نحن نعلم أن الإنسان خلق في الأرض من أجل اختبار في الدنيا والخلافة فيها، (إني جاعل في الأرض خليفة)، ولكن في هذا الحديث عندما تحاور موسى وآدم عليهما السلام: (أنت أبونا خيّبتنا، أخرجتنا ونفسك من الجنة)، نرى أنه لو لم يأكل آدم من الشجرة لظللنا في الجنة، فهل كان آدم عليه السلام مجبرا في أكله من الشجرة؟ فلو كان مخيرا لكان الهدف من خلق الإنسان هو المكوث في الجنة، وليس الخلافة في الأرض، هكذا ظني، ولو كان مجبرا فلم جعله الله تعالى في الجنة، ثم أنزله للأرض، لم لم يخلقه مباشرة في الأرض، مع العلم أني أميل إلى أن آدم دخل جنة في الأرض، وليس جنة الخلد؛ لأن جنة الخلد تكون مستقرا، ومتاعا، وليست للاختبار كما اختبر الله آدم في أكله من الشجرة، فالاختبار يكون في الأرض، ولكن هذا الحديث الصحيح يدعم أن الجنة جنة الخلد.
حاجني ملحد فقال: إننا نعيش في الأرض -حسب اعتقادكم-؛ لأن آدم أكل من الشجرة لو لم يأكل منها لكنا الآن في الجنة، إذن الهدف من الخلق ليس للاختبار.
أرجو إجابة شافية على هذا.
إذا كان خروج آدم من الجنة مقدرا فهل كان مجبرا على الأكل من الشجرة؟
السؤال: 276272
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
ينبغي أن يُعلم، أولا، وقبل كل شيء: أن الأمور كلها مقدرة، كما قال تعالى: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) القمر/49؛ أي: أحاط علم الله بكل شيء، وكتبه في كتاب عنده، وشاءه، وأوجده وفقا لعلمه ومشيئته.
فقدر الله تعالى هبوط آدم إلى الأرض، وابتلاءه وذريته عليها.
لكن الأمور تُقَدَّر بأسبابها.
فيقدر الله أن آدم يأكل من الشجرة، فيعاقب بإخراجه من الجنة، كما روى البخاري (3409) ومسلم (2652) هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى، فَقَالَ لَهُ مُوسَى: أَنْتَ آدَمُ الَّذِي أَخْرَجَتْكَ خَطِيئَتُكَ مِنَ الجَنَّةِ، فَقَالَ لَهُ آدَمُ: أَنْتَ مُوسَى الَّذِي اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِرِسَالاَتِهِ وَبِكَلاَمِهِ، ثُمَّ تَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قُدِّرَ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ ” فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى مَرَّتَيْنِ).
وللبخاري (6614): (احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى، فَقَالَ لَهُ مُوسَى: يَا آدَمُ أَنْتَ أَبُونَا خَيَّبْتَنَا وَأَخْرَجْتَنَا مِنَ الجَنَّةِ، قَالَ لَهُ آدَمُ: يَا مُوسَى اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِكَلاَمِهِ، وَخَطَّ لَكَ بِيَدِهِ، أَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قَدَّرَهُ اللَّهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي بِأَرْبَعِينَ سَنَةً؟ فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى، فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى) ثَلاَثًا.
فخروج آدم من الجنة وهبوطه إلى الأرض، أمر مقدر قبل أن يُخلق، كما أن أمورنا كله مقدرة قبل أن نخلق.
ولا يقال: لو لم يأكل من الشجرة لبقي في الجنة إلخ؛ لأنا قدمنا أن الأمور يقدرها الله ويقدر أسبابها كذلك.
ومثاله: لو قدر الله أن يكون لإنسان عشرة من الولد، فلا يقال: إذا لم يتزوج فلن يكون له ولد؛ لأن الله الذي قدر له الولد، قدر له سببه وهو الزواج.
ولا يقال: لو كان المراد أن يعيش على الأرض، فلم أسكنه الجنة أولا؟
فهذا اعتراض على حكمة الله تعالى، وهو سبحانه يفعل ما يشاء، ولا يفعل إلا لحكمة، والحكمة هنا ظاهرة، ومنها إظهار عداوة إبليس وكذبه وخداعه، ومنها إظهار شؤم المعصية وأثرها، ومنها إظهار فضل التوبة وقبول الله لها، إلى غير ذلك من الحكم الظاهرة في هذه القصة.
ثانيا:
كون الأمور مقدرة، لا يعني أن الإنسان مجبر، بل هو فاعل باختياره ومشيئته، لكن الله الخالق العليم يعلم ما كان وما سيكون، يعلم اختيار عبده وأنه سيتزوج أو لا يتزوج، يأكل من الشجرة أو لا يأكل.
وكل عاقل يدرك الفرق بين حركة أمعائه الخارجة عن إرادته، وحركة يده التي يبطش بها ورجله التي يمشي عليها ولسانه الذي ينطق به، وغير ذلك من أفعاله الاختيارية.
فيقال لهذا الملحد: تستطيع أن تقول لا إله إلا الله، وألا تقول ذلك، وكله باختيارك، والله يعلم قبل أن يخلقك ما الذي تصير إليه من ذلك.
وعلم الله بما في نفسك، وعلم الله بما تفعله، وعلم الله تعالى بما تصير إليه في الآخرة: كل ذلك لم يوجب لك جبرا أو قهرا.
والحاصل:
أن خروج آدم من الجنة مقدر، وأن أكله من الشجرة مقدر كذلك، وأن آدم عليه السلام حين أكل منها، أكل باختياره وإرادته.
ولو كان الإنسان يجبر على فعله لما صلح أن يثاب وأن يعاقب.
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (49039)، ورقم: (20806).
ثالثا:
النصيحة لك ألا تحاور الملاحدة والمشككين؛ لأن حوار غير المؤهل فيه مفسدتان:
1-أنه قد ترد عليه شبهة تزعزع يقينه، وتقلق نفسه، وقد لا يستطيع دفعها.
2-أن ضعفه في الجواب يكون فتنة لمحاوره، فيظن أنه على الحق والصواب.
ولهذا حذر السلف من محاورة أهل الأهواء، فكيف بالملاحدة والمشككين في أصل الدين.
قال الذهبي رحمه الله وساق قول سفيان: “من أصغى بسمعه إلى صاحب بدعة وهو يعلم: خرج من عصمة الله ووكل إلى نفسه.
وعنه: من يسمع ببدعة فلا يحكها لجلسائه لا يلقيها في قلوبهم”.
ثم قال الذهبي: ” قلت: أكثر أئمة السلف على هذا التحذير، يرون أن القلوب ضعيفة، والشبه خطافة ” انتهى من “سير أعلام النبلاء (7/261).
رابعا:
الجنة التي سكنها آدم عليه السلام، ثم أخرج منها، هي جنة الخلد، على القول الراجح، كما بينا في جواب السؤال رقم: (218371).
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة