في “سنن النسائي الصغرى” عندما يروي رحمه الله عن الحارث بن مسكين يقول:” أخبرنا الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع ” وفي إسناد آخر يقول:” قال الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع ” ما الفرق بين الإسنادين؟
عن الفرق بين قول النسائي في سننه :” أخبرنا الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع ” ، وقوله في مواضع أخرى :” قال الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع “.
السؤال: 280824
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
فإن علماء الحديث استخدموا صيغا لأداء الحديث مناسبة للطريقة التي أخذوا بها الحديث عن شيوخهم ، وجاءت هذه الطرق في ثمانية أنواع ، عدها ابن الصلاح جميعا في مقدمته ، وأشهرها طريقتان :
الأولى : وتسمى السماع ، وهي أن يحدث المحدث بالحديث من حفظه أو من كتابه ويسمعه الطلاب منه ، وهنا يقول التلميذ عندما يؤدي الحديث :” سمعت أو أخبرنا أو حدثنا “، دون قيد .
الثانية : وتسمى ” العرض ” ، وهي أن يُقرأ على الشيخ حديثه ، ولا فرق بين أن يقرأ الطالب بنفسه ، أو يقرأ طالب آخر وهو يسمع ، وهنا يقول كل من حضر هذا المجلس ، عندما يؤدي الحديث :” أخبرنا أو حدثنا أو أنبأنا أو قال قراءة عليه وأنا أسمع ” .
وهذا ما حدث مع الإمام النسائي رحمه الله في أخذه عن شيخه الحارث بن مسكين؛ فإنه إذا حدث عنه يصدر روايته بعدة ألفاظ ، منها :
أخبرنا الحارث ابن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع ،
حدثنا الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع ،
أنبأنا الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع ،
قال الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع ،
الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع ،
قرئ على الحارث بن مسكين وأنا أسمع ،
وإنما فعل النسائي ذلك لأنه كان بينه وبين شيخه الحارث بن مسكين شيئا ، فكان يحضر مجلسه دون أن يراه الحارث بن مسكين ، فكان النسائي لورعه وديانته يقول ذلك إذا حدث عنه .
قال ابن نقطة في “التقييد لمعرفة رواة السنن والمسانيد” (ص143) :” نقلت من خط عبد الرحيم بن محمد بن المهتر النهاوندي ، قال : رأيت بخط الدوني قال سئلت ما روى النسائي عن الحارث بن مسكين يقول : قال الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع ، ولم يذكر حدثنا ولا أخبرنا ؟ فأجبت : أني سمعت أن الحارث بن مسكين كان يتولى القضاء بمصر ، وكان بينه وبين النسائي خشونة ، ولم يمكنه حضور مجلسه ، فكان يجلس في موضع حيث يسمع قراءة القارئ ولا يُرَى ، فلذلك قال كذلك “. انتهى
وقال ابن الأثير في مقدمة “جامع الأصول” (1/196) في ترجمة الإمام النسائي :” وكان شافعي المذهب ، له مناسك ، ألَّفها على مذهب الشافعي ، وكان ورعًا متحريًا ، ألا تراه يقول في كتابه الحارث بن مسكين قراءة عليه ، وأنا أسمع ولا يقول فيه: حدثنا ولا أخبرنا كما يقول عن باقي مشايخه.
وذلك: أن الحارث كان يتولى القضاء بمصر ، وكان بينه وبين أبي عبد الرحمن خشونة ، لم يمكنه حضور مجلسه ، فكان يستتر في موضع ، ويسمع حيث لا يراه ، فلذلك تورع وتحرى ، فلم يقل: حدثنا وأخبرنا .
وقيل: إن الحارث كان خائضًا في أمور تتعلق بالسلطان ، فقدم أبو عبد الرحمن فدخل إليه في زي أنكره ، قالوا: كان عليه قباء طويل ، وقلنسوة طويلة ، فأنكر زيه ، وخاف أن يكون من بعض جواسيس السلطان ، فمنعه من الدخول إليه ، فكان يجيء فيقعد خلف الباب ، ويسمع ما يقرؤه الناس عليه من خارج ، فمن أجل ذلك لم يقل فيما يرويه عنه: حدثنا ، وأخبرنا . انتهى
وهذا الفعل من الإمام النسائي جائز ، ولا إشكال فيه ، ولا يؤثر على صحة الرواية .
قال ابن جماعة في “المنهل الروي” (ص84) :” ولو خص بالسماع قوما ، فسمع غيرهم بغير علمه : جاز له أن يرويه عنه ، قاله الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني .
وعن النسائي ما يؤذن بالتحرز منه ، وهو روايته عن الحارث بن مسكين “. انتهى
ولا فرق في ذلك بين قوله : أخبرنا ، أو حدثنا ، أو قال .
وقد نص على ذلك الإمام السخاوي في في فتح المغيث (2/32) عند حديثه عن صيغ الأداء في العرض فقال :” ثم عبِّر ، أيها المحدث بما مضى في أول .
أي في القسم الأول ( والقسم الأول وهو السماع ) ، مقيدا ذلك بقولك : قراءة عليه ، فقل : حدثنا فلان بقراءتي عليه ، أو : قراءة عليه وأنا أسمع ، أو : أنا فلان بقراءتي ، أو : قراءة عليه ، أو: أنبأنا أو نبأنا فلان بقراءتي ، أو : قراءة عليه ، أو : قال لنا فلان بقراءتي ، أو قراءة عليه ، أو نحو ذلك “. انتهى
ولا تُعَدُّ لفظة ” قال ” ، طعنا في تحمله ، لأنها تحمل على السماع إذا ثبت اللقي والسماع ، في الجملة ، ولم يكن الراوي مدلسا ، والنسائي يصرح بالتحديث ، وليس مدلسا .
قال ابن الصلاح في “مقدمة ابن الصلاح” (253) وأمَّا قَوْلَهُ ، قَالَ لنا فُلاَنٌ ، أو ذَكَرَ لنا فلانٌ ، فَهوَ مِنْ قَبِيْلِ قَوْلِهِ: حَدَّثَنا فُلاَنٌ ؛ غَيْرَ أنَّهُ لاَئِقٌ بما سَمِعَهُ منهُ في المذَاكَرَةِ ، وهوَ بهِ أشْبَهُ مِنْ حَدَّثَنا.
وقَدْ حَكَيْنا في فَصْلِ التَّعْلِيْقِ ، عَقِيْبَ النَّوْعِ الحادِي عَشَرَ ، عَنْ كَثِيْرٍ مِنَ المحدِّثِيْنَ : اسْتِعْمَالَ ذَلِكَ ، مُعَبِّرِيْنَ بهِ عَمَّا جَرَى بَيْنَهُمْ في المذَاكَرَاتِ والمنَاظَرَاتِ.
وأوْضَعُ العِبَاراتِ في ذَلِكَ أنْ يَقُولَ: قَالَ فُلاَنٌ ، أوْ ذَكَرَ فُلاَنٌ ، مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ قَوْلِهِ: لِي ، ولَنا ونَحْوِ ذَلِكَ.
وقَدْ قَدَّمْنَا فِي فَصْلِ الإسْنادِ المعَنْعَنِ : أنَّ ذَلِكَ ومَا أشْبَهَهُ مِنَ الألْفَاظِ ، مَحْمُولٌ عِنْدَهُم عَلَى السَّمَاعِ ، إذَا عُرِفَ لِقَاؤُهُ لَهُ ، وَسَمَاعُهُ مِنْهُ عَلَى الْجُمْلَةِ ، لاَ سِيَّمَا إذَا عُرِفَ مِنْ حَالِهِ أنَّهُ لاَ يَقُولُ: قَالَ فُلاَنٌ ، إلاَّ فيمَا سَمِعَهُ مِنْهُ “. انتهى
ومما سبق يتبين أنه لا فرق بين العبارتين المذكورتين في السؤال .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب