إنني طالب العلم في كلية الفقه تحت جامعة الهند الإسلامية كيرالا الهند ، سؤالي : أنني قد بحثت في كثير من كتب المتقدمين في باب العقيدة ، ما رأيت أكثرهم يصرح عن الشرك وعظمته كما يصرح العلماء السلفيون المتأخرون ، مع أن ذلك الأزمنة القديمة أيضا كانت مملوءة بالعقائد الشركية بين الصوفية والشيعة مثلا، نراهم ينكرون البناء على القبور، لكن لا يصرحون بالإنكار عن الشرك الذي يقع حولها إلا تلميحا. فهل يوجد أقوال صريحة من العلماء المتقدمين عن الشرك ، كما عند ابن تيمية رحمه الله ومن بعده من العلماء السلفيين ؟ فأرجو منكم بعضها وإن لم يوجد فما هو السبب ؟
من كلام أهل العلم المتقدمين في إنكار الشرك في الألوهية
السؤال: 287633
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
القرآن الكريم مملوء بالآيات التي فيها الدعوة إلى التوحيد، وبيان الشرك والتحذير منه، كشرك الدعاء، وشرك الطاعة، وشرك المحبة.
قال الله تعالى: ( وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ ) يونس/106 .
قال ابن جرير الطبري رحمه الله في تفسيره (15/ 219): ” ( فإنك إذًا من الظالمين ) ، يقول: من المشركين بالله ، الظالمي أنفُسِهم” انتهى.
وقال تعالى: (إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) فاطر/14 .
وقال تعالى: (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) المؤمنون/ 117 .
وقال تعالى: (وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) الأنعام/121 .
وقال تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ) البقرة/165 .
إلى غير ذلك من الآيات.
وفي السنة : بيان شرك الطاعة كما في حديث عدي بن حاتم ، وشرك الحلف بغير الله ، وشرك الرياء، ولعن من ذبح لغير الله.
وأكثر أنواع الشرك إنما ظهرت في القرنين الرابع والخامس الهجري بعد استيلاء الروافض العبيدين على بلاد المغرب ومصر والحجاز، فهؤلاء من عظموا القبور وبنوا عليها المشاهد، وأقاموا الموالد ، وانتشر الشرك بسببهم .
قال الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله: ” وإن أقدم من وقفت عليه يرجع المسلمين إلى دين الجاهلية في الاعتقاد بالأرواح والقبور : هم الإسماعيليون ، وبخاصة إخوان الصفا، تلك الجماعة السرية الخفية التي بثت عقائدها، ورسائلها الخمسين بسرية تامة ، حتى لا يكاد يعرف لها كاتب ولا مصنف، وإن ظُن ظناً.
ثم تبعهم على تقديس المقبورين من أهل البيت : الموسويون ، الملقبون بالاثني عشرية، وصنفوا التصانيف في الحج إلى المشاهد ، وفي كيفية الزيارات والأدعية عند القبور، يسندونها بطرق باطلة كاذبة إلى أئمة أهل البيت رضي الله عنهم.
وقد طالعت كتاب ” الزيارات الكاملة ” لابن قولويه ، فرأيت فيه من هذا شيئاً كثيراً، وهو مطبوع. ومن طالع تراث الإسماعيلين، وحركة إخوان الصفا ، وجد ما قلتُه ماثلاً أمامه، فإن الشأن عظيم، وإن فتنة الناس بالقبور واتخاذ أهلها شفعاء ووسطاء: لم تعرف قبلهم .
ولما غلب الجهل قبل ظهور الدولة الفاطمية ، عرفت هذه الأمور طائفة من الناس، فلما ظهرت الدولة العبيدية شيدت المشاهد ، ونشرت ما كان سراً من عقائدها” .
انتهى من “هذه مفاهيمنا” ص105.
ولما ظهر هذا الشرك، كثر كلام أهل العلم في إنكاره، وكان من قبلهم يكتفون ببيان أن الشرك عبادة غير الله ، أو أن من الردة: الإشراك بالله ، فيدخل في ذلك كل صور العبادة إذا صرفت لغير الله .
ونحن نسوق شيئا من كلام أهل العلم في ذلك:
1-قال قتادة رحمه الله: “قوله: ( وَلا تَأْكُلُوا ممَّا لَمْ يُذكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإنَّه لَفِسْقٌ… ) الآية، يعني: عدوّ الله إبليس، أوحى إلى أوليائه من أهل الضلالة، فقال لهم: خاصموا أصحاب محمد في الميتة ، فقولوا: أما ما ذبحتم وقتلتم فتأكلون، وأما ما قتل الله فلا تأكلون، وأنتم تزعمون أنكم تتبعون أمر الله ، فأنزل الله على نبيه: (وَإنْ أطَعْتُمُوهُمْ إنَّكُمْ لَمُشْركُونَ) .
وإنا – والله – ما نعلمه كان شرك قط ، إلا بإحدى ثلاث: أن يدعو مع الله إلها آخر، أو يُسجد لغير الله ، أو يُسمى الذبائحَ لغير الله” رواه ابن جرير في تفسيره (5/ 325).
2-وقال أبو محمد ، الحسن بن علي البربهاري (ت: 329هـ ): “ولا يخرج أحد من أهل القبلة من الإسلام حتى يرد آية من كتاب الله عز وجل، أو يرد شيئا من آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو يذبح لغير الله ، أو يصلي لغير الله ، وإذا فعل شيئا من ذلك: فقد وجب عليك أن تخرجه من الإسلام” انتهى من “شرح السنة” للبربهاري، ص 81 .
3-وقال ابن عقيل الحنبلي رحمه الله (ت513هـ): لما [صعبت] التكاليف على الجهال والطغام عدلوا عن أوضاع الشرع إلى تعظيم أوضاع وضعوها لأنفسهم، فسهلت عليهم إذ لم يدخلوا بها تحت أمر غيرهم، قال: وهم عندي كفار بهذه الأوضاع، مثل تعظيم القبور وإكرامها بما نهى عنه الشرع من إيقاد النيران وتقبيلها وتخليقها وخطاب الموتى بالألواح [بالحوائج]، وكتب الرقاع فيها: يا مولاي افعل بي كذا وكذا، وأخذ التراب تبركا وإفاضة الطيب على القبور، وشد الرحال إليها، وإلقاء الخرق على الشجر اقتداء بمن عبد اللات والعزى، ولا تجد في هؤلاء من يحقق مسألة في زكاة، فيسأل عن حكمٍ يلزمه، والويل عندهم لمن لم يقبّل مشهد الكف، ولم يتمسح بآجرة مسجد المأمونية يوم الأربعاء…) انتهى من “تلبيس إبليس” لابن الجوزي ص 448، و “إغاثة اللهفان” لابن القيم (1/195) وما بين المعقوفتين منه.
4-وقال الرازي رحمه الله (ت606هـ) في تفسير قوله تعالى: (ويعبدون من دون الله مالا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله ) يونس/18 :
“وأما النوع الثاني: ما حكاه الله تعالى عنهم في هذه الآية ، وهو قولهم: (هؤلاء شفعاؤنا عند الله) فاعلم أن من الناس من قال: إن أولئك الكفار توهموا أن عبادة الأصنام أشد ، في تعظيم الله ، من عبادة الله سبحانه وتعالى، فقالوا: ليست لنا أهلية أن نشتغل بعبادة الله تعالى، بل نحن نشتغل بعبادة هذه الأصنام، وأنها تكون لنا شفعاء عند الله تعالى .
ثم اختلفوا في أنهم كيف قالوا في الأصنام إنها شفعاؤنا عند الله ؟ وذكروا فيه أقولا كثيرة:…
ورابعها: أنهم وضعوا هذه الأصنام والأوثان على صور أنبيائهم وأكابرهم، وزعموا أنهم متى اشتغلوا بعبادة هذه التماثيل ، فإن أولئك الأكابر تكون شفعاء لهم عند الله تعالى.
ونظيره في هذا الزمان : اشتغال كثير من الخلق بتعظيم قبور الأكابر، على اعتقاد أنهم إذا عظموا قبورهم ، فإنهم يكونون شفعاء لهم عند الله” انتهى من “تفسير الرازي” (17/ 59).
فهذا كما ترى فيه بيان لأنواع من الشرك كالدعاء والذبح والسجود لغير الله.
ولشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (ت728هـ) كلام مستفيض في ذلك، وكذلك للمقريزي رحمه الله (ت815هـ) كما في رسالته “تجريد التوحيد المفيد”، وابن كثير في تفسيره، وابن القيم في عدد من مؤلفاته .
ولم ينفك العلماء عن بيان التوحيد، وبيان ضده، ويزيد البيان عند شدة الحاجة إليه لانتشار الشرك وشيوعه.
وانظر كلاما بينا لفقهاء الحنفية في التحذير من الشرك، في كتاب: “جهود علماء الحنفية في رد بدع القبورية” للشمس السلفي الأفغاني.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب