حديث قصيدة بانت سعاد قال بعض طلبة العلم : إنه حديث كذب عن النبي صلى الله عليه وسلم .
يسأل عن صحة إنشاد كعب بن زهير قصيدة ” بانت سعاد ” أمام النبي صلى الله عليه وسلم
السؤال: 284766
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
فإن قصيدة ” بانت سعاد ” ، والتي أنشدها كعب بن زهير أمام النبي صلى الله عليه وسلم قد رويت من عدة طرق ، كلها ضعيف استقلالا ، إلا أن بمجموع طرقها يدل على أن لها أصلا ، وشهرتها معروفة في كتب السير والتواريخ ، وقد استدل بها كثير من أهل العلم ، وبيان ذلك كما يلي :
أولا : تخريج طرق القصة :
رويت من خمسة طرق:
الطريق الأول :
أخرجه ابن ديزيل في “جزء من حديثه” (15) ، وابن أبي عاصم في “الآحاد والمثاني” (2706) ، ومن طريقه أبو نعيم في “معرفة الصحابة” (5833) ، وابن منده في “معرفة الصحابة” (ص292) ، والحاكم في “المستدرك” (6477) ، ومن طريقه البيهقي في “السنن الكبرى” (10/243) ، من طريق إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ ، قال حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ ذِي الرُّقَيْبَةِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي سَلْمَى ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ :( خَرَجَ كَعْبٌ وَبُجَيْرٌ أبناء زهير حتى أتيا أبرق العزاف قَالَ : فَقَالَ بُجَيْرٌ لِكَعْبٍ : اثْبُتْ فِي غَنَمِنَا فِي هَذَا الْمَكَانِ حَتَّى آتَيَ هَذَا الرَّجُلَ ، يَعْنِي رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَأَسْمَعَ مَا يَقُولُ قَالَ : فَثَبَتَ كَعْبٌ وَخَرَجَ بُجَيْرٌ فَجَاءَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَأَعْرَضَ مَنْ عَلَيْهِ ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ الإِسْلامَ فَأَسْلَمَ فَبَلَغَ ذَلِكَ كَعْبًا ، فَقَالَ :
أَلَا أَبْلِغَا عَنِّي بُجَيْرًا رِسَالَةً … عَلَى أَيٍّ شَيْءٍ وَيْحَ غَيْرِكَ دَلَّكَا
عَلَى خَلْقٍ لَمْ تَلْفَ أُمًّا وَلَا أَبًا … عَلَيْهِ وَلَمْ تُدْرِكْ عَلَيْهِ أَخًا لَكَا
سَقَاكَ أَبُو بَكْرٍ بِكَأْسٍ رَوِيَّةٍ … وَأَنْهَلَكَ الْمَأْمُونُ مِنْهَا وَعَلَّكَا
فَلَمَّا بَلَغَتْ أَبْيَاتُهُ هَذِهِ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، غَضِبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَهْدَرَ دَمَهُ ، وَقَالَ : مَنْ لَقِيَ كَعْبًا فَلْيَقْتُلْهُ .
قَالَ : فَكَتَبَ بِذَلِكَ بُجَيْرٌ إِلَى أَخِيهِ يَذْكُرُ لَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَهْدَرَ دَمَهُ ، ثُمَّ يَقُولُ لَهُ : النَّجَاةَ ، وَمَا ذَاكَ أَنْ يَقْتُلَهُ ، ثُمَّ كَتَبَ إِلَيْهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لا يَأْتِيهِ أَحَدٌ يَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ إِلا قَبِلَ مِنْهُ وَأَسْقَطَ مَا قَبْلَ ذَلِكَ ، فَإِذَا أَتَاكَ كِتَابِي هَذَا فَأَسْلِمْ وَأَقْبِلْ .
فَأَسْلَمَ كَعْبٌ وَقَالَ قَصِيدَةً ، الْقَصِيدَةَ الَّتِي مَدَحَ فِيهَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، وَأَقْبَلَ حَتَّى أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ بِبَابِ مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي أَصْحَابِهِ ، مَكَانَ الْمَائِدَةِ مِنَ الْقَوْمِ ، مُتَحَلِّقِينَ مَعَهُ حَلْقَةُ دُونَ حَلْقَةٍ ، وَحَلْقَةً دُونَ حَلْقَةٍ يُقْبِلُ إِلَى هَؤُلاءِ مَرَّةً فَيُحَدِّثُهُمْ ، وَإِلَى هَؤُلاءِ مَرَّةً فَيُحَدِّثُهُمْ ، وَإِلَى هَؤُلاءِ مَرَّةً فَيُحَدِّثُهُمْ .
قَالَ كَعْبٌ : فَأَنَخْتُ رَاحِلَتِي بِبَابِ الْمَسْجِدِ ، ثُمَّ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ ، فَعَرَفْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالصِّفَةِ ، فَتَخَطَّيْتُ حَتَّى جَلَسْتُ إِلَيْهِ فَأَسْلَمْتُ .
فَقُلْتُ : أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللهِ ، الأَمَانَ يَا رَسُولَ اللَّهِ !!
قَالَ : وَمَنْ أَنْتَ ؟ قَالَ : قُلْتُ : أَنَا كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ .
قَالَ : أَنْتَ الَّذِي تَقُولُ ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : كَيْفَ قَالَ يَا أَبَا بَكْرٍ ؟ فَأَنْشَدَهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ :
ألا أبلغا عني بجيرا رسالة … …عَلَى أَيِّ شَيْءٍ وَيْبَ غَيْرِكَ دَلَّكا
عَلَى خُلُقٍ لَمْ تَلْفَ أُمًّا وَلا أَبَا … عَلَيْهِ وَلَمْ يُدْرَكْ عَلَيْهِ أَخٌ لَكَا
سَقَاكَ أَبُو بَكْرٍ بِكَأْسٍ رَوِيَّةٍ … وَأَنْهَلَكَ الْمَأْمُونُ مِنْهَا وَعَلَّكَا
قَالَ :
يَا رَسُولَ اللهِ ، مَا قُلْتُ هَكَذَا .
قَالَ : كَيْفَ قُلْتَ ؟
قَالَ : قُلْتُ :
سَقَاكَ أَبُو بَكْرٍ بِكَأْسٍ رَوِيَّةً … وَأَنْهَلَكَ الْمَأْمُونُ مِنْهَا وَعَلَّكَا
قَالَ : مَأْمُونٌ ، وَاللَّهِ .
وَأَنْشَدَهُ الْقَصِيدَةَ كُلَّهَا :
بَانَتْ سُعَادُ فَقَلْبِي الْيَوْمَ مَتْبُولُ … مُتَيَّمٌ إِثْرَهَا لَمْ يُفْدَ مَكْبُولُ
وَمَا سُعَادُ غَدَاةَ الْبَيْنِ إِذْ ظَعَنُوا … إِلَّا أَغَنٌّ غَضِيضُ الطَّرْفِ مَكْحُولُ
تَجْلُو عَوَارِضَ ذِي ظَلْمٍ إِذَا ابْتَسَمَتْ … كَأَنَّهَا مُنْهَلٌّ بِالْكَأْسِ مَعْلُولُ
شَجَّ السُّقَاةُ عَلَيْهِ مَاءَ مَحْنَيةٍ … مِنْ مَاءِ أَبْطَحَ أَضْحَى وَهْوَ مَشْمُولُ
تَنْفِي الرِّيَاحُ الْقَذَى عَنْهُ وَأَفْرَطَهُ … مِنْ صَوْبِ سَارِيَةٍ بِيضٍ يَعَالِيلُ
سَقْيًا لَهَا خُلَّةً لَوْ أَنَّهَا صَدَقَتْ … مَوْعُودَهَا وَلَوْ أَنَّ النُّصْحَ مَقْبُولُ
لَكِنَّهَا خُلَّةٌ قَدْ سِيطَ مِنْ دَمِهَا … فْجْعٌ وَوَلْعٌ وَإِخْلَافٌ وَتَبْدِيلُ
فَمَا تَدُومَ عَلَى حَالٍ تَكُونُ بِهَا … كَمَا تَلَوَّنَ فِي أَثْوَابِهَا الْغُولُ
فَلَا تَمَسَّكُ بِالْوَصْلِ الَّذِي زَعَمَتْ … إِلَّا كَمَا يُمْسِكُ الْمَاءَ الْغَرَابِيلُ
كَانَتْ مَوَاعِيدُ عُرْقُوبٍ لَهَا مَثَلًا … وَمَا مَوَاعِيدُهَا إِلَّا الْأَبَاطِيلُ
فَلَا يَغُرَّنَّكَ مَا مَنَّتْ وَمَا وَعَدَتْ … إِلَّا الْأَمَانِيَّ وَالْأَحْلَامَ تَضْلِيلُ
أَرْجُو أَوْ آمُلُ أَنْ تَدْنُوَ مَوَدَّتُهَا … وَمَا إِخَالُ لَدَيْنَا مِنْكِ تَنْوِيلُ
أَمْسَتْ سُعَادُ بِأَرْضٍ مَا يُبَلِّغُهَا … إِلَّا الْعِتَاقُ النَّجِيبَاتُ الْمَرَاسِيلُ
وَلَنْ تَبْلُغَهَا إِلَّا عَذَافِرَةٌ … فِيهَا عَلَى الْأَيْنِ إِرْقَالٌ وَتَبْغِيلُ
مِنْ كُلِّ نَضَّاخَةِ الذَّفْرَى إِذَا عَرِقَتْ … عَرَضْتُهَا طَامِسُ الْأَعْلَامِ مَجْهُولُ
يَمْشِي الْقُرَادُ عَلَيْهَا ثُمَّ يَزْلِقُهُ … مِنْهَا لِبَانٌ وَأَقْرَابٌ زَهَالِيلُ
عَيْرَانَةٌ قَذَفَتْ بِالنَّحْضِ عَنْ عَرَضٍ … وَمِرْفَقُهَا عَنْ ضُلُوعِ الزُّورِ مَفْتُولُ
كَأَنَّمَا قَابَ عَيْنَيْهَا وَمَذْبَحِهَا … مِنْ خُطُمِهَا وَمِنَ اللَّحْيَيْنِ بِرْطِيلُ
تَمْرٌ مِثْلُ عَسِيبِ النَّحْلِ إِذَا خَصَلَ … فِي غَارِ زَلْمٍ تَخُونُهُ الْأَحَالِيلُ
قَنْوَاءُ فِي حَرَّتَيْهَا لِلْبَصِيرِ بِهَا … عَتَقٌ مُبِينٌ وَفِي الْخَدَّيْنِ تَسْهِيلُ
تَخْذَى عَلَى يَسَرَاتٍ وَهْيَ لَاحِقَةٌ … ذَا وَبَلٍ مَسَّهُنَّ الْأَرْضُ تَحْلِيلُ
حَرْفٌ أَبُوهَا أَخُوهَا مِنْ مَهْجَنَةٍ … وَعَمُّهَا خَالُهَا قَوْدَاءٌ شَمْلِيلُ
سَمَرَ الْعَجَايَاتِ يُتْرَكُنَّ الْحَصَازَيْمَا … مَا إِنَّ تَقَيَّهُنَّ حَدَّ الْأَكْمِ تَنْعِيلُ
يَوْمًا تَظَلُّ حِدَابُ الْأَرْضِ يَرْفَعُهَا … مِنَ اللَّوَامِعِ تَخْلِيطٌ وَتَرْجِيلُ
كَانَ أَوْبُ يَدَيْهَا بَعْدَمَا نَجَدَتْ … وَقَدْ تَلَفَّعَ بِالْقُورِ الْعَسَاقِيلُ
يَوْمًا يَظَلُّ بِهِ الْحَرْبَاءُ مُصْطَخَدًا … كَانَ ضَاحِيَةً بِالشَّمْسِ مَمْلُولُ
أَوْبٌ بَدَا نَأْكُلُ سَمْطَاءَ مَعْوَلَةً … قَامَتْ تُجَاوِبُهَا سَمْطٌ مَثَاكِيلُ
نُوَاحَةَ رَخْوَةَ الضَّبْعَيْنِ لَيْسَ لَهَا … لَمَّا نَعَى بَكْرَهَا النَّاعُونَ مَعْقُولُ
تَسْعَى الْوُشَاةُ جَنَابَيْهَا وَقِيلِهِمُ … إِنَّكَ يَا ابْنَ أَبِي سُلْمَى لَمَقْتُولُ
خَلُّوا الطَّرِيقَ يَدَيْهَا لَا أَبَا لَكُمُ … فَكُلُّ مَا قَدَّرَ الرَّحْمَنُ مَفْعُولُ
كُلُّ ابْنِ أُنْثَى وَإِنْ طَالَتْ سَلَامَتُهُ … يَوْمًا عَلَى آلَةٍ حَدْبَاءَ مَحْمُولُ
أُنْبِئْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَوْعَدَنِي … وَالْعَفْوُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ مَأْمُولُ
فَقَدْ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ مُعْتَذِرًا … وَالْعُذْرُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ مَقْبُولُ
مَهْلًا رَسُولَ الَّذِي أَعْطَاكَ نَافِلَةَ … الْقُرْآنِ فِيهَا مَوَاعِيظٌ وَتَفْصِيلُ
لَا تَأْخُذَنِّي بِأَقْوَالِ الْوُشَاةِ وَلَمْ … أُجْرِمْ وَلَوْ كَثُرَتْ عَنِّي الْأَقَاوِيلُ
لَقَدْ أَقُومُ مَقَامًا لَوْ يَقُومُ لَهُ … أَرَى وَأَسْمَعُ مَا لَوْ يَسْمَعُ الْفِيلُ
لَظَلَّ يُرْعَدُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ … عِنْدَ الرَّسُولِ بِإِذْنِ اللَّهِ تَنْوِيلُ
حَتَّى وَضَعْتُ يَمِينِي لَا أُنَازِعُهُ … فِي كَفٍّ ذِي نَقِمَاتٍ قَوْلُهُ الْقِيلُ
فَكَانَ أَخْوَفَ عِنْدِي إِذَا كَلَّمَهُ … إِذْ قِيلَ إِنَّكَ مَنْسُوبٌ وَمَسْئُولُ
مِنْ خَادِرٍ شِيكِ الْأَنْيَابِ … طَاعَ لَهُ بِبَطْنِ عَثَّرَ غِيلٌ دُونَهُ غِيلُ
يَغْدُو فَيَلْحُمُ ضِرْغَامَيْنِ عِنْدَهُمَا … لَحْمٌ مِنَ الْقَوْمِ مَنْثُورٌ خَرَادِيلُ
مِنْهُ تَظَلُّ حَمِيرُ الْوَحْشِ ضَامِرَةً … وَلَا تَمْشِي بِوَادِيهِ الْأَرَاجِيلُ
وَلَا تَزَالُ بِوَادِيهِ أَخَا ثِقَةٍ … مُطَّرِحِ الْبَزِّ وَالدَّرْسَانِ مَأْكُولُ
إِنَّ الرَّسُولَ لَنُورٌ يُسْتَضَاءُ بِهِ … وَصَارِمٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ مَسْلُولُ
فِي فِتْيَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَالَ قَائِلُهُمْ … بِبَطْنِ مَكَّةَ لَمَّا أَسْلَمُوا زُولُوا
زَالُوا فَمَا زَالَ الْكَأْسُ وَلَا كُشُفٌ … عِنْدَ اللِّقَاءِ وَلَا مَيْلٌ مَعَازِيلُ
شُمُّ الْعَرَانِينِ أَبْطَالٌ لُبُوسُهُمْ … مِنْ نَسْجِ دَاوُدَ فِي الْهَيْجَا سَرَابِيلُ
بِيضٌ سَوَابِغُ قَدْ شُكَّتْ لَهَا حِلَقٌ … كَأَنَّهَا حِلَقُ الْقَفْعَاءِ مَجْدُولُ
يَمْشُونَ مَشْيَ الْجَمَالِ الزُّهْرِ يَعْصِمُهُمُ … ضَرْبٌ إِذَا عَرَّدَ السُّودُ التَّنَابِيلُ
لَا يَفْرَحُونَ إِذَا زَالَتْ رِمَاحُهُمُ … قَوْمًا وَلَيْسُوا مَجَازِيعَا إِذَا نِيلُوا
مَا يَقَعُ الطَّعْنُ إِلَّا فِي نُحُورِهُمُ … وَمَا لَهُمْ عَنْ حِيَاضِ الْمَوْتِ تَهْلِيلُ ) .
وإسناده ضعيف ، مسلسل بالمجاهيل ، وهم :
الأول : الحجاج بن ذي الرقيبة ، وهو الحجاج بن عبد الرحمن بن مضرب ، ذكره ابن منده في “معرفة الصحابة” (ص292) ، وقال فيه :” من ولد كعب بن زهير “. انتهى ، وذكره المزي في “تهذيب الكمال” (2/207) في شيوخ إبراهيم بن المنذر ، ولم يوثقه أحد ، فهو مجهول .
والثاني : ذو الرقيبة ، لم يترجم له أحد .
والثالث : عبد الرحمن بن كعب بن زهير ، لم يترجم له أحد أيضا .
الطريق الثاني :
أخرجه الفاكهي في “أخبار مكة” (634) ، وابن ديزيل في “حديثه” (16) ، والحاكم في “المستدرك” (6478) ، من طريق إِبْرَاهِيم بْن الْمُنْذِرِ ، قال حَدَّثَنِي مَعْنُ بْنُ عِيسَى ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَوْقَصُ ، عَنِ ابْنِ جُدْعَانَ قَالَ:( أَنْشَدَ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرِ بن أَبِي سُلْمَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ:
بَانَتْ سُعَادُ فَقَلْبِي الْيَوْمَ مَتْبولُ … مُتَيَّمٌ عِنْدَهَا لَمْ يفد مَغْلُولُ ) .
وإسناده ضعيف أيضا ، فيه أكثر من علة :
الأولى : الانقطاع ؛ علي بن زيد بن جدعان من التابعين ، روى عن أنس بن مالك ، وأكثر روايته عن التابعين ، فحديثه هنا مرسل .
الثانية : ضعفُ علي بن زيد بن جدعان ، فأكثر المحدثين على ضعفه ، وعلى أحسن الأقوال فيه : أنه لا يترك ، بل فيه لين ، كما قال الدارقطني في “سؤالت البرقاني” (361) ؛ فمثله : لا يحتج به إن انفرد .
الثالثة : محمد بن عبد الرحمن الأوقص ، فيه إشكالان :
الأول : أنه ضعيف ، ضعفه ابن عساكر كما في “ميزان الاعتدال” (3/625) ، وقال العقيلي في “الضعفاء الكبير” (4/97) :” يخالف في حديثه “. انتهى .
والثاني : أن روايته عن علي بن زيد بن جدعان مرسلة ، كما قال البخاري في “التاريخ الكبير” (1/156) .
الطريق الثالث :
أخرجه ابن سلام الجمحي في “طبقات فحول الشعراء” (118) من طريق محمد بن سليمان ، وابن قانع في “معجم الصحابة” (2/381) من طريق الزُّبَيْر بْن بَكَّارٍ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ، كلاهما عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ … وساقه بنحوه .
وهذا مرسل صحيح إلى سعيد بن المسيب ، وهو أجود طرق هذه القصة ، وإن كان طريق ابن قانع فيه من لم يسم ، إلا أن طريق محمد بن سلام الجمحي صحيح إلى سعيد بن المسيب .
الطريق الرابع :
أخرجه ابن ديزيل في “حديثه” (17) ، والحاكم في “المستدرك” (6479) ، ومن طريقه البيهقي في “السنن الكبرى” (10/244) ، من طريق إِبْرَاهِيم بْن الْمُنْذِرِ ، قال حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، قَالَ:( أَنْشَدَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ بَانَتْ سُعَادُ فِي مَسْجِدِهِ بِالْمَدِينَةِ ) .
وهذا أيضا مرسل أو معضل ، فإن موسى بن عقبة غالب رواياته عن التابعين وتابعي التابعين ، إلا أن مغازي موسى بن عقبة من أجود المغازي ، وقد روى ابن أبي حاتم في “الجرح والتعديل” (8/154) عن معن بن عيسى قال:” كان مالك بن أنس إذا قيل له مغازي من نكتب؟ قال: عليكم بمغازي موسى بن عقبة ؛ فإنه ثقة “. انتهى
الطريق الخامس :
أخرجه الطبراني في “المعجم الكبير” (19/177) ، وأبو نعيم في “معرفة الصحابة” (1248) ، والحاكم في “المستدرك” (6480) ، من طريق محمد بن سلمة . وأخرجه ابن منده في “معرفة الصحابة” (ص292) ، والحاكم في “المستدرك” (6480) من طريق يونس بن بكير = كلاهما ( محمد بن سلمة ، ويونس بن بكير ) عن محمد بن إسحاق قَالَ:( لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ مُنْصَرَفَهُ مِنَ الطَّائِفِ ، وَكَتَبَ بُجَيْرُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي سَلْمَى إِلَى أَخِيهِ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي سُلْمَى .. ) ، وساقه بنحوه ، إلا أنه لم يذكر القصيدة كاملة .
وأورده ابن هشام في “السيرة” (2/504) من طريق ابن إسحاق ، وزاد فيه هذا البيت :
هَيْفَاءُ مُقْبِلَةً عَجْزَاءُ مُدْبِرَةً … لَا يُشْتَكَى قِصَرٌ مِنْهَا وَلَا طُولُ
وإسناده صحيح إلى محمد بن إسحاق ، إلا أنه معضل ، فإن ابن إسحاق لم يذكر له سندا .
ومما سبق يتبين أن جميع طرق هذه القصة ضعيفة ، وهذا لا خلاف فيه .
ولذا نقل الشوكاني عن الإمام العراقي في “نيل الأوطار” (2/166) أنه قال :” قال العراقي : وهذه القصيدة قد رويناها من طرق لا يصح منها شيء، وذكرها ابن إسحاق بسند منقطع “. انتهى .
إلا أنها جاءت من عدة طرق مراسيل ، منها مرسل سعيد بن المسيب ، ومراسيل سعيد بن المسيب من أصح المراسيل .
روى الخطيب البغدادي في “الكفاية” (ص404) عن ابن معين أنه قال :” أَصَحُّ الْمَرَاسِيلِ مَرَاسِيلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ “. انتهى ، وقال ابن حجر في “تقريب التهذيب” (ص241) :” اتفقوا على أن مرسلاته أصح المراسيل “. انتهى
وكذلك رواية موسى بن عقبة لها : تقوي القصة ، كما تقدم ، مع مرسل علي بن زيد بن جدعان ، وإن كان ضعيفا إلا أنه يستأنس به .
والمراسيل إذا تعددت طرقها ، دون تواطؤ : كانت صحيحة مقبولة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في “مجموع الفتاوى” (13/347) :” و” الْمَرَاسِيلُ إذَا تَعَدَّدَتْ طُرُقُهَا ، وَخَلَتْ عَنْ الْمُوَاطَأَةِ قَصْدًا ، أَوْ الِاتِّفَاقِ بِغَيْرِ قَصْدٍ : كَانَتْ صَحِيحَةً قَطْعًا “. انتهى
ثم هذه القصة مشهورة جدا عند المصنفين في السير والمغازي ، وأكثرهم إن لم يكن جميعهم أوردها ، ومثل هذه الأمور إذا تعددت طرقها، حتى لو كانت من المراسيل الصحيحة ، فإنها تقبل.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في “الصارم المسلول” (ص147) :” و مثل هذا مما يشتهر عند هؤلاء مثل الزهري و ابن عقبة و ابن إسحاق و الواقدي و الأموي و غيرهم .
وأكثر ما فيه أنه مرسل ، والمرسل إذا روي من جهات مختلفة ، ولا سيما ممن له عناية بهذا الأمر وتتبع له : كان كالمسند ، بل بعض ما يشتهر عند أهل المغازي ويستفيض : أقوى مما يروى بالإسناد الواحد “. انتهى
ومما يدل على صحة القصة أيضا : أن أكثر أهل العلم قبلها ، واعتمد عليها .
ومن هؤلاء :
ابن عبد البر ، حيث قال كما في “الاستذكار” (8/241) :” وَقَدْ أَنْشَدَ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَصِيدَتَهُ اللَّامِيَّةَ ، أَوَّلُهَا : بَانَتْ سُعَادُ فَقَلْبِي الْيَوْمَ مَتْبُولُ “. انتهى
وابن قدامة ، حيث قال كما في “المغني” (10/157) :” وَالشِّعْرُ كَالْكَلَامِ ؛ حَسَنُهُ كَحَسَنِهِ ، وَقَبِيحُهُ كَقَبِيحِهِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أَنَّهُ قَالَ:” إنَّ مِنْ الشِّعْرِ لَحِكَمًا ” ، وَكَانَ يَضَعُ لَحَسَّانَ مِنْبَرًا يَقُومُ عَلَيْهِ ، فَيَهْجُو مَنْ هَجَا رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَالْمُسْلِمِينَ.
وَأَنْشَدَهُ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ قَصِيدَةَ: بَانَتْ سُعَادُ فَقَلْبِي الْيَوْمَ مَتْبُولُ “. انتهى
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ، في “الرد على البكري” (2/556) :” وليس كل الشعر مذموما ، بل منه ما هو مباح ممدوح ، كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال:” إن من الشعر لحكمة ” ..
و كذلك سمع قصيدة كعب بن زهير المشهورة التي أولها بانت سعاد ، إلى غير ذلك من الأدلة الشرعية التي تدل على أن من الشعر ما يجوز إنشاؤه و استماعه “. انتهى
وكثير من أهل العلم والفقه استدلوا بها كذلك ، مثل : القاضي عياض في “إكمال المعلم” (8/549) ، والشيرازي في “المهذب” (2/328) ، والماوردي في “الحاوي الكبير” (17/204) ، والعمراني في “البيان في مذهب الإمام الشافعي” (7/529) ، والروياني في “بحر المذهب” (14/321) ، وابن حجر الهيتمي في “تحفة المحتاج” (10/223) ، وابن الهمام الحنفي في “فتح القدير” (7/410) ، والمرداوي في “الإنصاف” (8/315) ، والبهوتي في “كشاف القناع” (6/422) .
وأما ما ذكر في هذه القصة من الغزل ، والخمر ونحو ذلك ، فقد أجاب عنه أهل العلم بعدة أجوبة ، منها :
الجواب الأول : أن المرأة لم تكن معينة ، بل ذكر اسما لامرأة دون تعيين .
والقصة أخرجها البيهقي في “سننه الكبرى” (10/243) محتجا بها ، وبوّب عليها فقال : بَابُ مَنْ شَبَّبَ فَلَمْ يُسَمِّ أَحَدًا ، لَمْ تُرَدَّ شَهَادَتُهُ ، قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُشَبِّبَ بِامْرَأَتِهِ وَجَارِيَتِهِ “. انتهى
وقال ابن الهمام في “فتح القدير” (7/410) :” لِأَنَّ الْمَرْأَةَ فِيهِمَا لَيْسَتْ مُعَيَّنَةً ، فَلَوْلَا أَنَّ إنْشَادَ مَا فِيهِ وَصْفُ امْرَأَةٍ كَذَلِكَ جَائِزٌ ، لَمْ تَقُلْهُ الصَّحَابَةُ .
وَمِمَّا يَقْطَعُ بِهِ فِي هَذَا قَوْلُ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ “. انتهى
وقال النووي في “روضة الطالبين” (11/229) :” إِنَّ التَّشْبِيبَ بِالنِّسَاءِ وَالْغِلْمَانِ بِغَيْرِ تَعْيِينٍ لَا يُخِلُّ بِالْعَدَالَةِ وَإِنْ كَثُرَ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ التَّشْبِيبَ صَنْعَةٌ ، وَغَرَضُ الشَّاعِرِ تَحْسِينُ الْكَلَامِ ، لَا تَحْقِيقُ الْمَذْكُورِ .
وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ لَوْ سَمَّى امْرَأَةً لَا يَدْرِي مَنْ هِيَ “. انتهى
الجواب الثاني : أن هذه كانت عادة الشعراء قديما ، فيغتفر مثل ذلك ، خاصة أنها قيلت بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وهم أبر هذه الأمة قلوبا وأبعدها عن الدنس ، مع ما في هذه القصائد من المعاني الجميلة الرائقة في وصف النبي صلى الله عليه وسلم ، والدفاع عنه ، والحث على الجهاد في سبيل الله .
قال ابن القيم في “إعلام الموقعين” (4/262) :” ومنه تقريرهم على قول الشعر ، وإن تغزَّل أحدهم فيه بمحبوبته ، وإن قال فيه ما لو أقر به في غيره ، لأخذ به ، كتغزل كعب بن زهير بسعاد ، وتغزّل حسان في شعره ، وقوله فيه:
كَأَنَّ خَبِيئَةً مِنْ بَيْتِ رَأْسٍ … يَكُونُ مِزَاجَهَا عَسَلٌ وَمَاءُ
ثم ذكر وصف الشراب، إلى أن قال:
ونشربها فتتركنا ملوكًا … وأسدًا لا ينهنهنا اللقاء
فأقرّهم على قول ذلك وسماعه ، لعلمه ببرِّ قلوبهم ، ونزاهتهم وبعدهم عن كل دَنَسٍ وعيب ، وأن هذا إذا وقع مقدمة بين يدي ما يحبه اللَّه ورسوله من مدح الإسلام وأهله ، وذم الشرك وأهله والتحريض على الجهاد والكرم والشجاعة : فمفسدته مغمورة جدًا في جنب هذه المصلحة ، مع ما فيه من مصلحة هزّ النفوس واستمالة إصغائها وإقبالها على المقصود بعده .
وعلى هذا جرت عادة الشعراء بالتغزّل بين يدي الأغراض التي يريدونها بالقصيد “. انتهى
الجواب الثالث : أن ذكر الخمر جاء على سبيل التشبيه ، حيث شبه ريقها بالخمر.
قال ابن العربي في “أحكام القرآن” (3/469) :” أَمَّا الِاسْتِعَارَاتُ وَالتَّشْبِيهَاتُ : فَمَأْذُونٌ فِيهَا وَإِنْ اسْتَغْرَقَتْ الْحَدَّ ، وَتَجَاوَزَتْ الْمُعْتَادَ ، فَبِذَلِكَ يَضْرِبُ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِالرُّؤْيَا الْمَثَلَ ، وَقَدْ أَنْشَدَ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ النَّبِيَّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
بَانَتْ سُعَادُ فَقَلْبِي الْيَوْمَ مَتْبُولُ … مُتَيَّمٌ إثْرَهَا لَمْ يُفْدَ مَكْبُولُ
وَمَا سُعَادُ غَدَاةَ الْبَيْنِ إذْ رَحَلُوا … إلَّا أَغَنُّ غَضِيضُ الطَّرْفِ مَكْحُولُ
تَجْلُو عَوَارِضَ ذِي ظَلْمٍ إذَا ابْتَسَمَتْ … كَأَنَّهُ مُنْهَلٌ بِالرَّاحِ مَعْلُولُ
فَجَاءَ فِي هَذِهِ الْقَصِيدَةِ مِنْ الِاسْتِعَارَاتِ وَالتَّشْبِيهَاتِ بِكُلِّ بَدِيعٍ ، وَالنَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يَسْمَعُ وَلَا يُنْكِرُ ، حَتَّى فِي تَشْبِيهِ رِيقَهَا بِالرَّاح “. انتهى
قال الشوكاني في “نيل الأوطار” (2/166) :” قال العراقي : وهذه القصيدة قد رويناها من طرق لا يصح منها شيء ، وذكرها ابن إسحاق بسند منقطع .
وعلى تقدير ثبوت هذه القصيدة عن كعب ، وإنشادها بين يدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المسجد أو غيره : فليس فيها مدح الخمر ، وإنما فيها مدح ريقها وتشبيهه بالراح “. انتهى
ونختم بكلام العلامة السفاريني في “غذاء الألباب” (1/142) :
” فحصل من إنشاد قصيدة كعب بن زهير رضي الله عنه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واعطائه عليه الصلاة والسلام البردة عدة سنن :
– إباحة إنشاد الشعر واستماعه في المساجد والاعطاء عليه .
– وسماع التشبيب ، فإنه في قصيدة كعب رضي الله عنه في عدة مواضع ، فإنه ذكر محبوبته وما أصاب قلبه عند ظعنها ، ثم وصف محاسنها وشبهها بالظبي ، ثم ذكر ثغرها وريقها وشبهه بخمر ممزوجة بالماء ، ثم إنه استطرد من هذا إلى وصف ذلك الماء ، ثم هذا إلى وصف الأبطح الذي أخذ منه ذلك الماء ، ثم إنه رجع إلى ذكر صفاتها ، فوصفها بالصد ، وإخلاف الوعد ، والتلون في الود ، وعدم التمسك بالعهد ، وضرب لها عرقوباً مثلاً ، ثم لام نفسه على التعلق بمواعيدها ، ثم أشار إلى بُعد ما بينه وبينها ، وأنه لا يبلغه إليها إلا ناقة من صفتها كيت وكيت . وأطال في وصف تلك الناقة على عادة العرب في ذلك . ثم استطرد من ذلك إلى ذكر الواشين ، وأنهم يسعون بجانبي ناقته ويحذرونه القتل ، وأن أصدقاءه رفضوه ، وقطعوا حبل مودته ، وأنه أظهر لهم الجلد ، واستسلم للقدر ، وذكر لهم أن الموت مصير كل ابن أنثى .
ثم خرج إلى المقصود الأعظم ، وهو مدح سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وإلى الاعتذار إليه وطلب العفو منه والتبري مما قيل عنه ، وذكر شدة خوفه من سطوته ، وما حصل له من مهابته ، ثم إلى مدح أصحابه المهاجرين رضي الله عنه أجمعين .
هذا ورسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجده ، وأصحابه حوله ، وهو ملق بسمعه إليه ، ومقبل في كل ذلك عليه .
فهل يسوغ إنكار إنشاء الشعر واستماعه ، وإنشاد التشبيب واصطناعه ، بعد الوقوف على مثل هذه القصيدة ، وأمثال أمثالها مما هو مألوف ومعروف ؟
وهل يرد هذه الأخبار ، إلا معتد غدار ، أو جاهل بآثار، عن النبي المختار ، والسلف الأخيار؟ هذا مع الاجماع على جواز استماعه في مثل تلك المحافل ، وعدم الإنكار على شيء من تلك الأشعار في أولئك الجحافل ” انتهى .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب