0 / 0

عن الفرق بين قول النسائي في سننه :” أخبرنا الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع ” ، وقوله في مواضع أخرى :” قال الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع “.

السؤال: 280824

في “سنن النسائي الصغرى” عندما يروي رحمه الله عن الحارث بن مسكين يقول:” أخبرنا الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع ” وفي إسناد آخر يقول:” قال الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع ” ما الفرق بين الإسنادين؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

فإن علماء الحديث استخدموا صيغا لأداء الحديث مناسبة للطريقة التي أخذوا بها الحديث عن شيوخهم ، وجاءت هذه الطرق في ثمانية أنواع ، عدها ابن الصلاح جميعا في مقدمته ، وأشهرها طريقتان :

الأولى : وتسمى السماع ، وهي أن يحدث المحدث بالحديث من حفظه أو من كتابه ويسمعه الطلاب منه ، وهنا يقول التلميذ عندما يؤدي الحديث :” سمعت أو أخبرنا أو حدثنا “، دون قيد .

الثانية : وتسمى ” العرض ” ، وهي أن يُقرأ على الشيخ حديثه ، ولا فرق بين أن يقرأ الطالب بنفسه ، أو يقرأ طالب آخر وهو يسمع ، وهنا يقول كل من حضر هذا المجلس ، عندما يؤدي الحديث :” أخبرنا أو حدثنا أو أنبأنا أو قال قراءة عليه وأنا أسمع ” .

وهذا ما حدث مع الإمام النسائي رحمه الله في أخذه عن شيخه الحارث بن مسكين؛ فإنه إذا حدث عنه يصدر روايته بعدة ألفاظ ، منها :

أخبرنا الحارث ابن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع ،

حدثنا الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع ،

أنبأنا الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع ،

قال الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع ،

الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع ،

قرئ على الحارث بن مسكين وأنا أسمع ،

وإنما فعل النسائي ذلك لأنه كان بينه وبين شيخه الحارث بن مسكين شيئا ، فكان يحضر مجلسه دون أن يراه الحارث بن مسكين ، فكان النسائي لورعه وديانته يقول ذلك إذا حدث عنه .

قال ابن نقطة في “التقييد لمعرفة رواة السنن والمسانيد” (ص143) :” نقلت من خط عبد الرحيم بن محمد بن المهتر النهاوندي ، قال : رأيت بخط الدوني قال سئلت ما روى النسائي عن الحارث بن مسكين يقول : قال الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع ، ولم يذكر حدثنا ولا أخبرنا ؟ فأجبت : أني سمعت أن الحارث بن مسكين كان يتولى القضاء بمصر ، وكان بينه وبين النسائي خشونة ، ولم يمكنه حضور مجلسه ، فكان يجلس في موضع حيث يسمع قراءة القارئ ولا يُرَى ، فلذلك قال كذلك “. انتهى

وقال ابن الأثير في مقدمة “جامع الأصول” (1/196) في ترجمة الإمام النسائي :” وكان شافعي المذهب ، له مناسك ، ألَّفها على مذهب الشافعي ، وكان ورعًا متحريًا ، ألا تراه يقول في كتابه الحارث بن مسكين قراءة عليه ، وأنا أسمع ولا يقول فيه: حدثنا ولا أخبرنا كما يقول عن باقي مشايخه.

وذلك: أن الحارث كان يتولى القضاء بمصر ، وكان بينه وبين أبي عبد الرحمن خشونة ، لم يمكنه حضور مجلسه ، فكان يستتر في موضع ، ويسمع حيث لا يراه ، فلذلك تورع وتحرى ، فلم يقل: حدثنا وأخبرنا .

وقيل: إن الحارث كان خائضًا في أمور تتعلق بالسلطان ، فقدم أبو عبد الرحمن فدخل إليه في زي أنكره ، قالوا: كان عليه قباء طويل ، وقلنسوة طويلة ، فأنكر زيه ، وخاف أن يكون من بعض جواسيس السلطان ، فمنعه من الدخول إليه ، فكان يجيء فيقعد خلف الباب ، ويسمع ما يقرؤه الناس عليه من خارج ، فمن أجل ذلك لم يقل فيما يرويه عنه: حدثنا ، وأخبرنا . انتهى

وهذا الفعل من الإمام النسائي جائز ، ولا إشكال فيه ، ولا يؤثر على صحة الرواية .

قال ابن جماعة في “المنهل الروي” (ص84) :” ولو خص بالسماع قوما ، فسمع غيرهم بغير علمه : جاز له أن يرويه عنه ، قاله الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني .

وعن النسائي ما يؤذن بالتحرز منه ، وهو روايته عن الحارث بن مسكين “. انتهى

ولا فرق في ذلك بين قوله : أخبرنا ، أو حدثنا ، أو قال .

 وقد نص على ذلك الإمام السخاوي في في فتح المغيث (2/32) عند حديثه عن صيغ الأداء في العرض فقال :” ثم عبِّر ، أيها المحدث بما مضى في أول .

أي في القسم الأول ( والقسم الأول وهو السماع ) ، مقيدا ذلك بقولك : قراءة عليه ، فقل : حدثنا فلان بقراءتي عليه ، أو : قراءة عليه وأنا أسمع ، أو : أنا فلان بقراءتي ، أو : قراءة عليه ، أو: أنبأنا أو نبأنا فلان بقراءتي ، أو : قراءة عليه ، أو : قال لنا فلان بقراءتي ، أو قراءة عليه ، أو نحو ذلك “. انتهى

ولا تُعَدُّ لفظة ” قال ” ، طعنا في تحمله ، لأنها تحمل على السماع إذا ثبت اللقي والسماع ، في الجملة ، ولم يكن الراوي مدلسا ، والنسائي يصرح بالتحديث ، وليس مدلسا .

قال ابن الصلاح في “مقدمة ابن الصلاح” (253) وأمَّا قَوْلَهُ ، قَالَ لنا فُلاَنٌ ، أو ذَكَرَ لنا فلانٌ ، فَهوَ مِنْ قَبِيْلِ قَوْلِهِ: حَدَّثَنا فُلاَنٌ ؛ غَيْرَ أنَّهُ لاَئِقٌ بما سَمِعَهُ منهُ في المذَاكَرَةِ ، وهوَ بهِ أشْبَهُ مِنْ حَدَّثَنا.

وقَدْ حَكَيْنا في فَصْلِ التَّعْلِيْقِ ، عَقِيْبَ النَّوْعِ الحادِي عَشَرَ ، عَنْ كَثِيْرٍ مِنَ المحدِّثِيْنَ : اسْتِعْمَالَ ذَلِكَ ، مُعَبِّرِيْنَ بهِ عَمَّا جَرَى بَيْنَهُمْ في المذَاكَرَاتِ والمنَاظَرَاتِ.

وأوْضَعُ العِبَاراتِ في ذَلِكَ أنْ يَقُولَ: قَالَ فُلاَنٌ ، أوْ ذَكَرَ فُلاَنٌ ، مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ قَوْلِهِ: لِي ، ولَنا ونَحْوِ ذَلِكَ.

 وقَدْ قَدَّمْنَا فِي فَصْلِ الإسْنادِ المعَنْعَنِ : أنَّ ذَلِكَ ومَا أشْبَهَهُ مِنَ الألْفَاظِ ، مَحْمُولٌ عِنْدَهُم عَلَى السَّمَاعِ ، إذَا عُرِفَ لِقَاؤُهُ لَهُ ، وَسَمَاعُهُ مِنْهُ عَلَى الْجُمْلَةِ ، لاَ سِيَّمَا إذَا عُرِفَ مِنْ حَالِهِ أنَّهُ لاَ يَقُولُ: قَالَ فُلاَنٌ ، إلاَّ فيمَا سَمِعَهُ مِنْهُ “. انتهى

ومما سبق يتبين أنه لا فرق بين العبارتين المذكورتين في السؤال .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android