0 / 0
120,59221/01/2018

كيف نجمع بين حديث :” أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار وهن إحدى عشرة ” ، مع كونه يتعبد لربه ؟

السؤال: 280430

يشكك بعض الملاحدة والنصارى والشيعة في هذا الحديث وللأسف بعض المسلمين ، يدعون ويفترون على أشرف الخلق .
مضمون الشبهة يطعن بعض منكري السنة في صحة الأحاديث الواردة في منح الأنبیاء قوة خاصة في الجماع ، من ذلك حديث أنس بن مالك
قال: ” كان النبي صلى الله علیه وسلم يدور على نسائه في الساعة الواحدة من اللیل والنهار، وهن إحدى عشرة ” قال: قلت
لأنس: أوكان يطیقه ؟ قال: كنا نتحدث أنه أعطي قوة ثلاثین “، ويزعمون أن هذا الحديث يعارض القرآن الكريم الذي يبین أنه صلى الله علیه وسلم كان يقضي لیله في القیام والعبادة ، ويقضي نهاره في الجهاد ونشر الدعوة ، ومن ذلك قوله تعالى: (إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي اللیل ونصفه وثلثه) .
أرجو تفسير الحديث بشكل دقيق ، وهل من تشكيك فيه ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :

جاء النبي صلى الله عليه وسلم بالحنيفية السمحة ، حيث لا غلو ، ولا انفصال للحياة عن الشريعة ، بل جعل من العبادة السعي على المعاش ، وكفاية الرجل زوجته ، ونهى عن التبتل والرهبانية .

وذلك كما في الحديث الذي رواه مسلم في “صحيحه” (1006) من حديث أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال 🙁 وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ ، أَيَأتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟ قَالَ:” أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ ) .

وفي الحديث الذي أخرجه البخاري في “صحيحه” (5073) ، ومسلم في “صحيحه” (1402) من حديث سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ ، قَالَ : ( رَدَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ التَّبَتُّلَ ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُ لَاخْتَصَيْنَا ) .

ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أتقى الناس لرب العالمين ، وأشدهم له خشية ، وجاء ذلك في عدة أحاديث ، منها :

ما أخرجه مسلم في “صحيحه” (1108) من حديث عمر بن أبي سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال 🙁 أَمَا وَاللهِ، إِنِّي لَأَتْقَاكُمْ لِلَّهِ ، وَأَخْشَاكُمْ لَهُ ) .

وتواترت الأحاديث على شدة اجتهاده في العبادة والطاعة ، حتى تورمت قدماه من القيام صلى الله عليه وسلم .

وهذا أمر معروف مشهور ، ومن الروايات في ذلك :

الحديث الذي أخرجه البخاري في “صحيحه” (1130) من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه ، قال: ( إِنْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَقُومُ لِيُصَلِّيَ حَتَّى تَرِمُ قَدَمَاهُ – أَوْ سَاقَاهُ – فَيُقَالُ لَهُ فَيَقُولُ: أَفَلاَ أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا ) .

وإن الناظر إلى حياة النبي صلى الله عليه وسلم يرى الوسطية في الأمور كلها ، يقوم بحق ربه من العبودية والتنسك ، ويقوم بحق أمته من الدعوة والتعليم ، ويقوم بحق أهله من حسن العشرة بالمعروف ، ويجاهد في سبيل الله بنفسه صلى الله عليه وسلم .

وكان ينكر أشد الإنكار على أصحابه الذين ربما شددوا على أنفسهم في العبادة ، وربما هجروا نساءهم .

فقد روى الإمام أحمد في “مسنده” (25893) ، وصححه الشيخ الألباني في “السلسلة الصحيحة” (4/387) ، من حديث عروة ، قال 🙁 دَخَلَتْ امْرَأَةُ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ أَحْسِبُ اسْمَهَا خَوْلَةَ بِنْتَ حَكِيمٍ عَلَى عَائِشَةَ وَهِيَ بَاذَّةُ الْهَيْئَةِ فَسَأَلتهَا مَا شَأْنُكِ؟ فَقَالَتْ: زَوْجِي يَقُومُ اللَّيْلَ ، وَيَصُومُ النَّهَارَ ، فَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَتْ عَائِشَةُ ذَلِكَ لَهُ ، فَلَقِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُثْمَانَ فَقَالَ: يَا عُثْمَانُ إِنَّ الرَّهْبَانِيَّةَ لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْنَا ، أَفَمَا لَكَ فِيَّ أُسْوَةٌ ، فَوَاللهِ إِنِّي أَخْشَاكُمْ لِلَّهِ ، وَأَحْفَظُكُمْ لِحُدُودِهِ ) .

ثانيا :

وأما ما ورد في السؤال : فإنه لا يتعارض مع هدي النبي صلى الله عليه وسلم في تحقيق مقام العبودية الخاصة، ولا يتعارض مع كونه صلى الله عليه وسلم خير من عبد الله وصلى وصام وقام ، وذلك بيانه كما يلي :

أولا : الحديث الذي أشار إليه السائل الكريم ، حديث صحيح ، أخرجه البخاري في “صحيحه” (268) .

ثانيا : في الحديث دلالة على أن وقوع ذلك الأمر من النبي صلى الله عليه وسلم كان في ساعة واحدة من الليل أو من النهار ، وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم قد أوتي قوة ثلاثين من الرجال في هذا الباب ، فأين الخلل إذا ؟!

وقد ذهب القاضي أبو بكر بن العربي أن هذه الساعة كانت له صلى الله عليه وسلم بعد العصر ، بعيدا عن القسم بين نسائه .

قال ابن العربي في “عارضة الأحوذي” (1/230) :” وكان الله سبحانه قد خصه في النكاح بأشياء يأتي بيانها إن شاء الله ، لم يعطها لغيره ، منها تسع زوجات في ملك ، ثم أعطاه ساعة لا يكون لأزواجه فيها حق ، مقتطعة له من زمانه ، يدخل فيها علي جميع أزواجه فيطؤهن أو بعضهن ، ثم يدخل عند التي الدور لها ، ففي كتاب مسلم عن ابن عباس أن تلك الساعة كانت بعد العصر ، فلو اشتغل عنها لكانت بعد المغرب أو غيره ، فلذلك قال في الحديث :” في الساعة الواحدة من ليل أو نهار “. انتهى

والساعة هي الجزء من الزمان ، وليست الساعة الزمنية المعروفة اليوم .

قال ابن حجر في “فتح الباري” (1/377) :” قَوْلُهُ ” فِي السَّاعَةِ الْوَاحِدَةِ ” الْمُرَادُ بِهَا قَدْرٌ مِنَ الزَّمَانِ ، لَا مَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ الْهَيْئَةِ “. انتهى

ثم إن ذلك لم يكن خاصا بالنبي صلى الله عليه وسلم فحسب ، بل هذا سليمان عليه السلام ، وهو مشهور بجهاده العظيم في سبيل الله ، كان له النساء الكثير ، ولم يشغلنه عن جهاده في سبيل الله تعالى ، بل في كتب أهل الكتاب التي بين أيديهم الآن : أنه كان لسليمان عليه السلام : ألف امرأة ، وليس مائة فقط ، وفي الحديث الصحيح السابق أنه طاف على مائة امرأة ، منهن ، في ليلة واحدة .

فإذا كان هذا حال نبي الله سليمان عليه السلام ، فنبينا محمد صلى الله عليه وسلم أكمل وأحسن بلا ريب .

وقد ثبت في البخاري (5242) ، ومسلم (1654) من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ:( قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ: لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ بِمِائَةِ امْرَأَةٍ ، تَلِدُ كُلُّ امْرَأَةٍ غُلاَمًا يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، فَقَالَ لَهُ المَلَكُ: قُلْ إِنْ شَاءَ اللَّه ُ، فَلَمْ يَقُلْ وَنَسِيَ ، فَأَطَافَ بِهِنَّ ، وَلَمْ تَلِدْ مِنْهُنَّ إِلَّا امْرَأَةٌ نِصْفَ إِنْسَانٍ ،  قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” لَوْ قَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَحْنَثْ ، وَكَانَ أَرْجَى لِحَاجَتِهِ ) .

قال ابن حجر في “فتح الباري” (6/462) في شرحه لحديث ” لأطوفن الليلة على مائة امرأة ” :” وَفِيهِ مَا خُصَّ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ مِنَ الْقُوَّةِ عَلَى الْجِمَاعِ الدَّالِّ ذَلِكَ عَلَى صِحَّةِ الْبِنْيَةِ وَقُوَّةِ الْفُحُولِيَّةِ وَكَمَالِ الرُّجُولِيَّةِ ، مَعَ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الِاشْتِغَالِ بِالْعِبَادَةِ وَالْعُلُومِ ، وَقَدْ وَقَعَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ أَبْلَغُ الْمُعْجِزَةِ ، لِأَنَّهُ مَعَ اشْتِغَالِهِ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ وَعُلُومِهِ وَمُعَالَجَةِ الْخَلْقِ ، كَانَ مُتَقَلِّلًا مِنَ الْمَآكِلِ وَالْمَشَارِبِ الْمُقْتَضِيَةِ لِضَعْفِ الْبَدَنِ عَلَى كَثْرَةِ الْجِمَاعِ ، وَمَعَ ذَلِكَ فَكَانَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ فِي لَيْلَة بِغسْل وَاحِد وَهن إحدى عَشْرَةَ امْرَأَةً “. انتهى .

ثالثا : أن الحديث الذي ذكره السائل ، وهو حديث أنس ، قد ذهب كثير من أهل العلم أنه لا يدل على العادة المستمرة للنبي صلى الله عليه وسلم ، وذلك لعدة أمور :

الأمر الأول : أنه قد ورد في السنة الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان من عادته أن يقسم لزوجاته فيبيت عند كل واحدة منهن ليلة ، إلا أنه يدور عليهن جميعا كل يوم ليسأل عليهن ، ويؤنسهن ، إلا أنه لا يجامع أي واحدة منهن إلا في ليلتها .

وقد دل على ذلك الحديث الذي أخرجه أحمد في “مسنده” ( 24765) ، و أبو داود في “سننه” (2135) من حديث عائشة رضي الله عنها ، قالت 🙁 كان رسولُ اللهِ  صلَّى الله عليه وسلم لا يُفضِّلُ بعضنا على بعضٍ في القَسمِ ، من مُكثه عِندنا ، وكان قلَّ يومٌ إلا وهو يَطُوفُ علينا جميعاً ، فيدنو مِنْ كُلِّ امرأة ، مِن غير مَسِيسٍ ، حتى يَبْلُغَ إلى التي هو يَوْمُها فيبيتُ عندها ) .

 والحديث صحيح ، صححه الشيخ الألباني في “صحيح أبي داود” (1852) .

وموضع الشاهد في الحديث قولها :” فيدنو من كل امرأة من غير مسيس “، أي من غير جماع.

الأمر الثاني : أن حديث أنس الذي أورده السائل ، وإن كان عبر عنه في هذه الرواية بلفظ ” كان ” ، والتي تدل على الاستمرار ، إلا أن كثيرا من أهل العلم حملوا ذلك على أنه كان في أوقات مخصوصة ، بل حمله بعضهم على أنه حدث مرة واحدة ، جمعا بين الأدلة .

قال ابن عبد البر في “الاستذكار” (1/300) :” وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ – عَلَيْهِ السَّلَامُ – أَنَّهُ طَافَ عَلَى نِسَائِهِ فِي غُسْلٍ وَاحِدٍ ، وَهَذَا مَعْنَاهُ فِي حِينِ قُدُومِهِ مِنْ سَفَرٍ أَوْ نَحْوِهِ ، فِي وَقْتٍ لَيْسَ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ يَوْمٌ مُعَيَّنٌ مَعْلُومٌ ، فَجَمَعهنَ حِينَئِذٍ ، ثُمَّ دَارَ بِالْقِسْمِ عَلَيْهِنَّ بَعْدُ – وَاللَّهُ أَعْلَمُ – لِأَنَّهُنَّ كُنَّ حَرَائِرَ ، وَسُنَّتُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ  فِيهِنَّ الْعَدْلُ فِي الْقَسْمِ بَيْنَهُنَّ ، وَأَلَّا يَمَسَّ الْوَاحِدَةَ فِي يَوْمِ الْأُخْرَى ، وَهَذَا قول جماعة الفقهاء “. انتهى

وقال المناوي في “فيض القدير” (5/228) في أثناء شرحه لحديث أنس: ” ثم قضية “كان” [يعني : مقتضى هذا اللفظ] ، المشعرة باللزوم والاستمرار : أن ذلك كان يقع غالبا ، إن لم يكن دائما .

لكن في الخبر المتفق عليه : ما يشعر بأن ذلك إنما كان يقع منه عند إرادته الإحرام ، ولفظه عن عائشة :” كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيطوف على نسائه ، فيصبح محرما ينضح طيبا “. انتهى .

وكذا نقله الكشميري في “العرف الشذي” (1/159) عن القاضي أبي بكر بن العربي المالكي ، فقال :” قال القاضي أبو بكر بن العربي المالكي: إن هذه واقعة حجة الوداع قبل الإحرام ، وكان غرضه قضاء حاجتهن ، وإن عبرها الراوي بطريق الاستمرار ولفظ العادة “. انتهى

وأكد الصنعاني ذلك في “التنوير شرح الجامع الصغير” (8/592) فقال :” واعلم أن ظاهر ” كان يطوف ” : أنه كان يداوم على ذلك ، وفي الحديث المتفق عليه ما يؤخذ منه بأن ذلك إنما كان يقع منه عند إرادة الإحرام ، ولفظه عن عائشة ” كنت أطيب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فيطوف على نسائه ثم يصبح محرما ينضح طيبا ” . انتهى

ومما يؤكد ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجتمع عنده هذا العدد من زوجاته إلا في آخر حياته صلى الله عليه وسلم .

والحاصل :

أنه لا يزال الرجل يمدح بقوته ، وعفته ، وصيانته ، فكيف إذا انضم مع ذلك تعبده وتنسكه ، وقيامه كذلك بحق أزواجه أحسن القيام وأتمه ، وهذا الذي كان لنبينا صلى الله عليه وسلم أوفر الحظ والنصيب ، ولذا كان أكمل الخلق ، وسيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم .

والله أعلم 

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android