كيف أقتص ممن تحرش بي ؟ وكيفية التخلص من الآثار النفسية المترتبة على هذا التحرش ؟
السؤال: 280570
أنا عمري الآن 28 سنة ، تعرضت للظلم عام 2007 في الصف الثالث ثانوي على يد أحد الطلبة ؛ حيث كان ـ أعزكم الله ـ يتحرش بي من الخلف ، وفعل ما فعل 7 مرات ، ولم أعرف ذلك الشخص أبدا ، حيث كان يفعل ذلك عند الانصراف من المدرسة ، وفي وقت تزاحم الطلاب على الخروج ، حيث كان يباغتني ، ثم يضحك بعد فعلته الدنيئة ، كان هناك أسباب منعتني من اقتصاص حقي في ذلك الوقت ، والآن وعمري 28 أريد حقي ، والمعتدي من من نفس بلدي ، لكن حصل ذلك عندما كنا نعيش في دولة الإمارات ، وأنا الآن في كندا ، المهم بحثت كثيرا على الفيسبوك ووجدته أخيرا ، وأين يعمل ، وتذكرت قول الله (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ) ، فماذا أفعل ؟ قرأت بجواز الانتقام من المعتدي ، وذلك السفيه يعمل في ورشة سيارات ، وتأتيني أفكار بأن لو تعرض لي أو هزمني أو حتى قتلني. فاحترفت الملاكمة والتايكوندو وأريد حقي من ذلك الفاجر ، إذا ذهبت للسلطات في الإمارات أخشى أن يقولوا لا دليل لي ، ويضيع حقي للأبد ، من تداعيات أني سكت له في الماضي ، علما أنه لم يتعرض أحد لي في كل حياتي وتحرش بني قط إلا ذلك الفاجر ، فماذا أفعل ؟ تداعيات ما حصل لي أني أصبحت أتصور ذلك المعتدي في عقلي في كل وقت ، وأنه ظلمني في غير حق ، وأنني حتى عندما أقول لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين أتخيل ذلك الفاجر فأحس أنني أشركت ، وأنا عقد قراني خلال شهر ، ولا أريد أن يأتيني وسواس الطلاق أيضا ، فأظلم المرأة التي أفديها بسمعي وبصري وتفترق عني ، فكيف أنتزع حقي ؟ هل أخبر الشرطة الكندية ؟ ماذا أفعل ؟ علما أن والدي قال أنه يخشى أن يقتلني ذلك الوغد إذا أقتربت منه ، أنا لا أخاف إلا من الله ، وابكي كثيرا عندما أتذكر أنني سأظلم من سأعقد قراني عليها بسبب ما حدث لي في الماضي ، حسبي الله .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
ليس من شك في أن ما مررت به محنة ، وأذى شديد ، بل هو من أعظم ما يقع على المرء من الأذى والظلم .
ولذلك ؛ فنحن نتفهم ما تعانيه من الألم النفسي بسبب ما حدث من هذا الشاب .
ولكن اعلم – حفظك الله – أن احتراف الملاكمة ، أو غيرها من الفنون القتالية : ليس حلا من الحلول الشرعية لهذه المشكلة ، ذلك بأن عقاب من اعتدى عليك ؛ إنما يجوز إذا أمكن أن تعاقبه بجنس عقوبته .
فمن ضربك ، شرع لك أن تقتص منه ، وتضربه ، ولا تزيد …
ومن شتمك ، فانتصرت منه ، بمثل شتمه : كان ذلك جائزا ، لك ، ولا تزيد .
ومن العدوان ما لا يحل الاقتصاص فيه بمثله أصلا ؛ فمن اعتدى على عرضك ، أو حرمتك : لم يحل لك أن تعتدي على عرضه ، وحرمته ؛ ذلك أن صيانة هذه الحرمات : محرمة لحق الله جل جلاله .
وليس معنى ذلك : أنه سوف يفلت من العقاب ، أو أنه لا عقاب عليه في الدنيا ، ولا في الآخرة.
كلا ؛ بل هنا يأتي دور السلطان العادل المقسط ، ليقيم حد الله في هذا المعتدي الباغي .
وهذه أمور كلها متعذرة عليك .
فانظر أين تقيم أنت الآن وأين يقيم هذا المعتدي الباغي الظالم ؟
وبينكما مفاوز شتى .
فلا أنتما في بلد واحد ، ولا أمل في اجتماعكما في دولة واحدة .
ولو حصل ، فكيف ستثبت ذلك كله لدى السلطات ، لتأخذ حقك منه ؟!!
ثانيا :
وأما قوله تعالى : (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) الحج/39.
فهذه أول آية نزلت في جهاد أعداء الله ، بدليل قوله تعالى بعدها : (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ) .
وليس في هذه الآية تعرض لحالك أصلا .
مع أن كونك مظلوم ، فيما تذكره ، لا إشكال فيه ، وثبوت حقك عنده : لا إشكال فيه أيضا .
لكن الإشكال في أمرين مهمين :
الأول : أن انتصار صاحب الحق المظلوم ، ممن ظلمه ، مقيد بألا يزيد في عقابه وانتصاره على مظلمته .
قال الله تعالى : ( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ) النحل/126 .
وقال تعالى : ( وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ) الشورى/40 .
الثاني : أن عقاب هذا الظالم المعتدي ، بالنسبة لك الآن : غير ممكنا ، واقعا ؛ لتباعد ما بينكما ، وتعذر الوصول إليه ؛ فضلا عن أن جنس هذه العقوبة : غير مأذون فيه شرعا ، كما سبق بيانه .
ثالثا :
اعلم أخانا الفاضل أن تصور هذا الموقف ، في كل وقت ، وتعكيره لصفو حياتك : دليل على أنك أصبت بصورة من صور الصدمة النفسية psychic trauma .
وأثر هذه الصدمة وصل بك لدرجة الحزن المتواصل ، والبكاء الكثير ، بل واعتقادك أن هذا الموقف سيتسبب في ظلمك لزوجتك وطلاقك لها !
والواجب عليك – والحالة هذه – أن تراجع طبيبا نفسيا مختصا ، للتخلص من الآثار النفسية السلبية لهذا الحدث ، وذلك من خلال جلسات العلاج المعرفي السلوكي المركز على الصدمات TF-CBT .
وهذه الجلسات تساعد بشكل فعال على التخلص من الأفكار والسلوكيات السلبية المتعلقة بالحدث ، وتعمل كذلك على تنظيم المشاعرEmotion regulation عند تذكر الحدث ، أو رؤية ما يذكرك به ، من خلال اليقظة الذهنية ، وتمارين الاسترخاء Mindfulness and Relaxation techniques .
رابعا :
هذا وقد أرخص ربنا جل وعلا في دعاء من ظُلم على من ظلمه . قال تعالى :
( لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا ) النساء/148.
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: لا يحب الله أن يدعوَ أحد على أحد، إلا أن يكون مظلوما، فإنه قد أرخص له أن يدعوَ على من ظلمه، وذلك قوله: (إلا من ظلم) ، وإن صبر فهو خير له. “الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور” (2/129) .
ولمعرفة ضوابط الدعاء على من ظلمك أو آذاك انظر جواب السؤال رقم : (106446) .
والله أعلم .
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
![answer](/_next/image?url=%2F_next%2Fstatic%2Fmedia%2Fanswer.91a384f1.png&w=64&q=75)
موضوعات ذات صلة