0 / 0

هل استخرج النبي صلى الله عليه وسلم السحر الذي فعله له اليهود من البئر أم لا ؟

السؤال: 290014

سؤالي عن حديث في “صحيح البخارى” رقم (3268) ، والذى ذكر فى سؤال رقم : (68814) ، والذى يذكر أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يستخرج المشط من البئر، لكن في السؤال رقم : (120236) يذكر أن النبي عليه الصلاة و السلام استخرجه ، أرجو التوضيح .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

فإن واقعة سحر اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم صحيحة ثابتة ، وورد في شأنها عدة أحاديث في الصحيحين وغيرهما .

وفي مجملها : أن رجلا من اليهود يُدعى لبيد بن الأعصم سحر النبي صلى الله عليه وسلم ، وظل النبي صلى الله عليه وسلم متأثرا بذلك ، حتى أنه ربما كان يُخيل إليه أنه فعل الشيء من أمور الدنيا ولم يفعله ، ثم نزل جبريل عليه السلام ومعه ملك من الملائكة الكرام ، فجلس أحدهما عند رأسه ، وجلس الثاني عند رجليه ، ثم سأل جبريل هذا الملك عن وجع النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فأخبره أن النبي صلى الله عليه وسلم مسحور ، والسحر كان قد استخدم فيه بعض شعرات من النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنه مدفون في قعر بئر ذروان .

إلى هذا الحد لا خلاف بين أهل العلم عليه .

وقد اختلف أهل العلم في مسألة : هل استخرج النبي صلى الله عليه وسلم السحر من هذا البئر أم لا ؟

وهي المسألة التي أوردها السائل الكريم .

وللعلماء فيها قولان ، منهم من يرى أنه استخرجه ، ومنهم من لا يرى ذلك ، ومنشأ ذلك اختلاف الروايات ، وبيان ذلك كما يلي :

أولا : أشهر حديث في قصة سحر النبي صلى الله عليه وسلم هو حديث عائشة رضي الله عنها ، وهو حديث يرويه هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها .

وقد اختلف الرواة عن هشام بن عروة في هذه الجزئية كما يلي :

حيث رواه سفيان بن عيينة ، ومعمر ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة ، بإثبات استخراج النبي صلى الله عليه وسلم للسحر من البئر .

ولفظه في “صحيح البخاري” (5765) من طريق سفيان ، عن هشام ، عن أبيه ، عَنْ عَائِشَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: ” كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُحِرَ، حَتَّى كَانَ يَرَى أَنَّهُ يَأْتِي النِّسَاءَ وَلاَ يَأْتِيهِنَّ ، قَالَ سُفْيَانُ: وَهَذَا أَشَدُّ مَا يَكُونُ مِنَ السِّحْرِ ، إِذَا كَانَ كَذَا ، فَقَالَ: ” يَا عَائِشَةُ ،   أَعَلِمْتِ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ ، أَتَانِي رَجُلاَنِ ، فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي ، وَالآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ ، فَقَالَ الَّذِي عِنْدَ رَأْسِي لِلْآخَرِ: مَا بَالُ الرَّجُلِ؟ قَالَ: مَطْبُوبٌ ، قَالَ: وَمَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بْنُ أَعْصَمَ – رَجُلٌ مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ حَلِيفٌ لِيَهُودَ كَانَ مُنَافِقًا – قَالَ: وَفِيمَ؟ قَالَ: فِي مُشْطٍ وَمُشَاقَةٍ ، قَالَ: وَأَيْنَ؟ قَالَ: فِي جُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ ، تَحْتَ رَاعُوفَةٍ فِي بِئْرِ ذَرْوَانَ   ، قَالَتْ: فَأَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ البِئْرَ حَتَّى اسْتَخْرَجَهُ ، فَقَالَ: هَذِهِ البِئْرُ الَّتِي أُرِيتُهَا ، وَكَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الحِنَّاءِ ، وَكَأَنَّ نَخْلَهَا رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ . قَالَ: فَاسْتُخْرِجَ ، قَالَتْ: فَقُلْتُ: أَفَلاَ؟ – أَيْ تَنَشَّرْتَ – فَقَالَ:   أَمَّا اللَّهُ فَقَدْ شَفَانِي ، وَأَكْرَهُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ شَرًّا  .

هكذا قال :” فأتى النبي صلى الله عليه وسلم البئر حتى استخرجه ” ، وسألته فقالت :” أفلا ؟. فقال : أما الله فقد شفاني “.

ولفظ رواية معمر عند الإمام أحمد في “مسنده” (24347) :” فَأَتَى الْبِئْرَ ، فَأَمَرَ بِهِ، فَأُخْرِجَ “.

ورواه جمع من الرواة عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة ، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستخرجه ، وجاء ذلك بألفاظ متقاربة ، كما يلي :

عيسى بن يونس كما في “صحيح البخاري” (3268) ، وفيه أن عائشة رضي الله عنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم :  اسْتَخْرَجْتَهُ؟ فَقَالَ:  لاَ، أَمَّا أَنَا فَقَدْ شَفَانِي اللَّهُ، وَخَشِيتُ أَنْ يُثِيرَ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا  ثُمَّ دُفِنَتِ البِئْرُ 

حماد بن أسامة ، كما في “صحيح البخاري” (5766) ، ولفظه :” قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَأَخْرَجْتَهُ؟ قَالَ: لاَ “.

أنس بن عياض ، كما في “صحيح البخاري” (6391) ، ولفظه :” فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَهَلَّا أَخْرَجْتَهُ؟ قَالَ: أَمَّا أَنَا فَقَدْ شَفَانِي اللَّهُ ، وَكَرِهْتُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا “.

ابن نمير ، كما في “صحيح مسلم” (2189) ، ولفظه :” فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَفَلَا أَحْرَقْتَهُ؟ قَالَ: لَا أَمَّا أَنَا فَقَدْ عَافَانِي اللهُ ، وَكَرِهْتُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا ، فَأَمَرْتُ بِهَا فَدُفِنَتْ “.

الليث بن سعد ، كما في ” عشرة أحاديث من الجزء المنتقى الأول والثاني من حديث الليث” (1930) ، ولفظه :” قَالَتْ: فَقُلْتُ: مَا اسْتَخْرَجْتُهُ؟ قَالَ: لا ”  .

علي بن مسهر ، كما في “شرح مشكل الآثار” (5934) ، ولفظه :” فقلت يا رسول الله  : قد أخرجته؟ قال : لا

وهيب ، كما في “مسند أحمد” (24560) ، ولفظه :” فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ ، فَأَخْرَجْتَهُ لِلنَّاسِ؟ فَقَالَ: أَمَّا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ ، فَقَدْ شَفَانِي ، وَخَشِيتُ أَنْ أُثَوِّرَ عَلَى النَّاسِ مِنْهُ ” .

فتحصل من ذلك :

أن سفيان بن عيينة ، ومعمر ، روياه عن هشام بإثبات الاستخراج .

وأن ( عيسى بن يونس ، وأنس بن عياض ، وحماد بن أسامة ، وابن نمير ، والليث بن سعد ، وعلي بن مسهر ، ووهيب ) رووه جميعا إما بنفي الاستخراج ، أو بعدم إثباته كما تقدم .

وقد اختلف أهل العلم في هذا الخلاف ، فمنهم من قدم رواية سفيان لأنه أحفظ ، ومعه زيادة علم ، والمثبت مقدم على النافي .

ومنهم من جمع بين الروايات .

قال القاضي عياض في “إكمال المعلم” (7/91) :” وقد رواه بعضهم عن سفيان ، وفيه: ” فاستخرجه ” ، وقال في موضع: ” أفلا استخرجته ، أفلا تنشرت ” .

فرجح بعضهم رواية سفيان لحفظه ، وأن السؤال عن النشرة ، وجمع بعضهم بين الروايتين وأن إثبات الاستخراج من البئر ، ونفيه من الجف ، وهو الذى كان يثير على الناس بين المشاهدة صفة عقده وعمله ، ثم يكون ردم البئر بعد هذا ” انتهى .

وقال ابن بطال في “شرح صحيح البخاري” (9/444) :” قال المهلب: وقع في هذا الحديث فاستخرج السحر، ووقع في باب السحر (قلت: يا رسول الله، أفلا استخرجت فأمر بها فدفنت) . وهذا اختلاف من الرواة ، ومدار الحديث على هشام بن عروة ، وأصحابه مختلفون في استخراجه ، فأثبته سفيان في روايته من طريقين في هذا الباب ، وأوقف سؤال عائشة النبي عليه السلام عن النشرة . ونفى الاستخراج عن عيسى بن يونس ، وأوقف سؤالها للنبي على الاستخراج ، ولم يذكر أنه جاوب على الاستخراج بشيء ، وحقق أبو أسامة جوابه عليه السلام ؛ إذ سألته عائشة عن استخراجه بلا .

فكان الاعتبار يعطى أن سفيان أولى بالقول لتقدمه في الضبط ، وأن الوهم على أبى أسامة في أنه لم يستخرجه .

ويشهد لذلك أنه لم يذكر النشرة في حديثه فوهم في أمرها ، فردّ جوابه عليه السلام بلا على الاستخراج فلم يذكر النشرة ، وكذلك عيسى بن يونس لم يذكر أنه عليه السلام جاوب على استخراجه بلا ولا ذكر النشرة .
والزيادة من سفيان مقبولة ؛ لأنه أثبتهم . وقوى ثبوت الاستخراج في حديثه لتكرره فيه مرتين ، فبعد من الوهم فيما حقق من الاستخراج ، وفى ذكره للنشرة في جوابه عليه السلام مكان الاستخراج .

وفيه وجه آخر يحتمل : أن يحكم بالاستخراج لسفيان ، ويحكم لأبي أسامة بقوله: لا على أنه استخرج الجف بالمشاطة ، ولم يستخرج صورة ما في الجف من المشط ، وما ربط به ؛ لئلا يراه الناس فيتعلمونه إن أرادوا استعمال السحر فهو عندهم مستخرج من البئر وغير مستخرج من الجف ، والله أعلم “. انتهى .

وقد جاءت قصة السحر من طرق أخرى فيها إثبات الاستخراج ، ومن أصح هذه الطرق ما أخرجه أحمد في “مسنده” (19267) ، والنسائي في “السنن الكبرى” (3529) ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: “سَحَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ ، قَالَ: فَاشْتَكَى لِذَلِكَ أَيَّامًا ، قَالَ: فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ: إِنَّ رَجُلًا مِنَ الْيَهُودِ سَحَرَكَ ، عَقَدَ لَكَ عُقَدًا فِي بِئْرِ كَذَا وَكَذَا ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا مَنْ يَجِيءُ بِهَا ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، فَاسْتَخْرَجَهَا، فَجَاءَ بِهَا ، فَحَلَّهَا. قَالَ: فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنَّمَا نُشِطَ مِنْ عِقَالٍ “، فَمَا ذَكَرَ لِذَلِكَ الْيَهُودِيِّ ، وَلَا رَآهُ فِي وَجْهِهِ قَطُّ حَتَّى مَاتَ ” انتهى .

والحديث صححه الشيخ الألباني في “السلسلة الصحيحة” (2761) .

فلأجل ذلك يكون المقدم هو أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر باستخراج هذا السحر ، ويجمع بين الروايات بأحد هذه الاحتمالات :

 أن سؤال عائشة له صلى الله عليه وسلم إنما كان عن النشرة ، وليس عن الاستخراج فرواه بعض الرواة بالمعنى ، ووهم فيه .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : ” وهو مقتضى صنيع المصنف حيث ذكر النشرة في الترجمة ” انتهى  من “فتح الباري” (10/235) .

أو يكون إثبات الاستخراج لما كان في البئر ، ونفيه يعود على ما كان في الجف من السحر ذاته .

قال ابن القيم رحمه الله : “ولا تنافي بينهما ، فإنه استخرجه من البئر حتى رآه وعلمه ، ثم دفنه بعد أن شفي .

وقول عائشة رضي الله عنها : ( هلا استخرجته ) ؛ أي : هلا أخرجته للناس حتى يروه ويعاينوه، فأخبرها بالمانع له من ذلك ، وهو أن المسلمين لم يكونوا ليسكتوا عن ذلك ، فيقع الإنكار ويغضب للساحر قومه ، فيحدث الشر ، وقد حصل المقصود بالشفاء والمعافاة . فأمر بها فدفنت ولم يستخرجها للناس .

فالاستخراج الواقع ، غير الذي سألت عنه عائشة .

والذي يدل عليه أنه إنما جاء إلى البئر ليستخرجها منه ولم يجيء إليه لينظر إليها ثم ينصرف إذ لا غرض له في ذلك والله أعلم ” انتهى من: “بدائع الفوائد” ، لابن القيم (2/739) ، وينظر أيضا “فتح الباري” لابن حجر (10/235) .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android