جاء في تفسير ابن كثير رحمه الله عند قوله تعالى : ( الذين يتبعون الرسول النبي الأمي….) قصة بعض الصحابة رضي الله عنهم مع هرقل ، وكيف أراهم صور الأنبياء ، وهي طويلة جدا ، وفيها الكثير من الغرائب ، فما صحة هذه الرواية سندا ومتنا ؟
حول صحة رؤية الصحابة لصور الأنبياء عند هرقل؟
السؤال: 279516
ملخص الجواب
ملخص الجواب : هذه القصة واهية ، ولا تثبت من أي وجه .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
هذه القصة والتي فيها أن بعض الصحابة رأوا صور الأنبياء ، ومنها صورة نبينا صلى الله عليه وسلم ، عند ملك الروم ، قصة واهية لا تصح بوجه ، وبيان ذلك كما يلي :
هذه القصة رويت من أربعة طرق كلها لا يثبت :
الطريق الأول :
أخرجه إسماعيل الأصبهاني في “دلائل النبوة” (88) ، والبيهقي في دلائل النبوة” (1/385) ، من طريق عَبْد الْعَزِيزِ بْن مُسْلِمِ بْنِ إِدْرِيسَ ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ ، عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ الْعَاصِ الْأُمَوِيِّ ، قَالَ: بُعِثْتُ أَنَا وَرَجُلٌ آخَرُ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَى هِرَقْلَ صَاحِبِ الرُّومِ نَدْعُوهُ إِلَى الْإِسْلَامِ ، فَخَرَجْنَا حَتَّى قَدِمْنَا الْغُوطَةَ – يَعْنِي دِمَشْقَ – فَنَزَلْنَا عَلَى جَبَلَةَ بْنِ الْأَيْهَمِ الْغَسَّانِيِّ ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ وَإِذَا هُوَ عَلَى سَرِيرٍ لَهُ ، فَأَرْسَلَ إِلَيْنَا بِرَسُولٍ نُكَلِّمُهُ … ثم ساق حديثا طويلا ، وفيه أنهم دخلوا على هرقل فأراهم صور الأنبياء .
وهذا الطريق ضعيف جدا ؛ فيه عبد العزيز بن مسلم بن إدريس ، وعبد الله بن إدريس بن عبد الرحمن ، لا يعرفان ، ولم يترجم لهما أحد .
الطريق الثاني :
أخرجه أبو نعيم الأصبهاني في “دلائل النبوة” (13) من طريق مَسْعُود بْن يَزِيدَ الْقَطَّانُ ، قَالَ: ثنا أَبُو دَاوُدَ ، قَالَ: ثنا عَبَّادُ بْنُ يَزِيدَ ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ الْقُرَشِيِّ ، أَنَّ هِشَامَ بْنَ الْعَاصِ ، وَنُعَيْمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ ، وَرَجُلًا آخَرَ قَدْ سَمَّاهُ بُعِثُوا إِلَى مَلِكِ الرُّومِ زَمَنَ أَبِي بَكْرٍ ، قَالَ: ” فَدَخَلْنَا عَلَى جَبَلَةَ بْنِ الْأَيْهَمِ ، وَهُوَ بِالْغُوطَةِ ، فَإِذَا عَلَيْهِ ثِيَابٌ سُودٌ… ثم ساق الحديث .
وهذا الطريق ضعيف جدا ، مسلسل بالمجاهيل ، فيه ” مسعود بن يزيد القطان أبو أحمد الزمن ” ، ترجم له أبو نعيم في “تاريخ أصبهان” (1767) ، وكذلك ترجم له الذهبي في “تاريخ الإسلام” (544) ، ولم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا ، فهو مجهول الحال .
وفيه عباد بن يزيد ، مجهول أيضا ، لم يترجم له أحد ، وهو غير عباد بن يزيد الذي يروي عن علي رضي الله عنه ، ويروي عنه السدي ، فإنه من غير طبقته ، ومع ذلك فهو متروك أيضا ، قال الذهبي في “المقتنى في سرد الكنى” (6745) :” عباد بن يزيد ، عن علي ، وعنه السدي ، بخبر منكر أتى به “. انتهى .
وقد ضعف سنده ابن حجر في “فتح الباري” (8/219) .
الطريق الثالث :
أخرجه البخاري في “التاريخ الكبير” (1/179) ، وأبو نعيم في “دلائل النبوة” (12) ، والطبراني في “المعجم الأوسط” (8231) ، والبيهقي في “دلائل النبوة” (1/384) ، من طريق أُم عُثمان بنت سَعِيد بن محمد بن جبير بن مطعم ، عَنْ أَبيها سَعِيد ، عَنْ أَبيه مُحَمد بْن جُبَير ، عَنْ جُبَير بْن مُطعِم ، قَالَ: خرجتُ تاجرا إلى الشام ، فلقيتُ رجلا مِن أهل الكتاب ، فقَالَ: هل عِندكم رجلٌ يَتَنَّبَأُ؟ قلتُ: نعم ، فجاء رجلٌ مِن أهل الكتاب ، فقَالَ: فِيم أنتم؟ فأدخلني منزلا لَهُ ، فإذا فِيهِ صور ، فرأَيتُ النَّبيَّ صَلى اللَّهُ عَلَيه وسَلم ، قَالَ: هُوَ هذا؟ قلتُ: نعم ، قَالَ: إنَّهُ لم يكن نَبِيٌّ إلا كَانَ بعده نَبيٌّ ، إلا هذا النَّبيُّ “.
وإسناده ضعيف جدا أيضا ؛ فيه سعيد بن محمد بن جبير ، قال ابن القطان في “بيان الوهم والإيهام” (4/503) :” لا تعرف له حال” . انتهى
وفيه كذلك أم عثمان بنت سعيد بن محمد بن جبير ، لا تعرف ، لم يترجم لها أحد .
الطريق الرابع :
ويروى من حديث عبادة بن الصامت من وجهين :
الوجه الأول : أخرجه الذهبي في “تاريخ الإسلام” (1/797) بسنده من طريق الزُّبَيْر بْنُ بَكَّارٍ ، قال حَدَّثَنِي عَمِّي مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ جَدِّي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُصْعَبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: بَعَثَنِي أَبُو بَكْرٍ فِي نَفَرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ إِلَى مَلِكِ الرُّومِ لِأَدْعُوَهُ إِلَى الْإِسْلَامِ ، فَخَرَجْنَا نَسِيرُ عَلَى رَوَاحِلِنَا حَتَّى قَدِمْنَا دِمَشْقَ ، فَإِذَا عَلَى الشَّامِ لِهِرَقْلَ جَبَلَةُ ، فَاسْتَأْذَنَّا عَلَيْهِ ، فَأَذِنَ لَنَا … ثم ساق الحديث بطوله .
وإسناده ضعيف جدا ، مسلسل بالضعفاء والمجاهيل .
فيه ثابت بن عبد الله بن الزبير فمجهول الحال ، ترجم له البخاري في “التاريخ الكبير” (2076) ، وابن أبي حاتم في “الجرح والتعديل” (1828) ، والذهبي في “تاريخ الإسلام” (28) ولم يذكروا فيه جرحا ولا تعديلا
وفيه كذلك ” مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير ” ضعيف لا يحتج به ، ضعفه أحمد ، وابن معين ، وقال أبو حاتم :” صدوق كثير الغلط ليس بالقوى “. انتهى من “الجرح والتعديل” (8/403) ، وقال ابن حبان في “المجروحين” (3/29) :” مُنكر الحَدِيث مِمَّن ينْفَرد بِالْمَنَاكِيرِ عَن الْمَشَاهِير فَلَمَّا كثر ذَلِك مِنْهُ اسْتحق مجانبة حَدِيثه “. انتهى
وفيه عبد الله بن مصعب بن ثابت ” ضعيف ” ، ضعفه ابن معين كما في “تاريخ بغداد” للخطيب البغدادي (11/415) .
الوجه الثاني :
أخرجه ابن عساكر في “تاريخ دمشق” (40/154) من طريق الحسن بن علي بن زكريا العدوي أبو سعيد البصري ، قال نا أحمد بن محمد المكي أبو بكر ، نا محمد بن عبد الرحمن المديني ، عن محمد بن عبد الواحد الكوفي ، ثنا محمد بن أبي بكر الأنصاري ، عن عبادة بن الصامت ، وكان عقبيا بدريا نقيبا ، أنه قال :” بعثني أبو بكر إلى ملك الروم يدعوه إلى الإسلام ويرغبه فيه ، ومعي عمرو بن العاص بن وائل السهمي وهشام بن العاص بن وائل السهمي وعدي بن كعب ونعيم بن عبدالله بن النحام ، فخرجنا حتى قدمنا على جبلة بن الأيهم دمشق ، فأدخلنا على ملكهم بها الرومي … ثم ساق الحديث بطوله .
وإسناده تالف ، فيه الحسن بن علي بن زكريا العدوي ، كذاب يضع الحديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال الذهبي :” قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: كَانَ يَضَعُ الْحَدِيثَ ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: مَتْرُوكٌ. قُلْتُ: جَرِيءٌ عَلَى وَضْعِ الْأَسَانِيدِ وَالْمُتُونِ “. انتهى من “تاريخ الإسلام” (414) .
ولذا ضعف هذا الإسناد الحافظ ابن حجر في “الإصابة” (4/394) .
فتبين من ذلك أن القصة واهية ، ولا تثبت من أي وجه .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب