0 / 0

قصة أبي محجن رضي الله عنه يوم القادسية.

السؤال: 290878

هل فعلا ورد عن أبي محجن رضي الله عنه شربه للخمر ، وقول سعد بن وقاص رضي الله عنه : ” لا أجلدك على الخمر بعد اليوم ” فكيف لا يقيم حدا من حدود الله تعالى ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا:

أبو محجن الثقفي صحابي من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إلا أنه كان قد ابتلي بشرب المسكر، وكان يجلد عليه ، ثم تاب من ذلك وأقلع عنه، رضي الله عنه.

ينظر جواب السؤال رقم : (26273)

ثانيا:

روى ابن أبي شيبة في “مصنفه” (33746) ، وسعيد بن منصور في “سننه” (2502) عن أبي مُعَاوِيَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: ” أُتِيَ سَعْدٌ بِأَبِي مِحْجَنٍ يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ وَقَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ، فَأَمَرَ بِهِ إِلَى الْقَيْدِ، وَكَانَتْ بِسَعْدٍ جِرَاحَةٌ فَلَمْ يَخْرُجْ يَوْمَئِذٍ إِلَى النَّاسِ قَالَ: وَصَعِدُوا بِهِ فَوْقَ الْعُذَيْبِ لَيَنْظُرَ إِلَى النَّاسِ ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْخَيْلِ خَالِدَ بْنَ عُرْفُطَةَ ، فَلَمَّا الْتَقَى النَّاسُ، قَالَ أَبُو مِحْجَنٍ:

كَفَى حَزَنًا أَنْ تُطْرَدَ الْخَيْلُ بِالْقَنَا … وَأُتْرَكَ مَشْدُودًا عَلَيَّ وِثَاقِيَا

فَقَالَ لِابْنَةِ حَصْفَةَ امْرَأَةِ سَعْدٍ: أَطْلِقِينِي وَلَكِ اللَّهُ عَلَيَّ إِنْ سَلَّمَنِي اللَّهُ أَنْ أَرْجِعَ حَتَّى أَضَعَ رِجْلِي فِي الْقَيْدِ ، وَإِنْ قُتِلْتُ اسْتَرَحْتُمْ مِنِّي ، قَالَ: فَحَلَّتْهُ – حِينَ الْتَقَى النَّاسُ .. فَوَثَبَ عَلَى فَرَسٍ لِسَعْدٍ يُقَالُ لَهَا الْبَلْقَاءُ ، ثُمَّ أَخَذَ رُمْحًا، ثُمَّ خَرَجَ ، فَجَعَلَ لَا يَحْمِلُ عَلَى نَاحِيَةٍ مِنَ الْعَدُوِّ إِلَّا هَزَمَهُمْ، وَجَعَلَ النَّاسُ يَقُولُونَ: هَذَا مَلَكٌ لِمَا يَرَوْنَهُ يَصْنَعُ، وَجَعَلَ سَعْدٌ يَقُولُ: “الضَّبْرُ  [أي : الركض] ضَبْرُ الْبَلْقَاءِ، وَالطَّعْنُ طَعْنُ أَبِي مِحْجَنٍ، وَأَبُو مِحْجَنٍ فِي الْقَيْدِ” !!

فَلَمَّا هُزِمَ الْعَدُوُّ، رَجَعَ أَبُو مِحْجَنٍ حَتَّى وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الْقَيْدِ ، وَأَخْبَرَتِ ابْنَةُ حَصْفَةَ سَعْدًا بِمَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ .

فَقَالَ سَعْدٌ: ” لَا وَاللَّهِ لَا أَضْرِبُ بَعْدَ الْيَوْمِ رَجُلًا ، أَبْلَى اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى يَدَيْهِ مَا أَبْلَاهُمْ “،  فَخَلَّى سَبِيلَهُ .

فَقَالَ أَبُو مِحْجَنٍ: قَدْ كُنْتُ أَشْرَبُهَا إِذْ يُقَامُ عَلَيَّ الْحَدُّ، وَأَطْهُرُ مِنْهَا، فَأَمَّا إِذَا بَهْرَجْتَنِي ، فَلَا وَاللَّهِ لَا أَشْرَبُهَا أَبَدًا “.

وهذا إسناد صحيح متصل، رجاله كلهم ثقات .

وله شاهد عند عبد الرزاق في “مصنفه” (17077) يرويه عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ به بنحوه .

وابن سيرين لم يدرك سعدا رضي الله عنه ، ولا نعلم أدرك أبا محجن أم لا ، ولكن مراسيله جياد ، قال ابن عبد البر رحمه الله :

“أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ أَنَّ ابْنَ سِيرِينَ أَصَحُّ التَّابِعِينَ مَرَاسِيلَ ، وَأَنَّهُ كَانَ لَا يَرْوِي وَلَا يَأْخُذُ إِلَّا عَنْ ثِقَةٍ ، وَأَنَّ مَرَاسِلَهُ صِحَاحٌ كُلُّهَا، لَيْسَ كَالْحَسَنِ وَعَطَاءٍ فِي ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ ” .

انتهى من “التمهيد” (8/ 301) .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

” مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ مِنْ أَوَرِعِ النَّاسِ فِي مَنْطِقِهِ ، وَمَرَاسِيلُهُ مِنْ أَصَحِّ الْمَرَاسِيلِ ” .

انتهى من “منهاج السنة النبوية” (6/ 237) .

وله شاهد آخر يرويه أبو بكر الدينوري في “المجالسة” (3/ 381) من طريق الْأَصْمَعِيِّ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ عُمَيْرِ بْنِ إِسْحَاقَ به .

وعمير بن إسحاق وثقه ابن معين وقال النسائي: ليس به بأس، وذكره ابن حبان في الثقات.

“تهذيب التهذيب” (8/ 127)

فالقصة صحيحة ثابتة .

ثالثا:

لا يجوز تعطيل حد من حدود الله ، كما سبق بيانه في جواب السؤال رقم : (118686).

فإقامة الحدود من شعائر الإسلام التي لا يجوز تعطيلها .

وما فعله سعد مع أبي محجن رضي الله عنهما، من تركه إقامة الحد عليه ليس من تعطيل حدود الله تعالى، ولكنه لما رأى ما أبلى به أبو محجن من بلاء حسن في الحرب ، وبذله نفسه في سبيل الله ، وعلم من حاله صدقه في التوبة من الشراب : درأ عنه الحد، وليس هذا تعطيلا له، وإنما هو من باب محو السيئة السالفة بالحسنة الماحية، وأن التوبة تجبّ ما قبلها.  

قال ابن القيم رحمه الله :

” الظَّاهِرُ أَنَّ سَعْدًا – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – اتَّبَعَ فِي ذَلِكَ سُنَّةَ اللَّهِ تَعَالَى؛ فَإِنَّهُ لَمَّا رَأَى تَأْثِيرَ أَبِي مِحْجَنٍ فِي الدِّينِ ، وَجِهَادِهِ ، وَبَذْلِهِ نَفْسَهُ لِلَّهِ مَا رَأَى : دَرَأَ عَنْهُ الْحَدَّ؛ لِأَنَّ مَا أَتَى بِهِ مِنْ الْحَسَنَاتِ، غَمَرَتْ هَذِهِ السَّيِّئَةَ الْوَاحِدَةَ ، وَجَعَلَتْهَا كَقَطْرَةٍ نجاسةٍ وَقَعَتْ فِي بَحْرٍ، وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ شَامَ مِنْهُ مَخَايِلَ التَّوْبَةِ النَّصُوحِ وَقْتَ الْقِتَالِ؛ إذْ لَا يَظُنُّ مُسْلِمٌ إصْرَارَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ، الَّذِي هُوَ مَظِنَّةُ الْقُدُومِ عَلَى اللَّهِ ، وَهُوَ يَرَى الْمَوْتَ.

وَأَيْضًا : فَإِنَّهُ بِتَسْلِيمِ نَفْسِهِ ، وَوَضْعِ رِجْلِهِ فِي الْقَيْدِ اخْتِيَارًا : قَدْ اسْتَحَقَّ أَنْ يُوهَبَ لَهُ حَدُّهُ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لِلرَّجُلِ الَّذِي قَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَصَبْت حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ، فَقَالَ: (هَلْ صَلَّيْت مَعَنَا هَذِهِ الصَّلَاةَ؟) قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: (اذْهَبْ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَك حَدَّك)

وَظَهَرَتْ بَرَكَةُ هَذَا الْعَفْوِ وَالْإِسْقَاطِ فِي صِدْقِ تَوْبَتِهِ، فَقَالَ: “وَاللَّهِ لَا أَشْرَبُهَا أَبَدًا”، وَفِي رِوَايَةٍ “أَبَدَ الْأَبَدِ” وَفِي رِوَايَةٍ “قَدْ كُنْت آنَفُ أَنْ أَتْرُكَهَا مِنْ أَجْلِ جَلَدَاتِكُمْ، فَأَمَّا إذْ تَرَكْتُمُونِي فَوَاَللَّهِ لَا أَشْرَبُهَا أَبَدًا” وَقَدْ بَرِئَ النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ بِبَنِي جَذِيمَةَ، وَقَالَ: “اللَّهُمَّ إنِّي أَبْرَأُ إلَيْك مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ” وَلَمْ يُؤَاخِذْهُ بِهِ؛ لِحُسْنِ بَلَائِهِ وَنَصْرِهِ لِلْإِسْلَامِ ” .

انتهى من “إعلام الموقعين” (3/ 14) .

وقد تكلم الحافظ ابن حجر رحمه الله على ما في قصة أبي محجن ، من ذكر الخمر ، وعدم حد سعد له . قال :

” وقد عاب ابن فتحون ، أبا عمر [يعني: ابن عبد البر] على ما ذكره في قصة أبي محجن : أنه كان منهمكا في الشراب . فقال:

كان يكفيه ذكر حدّه عليه، والسكوت عنه أليق !!

والأولى في أمره : ما أخرجه سيف في الفتوح أن امرأة سعد سألته فيم حبس؟ فقال: واللَّه ما حبست على حرام أكلته ولا شربته، ولكني كنت صاحب شراب في الجاهلية فندّ كثيرا على لساني وصفها، فحبسني بذلك، فأعلمت بذلك سعدا، فقال: اذهب، فما أنا بمؤاخذك بشيء تقوله حتى تفعله.

[قال الحافظ ابن حجر رحمه الله] : قلت: سيف ضعيف، والروايات التي ذكرناها أقوى وأشهر.

وأنكر ابن فتحون قول من روى أن سعدا أبطل عنه الحد، وقال: لا يُظنّ هذا بسعد .

ثم قال: لكن له وجه حسن . ولم يذكره !!

وكأنه أراد : أن سعدا أراد بقوله : لا يجلده في الخمر ، بشرط أضمره ؛ وهو : إن ثبت عليه أنه شربها ، فوفّقه اللَّه أن تاب توبة نصوحا، فلم يعد إليها كما في بقية القصة ” انتهى ، من “الإصابة في تمييز الصحابة” (7/302) .

وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أنه إنما أخر قيام الحد عليه، لأن الحدود لا تقام في أرض الحرب، فإذا رجع أقيم عليه الحد.

فالحدّ إنما أخِّر لعارض، كما يؤخر لمرض أو شغل، فإذا زال العارض، أقيم الحد، لوجود مقتضيه، وانتفاء معارضه.

قال ابن القيم رحمه الله : ” وأكثر ما فيه تأخير الحد لمصلحة راجحة إما من حاجة المسلمين إليه أو من خوف ارتداده ولحوقه بالكفار، وتأخير الحد لعارض أمر وردت به الشريعة، كما يؤخر عن الحامل والمرضع وعن وقت الحر والبرد والمرض؛ فهذا تأخير لمصلحة المحدود؛ فتأخيره لمصلحة الإسلام أولى ” انتهى، “إعلام الموقعين” (3/14) .

وينظر: “المغني” (9/308 – 310) ،  “الضوابط الشرعية لوقف العمل بنصوص القرآن والسنة” ، د. عزت الجرحي (470-471) .

وينظر للفائدة الفتوى رقم : (280215)، (180550) .

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android