إذا سألنا بعض المتصوفة هل ينفع الأولياء ويضرون؟ يقولون : نعم دون ذكر بإذن الله ، وإن أنكرنا عليهم قالوا : بإذن الله ، فهل هذا يندرج تحت الشرك الأصغر أو الأكبر ؟ ونحن نظن أنهم لم يقولوا بإذن الله إلا ليتخلصوا منا ، فلا نعتقد أنهم يعتقدون أن الولي سبب .
اعتقاد الصوفية في أوليائهم أنهم يتصرفون في الكون ويدبرون أمره !!
السؤال: 286288
ملخص الجواب
دعوى غلاة المتصوفة في أوليائهم أنهم يتصرفون في الكون ، وأنهم ينفعون ويضرون ، ويقولون للشيء : كن ، فيكون .. هذه الدعوى كفر أكبر ، وشرك بالله تعالى ، وهو أعظم من شرك مشركي العرب كأبي جهل وأمثاله . ولا يفيدهم شيئا أنهم يقولون : إن تصرف الأولياء إنما هو بإذن الله ، لأن هذا شبيهه بما كان يقوله مشركو العرب في تلبيتهم : (لبيك لا شريك لك ، إلا شريكا هو لك ، تملكه وما ملك ) . فهو بمنزلة ما لو قالوا : إن هؤلاء الأولياء شركاء لله ، بإذنه .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
يعتقد غلاة الصوفية في أوليائهم أنهم يدبرون أمر العالم ، ويتصرفون في الكون بما يشاؤون ، وكل من اطلع بإمعان وإنصاف على كلامهم في ذلك، يجزم بأن الغاية التي ينتهي إليها غلوهم وضلالهم : هي رفع الولي إلى مقام الألوهية ، ومن ثم : خضوع الناس لأولئك الأولياء ، بل وعبادتهم لهؤلاء الأولياء ، أيضا !!
والأولياء عندهم مراتب ودرجات ، وكل ولي عندهم قد وُكِّل بتصريف جانب من جوانب الخلق ، حتى ينتهي الأمر إلى القطب ، الذي يدبر شأن الملكوت كله ، سماواته وأرضه .
فأفضل الأولياء عندهم هم “الأقطاب” ، ويسمون القطب بـ “الغوث” ، لكونه ملجأ الملهوفين .
وهؤلاء الأقطاب عندهم لهم التصرف المطلق الشامل في أمور الدنيا والآخرة .
جاء في كتاب “كنوز السعادة الأبدية” (ص128) جمع وترتيب محسن بن علوي السقاف: “كان الشيخ عبد العزيز يقول: إن تصريفي يصل حتى إلى الجنان ، وإن الحور لا يفعلن شيئاً إلا بأمر مني !!
وهو الذي قال مرة لمريده: إن كنت تعتقد أن البِس ـ يعني القط ـ في جميع أقطار الأرض ، يأكل الفأر بغير إذن مني ، فما أحسنت الأدب معي” انتهى !!
كما يعتقدون أن القطب وأعوانه وسائط بين الله وخلقه ، فلا يصل إلى الخلق شيء من الرزق أو الإعانة أو النصر على الأعداء .. إلخ إلا عن طريقهم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
“وَأَمَّا سُؤَالُ السَّائِلِ عَنْ ” الْقُطْبِ الْغَوْثِ الْفَرْدِ الْجَامِعِ ” : فَهَذَا قَدْ يَقُولُهُ طَوَائِفُ مِنْ النَّاسِ، وَيُفَسِّرُونَهُ بِأُمُورِ بَاطِلَةٍ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ ، مِثْلُ تَفْسِيرِ بَعْضِهِمْ ، أَنَّ ” الْغَوْثَ ” هُوَ الَّذِي يَكُونُ مَدَدُ الْخَلَائِقِ بِوَاسِطَتِهِ ، فِي نَصْرِهِمْ وَرِزْقِهِمْ ، حَتَّى يَقُولَ: إنَّ مَدَدَ الْمَلَائِكَةِ وَحِيتَانِ الْبَحْرِ بِوَاسِطَتِهِ !!
فَهَذَا مِنْ جِنْسِ قَوْلِ النَّصَارَى فِي الْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَالْغَالِيَةِ فِي عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وَهَذَا كُفْرٌ صَرِيحٌ ، يُسْتَتَابُ مِنْهُ صَاحِبُهُ ، فَإِنْ تَابَ ، وَإِلَّا قُتِلَ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ لَا مَلَكٌ وَلَا بَشَرٌ يَكُونُ إمْدَادُ الْخَلَائِقِ بِوَاسِطَتِهِ ” انتهى من “مجموع الفتاوى” (27/96) .
كما يعتقد أولئك الغلاة : أن أولياءهم يقولون للشيء : كن فيكون .
قال ابن ضيف الله الصوفي في طبقاته (ص272، 277) عن أحد مشايخهم وأوليائهم : “وقد أعطاه الله الدرجة الكونية ، وهي ، لغة : كن فيكون” انتهى .
وقال التجاتي الصوفي : “إن الله ملكهم الخلافة العظمى ، واستخلفهم على مملكته تفويضا عاما، أن يفعلوا في المملكة كل ما يريدون ، ويملكهم الله كلمة التكوين : متى قالوا للشيء : كن ، كان من حينه .. فلا يستعصي عليهم شيء في الوجود” .
انتهى من “جواهر المعاني” (2/76-77) .
وذكر الشعراني في طبقاته (2/88) أحد أوليائهم ، وقال عنه : “وهو أحد من أظهره الله تعالى إلى الوجود ، وصرفه في الكون” انتهى .
وأئمتهم – وهم جهال ضُلَّال- كانوا يدعون الله تعالى أن يعطيهم تلك المنزلة ، أن يقولوا للشيء : كن ، فيكون !!
قال ابن حجر الهيتمي: “ومما يكون من الدعاء كفراً أيضاً : أن يطلب الداعي ثبوت ما دلّ القاطع العقلي على نفيه ، مما يُخلّ بإجلال الربوبية ، كأن يَعظُمَ شوق الداعي إلى ربه ، فيسأله أن يَحِلَّ في شيءٍ من مخلوقاته حتى يجتمع به ، أو أن يجعل له التصرف في العالم بما أراده .
قال الإمام القرافي: وقد وقع هذا لجماعة من جهلة الصوفية ، ويقولون فلان أعطي كلمة (كن)، ويسألون أن يُعطَوْا كلمة (كن) ، التي في قوله تعالى: (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون) . ومقتضى هذا الطلب : الشَّرِكة في الملك ؛ وهو كفر” .
انتهى من “الإعلام بقواطع الإسلام” (ص219) .
وكلام القرافي ينطبق تماما على ما ورد في السؤال من دعواهم أنهم يتصرفون في الكون بإذن الله، فمن طلب من الله أن يعطيه تلك المنزلة ، فكأنه طلب من الله أن يجعله شريكا له في التصرف !!
ومن اعتقد أن أحدا من البشر قد أعطاه الله تلك المنزلة ، فكأنه اعتقد أن الله جعله شريكا له؛ وهذا كفر أكبر بلا شك ، وهو يشبه شرك مشركي العرب في تلبيتهم ؛ بل أقبح منه حالا .
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : ” كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَقُولُونَ : لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ .
قَالَ : فَيَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (وَيْلَكُمْ ! قَدْ ، قَدْ) !!
فَيَقُولُونَ : إِلَّا شَرِيكًا هُوَ لَكَ ، تَمْلِكُهُ وَمَا مَلَكَ .
يَقُولُونَ هَذَا وَهُمْ يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ ” رواه مسلم (1185) .
قال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم :
“قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( قَدْ قَدْ ) قَالَ الْقَاضِي : رُوِيَ بِإِسْكَانِ الدَّال ، وَكَسْرهَا مَعَ التَّنْوِين , وَمَعْنَاهُ : كَفَاكُمْ هَذَا الْكَلَام ، فَاقْتَصِرُوا عَلَيْهِ وَلَا تَزِيدُوا , وَهُنَا اِنْتَهَى كَلَام النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ثُمَّ عَادَ الرَّاوِي إِلَى حِكَايَة كَلَام الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ : ( إِلَّا شَرِيكًا هُوَ لَك . . . إِلَى آخِره ) مَعْنَاهُ : أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ هَذِهِ الْجُمْلَة , وَكَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : اِقْتَصِرُوا عَلَى قَوْلكُمْ : ( لَبَّيْكَ لَا شَرِيك لَك ) . وَاَللَّه أَعْلَم” انتهى .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في “مجموعة الرسائل والمسائل” (1/56) :
“والقرآن من أوله إلى آخره وجميع الكتب والرسل إنما بعثوا بأن يُعبد الله وحده لا شريك له، وأن لا يجعلوا مع الله إلها آخر، والإله من يألهه القلب عبادة واستعانة وإجلالاً وإكراماً وخوفاً ورجاءً ، كما هو حال المشركين في آلهتهم ؛ وإن اعتقد المشرك أن ما يألهه مخلوق مصنوع ، كما كان المشركون يقولون في تلبيتهم: لبيك لا شريك لك، إلا شريكاً هو لك، تملكه وما ملك” انتهى .
وقال أيضا في “مجموع الفتاوى” (3/302) :
“وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي التَّوْحِيدِ : (ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ) أَيْ كَخِيفَةِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا …
فَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّ الْمَخْلُوقَ لَا يَكُونُ مَمْلُوكُهُ شَرِيكَهُ فِيمَا لَهُ ، حَتَّى يَخَافَ مَمْلُوكَهُ كَمَا يَخَافُ نَظِيرَهُ، بَلْ تَمْتَنِعُونَ أَنْ يَكُونَ الْمَمْلُوكُ لَكُمْ نَظِيرًا .
فَكَيْفَ تَرْضَوْنَ لِي أَنْ تَجْعَلُوا مَا هُوَ مَخْلُوقِي وَمَمْلُوكِي شَرِيكًا لِي: يُدْعَى وَيُعْبَدُ – كَمَا أُدْعَى وَأُعْبَدَ – كَمَا كَانُوا يَقُولُونَ فِي تَلْبِيَتِهِمْ: لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك، إلَّا شَرِيكًا هُوَ لَك، تَمْلِكُهُ وَمَا مَلَكَ”. انتهى .
ورَدَّ الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ دعوى من ظن من الجهال جواز دعاء الموتى، ما دام أن الذي يدعوهم ويستغيث بهم يعتقد أن الفاعل والموجد هو الله وحده ، فقال رحمه الله:
“هذا الأحمق زاد قيداً، فقال لا يشرك إلا من قصد واعتقد الاستقلال من دون الله .
وفي تلبية المشركين في الجاهلية : لبيك لا شريك لك، إلا شريكًا هو لك، تملكه وما ملك . فهؤلاء لم يَدَّعوا الاستقلال ؛ وعلى زعم هذا : ليسوا بمشركين !!” انتهى من “تحفة الطالب والجليس في كشف شبه داود بن جرجيس” (ص128) .
ومن عرف سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وسيرة أصحابه رضي الله عنهم ، يعلم علم اليقين أن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو خير البشر لم تكن له هذه المنزلة ، بل لما قالوا له : يَا مُحَمَّدُ ، يَا سَيِّدَنَا ، وَابْنَ سَيِّدِنَا ، وَخَيْرَنَا ، وَابْنَ خَيْرِنَا..
قال لهم صلى الله عليه وسلم : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، عَلَيْكُمْ بِتَقْوَاكُمْ ، وَلَا يَسْتَهْوِيَنَّكُمْ الشَّيْطَانُ ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ ، وَاللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنْ تَرْفَعُونِي فَوْقَ مَنْزِلَتِي الَّتِي أَنْزَلَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ) رواه أحمد (12141) وصححه الألباني في “سلسلة الأحاديث الصحيحة” (1097) .
وقال صلى الله عليه وسلم : (لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ ، فَقُولُوا : عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ) رواه البخاري (3445) .
فلم يؤثر عن الرسول صلى الله عليه وسلم قط أنه كان يقول للشيء كن فيكون ، ولا ذكر أن ذلك له .
وكذلك لم يؤثر هذا عن أحد من أصحابه .
بل كان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو الله تعالى ، ويتذلل له ، ويلح عليه في الدعاء ليستجيب الله دعاءه ، وذلك مشهور عنه صلى الله عليه وسلم ، ومن أشهر تلك الوقائع : دعاؤه قبيل غزوة بدر ..
روى مسلم (1763) عن عبد الله بْن عَبَّاس رضي الله عنه قال : “حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قال : لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ ، نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ ، وَهُمْ أَلْفٌ ، وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثُ مِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا ، فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِبْلَةَ ، ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ ، فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ : (اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي ، اللَّهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي ، اللَّهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ) !!
فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ ، مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ ، حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ ، فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ ، فَأَخَذَ رِدَاءَهُ ، فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ ، ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ ، وَقَالَ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ، فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : ( إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ ) ؛ فَأَمَدَّهُ اللَّهُ بِالْمَلَائِكَةِ ” .
فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يدعو ربه ، ويستغيث به ، ولم يكن يقول للشيء : كن ، فيكون .
بل كان الرسول صلى الله عليه وسلم ، ربما يدعو الله تعالى ، فيمنع الله عنه إجابة الدعوة المعينة ، لحكمة يريدها سبحانه وتعالى ….
روى مسلم (2890) عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه : ” أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ ذَاتَ يَوْمٍ بِمَسْجِدِ بَنِي مُعَاوِيَةَ فدَخَلَ فَرَكَعَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ، وَصَلَّيْنَا مَعَهُ ، وَدَعَا رَبَّهُ طَوِيلًا ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَيْنَا ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (سَأَلْتُ رَبِّي ثَلَاثًا ، فَأَعْطَانِي ثِنْتَيْنِ ، وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً ، سَأَلْتُ رَبِّي أَنْ لَا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالسَّنَةِ [أي : الجدب والقحط] ، فَأَعْطَانِيهَا ، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالْغَرَقِ ، فَأَعْطَانِيهَا ، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ ، فَمَنَعَنِيهَا) .
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في “مجموع الفتاوى” (1/26) :
“ومن العقائد المضادة للحق : ما يعتقده بعض المتصوفة من أن بعض من يسمونهم بالأولياء يشاركون الله في التدبير, ويتصرفون في شئون العالم, ويسمونهم بالأقطاب والأوتاد والأغواث, وغير ذلك من الأسماء التي اخترعوها لآلهتهم, وهذا من أقبح الشرك في الربوبية, وهو شر من شرك جاهلية العرب; لأن كفار العرب لم يشركوا في الربوبية ، وإنما أشركوا في العبادة, وكان شركهم في حال الرخاء, أما في حال الشدة فيخلصون لله العبادة, كما قال الله سبحانه: (فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ) العنكبوت/65.
أما الربوبية فكانوا معترفين بها لله وحده كما قال سبحانه: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ) الزخرف/87 .
وقال تعالى: ( قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ ) يونس/31.
والآيات في هذا المعنى كثيرة.
أما المشركون المتأخرون فزادوا على الأولين من جهتين, إحداهما: شرك بعضهم في الربوبية, والثانية: شركهم في الرخاء والشدة, كما يعلم ذلك من خالطهم وسبر أحوالهم, ورأى ما يفعلون عند قبر الحسين والبدوي وغيرهما في مصر , وعند قبر العيدروس في عدن , والهادي في اليمن، وابن عربي في الشام , والشيخ: عبد القادر الجيلاني في العراق , وغيرها من القبور المشهورة التي غلت فيها العامة ، وصرفوا لها الكثير من حق الله عز وجل, وقَلَّ من ينكر عليهم ذلك ، ويبين لهم حقيقة التوحيد الذي بعث الله به نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم , ومن قبله من الرسل عليهم الصلاة والسلام, فإنا لله وإنا إليه راجعون, ونسأله سبحانه أن يردهم إلى رشدهم, وأن يكثر بينهم دعاة الهدى, وأن يوفق قادة المسلمين وعلماءهم لمحاربة هذا الشرك، والقضاء عليه ووسائله, إنه سميع قريب” انتهى .
كما يعتقدون أن أولياءهم لهم القدرة على إنزال المطر وشفاء المرضى .
ومعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه لم يكن يملك ذلك ، بل كان إذا أجدبت الأرض ، وقَلَّ المطر : دعا الله تعالى بإنزال الغيث ، أو خرج لصلاة الاستسقاء ودعاء الله تعالى ، ولم يكن يقول للمطر : انزل ، فينزل .
كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصيبه من الأمراض مثل ما يصيب الناس ، بل أشد ، كالصداع والحمى .. وغيرهما ، وكان يدعو الله تعالى بالشفاء ، وكان يرقي نفسه صلى الله عليه وسلم ، ونزل جبريل عليه السلام ورقاه بالمعوذتين .
بل يعتقد هؤلاء الجهلة في أوليائهم أن لهم القدرة على إحياء الموتى !!
وأن لوليهم القدرة على أن يورق الشجرة اليابسة ، ويثمرها في الحين .
انظر “جواهر المعاني” (2/150/151) .
كما يعتقدون في أوليائهم أن لهم القدرة على هداية الضال هدايةً توفيقية إلى الإيمان والطاعة.
فالولي عندهم يضل من يشاء ، ويهدي من يشاء !!
ومعلوم أن هذه ليست لأحد من البشر ، ولم تكن لرسول صلى الله عليه وسلم ، فلم يستطع أن يهدي عمه أبا طالب ، ونزل في شأنه : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) القصص/56 .
بل نهاه الله تعالى عن الاستغفار لعمه : (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) التوبة/113 .
وأما محاولتهم التقمص بلباس كرامات الأولياء ، وأن الله هو الذي أكرمهم بهذه الخوارق ، فمكيدة مكشوفة ، وخديعة مفضوحة ، لأن الفرق واضح جلي بين أن يقال : إن الولي الفلاني قد أكرمه الله بكرامة خارقة للعادة ، في حادثة معينة ، اقتضت الحاجة وقوعها ، وبين أن يقال : إن الولي الفلاني وصل إلى مرتبة من يتصرف في الكون بمشيئته وإرادته ، ويقول للشيء كن فيكون ، فيتصرف في العالم العلوي والسفلي ، تصرفا مطلقا عاما لجميع الموجودات ، في كل زمان ومكان ، في حياته ومماته ، بل يرون أن تصرفه في مماته أعظم من تصرفه في حياته !!
نقل الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله عن أحد دعاة القبورية قوله : “إن الدعاء والاستغاثة بالموتى، وبالأحياء ، من هؤلاء الأحباب : سواء؛ لأن الموتى منهم أحياء في قبورهم ، يفعلون أفعال الأحياء فيها ، وفي خارجها” انتهى من “المنار”، ج3، م33، ص216 .
وقال آخر : “إن تصرف الأولياء يزداد بعد وفاتهم” انتهى من “البريلوية عقائد وتاريخ” (ص74) .
والقرآن ، من أوله إلى آخره : مليء ، عامر ، برد تلك الضلالات ، وتقرير دين التوحيد ، ملة إبراهيم الحنيف ، والأنبياء أجمعين .
قال تعالى : (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنْ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ) يونس/31 .
وقال تعالى : (قُلْ لِمَنْ الأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ * قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ * قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّا تُسْحَرُونَ) المؤمنون/84-89 .
قال العلامة صنع الله الحنفي رحمه الله في الرد على الصوفية الذين يقولون بتصرف الأولياء في الكون في كتابه “سيف الله على من كذب على أولياء الله” (ص28-30) : “أما قولهم: إن للأولياء تصرفات في حياتهم وبعد الممات ، يرده قوله جلّ ذكره : (أإله مع الله) (ألا له الخلق والأمر) (لله ما في السموات والأرض) (له ملك السموات والأرض) ، وما هو نحوه من الآيات الدالة على أنه المنفرد بالخلق والتصرف والتقدير، ولا شركة لغيره في شيء ما بوجه من الوجوه، فالكل تحت ملكه وقهره ، تصرفاً وملكاً، وإحياء وإماتة وخلقاً .
وعلى هذا اندرج الأولون ومن بعدهم، وأجمع عليه المسلمون ومن تبعهم، وفاهوا به كما فاهوا بقولهم: لا إله إلا الله” انتهى .
إلى أن قال:
“وأما القول بالتصرف بعد الممات : فهو أشنع وأبدع من القول بالتصرف في الحياة” انتهى .
وجاء في “فتاوى اللجنة الدائمة” (1/574) :
السؤال : هل للأولياء كرامة، وهل لهم أن يتصرفوا في عالم الملكوت في السماوات والأرض، وهل يشفعون وهم في البرزخ لأهل الدنيا أم لا؟
الجواب : الكرامة: أمر خارق للعادة يظهره الله تعالى على يد عبد من عباده الصالحين حيا أو ميتا ، إكراما له ، فيدفع به عنه ضرا ، أو يحقق له نفعا ، أو ينصر به حقا .
وذلك الأمر لا يملك العبد الصالح أن يأتي به إذا أراد ، كما أن النبي لا يملك أن يأتي بالمعجزة من عند نفسه، بل كل ذلك إلى الله وحده، قال الله تعالى: ( وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ ) العنكبوت/50 .
ولا يملك الصالحون أن يتصرفوا في ملكوت السماوات والأرض ، إلا بقدر ما آتاهم الله من الأسباب ، كسائر البشر ، من زرع وبناء وتجارة ، ونحو ذلك مما هو من جنس أعمال البشر
بإذن الله تعالى .
ولا يملكون أن يشفعوا وهم في البرزخ لأحد من الخلق أحياء وأمواتا، قال الله تعالى: ( قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا ) الزمر/44 .
وقال: ( وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) الزخرف/86.
وقال: ( مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ) البقرة/255 .
ومن اعتقد في أنهم يتصرفون في الكون ، أو يعلمون الغيب : فهو كافر؛ لقول الله عز وجل: (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)المائدة/120 .
وقوله سبحانه: ( قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) النمل/65 .
وقوله سبحانه آمرا نبيه صلى الله عليه وسلم بما يزيل اللبس ويوضح الحق: ( قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) الأعراف/188 .
وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عبد الله بن قعود … عبد الله بن غديان … عبد الرزاق عفيفي … عبد العزيز بن عبد الله بن باز” انتهى .
وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله :
يطلق على بعض الناس صفة أولياء الله، فما هي صفتهم الحقيقية ؟ وكيف وصلوا إلى هذه المرتبة ؟ وهل لهم زمن محدد أم أنهم يوجدون في كل زمان ؟
فأجاب: “صفة أولياء الله كما حددها الله تعالى بقوله : (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ ) [ سورة يونس : الآيتين 62، 63 ] ، فأولياء الله هم الذين آمنوا وكانوا يتقون ، هذه صفتهم .
فمن اتصف بالإيمان والتقوى هو من أولياء الله عز وجل، وهذه حاصلة لكل مسلم بحسب إيمانه، وبحسب تقواه لله عز وجل، فالمسلمون أولياء الله عز وجل ، وهم يتفاوتون في هذه الولاية بحسب قوة إيمانهم وضعفه ، وبحسب أعمالهم الصالحة، وكلما قوي إيمانهم وكثرت أعمالهم الصالحة وتقواهم لله عظمت ولايتهم لله عز وجل .
وهم – والحمد لله – يوجدون في كل زمان ما وجد المسلمون على وجه الأرض، فما دام أن المسلمين موجودون على وجه الأرض ، فإنهم أولياء الله عز وجل، فأولياء الله هذه صفتهم .
ولكن ليس معنى هذا أننا نعتقد فيهم كما يعتقد الخرافيون ، من أن أولياء الله يتصرفون في الكون، أو أن لهم شيئًا من الأمر والتدبير مع الله سبحانه وتعالى، وأنهم يجيبون مَنْ دعاهم، ويفكون حاجة من استغاث بهم، وهم أموات، فيلجئون إلى قبورهم وأضرحتهم ، يتبركون بها ، وينادون أصحابها، وهم أموات، ويطلبون منهم قضاء الحوائج، فإن هذا شرك أكبر، وأولياء الله على الحقيقة لا يرضون بهذا، ولا يرضى به مؤمن، فإن هذا هو الشرك الأكبر .
ولكننا نحب أولياء الله ونقتدي بهم في أعمالهم الصالحة، ونترحم عليهم، ونستغفر لهم .
أما أننا نتخذهم أربابًا من دون الله عز وجل : فهذا هو الشرك الأكبر، والذنب الذي لا يغفر إلا بالتوبة” انتهى من “المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان” .
وخلاصة الجواب :
أن دعوى هؤلاء الجهلة في أوليائهم أنهم يتصرفون في الكون ، وأنهم ينفعون ويضرون ، ويقولون للشيء : كن ، فيكون .. هذه الدعوى كفر أكبر ، وشرك بالله تعالى ، وهو أعظم من شرك مشركي العرب كأبي جهل وأمثاله .
ولا يفيدهم شيئا أنهم يقولون : إن تصرف الأولياء إنما هو بإذن الله ، لأن هذا شبيهه بما كان يقوله مشركو العرب في تلبيتهم : (لبيك لا شريك لك ، إلا شريكا هو لك ، تملكه وما ملك ) .
فهو بمنزلة ما لو قالوا : إن هؤلاء الأولياء شركاء لله ، بإذنه .
وقد سبق نقل كلام القرافي رحمه الله فيمن سأل الله أن يجعله يقول للشيء كن فيكون أن هذا كفر ، لأن مقتضاه أنه سأل الله تعالى أن يجعله شريكا له في الملك .
وانظر لمزيد الفائدة ولمعرفة غلو الصوفية في أوليائهم كتاب “تقديس الأشخاص في الفكر الصوفي” لمحمد أحمد نوح . و”مجلة البيان” ، العدد (131) .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب