ما هو صحيح ابن حبّان؟ وهل هو صحيح؟
التعريف بصحيح ابن حبان
السؤال: 285989
ملخص الجواب
الإمام أبا حاتم ابن حبان رحمه الله ، إمام حافظ من حفاظ المسلمين ، وكتابه الصحيح من دواوين السنة ، ولكنه ربما تساهل في إيراد بعض الأحاديث فيه ، مما لم يبلغ درجة الصحة ولا الحسن ، لأنه ربما تساهل في التوثيق والاحتجاج بمن لا يحتج به من المجهولين وغيرهم ممن لا يعتد بحديثه .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
الإمامُ ابنُ حِبَّان ، هو الإِمَامُ العَلاَّمَةُ الحَافِظُ المُجَوِّدُ, شَيْخُ خُرَاسَانَ، أَبُو حَاتِمٍ، مُحَمَّدُ بنُ حِبَّان بنِ أَحْمَدَ بنِ حِبَّان التَّمِيْمِيُّ الدَّارِمِيُّ البُسْتِيُّ.
“سير أعلام النبلاء” (12/ 183)
قال أبو سعيد الإدريسي: ” كان على قضاء سمرقند زمانًا، وكان من فقهاء الدّين وحُفّاظ الآثار، عالمًا بالطبّ والنجوم وفنون العلم “.
وقال الحاكم: ” كان من أوعية العلم في الفقه واللغة والحديث والوعظ، ومن عقلاء الرجال “.
“تاريخ الإسلام” (26/ 112)
ومن أشهر مصنفاته : كتابه الصحيح ، وقد سماه : “المسند الصحيح على التقاسيم والأنواع، من غير وجود قطعٍ في سندها، ولا ثبوت جرح في ناقليها” ، وقد عُرف بين علماء الحديث باسم: “التقاسيم والأنواع” ، واشتهر بينهم ـ وعلى ألسنة الناس ـ باسم: “صحيح ابن حبان”.
مقدمة “التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان” (1/ 7) .
قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله :
و “صحيح ابن حبان” كتاب نفيس، جليل القدر، عظيم الفائدة، حرَّرَهُ مؤلفه أدق تحرير، وجوَّده أحسن تجويد، وحقق أسانيده ورجاله، وعلل ما احتاج إلى تعليل من نصوص الأحاديث وأسانيدها، وتوثق من صحة كل حديث اختاره على شرطه، ما أظنه أخل بشيء مما التزم، إلا ما يخطئُ فيه البشر، وما لا يخلو منه عالم محقق ” .
انتهى من مقدمة “التعليقات الحسان” (1/ 13) .
وقال السيوطي رحمه الله :
” صَحِيحُ ابْنِ حِبَّانَ، تَرْتِيبُهُ مُخْتَرَعٌ ، لَيْسَ عَلَى الْأَبْوَابِ ، وَلَا عَلَى الْمَسَانِيدِ؛ وَلِهَذَا سَمَّاهُ: ” التَّقَاسِيمَ وَالْأَنْوَاعَ ” .
وَسَبَبُهُ : أَنَّهُ كَانَ عَارِفًا بِالْكَلَامِ وَالنَّحْوِ وَالْفَلْسَفَةِ ، وَالْكَشْفُ مِنْ كِتَابِهِ عَسِرٌ جِدًّا .
وَقَدْ رَتَّبَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى أَبْوَابٍ، وَعَمِلَ لَهُ الْحَافِظُ أَبُو الْفَضْلِ الْعِرَاقِيُّ أَطْرَافًا ، وَجَرَّدَ الْحَافِظُ أَبُو الْحَسَنِ الْهَيْثَمِيُّ زَوَائِدَهُ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ فِي مُجَلَّدٍ ” .
انتهى من”تدريب الراوي” (1/ 115).
سبب تأليفه لهذا الكتاب :
قال رحمه الله في مقدمة صحيحه :
” وإني لمَّا رأيت الأخبار طُرُقُها كَثُرَت ، ومعرفة الناس بالصحيح منها قلَّت، لاشتغالهم بكتبة الموضوعات ، وحفظ الخطأ والمقلوبات حتى صار الخبر الصحيح مهجوراً لا يُكتب، والمنكر المقلوب عزيزاً لا يُستغرب، وأن من جمع السنن من الأئمة المرضيين وتكلم عليها ، من أهل الفقه والدين أمعنوا في ذكر الطرق للأخبار، وأكثروا من تكرار المعاد للآثار، قصداً منهم لتحصيل الألفاظ على من رام حفظها من الحُفَّاظ = فكان ذلك سبب اعتماد المتعلم على ما في الكتاب، وتَرْكِ المقتبس التحصيل للخطاب .
فتدبَّرتُ الصِّحاح لأسهِّل حفظها على المتعلِّمين، وأمعنت الفكر فيها لئلا يصعُب وَعيُها على المقتبسين، فرأيتها تنقسم خمسة أقسام متساوية، مُتَّفقة التقسيم غير مُتنافيةٍ:
فأوَّلها: الأوامرُ التي أمر الله عبادَه بها.
والثاني: النواهي التي نهى الله عباده عنها.
والثالث: إخباره عما احتيج إلى معرفتها.
والرابع: الإباحات التي أُبيح ارتكابها.
والخامس: أفعال النبي صلى الله عليه وسلم التي انفرد بفعلها.
ثم رأيت كل قسم منها يتنوَّع أنواعاً كثيرة، ومن كل نوعٍ تتنوَّع علوم خطيرة، ليس يَعقِلُها إلا العالمون، الذين هم في العلم راسخون، دون من اشتغل في الأصول بالقياس المنكوس، وأمعن في الفروع بالرأي المنحوس.
وإنَّا نُملِي كل قسم بما فيه من الأنواع، وكل نوع بما فيه من الاختراع ، الذي لا يخفى تحصيره على ذوي الحجا، ولا تتعذَّرُ كيفيَّتُه على أُولِي النهى ” .
انتهى من “صحيح ابن حبان” (1/ 102) .
شرط ابن حبان في صحيحه
قال رحمه الله:
” وأما شرطنا في نقله ما أودعناه كتابنا هذا من السنن: فإنا لم نحتج فيه إلا بحديث اجتمع في كل شيخ من رواته خمسة أشياء:
الأول: العدالة في الدين، بالستر الجميل.
والثاني: الصدق في الحديث، بالشهرة فيه.
والثالث: العقل بما يحدث من الحديث.
والرابع: العلم بما يحيل من معاني ما يروي.
والخامس: المتعري خبره عن التدليس.
فكل من اجتمع فيه هذه الخصال الخمس ، احتججنا بحديثه، وبنينا الكتاب على روايته، وكل من تعرى عن خصلة من هذه الخصال الخمس ، لم نحتجَّ به.
والعدالة في الإنسان: هو أن يكون أكثر أحواله طاعة الله، لأنا متى ما لم نجعل العدل إلا من لم يوجد منه معصية بحال ، أدانا ذلك إلى أن ليس في الدنيا عدل، إذ الناس لا تخلو أحوالهم من ورود خلل الشيطان فيها، بل العدل من كان ظاهر أحواله طاعة الله، والذي يخالف العدل من كان أكثر أحواله معصية الله ” انتهى من “صحيح ابن حبان” (1/ 151) .
تساهل ابن حبان في التصحيح :
نص غير واحد من العلماء على أن ابن حبان رحمه الله ربما تساهل في التوثيق وفي التصحيح أيضا ، فيوثق المجهولين ، ويحتج بحديثهم، قال ابن عبد الهادي رحمه الله :
” قد علم أن ابن حبان ذكر في هذا الكتاب الذي جمعه في الثقات عدداً كبيراً ، وخلقاً عظيماً من المجهولين ، الذين لا يعرف هو ولا غيره أحوالهم، وقد صرح ابن حبان بذلك في غير موضع من هذا الكتاب.
وقد ذكر ابن حبان في هذا الكتاب خلقاً كثيراً من هذا النمط، وطريقته فيه أنه يذكر من لم يعرفه بجرح، وإن كان مجهولاً لم يعرف حاله .
وينبغي أن يُنتبه لهذا ، ويُعرف أن توثيق ابن حبان للرجل ، بمجرد ذكره في هذا الكتاب : من أدنى درجات التوثيق ” انتهى مختصرا من “الصارم المنكي” (ص: 103) .
وقال العراقي في “ألفيته” (ص: 95):
والبُسْتِيْ يُدَانِي الحَاكِما
قال السخاوي في “فتح المغيث” (1/ 55)”
” (يُدَانِي) أَيْ: يُقَارِبُ (الْحَاكِمَا) فِي التَّسَاهُلِ ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي النَّظَرَ فِي أَحَادِيثِهِ أَيْضًا ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَقَيِّدٍ بِالْمُعَدَّلِينَ، بَلْ رُبَّمَا يُخَرِّجُ لِلْمَجْهُولِينَ ” انتهى .
وقال الألباني رحمه الله :
” لا أستطيع الاعتماد على مجرد تصحيح ابن حبان للحديث ، قبل الاطلاع على سنده ورواته، لما علمنا من تساهله في ذلك، حسبما نبهنا عليه مرارا في مناسبات شتى ” .
انتهى من”الثمر المستطاب” (ص: 681) .
نزول مرتبة صحيحه عن مرتبة “صحيح ابن خزيمة”:
قال السيوطي رحمه الله :
” صَحِيحُ ابْنِ خُزَيْمَةَ : أَعْلَى مَرْتَبَةً مِنْ صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ، لِشِدَّةِ تَحَرِّيهِ ” .
انتهى من”تدريب الراوي” (1/ 115) .
وقال الحازمي رحمه الله :
” ابن حبان أمكن في الحديث من الحاكم ، وصحيح ابن خزيمة أعلى رتبة من صحيح ابن حبان لشدة تحريه، فأصح من صنف في الصحيح بعد الشيخين: ابن خزيمة ، فابن حبان ، فالحاكم ” . انتهى من “فيض القدير” (1/ 27) .
وقال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله :
” وقد رتب علماء هذا الفن ونقاده هذه الكتب الثلاث ـ التي التزم مؤلفوها رواية الصحيح من الحديث وحده ـ أعني: الصحيح المجرد ـ بعد الصحيحين: البخاري ومسلم ـ على الترتيب الآتي:
صحيح ابن خزيمة.
صحيح ابن حبان.
المستدرك للحاكم .
مقدمة “التعليقات الحسان” (1/ 13) .
منهجه في تكرار الحديث في صحيحه:
قال رحمه الله :
” وأتنكب عن ذكر المُعاد فيه ، إلا في موضعين، إما لزيادة لفظة لا أجد منها بدا، أو للاستشهاد به على معنى في خبر ثان، فأما في غير هاتين الحالتين ، فإني أتنكب ذكر المعاد في هذا الكتاب ” انتهى من “صحيح ابن حبان” (1/ 163) .
وينظر السؤال رقم : (144152) .
والله تعالى أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة