سمعت بعض أقاربي يقول : عندما يذنب الشخص تبقى الملائكة التي تسجل الأعمال تنتظر 8 ساعات ؛ لترى هل سيتوب المذنب أم لن يتب ، وبعد مرور ال 8 ساعات تسجل عليه الملائكة الذنب ، وإن تاب لن تسجل عليه الذنب ، فهل هذا صحيح ؟
هل صح أن الملائكة تمهل العاصي ست ساعات قبل كتابة السيئة؟
السؤال: 274368
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولاً:
الذي تدل عليه النصوص الشرعية: أن الملائكة تكتب الحسنات والسيئات من أعمال العباد، كما قال تعالى: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ الانفطار/10-12.
وهؤلاء الملائكة ملازمون للإنسان في جميع أحواله، يكتبون أقواله وأفعاله كما قال تعالى: إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18) ق/17-18.
وفي الصحيحين من حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً .
وروى مسلم في صحيحه (128) عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِذَا هَمَّ عَبْدِي بِسَيِّئَةٍ فَلَا تَكْتُبُوهَا عَلَيْهِ، فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا سَيِّئَةً.. .
ورواه مسلم أيضاً (129) بلفظ: قَالَتِ الْملَائِكَةُ: رَبِّ، ذَاكَ عَبْدُكَ يُرِيدُ أَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً، وَهُوَ أَبْصَرُ بِهِ، فَقَالَ: ارْقُبُوهُ فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ بِمِثْلِهَا، وَإِنْ تَرَكَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً، إِنَّمَا تَرَكَهَا مِنْ جَرَّايَ .
وظاهر هذه النصوص: أن كتابة السيئات تكون بعد فعلها مباشرة، من دون وجود مهلة بين الفعل والكتابة، كما يفهم من قوله: فَإِنْ عَمِلَهَا، فَاكْتُبُوهَا ، والفاء تدل على التعقيب.
ثانياً:
ورد في حديث غريب أن الملَك ينتظر ست ساعات قبل كتابة السيئة على العبد.
ولكن هذا الحديث لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولذا فلا يعتمد على ما جاء فيه.
أخرج الطبراني في “المعجم الكبير” (8/185) ، وأبو نعيم في “حلية الأولياء” (6/124) ، والبيهقي في “شعب الإيمان” (6650) ، من طريق القاسم بن عبد الرحمن، عن أبي أمامة، عن رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: إِنَّ صَاحِبَ الشِّمَالِ لِيَرْفَعُ الْقَلَمَ سِتَّ سَاعَاتٍ عَنِ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ الْمُخْطِئِ أَوِ الْمُسِيءِ، فَإِنْ نَدِمَ وَاسْتَغْفَرَ اللهَ مِنْهَا أَلْقَاهَا ، وَإِلَّا كُتِبَتْ وَاحِدَةً .
وهذا الحديث روي من عدة طرق، مدارها على “القاسم بن عبد الرحمن الشامي”.
قال المنذري: “والقاسم -هذا- اختلف الناس فيه، فمنهم من يُضعف روايته، ومنهم من يوثقها”. انتهى من “مختصر سنن أبي داود”(1/367).
وقال أيضاً في (1/ 426): “وثقه يحيى بن معين وغيره، وتكلم فيه غير واحد”.
قال الحافظ الذهبي : “القاسم بن عبد الرحمن أبو عبد الرحمن الدمشقي مولى آل معاوية، قال أحمد بن حنبل: روى عنه علي بن يزيد أعاجيب، وما أراها إلا من قبل القاسم، وقال ابن حبان: يروي عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم المعضلات” انتهى من “المغني في الضعفاء” (2/519).
وقال عنه الإمام أحمد : “منكر الحديث، ما أرى البلاء إلا من قبل القاسم” .
انتهى من “المجروحين” لابن حبان (2/212).
وقال الحافظ في التقريب: “صدوقٌ يُغْرِب كثيرًا”. وينظر: “تهذيب الكمال في أسماء الرجال” (23/ 386)، “تهذيب التهذيب” (8/290).
ويزيده ضعفاً أنه لم يُرو عن القاسم، إلا من طريق رواة متروكين، أو ضعفاء، أو متكلم في حفظهم وضبطهم.
وأمثل طريق يروى منه الحديث: ما أخرجه الطبراني من طريق إسماعيل بن عياش، عن عاصم بن رجاء بن حيوة، عن عروة بن رويم، عن القاسم، عن أبي أمامة.
وعروة بن رويم، قال عنه الحافظ في التقريب : “صدوقٌ يُرْسِلُ كثيرًا”.
وفي سماعه من القاسم نظر وشك، وقد ضعف المزي ثبوت روايته عن القاسم بن عبد الرحمن كما في “تهذيب الكمال” (20/ 8).
وعاصم بن رجاء بن حيوة ، “قال إسحاق بن منصور عن ابن معين: صويلح، وقال أبو زرعة: لا بأس به، وذكره ابن حبان في الثقات”. انتهى من “تهذيب التهذيب” (5/37).
وقال عنه الدارقطني في “العلل” (3/ 153): ضعيف.
وقال أبو نعيم عن الحديث: “غريب من حديث عاصم وعروة، لم نكتبه إلا من حديث إسماعيل بن عياش” انتهى من “حلية الأولياء” (6/ 124).
وقال العراقي عن الحديث : ” أخرجه البيهقي في الشعب من حديث أبي أمامة بسند فيه لين، باللفظ الأول، ورواه أيضا أطول منه وفيه: (إن صاحب اليمين أميرٌ على صاحب الشمال)، وليس فيه: أنه يأمر صاحب الشمال بإلقاء السيئة حتى يلقي من حسناته واحدة، ولم أجد لذلك أصلاً”. انتهى من “المغني عن حمل الأسفار” (ص: 1495).
وقد رواه ابن أبي شيبة في “المصنف” (7/ 98) من طريق هشام بن سعد قال: سمعت عروة بن رويم يذكر عن القاسم، عن معاذ قال: “إذا ابتلى الله العبد بالسقم قال لصاحب الشمال: ارفع، وقال لصاحب اليمين: اكتب لعبدي ما كان يعمل”.
فلعل هذا أصل الرواية؛ موقوفاً على معاذ، في المريض المبتلى؛ يُرفع القلم عنه تكفيرا لسيئاته، ثم وهم الرواة، فجعلوه من حديث أبي أمامة، مرفوعاً، بلفظ عام.
والحاصل:
أنَّ أمراً غيبياً مثل هذا لا يمكن إثباته إلا من رواية الحفاظ الثقات الأثبات، ولا يكفي فيه تفرد راوٍ متكلم في حفظه وضبطه، ولم يتابع عليه.
فكيف وهو يخالف ظاهر الأحاديث النبوية الصحيحة.
والله أعلم
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب