0 / 0

يسأل عن صحة أثرين فيمن صلى وبينه وبين الإمام جدار أو حجاب ؟ و هل يستفاد منهما أنه لا ينبغي للنساء الصلاة في المصليات المغلقة ؟

السؤال: 274939

هل يصح هذان الأثران؟ وهل يستفاد منهما أنه لا ينبغي للنساء الصلاة في المصليات المغلق؟
الأول : روى ليثُ بنُ أبي سليمٍ ، عَن نعيم بنِ أبي هندٍ، قالَ: قالَ عمر بنِ الخطاب: من صلى وبينه وبين الإمام نهرٌ أو جدار أو طريق لَم يصل معَ الإمام .
الثاني : عن عَائِشَةَ قَالَتْ لِنِسَاءٍ كُنَّ يُصَلِّينَ فِي حُجْرَتِهَا: لَا تُصَلِّينَ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ، فَإِنَّكُنَّ دُونَهُ فِي حِجَابٍ .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

 أولا :

هذان الأثران ضعيفان :

فأما الأول : عن عمر بنِ الخطاب : ” مِن صلى وبينه وبين الإمام نهرٌ أو جدار أو طريق لَم يصل معَ الإمام ” .

عزا تخريجه الحافظ ابن رجب إلى أبي بكر غلام الخلال ، فقال :

روى ليثُ بنُ أبي سليمٍ، عَن نعيم بنِ أبي هندٍ، قالَ: قالَ عمر بنِ الخطاب : “مِن صلى وبينه وبين الإمام نهرٌ أو جدار أو طريق لَم يصل معَ الإمام ” خرجه أبو بكر عبد العزيز بنِ جعفر في كِتابِ الشافي” . ” انتهى من “فتح الباري لابن رجب” (6/298) .

وهذا الأثر ضعيف بهذا الإسناد لسببين :

الأول : ضعف ليث بن أبي سليم .

قال ابن حجر عنه : “اختلط جدا ، ولم يتميز حديثه : فترك” انتهى من “تقريب التهذيب” ص (464) .

الثاني : انقطاعه ؛ لأن نعيم بن أبي هند لم يسمع من عمر بن الخطاب رضي الله عنه .

قال الألباني رحمه الله :

“الانقطاع بين نعيم بن أبي هند وعمر بن الخطاب : إن أكثر حديثه عن التابعين، ولم يذكروا له رواية عن أحد من الصحابة غير أبيه، مات سنة 110ه” انتهى من “السلسلة الضعيفة” (12/178) .

وأما الأثر الثاني : عن عَائِشَةَ أنها قَالَتْ لِنِسَاءٍ كُنَّ يُصَلِّينَ فِي حُجْرَتِهَا: لَا تُصَلِّينَ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ، فَإِنَّكُنَّ دُونَهُ فِي حِجَابٍ” .

أخرجه البيهقي في “معرفة السنن والآثار” (1577) عن الشافعي مرسلا .

ثم عقب عليه بقوله ” لم يذكر إسناده في الجديد ، وذكره في القديم ، وهو فيما أنبأني أبو عبد الله إجازة ، أن أبا الوليد أخبرهم قال : حدثنا محمد بن إسحاق ، والمؤمل قالا : حدثنا الزعفراني ، عن الشافعي قال : أخبرنا إبراهيم بن محمد ، عن ليث ، عن عطاء ، عن عائشة ، ” أن نسوة صلين في حجرتها ، فقالت : لا تصلين بصلاة الإمام ؛ فإنكن في حجاب ” .

وقال ابن رجب الحنبلي عن استدلال الشافعي بهذا الأثر :

“واستدلَّ بقول عائشة -مِن غير إسناد-، وتوقف في صحته عنها.

وذكره بإسناده في رواية الزعفراني، فقالَ: حدثنا إبراهيم بنِ محمد، عَن ليثٍ، عَن عطاء، عَن عائشة، أن نسوةً صلْين في حجرتها، فقالت: لا تصلِّين بصلاة الإمام؛ فإنكنَّ في حجابٍ.

وهذا إسناد ضعيفٌ، ولذلك توقف الشَافِعي في صحته ” انتهى من “فتح الباري” (6/300) .

وقال الطريفي :

“وإسناده لا يصح، إبراهيم متهم” انتهى من “التحجيل” ص(90) .

ثانيا :

قول السائل : هل يستفاد منهما أنه لا ينبغي للنساء الصلاة في المصليات المغلقة ؟

فالجواب عنه من جهتين :

الأولى :

لا يمكن الاقتصار على هذين الأثرين للحكم على هذه المسألة :

أولا : لضعف الأثرين كما سبق.

وثانيا : لأنه لا يمكن النظر إلى الآثار المانعة ، وإهمال الآثار الأخرى المجيزة .

فهذه المسألة فيها آثار كثيرة ، منها ما هو دال على المنع وأخرى دالة على الجواز ، وليس فيها نصح صحيح صريح مرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم ؛ ولذلك اختلف أهل العلم فيها .

قال الشيخ الألباني رحمه الله

“قد روى ابن أبي شيبة في المصنف آثارا في المنع من ذلك .

وأخرى في الرخصة فيه ، وهذه أكثر وأصح” انتهى من “إرواء الغليل” (2/330) .

ولذلك بوب البخاري في صحيحه :  ” بَابُ إِذَا كَانَ بَيْنَ الإِمَامِ وَبَيْنَ القَوْمِ حَائِطٌ أَوْ سُتْرَةٌ ، وَقَالَ الحَسَنُ: “لاَ بَأْسَ أَنْ تُصَلِّيَ وَبَيْنَكَ وَبَيْنَهُ نَهْرٌ” وَقَالَ أَبُو مِجْلَزٍ: “يَأْتَمُّ بِالإِمَامِ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا طَرِيقٌ أَوْ جِدَارٌ ، إِذَا سَمِعَ تَكْبِيرَ الإِمَامِ” .

ثم استدل بائتمام الصحابة برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي في حجرته يرون شخصه إذا قام ، لقصر جدار الحجرة .

قال الحافظ ابن رجب :

” مرادُ البخاري بهذا الباب: أنَّهُ يجوز اقتداء المأمومِ بالإمام، وإن كانَ بينهما طريق أو نهر، أو كانَ بينهما جدار يمنع المأموم مِن رؤية إمامه ، إذا سمع تكبيره ” انتهى من “فتح الباري” (6/279) .

وقال ابن حجر :

” قَوْلُهُ : ( بَابُ إِذَا كَانَ بَيْنَ الْإِمَامِ وَبَيْنَ الْقَوْمِ حَائِطٌ أَوْ سُتْرَةٌ” ) .

أَيْ : هَلْ يَضُرُّ ذَلِك بالاقتداء ؟

وَالظَّاهِرُ مِنْ تَصَرُّفِهِ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ ، كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْمَالِكِيَّةُ ، وَالْمَسْأَلَةُ ذَاتُ خِلَافٍ شَهِيرٍ ، وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ ” انتهى من “فتح الباري” (2/214) .

الثاني :

هذان الأثران إنما هما فيمن اقتدى بالإمام ، وهو خارج المسجد ، فلا يصح الاستدلال بهما على المصليات النسائية ، لأنها ليست خارج المسجد ، بل هي منه ، وإن كانت مغلقة ، منفصلة عن مصلى الرجال .

قال النووي رحمه الله : “للإمام والمأموم في المكان ثلاثة أحوال :

أحدها : أن يكونا في مسجد فيصح الاقتداء ، سواء قربت المسافة بينهما ، أم بعدت لكبر المسجد ، وسواء اتحد البناء أم اختلف ، كصحن المسجد ، وصُفَّتِه ، وسرداب فيه ، مع سطحه وساحته ، والمنارة التي هي من المسجد : تصح الصلاة في كل هذه الصور وما أشبهها ، إذا عَلم صلاة الإمام ، ولم يتقدم عليه ، سواء كان أعلى منه أو أسفل .

ولا خلاف في هذا. ونقل أصحابنا فيه إجماع المسلمين…إلخ” انتهى من “المجموع” (4/195) .

وقال المرداوي في “الإنصاف” (2/293) : “… فإن كان المأموم في المسجد : فلا يشترط اتصال الصفوف ، بلا خلاف . قاله الآمدي ، وحكاه المجد إجماعاً” انتهى .

وقد سئل الشيخ لابن عثيمين رحمه الله: ما حكم صلاة النساء في المساجد التي لا يرين فيها الإمام ولا المأمومين ، وإنما يسمعن الصوت فقط ؟

فأجاب : “يجوز للمرأة ، وللرجل أيضا : أن يصلي مع الجماعة في المسجد ، وإن لم ير الإمام ولا المأمومين ، إذا أمكن الاقتداء .

فإذا كان الصوت يبلغ النساء في مكانهن من المسجد ، ويمكنهن أن يقتدين بالإمام : فإنه يصح أن يصلين الجماعة مع الإمام ؛ لأن المكان واحد ، والاقتداء ممكن سوء كان عن طريق مكبر الصوت ، أو عن طريق مباشر بصوت الإمام نفسه ، أو بصوت المبلغ عنه .

ولا يضر إذا كن لا يرين الإمام ولا المأمومين .

وإنما اشترط بعض العلماء رؤية الإمام أو المأمومين : فيما إذا كان الذي يصلي خارج المسجد، فإن الفقهاء يقولون : يصح اقتداء المأموم الذي خارج المسجد إن رأى الإمام أو المأمومين .  على أن القول الراجح عندي : أنه لا يصح للمأموم أن يقتدي بالإمام في غير المسجد ، وإن رأى الإمامُ المأمومَ ، إذا كان في المسجد مكان يمكنه أن يصلي فيه . وذلك لأن المقصود بالجماعة الاتفاق في المكان ، وفي الأفعال .

أما لو امتلأ المسجد ، وصار من كان خارج المسجد يصلي مع الإمام ، ويمكنه المتابعة : فإن الراجح جواز متابعته للإمام ، وائتمامه به ؛ سواء رأى الإمام أم لم يره ، إذا كانت الصفوف متصلة ” انتهى من “مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين” (15/213).

وينظر جواب السؤال (238922) .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android