تنزيل
0 / 0
10,90028/02/2018

شكلي مخيف وأشعر أنني غير مرغوبة وغير محبوبة ، فماذا أفعل ؟

السؤال: 279833

أنا فتاه أبلغ من العمر 23 سنة ، لا أعاني ـ الحمدلله ـ من أي مرض جسدي ، ولكن هناك أشياء بداخلي لا أعلم لماذا أنا هكذا مما يجعلني أقف أمام المرآة ، وأقول لنفسي لماذا أنا هكذا ؟ لماذا أنا مختلفة عن باقي الناس ؟
سأتكلم من نقطة البداية ، أنا لدي ثلاث أخوات وأخوان ، منذ كنت صغيرة لم يكون لدي صديقات أبدا ، كنت أحس أنني شخص غير مرغوب به ؛ بسبب شكلي ، وأنني سمراء اللون ، واستمرت هذه الفكرة معي ، أصبحت بعيدة عن الكل ، وأختي كان لها صديقات تذهب لهم ، وأنا كنت أجلس معها أحيانا ، وكنت أعاني من البنات ، كانت تصير مشاكل باستمرار بيني وبينهم بدون سبب طبعا ، انتقلت لمرحلة المتوسط والثانوي بنفس الشئ ، وكانو يسرقون أغراضي دون علمي ، انتقلت إلى الجامعة فأصبحت أعاني أكثر من قبل ، بدأت دراستي ولم أوفق فيها بسبب إهمالي ، كان شغلي الشاغل شكلي شكلي شكلي ، ولم أعد أنظر لغير ذلك ، مهما فعلت أحس بالنقص ، أصبحت أرى نفسي ناقصة ، لدي صديقات لكن لا أحس أنهم يحبونني ، وفي صغري كنت أسمع كلمة مجنونه كثيرا ، حتى أصبحت أشعر بأنني فعلا مجنونة لا أستطيع أن أذهب مع البنات ، ولا أستطيع أن أفعل أي شئ لأنني مجنونة يعاملوني على أنني شخص مجنون ، ثم حدث أن أختي خطبها ابن خالتي فهو يحبها ، وأنا أعلم بهذا الشئ ، ولكن أقول بيني وبين نفسي لماذا أنا لم أخطب بعد ؛ لأن شكلي مخيف جدا ، لا أحد يرغب بي ، ولأنني مجنونة ، ثم أنظر إلى نفسي ، أنا لدي خلفية عن الأجهزة ، وكل شئ يخصها ، أفهم ما يدور حولي ، أفهم الناس جيدا ؛ لأنني أقرا كتب نفسية كثيرا ، أعلم من يحبني ومن يكرهني ، أرى الناس بشفافية تامة ، مع لذلك إذا نظرت بأعينهم أرى أنهم ينظرون لي على أنني مجنونة ، هل أنا مجنونة حقا؟

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أختنا الفاضلة : 
الإنسان مركب من أفكار ومشاعر وسلوك ، فإذا غلبت الإيجابية على أفكاره ، انتظمت مشاعره وغلب على سلوكه الإيجابية . 
وإذا غلبت السلبية على أفكاره ، اضطربت مشاعره ، وغلب على سلوكه السلبية . 
 
والمصدر الرئيس لهذه الأفكار هو ما يسمى بالمعتقد المركزي Core belief ، وهو معتقد مركزي دفين راسخ في النفس البشرية ، يتكون مع مر الزمان من خلال المواقف والخبرات الحياتية ، ولا يلبث أن يترجم إلى معتقدات وسطية في صورة انطباعات Attitudes وافتراضات Assumptions وقواعد  Rules  . 
وهذا كله يظهر على السطح أثناء المواقف والأحداث التي تتعرضي لها في صورة ما يسمى بالأفكار التلقائية Automatic thoughts   . 
 
ولو أسقطنا هذه المنظومة المعرفية على حالتك ، لوجدنا أن الأفكار التلقائية التي تتردد بداخلك مع كل موقف : ( إنهم لا يحبونني ، إنهم يرون أني مجنونة ، إنهم يرون أني مخيفة ) !! 
وهذه الأفكار نابعة من انطباعات وافتراضات سلبية عن الصداقة ونظرة الناس لكِ . 
وكل هذا من نسجك للأوهام داخل نفسك ، غذاها تسويل الشيطان لك ، ونفس أمارة بسوء الظن ، سوء الظن بمن حولك من الناس ؛ بل بنفسك أنت ، كذلك . 
كقولك في نفسك : ( أي صداقة سيترتب عليها مشاكل ) ، ( أي تصرف أمام الناس سيقولون عني مجنونة ) ، ( أي أحد ينظر إلي ، سيرى أني مخيفة جدا ) . 

وهذا كله أختنا الفاضلة نابع من معتقد مركزي دفين راسخ ألا وهو : ( أنا غير محبوبة وغير مرغوبة ) !
 
وبناء على ذلك ، فالمنبع الرئيس لهذه الأفكار هو ( عقلكِ ) ، و(نفسك الأمارة ، بالسوء ) أنت ، و( شيطانك ، وقرينك الملازم لك ) أنت ، وليس ذلك نابعا ممن حولك من الناس . 
( أنت ) ، من أقنعت نفسك ، بأنكِ غير محبوبة !!
أنت ، من أقنعت نفسك ، بأنكِ غير مرغوبة !!
أنت ، من أقنعت نفسك بأنكِ مخيفة !!

فإذا استطعتِ أن تتحرري من تسلط هذه الأفكار ، والمشاعر السلبية عليكِ ، وتنظري إلى الواقع بغير أحكام وتصورات مسبقة ؛ فسوف تجدين أنه السهل جدا أن تكوني محبوبة ، ومرغوبة ، وجميلة في عين نفسكِ أولا ، وفي أعين الناس ثانيا !!

ذلك بأن محبة الناس لا تُكتسب ، واقعيا ، بمجرد الملامح والجمال ؛ فكم من جميلة وهي مبغوضة بين الناس لسوء خلقها ، وكم من فاتنة غير مقبولة عند الناس ، لصعوبة طبعها ؛ 
فالناس يأسرهم الإحسان ، وينفرهم البغي والعدوان .  
قال تعالى 🙁 وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) فصلت/34-36
 
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره (7/181) :
 
” وَقَوْلُهُ: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ أَيْ: فَرْقٌ عَظِيمٌ بَيْنَ هَذِهِ وَهَذِهِ . 
ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ أَيْ: مَنْ أَسَاءَ إِلَيْكَ ، فَادْفَعْهُ عَنْكَ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ، كَمَا قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : مَا عَاقَبْتَ مَنْ عَصَى اللَّهَ فِيكَ بِمِثْلِ أَنْ تُطِيعَ اللَّهَ فِيهِ.
وَقَوْلُهُ: فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ : وَهُوَ الصَّدِيقُ، أَيْ: إِذَا أَحْسَنْتَ إِلَى مَنْ أَسَاءَ إِلَيْكَ ، قَادَتْهُ تِلْكَ الْحَسَنَةُ إِلَيْهِ إِلَى مُصَافَاتِكَ وَمَحَبَّتِكَ، وَالْحُنُوِّ عَلَيْكَ، حَتَّى يَصِيرَ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ لَكَ حَمِيمٌ أَيْ: قَرِيبٌ إِلَيْكَ مِنَ الشَّفَقَةِ عَلَيْكَ وَالْإِحْسَانِ إِلَيْكَ. ثُمَّ قَالَ: وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا أَيْ: وَمَا يَقْبَلُ هَذِهِ الْوَصِيَّةَ وَيَعْمَلُ بِهَا إِلَّا مَنْ صَبَرَ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَشُقُّ عَلَى النُّفُوسِ . 
وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ أَيْ: ذُو نَصِيبٍ وَافِرٍ مِنَ السَّعَادَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْأُخْرَى.
قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: أَمَرَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ بِالصَّبْرِ عِنْدَ الْغَضَبِ، وَالْحِلْمِ عِنْدَ الْجَهْلِ، وَالْعَفْوِ عِنْدَ الْإِسَاءَةِ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمَهُمُ اللَّهُ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَخَضَعَ لَهُمْ عَدُوُّهُمْ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ.
وَقَوْلُهُ: وَإِمَّا يَنزغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نزغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ أَيْ: إِنَّ شَيْطَانَ الْإِنْسِ رُبَّمَا يَنْخَدِعُ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ، فَأَمَّا شَيْطَانُ الْجِنِّ ، فَإِنَّهُ لَا حِيلَةَ فِيهِ إِذَا وَسْوَسَ ، إِلَّا الِاسْتِعَاذَةَ بِخَالِقِهِ الَّذِي سَلَّطَهُ عَلَيْكَ، فَإِذَا اسْتَعَذْتَ بِاللَّهِ وَلَجَأْتَ إِلَيْهِ، كَفَّهُ عَنْكَ وَرَدَّ كَيْدَهُ.” اهـ
 
تأملي ، رعاكِ الله ؛ هذه نتيجة الإحسان إلى الأعداء ، فما ظنكِ بالإحسان إلى الأصدقاء ، والمساكين والفقراء ، والمظلومين والضعفاء ، واليتامى والأقرباء ؟!

هذا كله مما ينبغي أن تجتهدي فيه ، وتنشغلي به عن آراء الناس في ملامحك أو هيئتك ؛ ذلك بأن الانشغال بالإحسان إلى الناس – لاسيما الضعفاء منهم – يضفي على الملامح الروحية المستورة : نورا وضياءً ، يرجع على الملامح البدنية المنظورة ، بهاءً ونضرةً وصفاءً ، وهذا مشاهد معلوم . 
 
وليس بعد الإحسان للناس ، والتلطف معهم ، إلا اتخاذ بعض الخطوات العملية الفعالة ، في إنشاء الصداقات ، وتوطيد العلاقات ، كتحري المشاركة في الأعمال الجماعية الخيرية ، أو النشاطات النسائية التي تتيح فرص التعارف والصداقة ، مثل حلقات التحفيظ في المساجد ، وجمعيات تحفيظ القرآن الكريم ، ونحو ذلك من الأنشطة النسائية الاجتماعية المفيدة لنفسك ، ولمن حولك من الناس . 
وكذلك تحري التواصل مع الأخوات ذوات الاهتمامات المشتركة معكِ ، كمشاركة بعضهن في حب القراءة مثلا ، وتبادل الكتب النافعة فيما بينكن ، وإهدائها . 

ومن الوسائل النافعة كذلك : مساعدة النساء ، لا سيما الأرامل والمطلقات وكبيرات السن منهن ، ومساعدة الأطفال ، لا سميا اليتامى منهم ، والسعي في قضاء حوائج الناس ،  وإمداد يد العون للمحتاج ، في أمور المعاش ، والمعاد كذلك ، بل فوق ذلك . 
 
فإن لم تستطيعي فعل ذلك بنفسك ، فاستعيني بأخصائية نفسية تساعدكِ على التخلص من مشاعرك السلبية ، وإبدالها بمشاعر إيجابية ، وذلك من خلال جلسات الدعم النفسي supportive therapy  ، وغيرها من أنواع التدخلات النفسية النافعة ، بإذن الله وحوله وقوته . 
 
وفي آخر الأمر اعلمي سلمك الله أن الجمال إلى زوال ، وأن إلى ربك الرجعى والمآل ؛ فلا فضل لجميل على دميم ، ولا لنبيل على ذميم ، عند الله ، إلا بالتقوى والعمل الصالح ؛ قال تعالى : ( يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) الحجرات/13 .
 
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
( إِنَّهُ لَيَأْتِي الرَّجُلُ العَظِيمُ السَّمِينُ يَوْمَ القِيَامَةِ، لاَ يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ . وَقَالَ: اقْرَءُوا : ( فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ وَزْنًا ) . [الكهف: 105]
رواه البخاري (4729) ومسلم(2785).
 
نسأل الله أن يصرف عنكِ الحزن في الدنيا والآخرة ، إنه ولي ذلك والقادر عليه ، ولا ملجأ ولا منجا منه إلا إليه سبحانه . 
والله تعالى أعلم 

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android
at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android