0 / 0

حديث لا أصل له في أن المجنون لا يصاب بالزكام .

السؤال: 284355

هل يوجد حديث لرسول الله معناه : لو كنت مجنونا لما أعطس ، ولا مسني الزكام مرتين في العام ؟

ملخص الجواب

هذا كلام ركيك لا أصل له ، يتنزه صاحب الشريعة صلى الله عليه وسلم عن التفوه به .  والعاقل إنما يعرف بسداد رأيه وجودة فكره وحسن منطقه ، والمجنون يعرف بخلطه وفساد رأيه وتدبيره .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

يذكر بعض الناس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :  عجباً لقريش تتهمني بالجنون وأنا أزكم في الشهر مرتين!   .

وبعضهم يذكره بلفظ :   كيف أجنّ وأن أزكم في العام مرتين ؟! .

وهذا الكلام لا أصل له عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وركاكة لفظه ومعناه تنادي عليه بالفساد والبطلان .

قال ابن القيم رحمه الله : ” والأحاديث الموضوعة عليها ظلمة وركاكة ومجازفات باردة تنادي على وضعها واختلاقها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ” .

انتهى من”المنار المنيف” (ص 50) .

ثم ذكر جملة من الأمور الكلية التي يعرف بها كون الحديث موضوعا ، ومنها : ” ركاكة ألفاظ الحديث وسماجتها بحيث يمجها السمع ويدفعها الطبع ويسمج معناها للفطن ” .

“المنار المنيف” (ص 99)

وإنما يعرف عقل العاقل برزانته ، وجودة رأيه ، وصحة تفكيره وسداد قوله ، ويعرف المجنون بخلطه ووسوسته وسوء رأيه وانحراف تفكيره ، ولا علاقة للجنون بالعطس والزكام .

وإنما يعرف النبي بآياته التي بعث بها ، وبالنظر في نفس رسالته ، وعظمتها ، وما فيها من البرهان الباهر على صدقه على ربه ، وشخصه وخلقه وما هو عليه ، كما فعل هرقل .

وبقياس رسالته برسالة الأنبياء من قبله ، حتى يعلم العاقل الخبير : أن الجميع قد خرج من مشكاة واحدة ، كما فعل النجاشي .

وكيف يبرهن أعقل الناس على سلامة عقله بإصابته بالزكام ، ويترك ذكر الدلائل البينة والحجج القاطعة التي تدل على أنه أعقل الناس قاطبة ؟

قال القاضي عياض رحمه الله:

وَأَمَّا وُفُورُ عَقْلِهِ- صلى الله عليه وسلم- وَذَكَاءُ لُبِّهِ وَقُوَّةُ حَوَاسِّهِ وَفَصَاحَةُ لِسَانِهِ وَاعْتِدَالُ حَرَكَاتِهِ وَحُسْنُ شَمَائِلِهِ: فَلَا مِرْيَةَ أنَّهُ كَانَ أَعْقَلَ النَّاسِ وَأَذْكَاهُمْ، وَمَنْ تَأَمَّلَ تَدْبِيرَهُ أَمْرَ بَوَاطِنِ الْخَلْقِ وَظَوَاهِرِهِمْ ، وَسِيَاسَةَ العامة والخاصة ، مع عجيب شَمَائِلِهِ ، وَبَدِيعِ سِيَرِهِ ، فَضْلًا عَمَّا أَفَاضَهُ مِنَ الْعِلمِ ، وَقَرَّرَهُ مِنَ الشَّرْعِ ، دُونَ تعلمٍ سَبَقَ ، وَلَا مُمَارَسَةٍ تَقَدَّمَتْ ، وَلَا مُطَالَعَةٍ لِلْكُتُبِ مِنْهُ: لَمْ يَمْتَرِ فِي رُجْحَانِ عَقْلِهِ ، وَثُقُوبِ فَهْمِهِ ، لِأَوَّلِ بَدِيهَةٍ، وَهَذَا مِمَّا لَا يُحْتَاجُ إِلَى تَقْرِيرِهِ ؛ لِتَحَقُّقِهِ .

وَقَدْ قَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: قَرَأْتُ فِي أَحَدٍ وَسَبْعِينَ كِتَابًا ، فَوَجَدْتُ فِي جَمِيعِهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْجَحُ النَّاسِ عَقْلًا ، وأَفْضَلُهُمْ رَأْيًا ” .

انتهى من”الشفا بتعريف حقوق المصطفى” (1/ 66) .

وروى ابن إسحاق في “السيرة” (ص150) ، ومن طريقه البيهقي في “دلائل النبوة” (2/ 200) عَنِ ابْنِ عباس : ” أن الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ اجْتَمَعَ وَنَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ ، وَكَانَ ذَا سِنٍّ فِيهِمْ، وَقَدْ حَضَرَ الْمَوَاسِمَ، فَقَالَ :

إِنَّ وُفُودَ الْعَرَبِ سَتَقْدَمُ عَلَيْكُمْ فِيهِ ، وَقَدْ سَمِعُوا بِأَمْرِ صَاحِبِكُمْ هَذَا، فَأَجْمِعُوا فِيهِ رَأْيًا وَاحِدًا، وَلَا تَخْتَلِفُوا فَيُكَذِّبُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَيَرُدُّ قَوْلَ بَعْضِكُمْ بَعْضًا.

فَقَالُوا: فَأَنْتَ يَا أَبَا عَبْدِ شَمْسٍ، فَقُلْ، وَأَقِمْ لَنَا رَأْيًا نَقُومُ بِهِ .

فَقَالَ: بَلْ أَنْتُمْ فَقُولُوا أَسْمَعْ .

فَقَالُوا: نَقُولُ كَاهِنٌ .

فَقَالَ: مَا هُوَ بِكَاهِنٍ، لَقَدْ رَأَيْتُ الْكُهَّانَ ، فَمَا هُوَ بِزَمْزَمَةِ الْكُهَّانِ .

فَقَالُوا نَقُولُ: مَجْنُونٌ .
فَقَالَ: مَا هُوَ بِمَجْنُونٍ وَلَقَدْ رَأَيْنَا الْجُنُونَ وَعَرَفْنَاهُ، فَمَا هُوَ بِخَنْقِهِ وَلَا تَخَالُجِهِ وَلَا وَسْوَسَتِه .

قَالُوا: فَنَقُولُ شَاعِرٌ .

قَالَ مَا هُوَ بِشَاعِرٍ قَدْ عَرَفْنَا الشِّعْرَ: بِرَجَزِهِ، وَهَزَجِهِ، وَقَرِيضِهِ، وَمَقْبُوضِهِ، وَمَبْسُوطِهِ فَمَا هُوَ بِالشِّعْرِ.

قَالُوا: فَنَقُولُ سَاحِرٌ، قَالَ: فَمَا هُوَ بِسَاحِرٍ: قَدْ رَأَيْنَا السُّحَارَ وَسِحْرَهُمْ، فَمَا هُوَ بِنَفْثِهِ وَلَا عُقَدِهِ … “.

والله تعالى أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android