هل لا يزال هناك أحاديث مكذوبة وضعيفة إلي الآن لم يُكتشف صحتها؟
هل لا يزال إلى الآن هناك أحاديث مكذوبة وضعيفة إلى الآن لم يكتشف صحتها ؟
السؤال: 279203
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
فبداية يجب أن نعتقد أن الله قد تكفل بحفظ دينه ، وحفظ كتابه ، حيث قال سبحانه :( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) الحجر/9.
ومن تمام حفظ الله لكتابه حفظ سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، حيث قال الله تعالى :( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) النحل/44.
ففي الآية وصف الله السنة بأنها من الذكر الذي أنزله الله على نبيه صلى الله عليه وسلم تبيانا للقرآن الكريم ، ولذا فإن حفظ السنة من حفظ القرآن .
وقد هيأ الله الأسباب التي بها حفظت السنة من الكذب والغلط ، وأقام الأدلة على ذلك ، وغرس في الأمة الحفاظ والمحدثين الذين نذروا حياتهم لذلك .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في “الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح” (3/38) :
” وَلَكِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ حَفِظَ اللَّهُ لَهَا مَا أَنْزَلَهُ كَمَا قَالَ – تَعَالَى : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) الحجر/9 .
فَمَا فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ ، أَوْ نَقْلِ الْحَدِيثِ ، أَوْ تَفْسِيرِهِ ، مِنْ غَلَطٍ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ يُقِيمُ لَهُ مِنَ الْأُمَّةِ مَنْ يُبَيِّنُهُ ، وَيَذْكُرُ الدَّلِيلَ عَلَى غَلَطِ الْغَالِطِ وَكَذِبِ الْكَاذِبِ .
فَإِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ لَا تَجْتَمِعُ عَلَى ضَلَالَةٍ ، وَلَا يَزَالُ فِيهَا طَائِفَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى الْحَقِّ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، إِذْ كَانُوا آخِرَ الْأُمَمِ ، فَلَا نَبِيَّ بَعْدَ نَبِيِّهِمْ بَعْدَهُمْ ، وَلَا كِتَابَ بَعْدَ كِتَابِهِمْ.
وَكَانَتِ الْأُمَمُ قَبْلَهُمْ إِذَا بَدَّلُوا وَغَيَّرُوا : بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا يُبَيِّنُ لَهُمْ وَيَأْمُرُهُمْ وَيَنْهَاهُمْ ، وَلَمْ يَكُنْ بَعْدَ مُحَمَّدٍ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – نَبِيٌّ ، وَقَدْ ضَمِنَ اللَّهُ أَنْ يَحْفَظَ مَا أَنْزَلَهُ مِنَ الذِّكْرِ ، وَأَنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ لَا تَجْتَمِعُ عَلَى ضَلَالَةٍ ، بَلْ أَقَامَ اللَّهُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ فِي كُلِّ عَصْرٍ مَنْ يَحْفَظُ بِهِ دِينَهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْقُرْآنِ ، وَيَنْفِي بِهِ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ وَانْتِحَالَ الْمُضِلِّينَ وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ “. انتهى
وقال ابن القيم كما في “مختصر الصواعق المرسلة” (581) :
” كل مَا حَكَمَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ ، وَهُوَ ذِكْرٌ مِنَ اللَّهِ أَنْزَلَهُ عَلَى رَسُولِهِ ، وَقَدْ تَكَفَّلَ سُبْحَانَهُ بِحِفْظِهِ ، فَلَوْ جَازَ عَلَى حُكْمِهِ الْكَذِبُ وَالْغَلَطُ وَالسَّهْوُ مِنَ الرُّوَاةِ ، وَلَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى غَلَطِهِ وَسَهْوِ نَاقِلِهِ : لَسَقَطَ حُكْمُ ضَمَانِ اللَّهِ وَكَفَالَتِهِ لِحِفْظِهِ؛ وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْبَاطِلِ! وَنَحْنُ لَا نَدَّعِي عِصْمَةَ الرُّوَاةِ ، بَلْ نَقُولُ: إِنَّ الرَّاوِيَ إِذَا كَذَبَ أَوْ غَلِطَ أَوْ سَهَا ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي الْأُمَّةِ مَنْ يَعْرِفُ كَذِبَهُ وَغَلَطَهُ ، لِيَتِمَّ حِفْظُهُ لِحُجَجِهِ وَأَدِلَّتِهِ ، وَلَا تَلْتَبِسَ بِمَا لَيْسَ مِنْهَا ، فَإِنَّهُ مِنْ حُكْمِ الْجَاهِلِيَّةِ “. انتهى
ولذا فمن القواعد المقررة : أنه ما من حديث ، قاله النبي صلى الله عليه وسلم ، فيه حكم للشريعة تحتاجه الأمة في دينها : إلا وقد نقل صحيحا مقبولا ، وتلقته الأمة جيلا بعد جيل ، ولم يلتبس على الأمة بأسرها ، قط ، في أي زمان أمر دينها لأجل كذب الكاذبين ، وغلط الغالطين .
قال الإمام أبو محمد بن حزم رحمه الله في “الإحكام في أصول الأحكام” (8/137) :” وقد علمنا أنه لا يمكن أن يخفى الحق في الدين على جميع المسلمين ، بل لا بد أن تقع طائفة من العلماء على صحة حكمه بيقين ، لما قدمنا في كتابنا هذا من أن الدين مضمون بيانه ورفع الإشكال عنه ، بقول الله تعال :” تبيانا لكل شيء ” ، وبقوله تعالى :” لتبين للناس ما نزل إليهم “. انتهى .
وقد قيض الله أهل العلم يكشفون كذب الكاذبين ، وغلط الرواة المخطئين ، حتى عرف الصحيح من الضعيف ، والباطل والمكذوب ، فلم يلتبس الحق بالباطل بفضل الله عز وجل .
وفي “الكفاية في علم الرواية” (ص36) للخطيب البغدادي :” قِيلَ لِابْنِ الْمُبَارَكِ: هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الْمَصْنُوعَةُ؟ قَالَ: يَعِيشُ لَهَا الْجَهَابِذَةُ . انتهى
هذا ولم يخل زمان قط من حراس الدين والسنة ، ممن يكشفون كذب الكاذبين ، وغلط الغالطين ، وهم أهل الحديث المتحققون به .
قال ابن الجوزي في “الموضوعات” (1/31) :” ولما لم يمكن أحدا أن يُدخل في القرآن شيئا ليس منه ، أخذ أقوام يزيدون في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وينقصون ، ويبدلون ، ويضعون عليه ما لم يقل، فأنشأ الله عز وجل علماء يذبون عن النقل ، ويوضحون الصحيح ، ويفضحون القبيح ، وما يخلي الله عز وجل منهم عصرا من العصور … “. انتهى
وحينئذ ، فلم ينسب حديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويعرف في الأمة نسبته : إلا وعلم هذا الحديث ثابت في هذه الأمة ، علم هل هو صحيح النسبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، أو باطل النسبة ؟ صحيح ، أو ضعيف ؟ مقبول أو مردود ؟
كل ذلك معلوم في الأمة ، محفوظ فيها .
ومعلوم أيضا : ما لهذا الحديث من معنى ، وما تضمنه من حكم تحتاجه الأمة ، لم يذهب علم ذلك عن الأمة ، قط .
وإن كان قد يخفى على بعض الناس منهم ، دون بعض ، وفي بعض الأماكن دون بعض ؛ لكن علمه موجود في عموم الأمة ، يبلغه من طلبه من بابه ، بإذن الله .
وأما إن كان مراد السائل أنه هل هناك أحاديث لا يمكن معرفة صحتها من ضعفها أو بيان كذبها من صدقها ؟
فجواب ذلك :
أنه لا يوجد حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا أثر عن صحابي أو غيره ، إلا ويمكن معرفة صحته من ضعفه ، فإن علماء الحديث وضعوا القواعد والضوابط التي يتمكن المحدث العالم بها من التمييز بين الأحاديث والآثار الصحيحة من الضعيفة والمكذوبة ، ومتى ما استعمل طالب العلم بالحديث المتمكن من قواعده ، ومعرفة علله ، هذه القواعد إلا وتمكن من الحكم على أي حديث كان .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب