قرأت حديثين فيما يتعلّق بآخر رجلٍ دخولاً إلى الجنّة، أو الرجل الأدنى منزلةً في الجنّة، يقول أحد الحديثين إن الرجل سوف يحصل على (مثل الدنيا وعشرة أمثالها)، (6571) "صحيح البخاري"، الحديث الآخر أنّ موسى سأل الله من يكون آخر رجلٍ دخولاً إلى الجنّة، أعتقد أنّ الله قال: (أترضى أن يكون لك مثل ملكٍ من ملوك الدنيا) (189) صحيح مسلم. سؤالي هو: لماذا يقول أحد الحديثين أن الرجل سيكون له مثل الدنيا وعشرة أمثالها، لكن الحديث الآخر قال مملكةٌ مثل الملك؟ هل يبدو أنّ حديث موسى يقول إنّه سوف يحصل على منزلةٍ أقل من الدنيا؟ لماذا هناك فرقٌ بين الحديثين لآخر رجلٍ دخولاً إلى الجنّة؟
الجمع بين الأحاديث الواردة في ملك آخر أهل الجنة دخولا
السؤال: 286725
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
جاءت الأحاديث الصحيحة المتعددة مصرحة بأن أدنى أهل الجنة منزلة من له عشرة أمثال الدنيا ، وذلك من حديث ابن مسعود وجابر والمغيرة بن شعبة رضي الله عنهم .
أما حديث ابن مسعود فأخرجه البخاري في "صحيحه" (6571)، ومسلم في "صحيحه" (186) ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي لَأَعْلَمُ آخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْهَا ، وَآخِرَ أَهْلِ الجَنَّةِ دُخُولًا ، رَجُلٌ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ كَبْوًا ، فَيَقُولُ اللَّهُ: اذْهَبْ فَادْخُلِ الجَنَّةَ ، فَيَأْتِيهَا ، فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهَا مَلْأَى ، فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلْأَى ، فَيَقُولُ: اذْهَبْ فَادْخُلِ الجَنَّةَ ، فَيَأْتِيهَا فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهَا مَلْأَى ، فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلْأَى ، فَيَقُولُ: اذْهَبْ فَادْخُلِ الجَنَّةَ ، فَإِنَّ لَكَ مِثْلَ الدُّنْيَا وَعَشَرَةَ أَمْثَالِهَا – أَوْ: إِنَّ لَكَ مِثْلَ عَشَرَةِ أَمْثَالِ الدُّنْيَا – فَيَقُولُ: تَسْخَرُ مِنِّي – أَوْ: تَضْحَكُ مِنِّي – وَأَنْتَ المَلِكُ " فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ ، وَكَانَ يَقُولُ: ذَاكَ أَدْنَى أَهْلِ الجَنَّةِ مَنْزِلَةً .
وفي لفظ عند البخاري (7511) : إِنَّ لَكَ مِثْلَ الدُّنْيَا عَشْرَ مِرَارٍ .
وأما حديث جابر رضي الله عنه :
فأخرجه مسلم في "صحيحه" (191) من طريق أبي الزبير أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، يُسْأَلُ عَنِ الْوُرُودِ …. وفيه ثُمَّ يَسْأَلُ حَتَّى تُجْعَلَ لَهُ الدُّنْيَا وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهَا مَعَهَا .
وأما حديث المغيرة، فهو الحديث الذي فيه أن موسى سأل ربه عن أدنى أهل الجنة منزلة، وقد رواه مسلم في "صحيحه" (189) عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ ، قَالَ رسول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
سَأَلَ مُوسَى رَبَّهُ، مَا أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً ، قَالَ: هُوَ رَجُلٌ يَجِيءُ بَعْدَ مَا أُدْخِلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ ، فَيُقَالُ لَهُ: ادْخُلِ الْجَنَّةَ ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ ، كَيْفَ وَقَدْ نَزَلَ النَّاسُ مَنَازِلَهُمْ ، وَأَخَذُوا أَخَذَاتِهِمْ ، فَيُقَالُ لَهُ: أَتَرْضَى أَنْ يَكُونَ لَكَ مِثْلُ مُلْكِ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا؟ فَيَقُولُ: رَضِيتُ رَبِّ ، فَيَقُولُ: لَكَ ذَلِكَ ، وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ ، فَقَالَ فِي الْخَامِسَةِ: رَضِيتُ رَبِّ ، فَيَقُولُ: هَذَا لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ ، وَلَكَ مَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ ، وَلَذَّتْ عَيْنُكَ ، فَيَقُولُ: رَضِيتُ رَبِّ ، قَالَ: رَبِّ ، فَأَعْلَاهُمْ مَنْزِلَةً؟ قَالَ: أُولَئِكَ الَّذِينَ أَرَدْتُ غَرَسْتُ كَرَامَتَهُمْ بِيَدِي ، وَخَتَمْتُ عَلَيْهَا ، فَلَمْ تَرَ عَيْنٌ ، وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ "، قَالَ: وَمِصْدَاقُهُ فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ( فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ) السجدة/17 ) .
ويظهر من سياق الرواية أنه لم يذكر أن له مثل مُلك مَلك من ملوك الدنيا فقط ، بل قال له: لك ذلك، ومثله ومثله ومثله ومثله ، فيكون ذلك مثل أحد ملوك الدنيا خمس مرات ، ثم يقول له : هذا لك وعشرة أمثاله.
وهكذا تتوافق هذه الرواية مع رواية من قال :" لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها". وهي رواية الأكثر من الصحابة .
قال الحافظ أبو زرعة العراقي، رحمه الله: " وقد يقال: هو موافق لحديث أبي سعيد؛ بأن يكون الذي تمناه: قدر الدنيا؛ فأعطيه، وأعطي عشرة أمثاله أيضا، وهو عشرة أمثال الدنيا؛ فلا منافاة حينئذ بينهما. ويدل لذلك قوله في رواية ابن مسعود في الصحيحين: فإن لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها؛ فلما عبر عنه في إحدى الروايتين بالذي تمناه، وفي الأخرى بمثل الدنيا؛ دل على أن الذي تمناه مثل الدنيا توفيقا بين الروايتين، والضعف بمعنى المثل على المختار عند أهل اللغة."انتهى، من "طرح التثريب" (8/265).
وقال ابن هبيرة، رحمه الله: " في هذا الحديث من الفقه أن أدنى أهل الجنة منزلة من يجتمع له مثل ملك ملوك الدنيا في شرقها وغربها وجبالها وأوديتها وأنهارها وأشجارها ويضاعف ذلك عشرة أضعاف وهذا آخر من يخرج من النار، فلا يبقى بعده إلا من يخلد" انتهى من "الإفصاح" (2/51).
وكما ترى فهذه الأحاديث الثلاثة ( حديث المغيرة ، وحديث ابن مسعود ، وحديث جابر ) جاءت عن ثلاثة من الصحابة ، وقد اتفقوا جميعا في روايتهم على أن له عشرة أمثال الدنيا.
ثم جاءت رواية أبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما من طريق واحد، إلا أنهما اختلفا في لفظ الحديث كما يلي :
حيث أخرجه البخاري في "صحيحه" (806)، ومسلم في "صحيحه" (182) ، من حديث أبي هريرة قال: " أَنَّ النَّاسَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ القِيَامَةِ؟ … فذكر الحديث) .وفيه:
ثُمَّ يَفْرُغُ اللَّهُ مِنَ القَضَاءِ بَيْنَ العِبَادِ وَيَبْقَى رَجُلٌ بَيْنَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ وَهُوَ آخِرُ أَهْلِ النَّارِ دُخُولًا الجَنَّةَ مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ قِبَلَ النَّارِ ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ اصْرِفْ وَجْهِي عَنِ النَّارِ ، قَدْ قَشَبَنِي رِيحُهَا وَأَحْرَقَنِي ذَكَاؤُهَا ، فَيَقُولُ: هَلْ عَسَيْتَ إِنْ فُعِلَ ذَلِكَ بِكَ أَنْ تَسْأَلَ غَيْرَ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُ: لاَ وَعِزَّتِكَ ، فَيُعْطِي اللَّهَ مَا يَشَاءُ مِنْ عَهْدٍ وَمِيثَاقٍ ، فَيَصْرِفُ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ .
فَإِذَا أَقْبَلَ بِهِ عَلَى الجَنَّةِ ، رَأَى بَهْجَتَهَا سَكَتَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسْكُتَ ، ثُمَّ قَالَ: يَا رَبِّ قَدِّمْنِي عِنْدَ بَابِ الجَنَّةِ ، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: أَلَيْسَ قَدْ أَعْطَيْتَ العُهُودَ وَالمِيثَاقَ ، أَنْ لاَ تَسْأَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنْتَ سَأَلْتَ؟ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ لاَ أَكُونُ أَشْقَى خَلْقِكَ ، فَيَقُولُ: فَمَا عَسَيْتَ إِنْ أُعْطِيتَ ذَلِكَ أَنْ لاَ تَسْأَلَ غَيْرَهُ؟ فَيَقُولُ: لاَ وَعِزَّتِكَ ، لاَ أَسْأَلُ غَيْرَ ذَلِكَ ، فَيُعْطِي رَبَّهُ مَا شَاءَ مِنْ عَهْدٍ وَمِيثَاقٍ ، فَيُقَدِّمُهُ إِلَى بَابِ الجَنَّةِ .
فَإِذَا بَلَغَ بَابَهَا ، فَرَأَى زَهْرَتَهَا، وَمَا فِيهَا مِنَ النَّضْرَةِ وَالسُّرُورِ، فَيَسْكُتُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسْكُتَ ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ أَدْخِلْنِي الجَنَّةَ ، فَيَقُولُ اللَّهُ: وَيْحَكَ يَا ابْنَ آدَمَ ، مَا أَغْدَرَكَ ، أَلَيْسَ قَدْ أَعْطَيْتَ العُهُودَ وَالمِيثَاقَ ، أَنْ لاَ تَسْأَلَ غَيْرَ الَّذِي أُعْطِيتَ؟ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ لاَ تَجْعَلْنِي أَشْقَى خَلْقِكَ .
فَيَضْحَكُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُ ، ثُمَّ يَأْذَنُ لَهُ فِي دُخُولِ الجَنَّةِ ، فَيَقُولُ: تَمَنَّ ، فَيَتَمَنَّى حَتَّى إِذَا انْقَطَعَ أُمْنِيَّتُهُ ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: مِنْ كَذَا وَكَذَا ، أَقْبَلَ يُذَكِّرُهُ رَبُّهُ ، حَتَّى إِذَا انْتَهَتْ بِهِ الأَمَانِيُّ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ
.
قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ لِأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" قَالَ اللَّهُ: لَكَ ذَلِكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ "، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لَمْ أَحْفَظْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا قَوْلَهُ: لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ . قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: إِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ: (ذَلِكَ لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ).
ووجه الجمع بين الروايات أنه: تُقدَّم رواية الجميع على رواية الفرد ، ومن أثبت معه زيادة علم لا تنافي الرواية الأخرى ، فيحتمل أن أبا هريرة نقل ما سمعه ، ثم زاد الله من فضله فأعلم رسوله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بالزيادة فسمعها عبد الله بن مسعود ، وأبو سعيد ، وجابر ، والمغيرة رضي الله عنهم
قال القاضي عياض في "إكمال المعلم" (1/564) :" وقول أبى هريرة: " ذلك لك ومثله مَعهُ " وقول أبى سعيد: " وعشرةُ أمثاله مَعه " وكلاهما ذكر أنه الذى حفظ عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
قيل في الجمع بين الحديثين: لعل أبا هريرة سمع ذلك أولاً، ثم زيد: " وعشرةُ أمثاله فضلاً من الله "، فسمعه أَبُو سعيد ولم يسمعه أبو هريرة ". انتهى.
وقال الكرماني في "الكواكب الدراري" (5/165) :" فإن قلت : ما وجه الجمع بين رواية أبي هريرة وأبي سعيد؟
قلت: أُعْلِم أولا بما في حديث أبي هريرة ، ثم تكرم الله تعالى فزادها فأخبر به النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمعه أبو هريرة ". انتهى.
وقال ابن حجر في "فتح الباري" (11/461):" وَجَمَعَ عِيَاضٌ بَيْنَ حَدِيثَيْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ أَبُو هُرَيْرَةَ سَمِعَ أَوَّلًا قَوْلَهُ : (وَمِثْلَهُ مَعَهُ) فَحَدَّثَ بِهِ ، ثُمَّ حَدَّثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالزِّيَادَةِ، فَسَمِعَهُ أَبُو سَعِيدٍ.
وَعَلَى هَذَا فَيُقَالُ : سَمِعَهُ أَبُو سَعِيدٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ مَعًا أَوَّلًا ، ثُمَّ سَمِعَ أَبُو سَعِيدٍ الزِّيَادَةَ بَعْدُ ". انتهى
وبهذا يظهر أن الأحاديث متفقة، لا اختلاف بينها والحمد لله.
وختاما: نسأل الله أن يمن علينا وعلى المسلمين بدار النعيم، اللهم آمين.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب