يدخل على نسائه .

قال الحافظ ابن حجر في “فتح الباري” (9/301) :” اتَّفَقَ أَنَّهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ انْفَكَّتْ رِجْلُهُ، كَمَا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ “. اهـ

ونظرا لمرضه صلى الله عليه وسلم لم يستطع الخروج إلى صلاة الجماعة في المسجد ، فزاره بعض الصحابة في تلك الغرفة ، فلما حضرت الصلاة صلى بهم جماعة في غرفته .

كما في رواية عند البخاري (1114) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ: سَقَطَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فَرَسٍ فَخُدِشَ – أَوْ فَجُحِشَ – شِقُّهُ الأَيْمَنُ ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ نَعُودُهُ ، فَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ ، فَصَلَّى قَاعِدًا ، فَصَلَّيْنَا قُعُودًا ، وَقَالَ: ” إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا ، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا ، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا ، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ، فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ ” .

وقد استدل أهل العلم بهذا الحديث على أن المرض عذر في ترك صلاة الجماعة .

وعلى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بمن جاءه زائرا جماعة في بيته ، نظرا لمرضه .

قال القاضي عياض في “إكمال المعلم” (2/315) :” وفى هذا الحديث إمامته بهم – عليه السلام – في بيته كما تقدم ، وجواز صلاة الفرض في جماعة في المنازل ، وذلك أنه لم يستطع الخروج لعذر ” .انتهى.

وقال ابن رجب في “فتح الباري” (2/459) وفي الحديث: دليل على أن المريض الذي يشق عليه حضور المسجد : له الصلاة في بيته ، مع قرب بيته من المسجد ، وفيه: أن المريض يصلي بمن دخل عليه للعيادة جماعة ؛ لتحصيل فضل الجماعة “. انتهى .

وقال ابن حجر في “فتح الباري” (2/177) :” قَوْلُهُ ” فِي بَيْتِهِ ” أَيْ : فِي الْمَشْرُبَةِ الَّتِي فِي حُجْرَةِ عَائِشَةَ ، كَمَا بَيَّنَهُ أَبُو سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ ، وَهُوَ دَالٌّ عَلَى أَنَّ تِلْكَ الصَّلَاةَ لَمْ تَكُنْ فِي الْمَسْجِدِ ، وَكَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَجَزَ عَنِ الصَّلَاةِ بِالنَّاسِ فِي الْمَسْجِدِ، فَكَانَ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ بِمَنْ حَضَرَ “. انتهى

وقد بوَّب الإمام البخاري رحمه الله لهذا الحديث بقوله : “باب إذا عاد مريضا ، فحضرت الصلاة، فصلى بهم ” انتهى .

فتبين مما سبق أن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بمن زاره من أصحابه جماعة في بيته ، وتركه الجماعة في المسجد ، كان لأجل مرضه ، وتوافق أنه كان حينئذ قد هجر نساءه ، وأقسم ألا يدخل عليهن شهرا ، فيكون تركه للجماعة في المسجد لأجل المرض ، لا لأجل أنه هجر نساءه صلى الله عليه وسلم .

ومن أحسن ما قيل في ذلك قول ابن هبيرة في “الإفصاح عن معاني الصحاح” (5/311) :” وأما انفكاك قدم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فإنه يدل على أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – جلس لذلك ، موليًا عن نسائه ؛ جامعًا في ذلك بين معالجة الكريمة بالراحة ، وبين معالجة ، أخلاق النساء بالإيلاء “. انتهى

وأما الرواية الأخرى الواردة في السؤال فلا تصح ، فقد أخرجها ابن سعد في “الطبقات الكبرى” (8/179) ، وإسنادها لا يصح لأجل الواقدي فإنه متروك .

إلا أنه ورد معناها إجمالا عند البخاري (2468) ، ومسلم (1479) ، بسياق مقارب لهذا السياق.

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android