تنزيل
0 / 0

في الجمع بين الأحاديث الواردة في عدم دخول الدجال المدينة وحديث أنه ينزل في سبخة بمر قناة

السؤال: 280865

وقفت على الحديث التالي مؤخراً: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ينزل الدجال في هذه السبخة بمرِّ قناة – وادٍ في المدينة – ، فيكون أكثر من يخرج إليه النساء ، حتى إن الرجل يرجع إلى حميمه وإلى أمه وابنته وأخته وعمته فيوثقها رباطاً مخافة أن تخرج إليه) “مسند” أحمد ، رقم (5099).
سؤالي هو : كيف سيأتي إلى وادٍ في المدينة إذا كان لن يدخلها ؟ هل بالإمكان الشرح بشكلٍ مفصّلٍ بالأدلة الصحيحة ؟

ملخص الجواب

ملخص الجواب :  دلت الأحاديث الصحيحة المتواترة على أن الدجال لن يدخل مدينة النبي صلى الله عليه وسلم ، وأن الله جعل الملائكة على أبوابها ، ودل الحديث المذكور – على فرض صحته – أن الدجال إنما يكون بأرض سبخة خارج المدينة تدعى " سبخة الجرف "، وعلى هذا فلا تعارض بين الأحاديث .

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :

قد تواترت الأحاديث الصحيحة أن الدجال لن يدخل المدينة المنورة ، وأن الله تعالى يجعل على أبوابها الملائكة يحرسونها .

 وهذه بعض الأحاديث الصحيحة الواردة في ذلك :

منها ما أخرجه البخاري في “صحيحه” (1880) ، ومسلم في “صحيحه” (1379) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( عَلَى أَنْقَابِ المَدِينَةِ مَلاَئِكَةٌ لاَ يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ ، وَلاَ الدَّجَّالُ ).

ومنها ما أخرجه البخاري في “صحيحه” (1881) ، ومسلم في “صحيحه” (2943) من حديث أنس رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ: ( لَيْسَ مِنْ بَلَدٍ إِلَّا سَيَطَؤُهُ الدَّجَّالُ ، إِلَّا مَكَّةَ ، وَالمَدِينَةَ ، لَيْسَ لَهُ مِنْ نِقَابِهَا نَقْبٌ ، إِلَّا عَلَيْهِ المَلاَئِكَةُ صَافِّينَ يَحْرُسُونَهَا ، ثُمَّ تَرْجُفُ المَدِينَةُ بِأَهْلِهَا ثَلاَثَ رَجَفَاتٍ ، فَيُخْرِجُ اللَّهُ كُلَّ كَافِرٍ وَمُنَافِقٍ ).

وهذا أمر ثابت يقيني لا شك فيه .

قال ابن هبيرة في “الإفصاح عن معاني الصحاح” (5/103) في شرحه لحديث أنس رضي الله عنه قال :” في هذا الحديث ما يدل على أن الله تعالى حمى البلدين من أن يسلط عليها الدجال ، وأن المدينة خاصة ترجف بأهلها فيخرج منها كل كافر ومنافق “. انتهى

وقال ابن بطال في “شرح صحيح البخاري” (4/551) :” ولذلك نوقن أن الدجال لا يستطيع دخولها البتة ، وهذا فضل عظيم للمدينة ، وقد أخبر الله تعالى أنه يوكل الملائكة بحفظ من شاء من عباده من الآفات والعدو والفتن ، فقال تعالى:” لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ “. انتهى

ثانيا :

وأما الحديث الذي أورده السائل الكريم ، وظن أنه يثبت دخول الدجال إلى المدينة ، فليس كما ظنه السائل ، وبيان ذلك من وجوه:

الأول :

الحديث أخرجه الإمام أحمد في “المسند” 5353) ، وحنبل بن إسحاق في “الفتن” (36) ، من طريق مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ ، عَنْ سَالِمٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( يَنْزِلُ الدَّجَّالُ فِي هَذِهِ السَّبَخَةِ بِمَرّ ِقَنَاةَ ، فَيَكُونُ أَكْثَرَ مَنْ يَخْرُجُ إِلَيْهِ النِّسَاءُ ، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيَرْجِعُ إِلَى حَمِيمِهِ وَإِلَى أُمِّهِ وَابْنَتِهِ وَأُخْتِهِ وَعَمَّتِهِ ، فَيُوثِقُهَا رِبَاطًا ، مَخَافَةَ أَنْ تَخْرُجَ إِلَيْهِ ، ثُمَّ يُسَلِّطُ اللهُ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ ، فَيَقْتُلُونَهُ وَيَقْتُلُونَ شِيعَتَهُ ، حَتَّى إِنَّ الْيَهُودِيَّ ، لَيَخْتَبِئُ تَحْتَ الشَّجَرَةِ أَوِ الْحَجَرِ فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرَةُ لِلْمُسْلِمِ: هَذَا يَهُودِيٌّ تَحْتِي فَاقْتُلْهُ ) .

 والحديث ضعيف لأجل عنعنة محمد بن إسحاق ، فإنه مدلس ، وبه أعله الهيثمي في “مجمع الزوائد” (7/473) ، والشيخ الألباني في “قصة المسيح الدجال” (ص88) .

الثاني: على فرض صحة الحديث فإنه لا تعارض بينه وبين ما ثبت في الأحاديث من أن الدجال لا يدخل المدينة المنورة ؛ فإن هذا الحديث لم يثبت دخوله المدينة ، وإنما يثبت مروره بمجرى قناة في أرض سبخة ، ولم يعين كونها من أرض المدينة .

وهذا المعنى قد ورد في عدة أحاديث صحيحة ، لكن ثبت أن هذه الأرض السبخة خارج المدينة ، وليست بداخلها .

ومن هذه الأحاديث ما يلي :

حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال :” حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا حَدِيثًا طَوِيلًا عَنْ الدَّجَّالِ ، فَكَانَ فِيمَا يُحَدِّثُنَا بِهِ أَنَّهُ قَالَ: ( يَأْتِي الدَّجَّالُ ، وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ نِقَابَ المَدِينَةِ ، فَيَنْزِلُ بَعْضَ السِّبَاخِ الَّتِي تَلِي المَدِينَةَ ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ يَوْمَئِذٍ رَجُلٌ ، وَهُوَ خَيْرُ النَّاسِ – أَوْ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ – فَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّكَ الدَّجَّالُ الَّذِي حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثَهُ ، فَيَقُولُ الدَّجَّالُ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ قَتَلْتُ هَذَا ، ثُمَّ أَحْيَيْتُهُ ، هَلْ تَشُكُّونَ فِي الأَمْرِ؟ فَيَقُولُونَ: لاَ ، فَيَقْتُلُهُ ثُمَّ يُحْيِيهِ ، فَيَقُولُ: وَاللَّهِ مَا كُنْتُ فِيكَ أَشَدَّ بَصِيرَةً مِنِّي اليَوْمَ ، فَيُرِيدُ الدَّجَّالُ أَنْ يَقْتُلَهُ فَلاَ يُسَلَّطُ عَلَيْهِ ) . أخرجه البخاري في “صحيحه” (7132) ، ومسلم في “صحيحه” (2938) .

فتأمل موضع الشاهد من الحديث ، وهو قوله صلى الله عليه وسلم :” فَيَنْزِلُ بَعْضَ السِّبَاخِ الَّتِي تَلِي المَدِينَةَ “.

قال ابن حجر في “فتح الباري” (13/102) :” قَوْلُهُ ” فَيَنْزِلُ بَعْضَ السِّبَاخِ ” : بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْمُوَحَّدَةِ ، جَمْعُ سَبَخَةٍ ، بِفَتْحَتَيْنِ ، وَهِيَ الْأَرْضُ الرَّمِلَةُ الَّتِي لَا تُنْبِتُ لِمُلُوحَتِهَا ، وَهَذِهِ الصِّفَةُ خَارِجُ الْمَدِينَةِ ، مِنْ غَيْرِ جِهَةِ الْحِرَّةِ .

قَوْلُهُ ” الَّتِي تَلِي الْمَدِينَةَ ” : أَيْ مِنْ قِبَلِ الشَّامِ “. انتهى

حديث أنس رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( لَيْسَ مِنْ بَلَدٍ إِلَّا سَيَطَؤُهُ الدَّجَّالُ ، إِلَّا مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ ، وَلَيْسَ نَقْبٌ مِنْ أَنْقَابِهَا إِلَّا عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ صَافِّينَ تَحْرُسُهَا ، فَيَأْتِي سِبْخَةَ الْجُرُفِ ، فَيَضْرِبُ رِوَاقَهُ ، فَتَرْجُفُ الْمَدِينَةُ ثَلَاثَ رَجَفَاتٍ ، يَخْرُجُ إِلَيْهِ مِنْهَا كُلُّ كَافِرٍ وَمُنَافِقٍ ) . أخرجه مسلم في “صحيحه” (2943) .

وموضع الشاهد من الحديث قوله صلى الله عليه وسلم :” فَيَأْتِي سِبْخَةَ الْجُرُفِ فَيَضْرِبُ رِوَاقَهُ ” ، وسبخة الجرف مكان خارج المدينة .

قال ابن حجر في “فتح الباري” (13/93) :” وَالْجُرُفُ : بِضَمِّ الْجِيمِ وَالرَّاءِ بَعْدَهَا فَاءٌ مَكَانٌ بِطَرِيقِ الْمَدِينَةِ مِنْ جِهَةِ الشَّامِ، عَلَى مِيلٍ، وَقِيلَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ .

 وَالْمُرَادُ بِالرِّوَاقِ: الْفُسْطَاطُ.

 وَلِابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ: نَزَلَ عِنْد الطَّرِيق الْأَحْمَرِ، عِنْدَ مُنْقَطَعِ السَّبَخَةِ “. انتهى.

فتبين مما سبق أن الأحاديث الصحيحة المتواترة على أن الدجال لن يدخل مدينة النبي صلى الله عليه وسلم ، وأن الله جعل الملائكة على أبوابها ، وأن الدجال إنما يكون بأرض سبخة خارج المدينة تدعى ” سبخة الجرف ” ، وعلى هذا فلا تعارض بين الأحاديث .

والله أعلم .

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android
at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android