أنا أبٌ لطفلٍ عمره سبعة أشهر، زوجتي تعتني به جيّداً، وأنا أعتني باحتياجاته المالية، وأحمله بإرادتي في كثيرٍ من الأحيان، وألعب معه، تقول زوجتي: إنّه من مسؤوليتي الدينية أن أحمله أكثر عندما تقول أو عندما يكون ظهرها يؤلمها، أو عندما لا تتمكّن من النوم للسهر على الطفل ليلا، وفقاً لزوجتي بما أنّني مسؤولٌ عنها، فمن ثمّ عندما تكون مريضةً أو لم تتمكن من النوم يجب عليّ أن أقوم بمسؤوليّاتها باعتبارها مسؤوليتي؟ ليس لديّ أيّ مشكلةٍ بفعل الأشياء التي تطلبها منّي، لكن أريد أن أعرف هل إذا كنت أقوم بواجباتي ومسؤولياتي، هل عليّ أن أقوم بواجباتها باعتبارها معروفاً أم يجب أن أعتبرها من مسؤولياتي، عن أيٍّ منها أكون مسؤولاً، هل إذا كانت مريضةً، أو لم تتمكن من النوم؟ أنا أعلم أن معاملة الزوجة والطفل بشكلٍ جيّدٍ هي موضع تقديرٍ واستحسان، ولكن أريد أن أعرف أنّ ما تقول إذا كنت سأحمل الطفل فهل يعتبر معروفاً و فضلا لها أم إنّ عملي هذا سوف يُعتبر مكافأةً إضافية ، أم إنه يقع تحت مسؤوليتي وواجبٌ عليّ؟ إذا لم يكن واجباً عليّ، وإذا كان من شأنه أن يُعتبر معروفاً، فهل أنا مخوّلٌ برفض حمل الطفل إذا كنت متعباً، أو كنت أقوم ببعض العمل، أو كنت لا أريد أن أحمله في ذلك الوقت دون أيّ سبب ، هل سوف أكون خاطئاً لرفضي؟
حمل الطفل وتسكينه هل هو مسئولية الزوجة أم الزوج ؟
السؤال: 287148
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
تربية الأولاد مسئولية مشتركة بين الزوجين؛ لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، فَالْإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا رواه البخاري ( 853 ،) ومسلم ( 1829 ) .
وهذه التربية تشمل القيام على التعليم والتأديب والإصلاح والوقاية من أسباب الفساد.
ثانيا:
العمل خارج البيت وتحصيل النفقة مسئولية الزوج، وأما الخدمة داخل البيت فمسئولية الزوجة، ويشمل ذلك إعداد الطعام، وتنظيف البيت، وتنظيف الأولاد، ونحو ذلك.
قال ابن القيم رحمه الله: “قال ابن حبيب في ” الواضحة “: حكم النبي صلى الله عليه وسلم بين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وبين زوجته فاطمة رضي الله عنها، حين اشتكيا إليه الخدمة، فحكم على فاطمة بالخدمة الباطنة، خدمة البيت، وحكم على علي بالخدمة الظاهرة.
ثم قال ابن حبيب: والخدمة الباطنة: العجين والطبخ والفرش وكنس البيت واستقاء الماء وعمل البيت كله.
وفي ” الصحيحين “: «أن فاطمة رضي الله عنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم تشكو إليه ما تلقى في يديها من الرحى، وتسأله خادما فلم تجده، فذكرت ذلك لعائشة رضي الله عنها، فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرته. قال علي: فجاءنا وقد أخذنا مضاجعنا، فذهبنا نقوم، فقال : مكانكما ” فجاء فقعد بيننا حتى وجدت برد قدميه على بطني، فقال: ” ألا أدلكما على ما هو خير لكما مما سألتما، إذا أخذتما مضاجعكما فسبحا الله ثلاثا وثلاثين، واحمدا ثلاثا وثلاثين، وكبرا أربعا وثلاثين، فهو خير لكما من خادم “.
قال علي: فما تركتها بعد.
قيل : ولا ليلة صفين؟ قال ولا ليلة صفين» .
وصح عن أسماء أنها قالت: كنت أخدم الزبير خدمة البيت كله ، وكان له فرس ، وكنت أسوسه ، وكنت أحتشُّ له ، وأقوم عليه .
وصح عنها أنها كانت تعلف فرسه ، وتسقي الماء ، وتخرز الدلو ، وتعجن ، وتنقل النوى على رأسها من أرض له على ثلثي فرسخ” انتهى من “زاد المعاد” (5/ 169).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في “شرح رياض الصالحين” (3/ 150): “مسؤولة أيضاً عن أولادها، في إصلاحهم وإصلاح أحوالهم وشؤونهم، كإلباسهم الثياب، وخلع الثياب غير النظيفة، وتغيير فراشهم الذي ينامون عليه، وتغطيتهم في الشتاء وهكذا، مسؤولة عن كل هذا، مسؤولة عن الطبخ وإحسانه ونضجه، وهكذا مسؤولة عن كل ما في البيت” انتهى.
ويدخل في الخدمة الباطنة: حمل الولد، ورعايته وتمريضه ونحو ذلك، وهذا مما تعارف عليه الناس، وهو عرف معتبر؛ إذ المعروف عرفا كالمشروط شرطا.
قال ابن القيم رحمه الله في الموضع السابق (5/ 171): “وأيضا : فإن العقود المطلقة إنما تُنزل على العرف، والعرف خدمة المرأة، وقيامها بمصالح البيت الداخلة” انتهى.
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله في خدمة الزوجة لزوجها: “والقول الثاني: الوجوب، وهو اختيار الشيخ؛ أنه يملك ذلك وما جرت العادة به، فتخدمه ما كان جارياً العرف والعادة أنها تفعله، وما لا، فلا.
وهذا الذي عليه العمل، هو الصحيح: أنها تخبز وتعجن ونحو ذلك، فإنه مشروط عليها بالعرف، الشرط العرفي ينزل منزلة النطقي” انتهى من “فتاوى الشيخ” (10/ 285).
فالأصل أن حمل الولد وما يتصل بذلك مسئولية الزوجة.
لكن إن كانت مريضة أو متعبة: فلا تكلّف فوق طاقتها.
وحينئذ إما أن يقوم الزوج بذلك بنفسه، أو يستأجر من يقوم به؛ لأنه مسئول عن ولده وحفظه وإزالة ما يضره.
هذا من جهة الحقوق اللازمة، وأما المعروف فبابه واسع، وينبغي أن يقدم كل من الزوجين ما يمكنهما من المعروف تجاه الآخر، كما قال تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ النساء/19
وقال سبحانه: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ البقرة/228.
وقال صلى الله عليه وسلم: اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا رواه البخاري (3331)، ومسلم (1468).
وقال: خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي رواه الترمذي (3895) وابن ماجه (1977) وصححه الألباني في “صحيح الترمذي”.
وقال صلى الله عليه وسلم: لَوْ كُنْت آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لأَحَدٍ , لأَمَرْت النِّسَاءَ أَنْ يَسْجُدْنَ لأَزْوَاجِهِنَّ ; لِمَا جَعَلَ اللَّهُ لَهُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ الْحَقِّ .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد (2140)، والترمذي (1159)، وابن ماجه (1852)، وصححه الألباني في “صحيح أبي داود”.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يساعد أهله، ويكون في خدمتهم، وهذا من تواضعه وإحسانه صلى الله عليه وسلم.
قال البخاري رحمه الله في صحيحه: ” بَابُ خِدْمَةِ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ … عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ، سَأَلْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَصْنَعُ فِي البَيْتِ؟ قَالَتْ: كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ، فَإِذَا سَمِعَ الأَذَانَ خَرَجَ”.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ” والمراد بالأهل: نفسه، أو ما هو أعم من ذلك.
وقد وقع مفسرا في الشمائل للترمذي، من طريق عمرة عن عائشة بلفظ: (ما كان إلا بشرا من البشر ، يفلي ثوبه، ويحلب شاته ، ويخدم نفسه).
ولأحمد وابن حبان من رواية عروة عنها: (يخيط ثوبه ، ويخصف نعله)، وزاد ابن حبان: (ويرقع دلوه)” انتهى من “فتح الباري” (2/ 163).
وقال السندي رحمه الله: “قوله : (كان في مهنة أهله) : أي : خدمتهم .
ففيه: أن خدمة الدار وأهلها سنة عباد الله الصالحين” انتهى من “حاشية السندي على البخاري “(3/ 110).
فينبغي أن يعين الرجل زوجته في أعمال البيت، وفي حمل الأطفال ونحو ذلك، لا سيما عند تعب زوجته أو كثرة الأعمال عليها.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب