زوجتي كانت متزوجة ، ولديها ولدان أقل من 7 سنين ، والآن تطلب مني الطلاق ؛ لكي تأخذ حضانة أولادها بعد زواج طليقها ،ـ مع العلم زواجنا كان عن حب بعد طلاقها ، وهي تنازلت عن أولادها بإرادتها ؛ لكي يطلقها زوجها الأول بعد مشاكل بينهما ، فما حكم الدين فيها وهي تطلب الطلاق لكي تفوز بحضانة أولادها ؟
حكم التنازل عن حضانة الأولاد مقابل الطلاق وهل لها العودة إلى الحضانة ؟
السؤال: 281432
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
لا يجوز للمرأة أن تطلب الطلاق أو الخلع ، إلا لعذر يبيح لها ذلك ، كسوء عشرة الزوج لها وإضراره بها؛ لما روى أبو داود (2226) ، والترمذي (1187) ، وابن ماجه (2055) عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقًا فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّة) والحديث صححه الألباني في “صحيح أبي داود”.
وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه مرفوعا: (إن المختلعات والمنتزعات هن المنافقات) رواه
الطبراني في “الكبير” (17/ 339) وصححه الألباني في “صحيح الجامع” برقم (1934).
ثالثا :
لا يجوز لأيٍّ من الأبوين أن يتخذ الأولاد وسيلة للإضرار بالآخر ، قال الله تعالى : (لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ ) البقرة/233 .
قال السعدي رحمه الله في تفسيره (ص 104) .
“(لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ) أي: لا يحل أن تضار الوالدة بسبب ولدها، إما أن تُمْنع من إرضاعه، أو لا تُعطَى ما يجب لها من النفقة، والكسوة أو الأجرة .
(وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ) بأن تمتنع من إرضاعه ، على وجه المضارة له، أو تطلب زيادة عن الواجب. ونحو ذلك من أنواع الضرر” انتهى .
فإذا كانت الزوجة تريد المطالبة بحضانة أولادها ، إضرارًا بزوجها السابق ، أو غيرة ونكايةً فيه ، بسبب زواجه : فإنه لا يحل لها ذلك ، فتكون مطالبتها بالحضانة محرمة ، ويكون طلبها للطلاق من أجل ذلك محرما ، لأنه بغير عذر معتبر شرعًا .
أما إذا كانت طالبت بحضانة الأولاد لسبب آخر ، فلابد من بيانه للنظر فيه ، هل هو سبب صحيح أم لا ؟
ثانيا :
إذا تنازلت المرأة عن حضانتها لأولادها ، مقابل حصولها على الطلاق ، فقد اختلف العلماء في هذا ، هل يصح هذا الشرط أم لا ؟
والراجح : أنه يصح ويكون الشرط لازما لها ، فلا يجوز لها بعد حصولها على الطلاق ، أن ترجع ، وتأخذ الأولاد في حضانتها – إن كان القانون يحكم لها بذلك .
وهذا هو مذهب الإمام مالك رحمه الله .
جاء “البيان والتحصيل” لابن رشد (5/327) :
مسألة قال ابن القاسم: سمعت مالكا قال في امرأة طلقها زوجها، ولها منه ولد فرمته عليه استثقالا له، فليس لها أن تأخذه؛ لأنها قد أسقطت حقها في حضانته، إلا على القول بأن الحضانة من حق المحضون، وهو قول ابن الماجشون. انتهى
فإذا كان هذا بدون شرط صريح ، فمع الشرط أولى .
وجاء في “الشرح الكبير” ، للدردير (2/349) :
” وجاز الخلع ، على إسقاطها للأب حضانتها لولده ؛ وينتقل الحق له ” انتهى .
وفيه أيضا : “فيلزمها الإسقاط” انتهى .
وفي “التاج والإكليل” (6/6) :
“إنْ أَسْلَمَتْ الزَّوْجَةُ بِنْتَهَا إلَى الزَّوْجِ ، وَأَسْقَطَتْ حَضَانَتَهَا : فَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ قَدْ عَلِقَ بِأُمِّهِ ، أَوْ كَانَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ : فَلَا يَجُوزُ .
وَاخْتُلِفَ ، إذَا كَانَ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ : هَلْ يَنْفُذُ ذَلِكَ أَمْ لَا ؟
فَقَالَ مَالِكٌ وَجُمْهُورُ أَصْحَابِهِ : ذَلِكَ جَائِزٌ ، لِأَنَّ حَضَانَتَهَا ابْنَهَا مِنْ حُقُوقِهَا انتهى .
يعني : أنه إذا كانت حقا من حقوقها ، فيصح التنازل عن هذا الحق ، مقابل حصولها على الطلاق .
ويدل لذلك :
أن الأصل في الشروط التي يشترطها الناس بعضهم على بعض أنها جائزة ولازمة ، إلا ما نهى عنه الشرع .
قال شيخ الإسلام رحمه الله في “مجموع الفتاوى” (29/346) :
“الْأَصْلَ فِي الشُّرُوطِ الصِّحَّةُ وَاللُّزُومُ إلَّا مَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى خِلَافِهِ.
وَقَدْ قِيلَ: بَلْ الْأَصْلُ فِيهَا عَدَمُ الصِّحَّةِ ، إلَّا مَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى صِحَّتِهِ.
وَالْأَوَّلُ : هُوَ الصَّحِيحُ؛ فَإِنَّ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ قَدْ دَلَّا عَلَى الْوَفَاءِ بِالْعُقُودِ وَالْعُهُودِ ، وَذَمِّ الْغَدْرِ وَالنَّكْثِ؛ وَلَكِنْ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَشْرُوطُ مُخَالِفًا لِكِتَابِ اللَّهِ وَشَرْطِهِ ؛ فَإِذَا كَانَ الْمَشْرُوطُ مُخَالِفًا لِكِتَابِ اللَّهِ وَشَرْطِهِ ، كَانَ الشَّرْطُ بَاطِلًا” انتهى.
وقال ابن القيم رحمه الله في “إعلام الموقعين” (1/344) :
“الأصل في العقود والشروط الصحة ، إلا ما أبطله الشارع ، أو نهى عنه” انتهى .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
“الأصل في الشروط في العقود : الصحة ، حتى يقوم دليل على المنع ، والدليل على هذا عموم الأدلة على الوفاء بالعقد : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) المائدة/1 ، (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً) الإسراء/34 ، وكذلك الحديث الذي روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم : (الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ ، إِلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا ، أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا) رواه الترمذي (1352) ، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم : (مَنْ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ ، وَإِنْ اشْتَرَطَ مِائَةَ شَرْطٍ) رواه البخاري (2155) ، ومسلم (1504) .
فالحاصل : أن الأصل في الشروط : الحل والصحة ، سواء في النكاح ، أو في البيع ، أو في الإجارة ، أو في الرهن ، أو في الوقف . وحكم الشروط المشروطة في العقود إذا كانت صحيحة أنه يجب الوفاء بها ، لعموم قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) المائدة/1″ انتهى من “الشرح الممتع” (12/163) .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب