لا أعرف من أين ابتدأ أنا امرأه مطلقة ، وقعت ـ وللأسف ـ في الزنا ، والحمد لله تبت لوجهه الكريم ، ولكن سؤالي : أنا حملت من الزنا ، وأتممت حملي ، وكنت أضرب بطني دائما ، ولما انجبت ابنتي كانت متوفية ، فهل علي دية ؟
زنت وكانت تضرب بطنها إلى تمام الحمل ونزل الجنين ميتا فما يلزمها
السؤال: 283126
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
قبل معرفة حكم الجنين الميت، لا بد من التعريج على الزلة السابقة، لا للتبكيت ولا للتعيير؛ فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، وقد وعد الله التائبين – ومنهم التائبون والتائبات من الزنا – بقبول التوبة، بل وأعظم من ذلك وهو أن تُبدل سيئاتهم حسنات ، قال تعالى : ( وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) سورة الفرقان / 68-70 .
وفي الحديث القدسي : ( قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ، وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً ) رواه الترمذي (3540 ) وصححه الألباني .
وحصل أن امرأة زلت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى حمأة الزنا ، ثم تابت ، فتقبلها ربها بقبول حسن ، وأسبغ عليها من رحمته حتى عَدَلَتْ توبتُها توبةَ سبعين رجل من الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين ، قال النبي صلى الله عليه وسلم عنها : ( لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَوَسِعَتْهُمْ ) رواه مسلم (1696).
فنحن نعرج على الزلة السابقة لنعينك على تكميل التوبة ، وإتمامها ، والاستمرار عليها .
فأنت تحتاجين إلى تفحص : لماذا وقع منك ما وقع ؟
لا بد أن هناك أسباباً دفعتك إلى ذلك ، ومن أهمها :
صحبة أهل السوء ، ولو عبر الأجهزة ، ومواقع التواصل ، ومشاهدة المنكرات في الفضائيات والإنترنت ، أو غشيان مجالس السوء ، وأماكن الاختلاط .
إن ما سبق ، مما عظمت به بلوى الناس في هذا الزمان ، وهو من أكثر ما يجر الناس إلى الحرام ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ ) رواه الترمذي (2378) وحسنه الألباني .
والمرأة مثل الرجل في هذا الباب .
وقال أيضاً : ( مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ، كَحَامِلِ المِسْكِ وَنَافِخِ الكِيرِ، فَحَامِلُ المِسْكِ: إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الكِيرِ: إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً ) رواه البخاري (5534).
ولذلك أمر الله بترك صحبة السوء وقطع كل اتصال بهم ، وملازمة أهل الخير من الفتيات الصالحات ، قال تعالى : ( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ) سورة الكهف / 28 ، ( وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) سورة الأنعام / 68 .
ومما يجر المرء إلى المعاصي: الفراغ الطويل ، أعني فراغ القلب من الإيمان ، ومراقبة الله ، ومحبته سبحانه ، وفراغ الجوارح من الطاعات ، وفراغ الوقت من المهمات والأعمال النافعة ، وفراغ العلاقات الاجتماعية من الصحبة الصالحة ، قال الشاعر :
إن الشباب والفراغ والجَدَه مفسدة للمرء أي مفسده
والجدة ، الغنى والمال .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالفَرَاغُ ) رواه البخاري (6412) ، وقال تعالى : ( فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ ) سورة الشرح / 7-8 .
أي : إذا فرغت من أي عمل نافع ، فانصب في عمل نافع آخر ، سواء مما كان نفعه يتعلق بالدنيا أم بالآخرة .
فنوصيك للنجاة من الشرور ، أن تسُدِّي كل منافذ الشر عنك ، وأن تغيري أرقام هواتفك ، وأن تغيري الحسابات على مواقع التواصل ، أو الخروج منها بالكلية ، فهو خير لك وأسلم .
ونوصيك أن تقبلي على الخير وأهله بكليتك – ولو وجدتِ من بعض الصالحات بعض ما لا تحبين ، كما أوصى الله في الآية السابقة ( واصبر نفسك .. ) .
وأن تتمسكي بطاعة الله قلباً وقولاً وفعلاً ( وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا * وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا * وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا ) سورة النساء / 66-70 .
وأمر آخر مهم، وهو أن تسعي للزواج، ولو أن تعرضي نفسك على الجمعيات الخيرية المعنية بشؤون الأسرة – وهي متوفرة بحمد الله – وعلى الخَطَّابات ، وعلى أهل الثقة في هذا المجال ، ولو ببذل المال .
وإذا جاءك الخاطب المناسب ، فلا تكثري من الشروط ، فإنه خير وأحسن من الفراغ عن الزوج .
واستعيني بالله في سائر أمرك ، فهو خير معين ، ولن يخيب من رجاه ، ولا يندم من أمَّله سبحانه وتعالى ، قال النبي صلى اله عليه وسلم : (احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ) رواه الترمذي (2516 ) وصححه الألباني .
ثانيا:
قد ذكرت أنك كنت تضربين بطنك، وأنك أتممت الحمل، ونزل الجنين ميتا، فإن كان الجنين نزل عقب الضرب مباشرة، أو استمر الألم بعد الضرب حتى نزل الجنين، فهنا يحكم بأن موته كان بسبب الضرب، وتلزمك الكفارة والدية.
وإذا لم يكن شيء من ذلك، أي لم ينزل عقب ضربٍ، ولم يستمر ألم بعد ضربٍ حتى نزل، فلا يحكم بأن الضرب سبب موته، ولا يلزمك شيء.
وحيث حصل الشك في سبب الموت هل هو الضرب أم لا، فإن الأصل براءة ذمتك وعدم إلزامك بشيء.
قال ابن قدامة رحمه الله: ” إن الغرة إنما تجب إذا سقط من الضربة.
ويُعلم ذلك بأن يسقط عقيب الضرب، أو ببقائها متألمة إلى أن يسقط” انتهى من المغني (8/ 405).
والمقصود بالكفارة: صيام شهرين متتابعين.
جاء في “فتاوى اللجنة الدائمة” (21/434): ” إذا كان الحمل الذي أسقطته قد نفخت فيه الروح ، بأن كان قد تم له أربعة أشهر فأكثر : فإن عليها الكفارة، وهي عتق رقبة مؤمنة، فإن لم تجد فإنها تصوم شهرين متتابعين .
وإن كان لم تنفخ فيه الروح فإنها تأثم بإسقاطه، وليس عليها كفارة، وإنما عليها التوبة والاستغفار ” انتهى.
ودية الجنين إذا نزل ميتا: غرة (عبد أو أمة)، وقيمتها: عشر دية أمه، أي خمس من الإبل، تدفع إلى ورثة الجنين إلا أن يعفوا عنها، ولا يأخذ القاتل منها شيئا.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : من شربت دواءً عمداً لإسقاط جنين فسقط لثلاثة أشهر فماذا عليها ؟
فأجاب : “ليس عليها دية ولا كفارة ، لأنه لم تنفخ فيه الروح . أما إن أتمَّ أربعة أشهر ، ففعلته عمداً ، فعليها الدية : غرة ، والكفارة : صيام شهرين متتابعين . والغرة : عبد أو أمة ، قيمة كل منهما خمس من الإبل . ومن لم يستطع الصيام ، فالصحيح أنه ليس عليه إطعام لأن الله لم يذكره في الآية” انتهى من “ثمرات التدوين من مسائل ابن عثيمين” ( ص 126).
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب