ما معنى \”كسب الأشعري\”، وهل هو موافق لعقيدة أهل السنة والجماعة؟
ما مفهوم “الكسب” الذي يقول به الأشاعرة؟
السؤال: 283981
ملخص الجواب
الكسب عند الأشاعرة هو اقتران قدرة العبد بفعله، من غير تأثير، بل يخلق الله الفعل عندها لا بها، وحقيقة ذلك أن العبد مجبور باطنا مختار ظاهرا. وهو قول باطل مخالف لما عليه أهل السنة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
الذي عليه أهل السنة أن الله خالق لأفعال العباد، والعباد فاعلون لها حقيقة بقدرة وإرادة، ولهذا يُجازَون عليها.
ومعنى خلق الله لأفعالهم: أنه خالق لهم، ولقدرتهم وإرادتهم، وخالق السبب التام، خالق للمسبَّب.
فالعبد هو المصلي المزكي الصائم الحاج، يفعل ذلك بقدرته وإرادته، وقدرته مؤثرة في فعله، وإلا لم يكن فاعلا.
والعبد هو السارق الشارب الضارب، كذلك.
والقرآن والسنة مملوءان من ذلك، أي من نسبة هذه الأفعال لفاعليها، وأنه يجازون عليها لأنهم الفاعلون لها.
قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) النحل/97
وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا) الكهف/30
وقال تعالى: (الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) غافر/17
وقال تعالى: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا) الفرقان/68، 69
فالعبد يفعل باختياره وقدرته الخير والشر، وسيجازى على فعله وكسبه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ” والعباد فاعلون حقيقة والله خالق أفعالهم. والعبد هو المؤمن والكافر والبر والفاجر والمصلي والصائم.
وللعباد القدرة على أعمالهم، ولهم إرادة، والله خالقهم وخالق قدرتهم وإرادتهم، كما قال الله تعالى: (لمن شاء منكم أن يستقيم * وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين).
وهذه الدرجة من القَدَر يكذّب بها عامة القدرية الذين سماهم النبي صلى الله عليه وسلم مجوس هذه الأمة ” انتهى من “العقيدة الواسطية”.
قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله في التعليق على الواسطية، ص 100: ” وتوضيح ذلك أن العبد إذا صلى وصام وعمل الخير، أو عمل شيئًا من المعاصي؛ كان هو الفاعل لذلك العمل الصالح، وذلك العمل السيئ، وفعله المذكور بلا ريب واقع باختياره، وهو يحس ضرورة أنه غير مجبور على الفعل أو الترك، وأنه لو شاء لم يفعل، وكما أن هذا هو الواقع، فهو الذي نص الله عليه في كتابه ونص عليه رسوله، حيث أضاف الأعمال، صالحها وسيئها، إلى العباد، وأخبر أنهم الفاعلون لها، وأنهم محمودون عليها إن كانت صالحة، ومثابون عليها، ومذمومون إن كانت سيئة ومعاقبون عليها.
فقد تبين بهذا واتضح: أنها واقعة منهم، وباختيارهم، وأنهم إن شاءوا فعلوا، وإن شاءوا تركوا، وأن هذا الأمر ثابت عقلًا وحسًا وشرعًا ومشاهدة.
ومع ذلك فإذا أردت أن تعرف أنها كذلك واقعة منهم، واعترض معترض وقال: كيف تكون داخلة في القدر وكيف تشملها المشيئة؟
فيقال: بأي شيء وقعت هذه الأعمال الصادرة من العباد خيرها وشرها؟ فهي بقدرتهم وإرادتهم، وهذا يعترف به كل أحد، ويقال أيضا: أليس الله خلق قدرتهم ومشيئتهم وإرادتهم؟
والجواب كذلك يعترف به كل أحد، وأن الله هو الذي خلق قدرتهم وإرادتهم وهو الذي خلق ما به تقع الأفعال كما أنه الخالق للأفعال، وهذا هو الذي يحل الإشكال ويتمكن العبد أن يعقل بقلبه اجتماع القدر والقضاء والاختيار.
ومع ذلك فهو تعالى أمد المؤمنين بأسباب وألطاف وإعانات متنوعة، وصرف عنهم الموانع، كما قال صلى الله عليه وسلم: أما من كان من أهل السعادة فييسر لعمل أهل السعادة.
وكذلك خذل الفاسقين ووكلهم إلى أنفسهم، ولم يعنهم؛ لأنهم لم يؤمنوا به ولم يتوكلوا عليه؛ فولاهم ما تولوه لأنفسهم ” انتهى.
وقال السفاريني رحمه الله: “ومذهب سلف الأمة وأئمتها وجمهور أهل السنة المثبتة للقدر من جميع الطوائف يقولون: إن العبد فاعل لفعله حقيقة، وإن له قدرة حقيقية واستطاعة حقيقية” انتهى من لوامع الأنوار البهية (1/ 312).
ثانيا:
إذا علمت ذلك؛ فاعلم أن الأشعري رحمه الله وأصحابه نفوا تأثير قدرة العبد في فعله، وأرادوا التوسط بين القدرية نفاة القدر، والجبرية، فاختاروا شيئا لا حقيقة له أسموه : “الكسب” ، وهو أن العبد فاعل بقدرة غير مؤثرة!
فالكسب هو اقتران قدرة العبد بفعله، من غير تأثير فيه.
وحقيقة هذا المذهب هو الجبر، وقد صرح به بعضهم، فقال: العبد مجبور في صورة مختار!
وفي تقرير مذهب الأشعرية:
قال إبراهيم اللقاني في جوهرة التوحيد:
وعندنا للعبد كسب كلِّفا ولم يكن مؤثراً فلتعرفا
قال البيجوري: “وبالجملة: فليس للعبد تأثير ما، فهو مجبور باطناً، مختار ظاهراً.
فإن قيل: إذا كان مجبوراً باطناً، فلا معنى للاختيار الظاهري، لأن الله قد علم وقوع الفعل ولابد، وخلق في العبد القدرة عليه.
وأجيب: بأنه تعالى لا يُسأل عما يَفعل، ولذلك قال سيدي إبراهيم الدسوقي: من نظر للخلق بعين الحقيقة عذرهم، ومن نظرهم بعين الشريعة مقتهم، فالعبد مجبور في صورة مختار” انتهى من شرح جوهرة التوحيد، ص105
وتأمّل ما نتج عن القول بالجبر من التفريق بين الحقيقة والشريعة، والتماس العذر لأهل الكفر والإلحاد بالنظر إلى ما عند الله.
وقال عبد السلام اللقاني: “إذا علمت أنه سبحانه هو الخالق لأفعالنا وحده، خيراً كانت أو شراً، وأن قدرتنا الحادثة ليست مؤثرة في أفعالنا…” إتحاف المريد شرح جوهرة التوحيد، مع حاشية ابن الأمير، ص196.
وحاصل ما عندهم في الكسب أنه نسبة ترجيح، كالميل للفعل أو الترك، ولا يلزم منه وجود أمر حقيقي.
فلا أثر عندهم لقدرة العبد في فعله الطاعات، أو ارتكابه الموبقات، ولهذا جوزوا أن يعذب الله الطائع، ويثيب العاصي، وهذا مبني على هذه المسألة.
قال السنوسي: “وبهذا تعرف أنه لا أثر لقدرتنا في شيء من أفعالنا الاختيارية، كحركتنا، وقيامنا، وقعودنا، ومشينا، ونحوها، بل جميع ذلك مخلوق لمولانا جلّ وعزّ بلا واسطة. وقدرتنا أيضاً مثل ذلك؛ عرض مخلوق لمولانا جلّ وعزّ تقارن تلك الأفعال الاختيارية، وتتعلق بها من غير تأثير لها في شيء من ذلك أصلاً، وإنما أجرى الله تعالى العادة أن يخلق عند تلك القدرة لا بها ما شاء من الأفعال…
وهذا الاقتران والتعلق لهذه القدرة الحادثة بتلك الأفعال من غير تأثير لها أصلاً، هو المسمى في الاصطلاح وفي الشرع بالكسب” شرح أم البراهين، مع حاشية الدسوقي، ص163، 164.
ثالثا:
يلزم على هذا المذهب أن من زنى وسرق، فلا أثر لقدرته في ذلك، وإنما أجرى الله العادة بخلق هذا المنكر عند قدرة العبد، لا بها، وحينئذ يقال: كيف يعذب ويعاقب على ما لم يقع بقدرته؟! وغاية أمره وجود ميل نحو الفعل، والشريعة قد ميزت بين من يهمّ، ومن يفعل!
ولهذا اعتبر الجويني رحمه الله هذا المذهب –مذهب أصحابه- تكذيباً للرسل، وإلغاء لأوامر الشرع.
قال رحمه الله: “الركن الأول: في قدرة العبد، وتأثيرها في مقدورها.
فنقول: قد تقرر عند كل حاظٍ بعقله، مُرَقى عن مراتب التقليد في قواعد التوحيد، أن الرب سبحانه وتعالى مطالِبٌ عباده بأعمالهم في حياتهم، وداعيهم إليها، ومثيبهم ومعاقبهم عليها في مآلهم، وتبين بالنصوص التي لا تنعرض للتأويلات أنه أقدرهم على الوفاء بما طالبهم به، ومكنهم من التوصل إلى امتثال الأمر، والانكفاف عن مواقع الزجر، ولو ذهبت أتلو الآي المتضمنة لهذه المعاني لطال المرام، ولا حاجة إلى ذلك مع قطع اللبيب المنصف به، ومن نظر في كتب الشرائع وما فيها من الاستحثاث على المكرُمات، والزواجر عن الفواحش الموبقات، وما نيط ببعضها من الحدود والعقوبات، ثم تلفّت على الوعد والوعيد، وما يجب عقده من تصديق المرسلين في الإنباء عما يتوجه على المردة والعُتاة من الحساب والعقاب، وسوء المنقلب والمآب …
فمن أحاط بذلك كله؛ ثم استراب في أن أفعال العباد واقعة على حسب إيثارهم واختيارهم واقتدارهم، فهو مصاب في عقله، أو مستمر على تقليده، مصمم على جهله، ففي المصير إلى أنه لا أثر لقدرة العبد في فعله: قطعُ طلبات الشرائع، والتكذيبُ بما جاء به المرسلون … ومن زعم ألا أثر للقدرة الحادثة في مقدورها، كما لا أثر للعلم في معلومه، فوجهُ مطالبة العبد بأفعاله عنده، كوجه مطالبته أن يثبت في نفسه ألواناً وإدراكات، وهذا خروج عن حد الاعتدال، إلى التزام الباطل والمحال، وفيه إبطال الشرع، ورد ما جاء به النبيون عليهم السلام” انتهى من العقيدة النظامية، بتحقيق الكوثري، ص 42، وما بعدها.
ونقل الشهرستاني عنه أنه قال: “إثبات قدرة لا أثر لها بوجهٍ، فهو كنفي القدرة أصلاً” انتهى من الملل والنحل (1/ 98).
والحاصل: أن الكسب عند الأشاعرة هو اقتران قدرة العبد بفعله، من غير تأثير، بل يخلق الله الفعل عندها لا بها، وحقيقة ذلك أن العبد مجبور باطنا أي على الحقيقة، مختار ظاهرا.
وهو قول باطل مخالف لما عليه أهل السنة؛ بل مخالف لما تقرر في الشرائع، واستقر في الفطر السوية.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب