بماذا تردون على من يقول : ( كتاب الله وسنتي أم وعترتي ) ، لماذا يكذبون على الرسول ولا يذكرون الصحيح : ( تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وسنتي ) هذا الحديث لا وجود له لا في البخاري ، ولا مسلم ، ولا مسند أحمد ، ولا الترمذي ، ولا ابن تيمية ، ولا ابن كثير ، ولا السيوطي ، ولم يصححه الألباني ؟ ويخالف ما قالوا به : (تركت فيكم كتاب) ؛ لأنهم يقولون : لم يترك النبي القرآن مجموع بل جمعه عثمان ، فكيف يقول : ( تركت كتاب الله وسنتي) ولم تدون السنة إلا بعد وفاة النبي ولم يكن أبو هريره يجرؤ على التحديث عن النبي إلا بعد وفاة عمر ، بينما يصححون في كتبهم حديث كتاب الله وعترتي آل بيتي .
حول حديث ” كتاب الله وعترتي ” ، وحديث ” كتاب الله وسنتي “
السؤال: 291006
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
ما ذكره السائل فيما يتعلق بحديث : كتاب الله وعترتي ، وحديث : كتاب الله وسنتي : جوابه كما يلي :
أما الحديث الأول وهو حديث : كتاب الله وعترتي ، والذي ذكره السائل ، ونقل عن هؤلاء أن أهل السنة لا يذكرونه مع أنه صحيح ، فهذا باطل من وجوه :
أولا : هذا الحديث رواه أهل السنة في كتبهم ، وهو مشهور بحديث الثقلين ، أو حديث ” غدير خم ” ، ولم يكتموه بفضل الله ، وإنما نقلوه إلينا بالإسناد ، وهذا يدل على إنصافهم ، وأنهم ليسوا من أهل الأهواء .
ثانيا : هذا الحديث بهذا اللفظ لم يروه مسلم في صحيحه كما نقل السائل ، وإنما هذا الحديث قد رُوي عن جمع من الصحابة بألفاظ مختلفة ، ومن هؤلاء الصحابة زيد بن أرقم رضي الله عنه ، وقد رُوي عن زيد بن أرقم من عدة طرق ، وبألفاظ مختلفة ، منها ما رواه مسلم في “صحيحه” (2408) ، وليس فيه لفظ : كتاب الله وعترتي ، وإليك تخريج هذا الحديث وبيان طرقه وألفاظه ، وبيان الصحيح منها من الضعيف .
هذا الحديث رواه جمع من الصحابة هم ( زيد بن أرقم – أبو سعيد الخدري – جابر بن عبد الله – حذيفة بن أسيد – زيد بن ثابت –– علي بن أبي طالب ) ، وأشهرهم في روايته زيد بن أرقم.
أما حديث زيد بن أرقم فقد رواه عنه جمع بألفاظ مختلفة :
اللفظ الأول :
أخرجه مسلم في “صحيحه” (2408) ، وأحمد في “المسند” (19265) ، وابن خزيمة في “صحيحه” (2357) ، والطبراني في “المعجم الكبير” (5/183) ، والطحاوي في “شرح مشكل الآثار” (3464) ، وابن أبي عاصم في “السنة” (1550) ، من طريق أَبي حَيَّانَ ، قال حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ حَيَّانَ ، قَالَ: ” انْطَلَقْتُ أَنَا وَحُصَيْنُ بْنُ سَبْرَةَ ، وَعُمَرُ بْنُ مُسْلِمٍ ، إِلَى زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ ، فَلَمَّا جَلَسْنَا إِلَيْهِ قَالَ لَهُ حُصَيْنٌ : لَقَدْ لَقِيتَ يَا زَيْدُ خَيْرًا كَثِيرًا ، رَأَيْتَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَسَمِعْتَ حَدِيثَهُ ، وَغَزَوْتَ مَعَهُ ، وَصَلَّيْتَ خَلْفَهُ لَقَدْ لَقِيتَ ، يَا زَيْدُ خَيْرًا كَثِيرًا ، حَدِّثْنَا يَا زَيْدُ مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي وَاللهِ لَقَدْ كَبِرَتْ سِنِّي ، وَقَدُمَ عَهْدِي ، وَنَسِيتُ بَعْضَ الَّذِي كُنْتُ أَعِي مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَمَا حَدَّثْتُكُمْ فَاقْبَلُوا ، وَمَا لَا ، فَلَا تُكَلِّفُونِيهِ ، ثُمَّ قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فِينَا خَطِيبًا ، بِمَاءٍ يُدْعَى خُمًّا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ، وَوَعَظَ وَذَكَّرَ ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ ، أَلَا أَيُّهَا النَّاسُ فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ رَسُولُ رَبِّي فَأُجِيبَ ، وَأَنَا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ: أَوَّلُهُمَا كِتَابُ اللهِ فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ فَخُذُوا بِكِتَابِ اللهِ ، وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ ، فَحَثَّ عَلَى كِتَابِ اللهِ وَرَغَّبَ فِيهِ ، ثُمَّ قَالَ: وَأَهْلُ بَيْتِي أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي ، أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي ، أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي فَقَالَ لَهُ حُصَيْنٌ: وَمَنْ أَهْلُ بَيْتِهِ؟ يَا زَيْدُ أَلَيْسَ نِسَاؤُهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ؟ قَالَ: نِسَاؤُهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ ، وَلَكِنْ أَهْلُ بَيْتِهِ مَنْ حُرِمَ الصَّدَقَةَ بَعْدَهُ ، قَالَ: وَمَنْ هُمْ؟ قَالَ: هُمْ آلُ عَلِيٍّ ، وَآلُ عَقِيلٍ ، وَآلُ جَعْفَرٍ ، وَآلُ عَبَّاسٍ . قَالَ: كُلُّ هَؤُلَاءِ حُرِمَ الصَّدَقَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ “.
وموضع الشاهد من الرواية هو قوله صلى الله عليه وسلم : وَأَنَا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ: أَوَّلُهُمَا كِتَابُ اللهِ فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ فَخُذُوا بِكِتَابِ اللهِ ، وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ فَحَثَّ عَلَى كِتَابِ اللهِ وَرَغَّبَ فِيهِ ، ثُمَّ قَالَ: وَأَهْلُ بَيْتِي أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي .
فيستفاد من ذلك ما يلي :
أولا : تسمية كتاب الله ، وأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم بالثقلين .
ثانيا : الأمر باتباع كتاب الله والأخذ به .
ثالثا : الوصية بآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم .
وليس في شيء من طرق الحديث : الأمر باتباع العترة ، بل إنما فيه مطلق الوصية بهم ، ومودتهم ، ومراعاة حقوقهم.
قال شيخ الإسلام في “منهاج السنة النبوية” (7/318) :” وَالْحَدِيثُ الَّذِي فِي مُسْلِمٍ إِذَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَالَهُ ، فَلَيْسَ فِيهِ إِلَّا الْوَصِيَّةُ بِاتِّبَاعِ كِتَابِ اللَّهِ ، وَهَذَا أَمْرٌ قَدْ تَقَدَّمَتِ الْوَصِيَّةُ بِهِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ قَبْلَ ذَلِكَ، وَهُوَ لَمْ يَأْمُرْ بِاتِّبَاعِ الْعِتْرَةِ ، وَلَكِنْ قَالَ:” أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي “، وَتَذْكِيرُ الْأُمَّةِ بِهِمْ يَقْتَضِي أَنْ يَذْكُرُوا مَا تَقَدَّمَ الْأَمْرُ بِهِ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ إِعْطَائِهِمْ حُقُوقَهُمْ ، وَالِامْتِنَاعِ مِنْ ظُلْمِهِمْ ، وَهَذَا أَمْرٌ قَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ قَبْلَ غَدِيرِ خُمٍّ ” انتهى .
اللفظ الثاني :
أخرجه أحمد في “المسند” (19313) ، والطبراني في “المعجم الكبير” (5/186) ، والطحاوي في “شرح مشكل الآثار” (3464) ، والبزار في “مسنده” (4326) ، وابن بشران في “أماليه” (1071) ، من طريق إِسْرَائِيل ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ: ” لَقِيتُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ وَهُوَ دَاخِلٌ عَلَى الْمُخْتَارِ أَوْ خَارِجٌ مِنْ عِنْدِهِ ، فَقُلْتُ لَهُ: أَسَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ ؟ قَالَ: نَعَمْ ” .
وإسناده صحيح .
وهذه الرواية لا تزيد في المعنى شيئا عن الرواية الأولى .
اللفظ الثالث :
أخرجه الترمذي في “سننه” (3788) ، وابن أبي عاصم في “السنة” (1555) ، من طريق الأَعْمَش ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي أَحَدُهُمَا أَعْظَمُ مِنَ الآخَرِ: كِتَابُ اللهِ حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ، وَعِتْرَتِي أَهْلُ بَيْتِي ، وَلَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الحَوْضَ فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِي فِيهِمَا .
وإسناده ضعيف .
فيه : حبيب بن أبي ثابت ، ثقة لكنه مدلس ، ولم يثبت سماعه إلا من ابن عباس وعائشة .
قال علي بن المديني :” حبيب بن أبي ثابت لقي ابن عباس ، وسمع من عائشة ، ولم يسمع من غيرهما من الصحابة رضي الله عنهم ” . انتهى من “جامع التحصيل” للعلائي (117) .
وفيه : الأعمش ، وهو ثقة ، لكنه مدلس مشهور بالتدليس أيضا ، وقد عنعن .
اللفظ الرابع :
أخرجه الحاكم في “المستدرك” (4577) ، من طريق مُحَمَّد بْن سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ ، عَنِ ابْنِ وَاثِلَةَ ، أَنَّهُ سَمِعَ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: ” نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ عِنْدَ شَجَرَاتٍ خَمْسِ دَوْحَاتٍ عِظَامٍ ، فَكَنَسَ النَّاسُ مَا تَحْتَ الشَّجَرَاتِ ، ثُمَّ رَاحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشِيَّةً فَصَلَّى ، ثُمَّ قَامَ خَطِيبًا ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ، وَذَكَرَ وَوَعَظَ ، فَقَالَ: مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ: ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا إِنِ اتَّبَعْتُمُوهُمَا ، وَهُمَا: كِتَابُ اللَّهِ ، وَأَهْلُ بَيْتِي عِتْرَتِي .
وإسناده واه ، فيه محمد بن سلمة بن كهيل ، قال الجوزجاني في “أحوال الرجال” (ص 86) :” ذاهب الحديث “انتهى .
وقال ابن عدي :” وَكَانَ مِمَّنْ يُعَدُّ مِنْ مُتَشَيِّعِي الْكُوفَةِ ” انتهى من “الكامل” (7/445) .
اللفظ الخامس :
أخرجه الطبراني في “المعجم الكبير” (5/169) ، و الحاكم في “المستدرك” (4711) ، وابن عساكر في “معجمه” (1026) ، من طريق الْحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ النخعي ، عَنْ أَبِي الضُّحَى مسلم بن صبيح ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْه ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللهِ ، وَأَهْلَ بَيْتِي ، وَإِنَّهُمَا لَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ .
وهذا الطريق منكر ، فيه الحسن بن عبيد الله النخعي ، قال فيه البخاري :” لم أخرج حديث الحسن بن عبيد الله لأن عامة حديثه مضطرب “انتهى من “تهذيب التهذيب” (2/292) .
وفي بعض هذه الروايات زيادة في المعنى عن الرواية الأولى ، وهي الأمر بالتمسك بكتاب الله وعترة النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنهما لن يتفرقا حتى يردا على الحوض ، إلا أن هذه الروايات لم تصح كما بينا .
اللفظ السادس :
أخرجه الحاكم في “المستدرك” (6272) ، من طريق كَامِل أَبُي الْعَلَاءِ ، قَالَ: سَمِعْتُ حَبِيبَ بْنَ أَبِي ثَابِتٍ يُخْبِرُ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ جَعْدَةَ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: “خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى غَدِيرِ خُمٍّ فَأَمَرَ بِدَوْحٍ ، فَكُسِحَ فِي يَوْمٍ مَا أَتَى عَلَيْنَا يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ حَرًّا مِنْهُ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّهُ لَمْ يُبْعَثْ نَبِيٌّ قَطُّ إِلَّا مَا عَاشَ نِصْفَ مَا عَاشَ الَّذِي كَانَ قَبْلَهُ ، وَإِنِّي أُوشِكُ أَنْ أُدْعَى فَأُجِيبَ ، وَإِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ كِتَابَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ .
وإسناده ضعيف ، فيه كامل بن العلاء أبو العلاء ، ذكر ابن حبان في “المجروحين” (2/227) ، وقال فيه :” كَانَ مِمَّن يقلب الْأَسَانِيد وَيرْفَع الْمَرَاسِيل من حَيْثُ لَا يدْرِي فَلَمَّا فحش ذَلِك من أَفعاله بَطل الِاحْتِجَاج بأخباره “. انتهى ، وترجم له ابن عدي في “الكامل” (7/223) ، وذكر هذا الحديث من مناكيره .
ثم : ليس في هذه الرواية ذكر للعترة ، ولا أهل البيت .
ومما سبق يتبين أنه لم يصح عن زيد بن أرقم إلا رواية مسلم الأولى ، والرواية الثانية ، وليس فيهما غير تسمية كتاب الله وآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم بالثقلين ، والأمر باتباع كتاب الله ، والوصية بآل البيت النبوي .
وأما حديث أبي سعيد الخدري :
فقد أخرجه الترمذي في “سننه” (3788) ، وأحمد في “المسند” (11104) ، وابن أبي عاصم في “السنة” (1554) ، وابن أبي شيبة في “مصنفه” (30081) ، والطبراني في “المعجم الكبير” (3/65) ، جميعا من طريق عطية العوفي ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ ، أَحَدُهُمَا أَكْبَرُ مِنَ الْآخَرِ: كِتَابُ اللهِ حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ، وَعِتْرَتِي أَهْلُ بَيْتِي ، وَإِنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ .
وإسناده ضعيف ، فيه عطية بن سعد العوفي ، قال الذهبي في “ديوان الضعفاء” (2843) :” مجمع على ضعفه” .انتهى ، وقال ابن حبان في “المجروحين” (2/176) :” لَا يحل الِاحْتِجَاج بِهِ وَلَا كِتَابَة حَدِيثه إِلَّا عَلَى جِهَة التَّعَجُّب “. انتهى
وهذا الطريق أعله الإمام أحمد ، كما في “المنتخب من العلل للخلال” (117) ، وقال بعد أن رواه :” أَحَادِيثُ الْكُوفِيِّينَ هذه مناكير “. انتهى
وأما حديث جابر :
فأخرجه الترمذي في “سننه” (3786) ، والطبراني في “المعجم الأوسط” (4757) ، من طريق نَصْر بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الكُوفِيُّ ، قَالَ: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الحَسَنِ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ، قَالَ: ” رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّتِهِ يَوْمَ عَرَفَةَ وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ القَصْوَاءِ يَخْطُبُ ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا: كِتَابَ اللهِ ، وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي .
وإسناده ضعيف جدا ، فيه زيد بن الحسن الأنماطي ، قال فيه أبو حاتم كما في “الجرح والتعديل” (3/560) :” منكر الحديث “. انتهى .
وأما حديث حذيفة بن أسيد :
فأخرجه أبو نعيم في “حلية الأولياء” (1/355) ، من طريق زيد بن الحسن الأنماطي ، عن مَعْرُوفِ بْنِ خَرَّبُوذَ الْمَكِّيِّ ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ الْغِفَارِيُّ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنِّي فَرَطُكُمْ ، وَإِنَّكُمْ وَارِدُونَ عَلَيَّ الْحَوْضَ ، فَإِنِّي سَائِلُكُمْ حِينَ تَرِدُونَ عَلَيَّ عَنِ الثَّقَلَيْنِ ، فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِي فِيهِمَا ، الثَّقَلُ الْأَكْبَرُ كِتَابُ اللهِ ، سَبَبٌ طَرَفُهُ بِيَدِ اللهِ ، وَطَرَفَهُ بِأَيْدِيكُمْ ، فَاسْتَمْسِكُوا بِهِ وَلَا تَضِلُّوا وَلَا تَبَدَّلُوا ، وَعِتْرَتِي أَهْلُ بَيْتِي ، فَإِنَّهُ قَدْ نَبَّأَنِي اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ أَنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ .
وإسناده ضعيف ، فيه معروف بن خربوذ ، ضعفه ابن معين كما في “الجرح والتعديل” (8/321) ، وكان شيعيا .
وفيه زيد بن الحسن الأنماطي، منكر الحديث كما قال أبو حاتم في “الجرح والتعديل” (3/560).
وأما حديث زيد بن ثابت :
فأخرجه أحمد في “المسند” (21578) ، وعبد بن حميد في “مسنده” (240) ، وابن أبي شيبة في “مصنفه” (31679) ، وابن أبي عاصم في “السنة” (1548) ، والطبراني في “المعجم الكبير” (5/154) ، جميعا من طريق شَرِيكٌ ، عَنِ الرُّكَيْنِ ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ حَسَّانَ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ خَلِيفَتَيْنِ: كِتَابُ اللهِ ، حَبْلٌ مَمْدُودٌ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ، أَوْ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ، وَعِتْرَتِي أَهْلُ بَيْتِي ، وَإِنَّهُمَا لَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ .
إسناده لا يصح ، فيه القاسم بن حسان ، قال فيه البخاري :” حديثه منكر ، ولا يعرف “. انتهى من “ميزان الاعتدال” (3/369) .
وأما حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، فروي عنه من طريقين :
الأول : أخرجه ابن أبي عاصم في “السنة” (1558) ، من طريق كَثِير بْن زَيْدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنِّي تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا: كِتَابَ اللَّهِ سَبَبُهُ بِيَدِ اللَّهِ، وَسَبَبُهُ بِأَيْدِيكُمْ، وَأَهْلَ بَيْتِي .
وإسناده ضعيف .
فيه محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب ، مجهول الحال ، ذكره ابن سعد في “الطبقات” (5/329) ، والبخاري في “التاريخ الكبير” (1/177) ، وابن أبي حاتم في “الجرح والتعديل” (8/18) ، ولم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا .
وفيه كثير بن زيد ، ضعفه النسائي كما في “الضعفاء والمتروكين” (505) .
الثاني : أخرجه البزار في “مسنده” (864) ، من طريق علي بن ثابت ، قال : حَدَّثَنَا سعاد بن سليمان ، عن أبي إسحاق ، عن الحارث، عن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني مقبوض ، وإني قد تركت فيكم الثقلين كتاب الله ، وأهل بيتي ، وإنكم لن تضلوا بعدهما ، وإنه لن تقوم الساعة حتى يبتغى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تبتغى الضالة ، فلا توجد .
وإسناده لا يصح أيضا ، فيه الحارث بن عبد الله الأعور ، اتهمه الشعبي وعلي بن المديني وأبو خيثمة بالكذب ، وضعفه أكثر أهل العلم ، انظر “الجرح والتعديل” (3/79) .
وفيه كذلك : أبو إسحاق السبيعي ، وهو مدلس ، وقد عنعن .
وفيه كذلك : سعاد بن سليمان ، قال أبو حاتم كما في “الجرح والتعديل” (4/324) :” كان من عتق الشيعة وليس بقوي في الحديث “. انتهى .
فتبين مما سبق أن جميع هذه الأحاديث والتي فيها الأمر باتباع الكتاب وآل البيت لم تصح ، وإنما الصحيح منها ، وصف الكتاب وآل البيت بالثقلين ، والأمر باتباع كتاب الله ، والوصية بآل البيت .
وهذا كله لا إشكال فيه من ناحية المعنى ؛ لأن معنى وصفهما بـ”الثقلين” : عِظَم وثِقَل شأنهما ، وثقل العمل بهما ، فأما ثقل العمل بالقرآن فلأنه دين الله القويم ، وأما ثقل الوصية بآل بيته صلى الله عليه وسلم ، فمقصوده : تعظيم حقهم ، والتأكيد على محبتهم وموالاتهم ، وهذا أمر عظيم الشأن عند الله تعالى ، وهو كذلك يثقل على كثير من الناس فعله .
قال المازري في “المعلم بفوائد مسلم” (3/247) :” قال أبو العباس ثعلب سَماهما رسول الله – صلى الله عليه وسلم – “ثَقَلَين” : لأنّ الأخذ بهما ، والعمل بهما ثَقِيل .
والعرب تقول لكلّ خطير نفيس: ثَقَل. فجعلهما ثقلين، إعظاما لقدرهما وتفخيما لشأنهما “. انتهى.
وقال النووي في “شرح صحيح مسلم” (15/180) :” قَالَ الْعُلَمَاءُ : سُمِّيَا ثَقَلَيْنِ لِعِظَمِهِمَا ، وَكَبِيرِ شَأْنِهِمَا ، وَقِيلَ لِثِقَلِ الْعَمَلِ بِهِمَا “. انتهى
وقال أبو العباس القرطبي في “المفهم لما أشكل من كتاب تلخيص مسلم” (20/50) :” فكأنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ إنما سمَّى كتاب الله ، وأهل بيته : ثقلين لنفاستهما ، وعظم حرمتهما ، وصعوبة القيام بحقهما “.
ومما يؤكد أن الاتباع إنما هو لكتاب الله ، ما جاء في كثير من الأحاديث بالأمر باتباع الكتاب والاعتصام والتمسك به .
ومن هذه الأحاديث :
ما أخرجه مسلم في “صحيحه” (1218) من حديث جابر في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم ، وفيه ما قاله في خطبة عرفة : وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ ، كِتَابُ اللهِ .
ومنها : ما أخرجه ابن حبان في “صحيحه” (122) ، عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَبْشِرُوا أَبْشِرُوا أَلَسْتُمْ تَشْهَدُونَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: فَإِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ سَبَبٌ طَرَفُهُ بِيَدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَطَرَفُهُ بِأَيْدِيكُمْ فَتَمَسَّكُوا بِهِ فَإِنَّكُمْ لَنْ تَضِلُّوا وَلَنْ تَهْلِكُوا بَعْدَهُ أَبَدًا “
والحديث صححه الشيخ الألباني في “السلسلة الصحيحة” (713).
وأما على فرض صحة الحديث بلفظ : وَإِنَّهُمَا لَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ
فهذا فيه معنيان :
الأول : معنى عدم تفرقهما أي يوم القيامة ، حيث يأتيان معا حتى يردا على النبي صلى الله عليه وسلم الحوض ، فيشكران من أدى حقهما في الدنيا ، وحق القرآن الاتباع ، وحق الآل محبتهم وصلتهم وموالاتهم .
قال الطيبي في “شرح المشكاة” (12/3909) :” ومعنى التمسك بالقرآن العمل بما فيه ، وهو الائتمار بأوامره ، والانتهاء عن نواهيه ، والتمسك بالعترة : محبتهم والاهتداء بهديتهم وسيرتهم. وفي قوله: ( إني تارك فيكم ) إشارة إلى أنهما بمنزلة التوأمين الخليفين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنه يوصي الأمة بحسن المخالفة معهما وإيثار حقهما في أنفسهم ، كما يوصي الأب المشفق الناس في حق أولاده ، ويعضده الحديث السابق في الفصل الأول: ( أذكركم الله في أهل بيتي ) كما يقول الأب المشفق: ( الله الله في حق أولادي ).
ومعنى كون أحدهما أعظم من الآخر: أن القرآن هو أسوة للعترة وعليهم الاقتداء به ، وهم أولى الناس بالعمل بما فيه.
ولعل السر في هذه التوصية ، واقتران العترة بالقرآن : أن إيجاب محبتهم لا تخلو من معنى قوله تعالى: قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى ، فإنه تعالى جعل شكر إنعامه وإحسانه بالقرآن ، منوطاً بمحبتهم على سبيل الحصر ، فكأنه صلوات الله عليه يوصي الأمة بقيام الشكر ، وقيد تلك النعمة به ، ويحذرهم عن الكفران .
فمن أقام بالوصية ، وشكر تلك الصنيعة ، بحسن الخلافة فيهما: ( لن يتفرقا ) ؛ فلا يفارقانه في مواطن القيامة ومشاهدها ، حتى يردا الحوض ، فيشكرا صنيعَه عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فحينئذ هو بنفسه يكافئه ، والله تعالى يجازيه بالجزاء الأوفى ، ومن أضاع الوصية ، وكفر النعمة : فحكمه على العكس .
وعلى هذا التأويل حسن موقع قوله: ( فانظروا كيف تخلفوني فيهما ) ، والنظر بمعنى التأمل والتفكر ، أي تأملوا، واستعملوا الروية في استخلافي إياكم ، هل تكونون خلف صدق أو خلف سوء؟ “انتهى .
المعنى الثاني : أن إجماع علمائهم حجة ، وهي مسألة خلافية بين أهل العلم ، وبعض من يرى ذلك من أهل السنة قد يحتج بهذا الحديث ، ومع ذلك لا يدل على عصمة آحادهم أو عصمة علي رضي الله عنه كما يدعي الرافضة .
قال شيخ الإسلام في “منهاج السنة النبوية” (7/393) :” وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَعِتْرَتِي أَهْلُ بَيْتِي وَأَنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ ” فَهَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ ، وَقَدْ سُئِلَ عَنْهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فَضَعَّفَهُ وَضَعَّفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ، وَقَالُوا: لَا يَصِحُّ .
وَقَدْ أَجَابَ عَنْهُ طَائِفَةٌ بِمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَهْلَ بَيْتِهِ كُلَّهَمْ لَا يَجْتَمِعُونَ عَلَى ضَلَالَةٍ ، قَالُوا: وَنَحْنُ نَقُولُ بِذَلِكَ ، كَمَا ذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى وَغَيْرُهُ.
وَلَكِنَّ أَهْلَ الْبَيْتِ لَمْ يَتَّفِقُوا – وَلِلَّهِ الْحَمْدُ – عَلَى شَيْءٍ مِنْ خَصَائِصِ مَذْهَبِ الرَّافِضَةِ ، بَلْ هُمُ الْمُبَرَّءُونَ الْمُنَزَّهُونَ عَنِ التَّدَنُّسِ بِشَيْءٍ مِنْهُ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ عَنْ عِتْرَتِهِ: إِنَّهَا وَالْكِتَابُ لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيْهِ الْحَوْضَ ، وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ ، فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ إِجْمَاعَ الْعِتْرَةِ حُجَّةٌ ، وَهَذَا قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا ، وَذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْمُعْتَمَدِ .
لَكِنَّ الْعِتْرَةَ هُمْ بَنُو هَاشِمٍ كُلُّهُمْ: وَلَدُ الْعَبَّاسِ ، وَوَلَدُ عَلِيٍّ ، وَوَلَدُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، وَسَائِرُ بَنِي أَبِي طَالِبٍ ، وَغَيْرُهُمْ ، وَعَلِيٌّ وَحْدَهُ لَيْسَ هُوَ الْعِتْرَةَ ، وَسَيِّدُ الْعِتْرَةِ هُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
يُبَيِّنُ ذَلِكَ : أَنَّ عُلَمَاءَ الْعِتْرَةِ كَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ لَمْ يَكُونُوا يُوجِبُونَ اتِّبَاعَ عَلِيٍّ فِي كُلِّ مَا يَقُولُهُ ، وَلَا كَانَ عَلِيٌّ يُوجِبُ عَلَى النَّاسِ طَاعَتَهُ فِي كُلِّ مَا يُفْتِي بِهِ ، وَلَا عُرِفَ أَنَّ أَحَدًا مِنْ أَئِمَّةِ السَّلَفِ – لَا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَلَا غَيْرِهِمْ – قَالَ: إِنَّهُ يَجِبُ اتِّبَاعُ عَلِيٍّ فِي كُلِّ مَا يَقُولُهُ “. انتهى
وقال الصنعاني في “التنوير في شرح الجامع الصغير” (4/215) :” وقد جعل دليلاً على اتباع إجماعهم ؛ لأن أفرادهم لا يجب إتباعهم …
قال الحكيم: المراد بعترته : العلماء العاملون منهم ؛ أنهم لا يفارقون القرآن .
وأما نحو الجاهل ، والعالم المخلِّط : فإنه أجنبي من هذا المقام “. انتهى
وأما حديث ( كتاب الله وسنتي ) :
فقد أورده الإمام مالك في “الموطأ” (3338) بلاغا ، ولم يذكر له إسنادا .
وقد رُوي الحديث من عدة طرق :
الطريق الأول : عن أبي هريرة رضي الله عنه .
أخرجه الدارقطني في “السنن” (4/245) ، والبزار في “مسنده” (8993) ، والحاكم في “المستدرك” (319) ، وأبو بكر الشافعي في “الغيلانيات” (632) ، والبيهقي في “السنن الكبرى” (20337) ، من طريق صَالِح بْن مُوسَى الطَّلْحِيُّ ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ شَيْئَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُمَا: كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّتِي ، وَلَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ .
وإسناده ضعيف جدا .
فيه : صالح بن موسى الطلحي ، ضعيف جدا ، ترجم له الذهبي في “ميزان الاعتدال” (2/302) وقال :” قال يحيى: ليس بشيء ، ولا يكتب حديثه . وقال البخاري: منكر الحديث. وقال النسائي: متروك “. انتهى
الطريق الثاني : عن عمرو بن عوف المزني رضي الله عنه .
أخرجه ابن عبد البر في “جامع بيان العلم وفضله” (951) ، من طريق كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف ، عن أبيه ، عن جده ، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم .
وإسناده واه ، فيه : كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف ، قال الذهبي في “تاريخ الإسلام” (4/485) :” اتَّفَقُوا عَلَى ضَعْفِهِ ، وَضَرَبَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَلَى حَدِيثِهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هُوَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْكَذِبِ ” انتهى .
الطريق الثالث : عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما .
أخرجه الحاكم في “المستدرك” (318) ، والبيهقي في “السنن الكبرى” (20838) ، من طريق إِسْمَاعِيل بْن أَبِي أُوَيْسٍ ، قال حَدَّثَنِي أَبِي ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ ..
وأخرجه الآجري في “الشريعة” (1704) ، من طريق مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ , عَنِ الزُّهْرِيِّ .
كلاهما ( ثور بن زيد – الزهري ) ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ ، فَقَالَ: قَدْ يَئِسَ الشَّيْطَانُ بِأَنْ يُعْبَدَ بِأَرْضِكُمْ وَلَكِنَّهُ رَضِيَ أَنْ يُطَاعَ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا تُحَاقِرُونَ مِنْ أَعْمَالِكُمْ ، فَاحْذَرُوا يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ فَلَنْ تَضِلُّوا أَبَدًا كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، إِنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ أَخٌ مُسْلِمٌ ، الْمُسْلِمُونَ إِخْوَةٌ ، وَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ مِنْ مَالِ أَخِيهِ إِلَّا مَا أَعْطَاهُ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ ، وَلَا تَظْلِمُوا ، وَلَا تَرْجِعُوا مِنْ بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ .
وإسناده صحيح .
وقوله صلى الله عليه وسلم في هذه الخطبة :( إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ فَلَنْ تَضِلُّوا أَبَدًا كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) ، لا يعكر عليه أنه لم يُذكر في حديث جابر المشهور ، والذي ذكر فيه خطبته صلى الله عليه وسلم يوم عرفة ، وجاء فيه أنه قال : وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ ، كِتَابُ اللهِ ، ولم يذكر فيه :( وسنة نبيه ) . وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم خطب في حجة الوداع ثلاث مرات : يوم عرفة ، ويوم النحر ، وفي أوسط أيام التشريق .
ويغلب على الظن أن ما نقله ابن عباس كان عن خطبته صلى الله عليه وسلم يوم النحر ، فإن الترمذي روى في “سننه” (2159) ، من طريق سُلَيْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الأَحْوَصِ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ لِلنَّاسِ: أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ قَالُوا: يَوْمُ الحَجِّ الأَكْبَرِ ، قَالَ: فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ بَيْنَكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا ، أَلاَ لاَ يَجْنِي جَانٍ إِلاَّ عَلَى نَفْسِهِ ، أَلاَ لاَ يَجْنِي جَانٍ عَلَى وَلَدِهِ وَلاَ مَوْلُودٌ عَلَى وَالِدِهِ ، أَلاَ وَإِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ مِنْ أَنْ يُعْبَدَ فِي بِلاَدِكُمْ هَذِهِ أَبَدًا وَلَكِنْ سَتَكُونُ لَهُ طَاعَةٌ فِيمَا تَحْتَقِرُونَ مِنْ أَعْمَالِكُمْ فَسَيَرْضَى بِهِ .
وسياقه قريب من سياق حديث ابن عباس رضي الله عنهما .
ولذا فالراجح صحة هذا الحديث من طريق ابن عباس ، والله أعلم .
قال ابن عبد البر في “التمهيد” (24/331) عن هذا الحديث :” مَحْفُوظٌ مَعْرُوفٌ مَشْهُورٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، شُهْرَةً يَكَادُ يُسْتَغْنَى بِهَا عَنِ الْإِسْنَادِ “. انتهى
والحديث صححه الشيخ الألباني في “صحيح الجامع” (2937) .
ثم إنه على تقدير عدم ثبوت هذا اللفظ ، من حيث الرواية والصنعة الحديثية ؛ فإن ذلك المعنى مقرر في الشرع ، معلوم من دين الإسلام بالضرورة ، لا يحتاجه علمه والإيمان به إلى تقرير وبيان ، لعامي ، ولا غافل عن ذلك الشأن ؛ فضلا عن طلاب العلم وأهله !!
وقد قال الله تعالى :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ) النساء/59 .
وقال تعالى : فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا النساء/65 .
فهل يقال بعد ذلك : إنه لا يرجع إلى كتاب الله ، ولا يعتصم به : لأنه المصحف لم يكن مجموعا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ؟!
ولا يعتصم بسنة النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأن السنة لم تكن مجموعة على عهده صلى الله عليه وسلم ؟!
وهل هذا إلا الانسلاخ من الدين ، والانخلاع من ربقة الإسلام رأسا ؛ إذا ترك كتاب الله ، وتركت سنته ، وترك الاعتصام بهما ؛ فبأي شيء يعتصم الناس ؟ وعلى أي شيء يعولون ؟!
فيتلخص مما سبق ما يلي :
أولا : أن حديث الثقلين لا يصح فيه غير لفظ رواية مسلم ، وهو : وَأَنَا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ: أَوَّلُهُمَا كِتَابُ اللهِ فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ فَخُذُوا بِكِتَابِ اللهِ ، وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ فَحَثَّ عَلَى كِتَابِ اللهِ وَرَغَّبَ فِيهِ ، ثُمَّ قَالَ: وَأَهْلُ بَيْتِي أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي ، أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي ، أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي .
ثانيا : أنه يستفاد من الحديث : تسمية كتاب الله وأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم بالثقلين ، والأمر باتباع كتاب الله والأخذ به ، والوصية بآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم .
ثالثا : ليس فيما صح من الحديث الأمر باتباع العترة ، بل مطلق الوصية بهم ومودتهم ومراعاة حقوقهم .
رابعا : على فرض صحة لفظ : ولن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض ، فغاية ما فيه عند بعض أهل العلم الاستدلال على حجية إجماع علماء العترة ، ولا حجة فيه – إن صح – على حجية قول الواحد منهم .
خامسا : أن حديث : كتاب الله وسنتي ، روي من غير وجه ، وكلها لا يثبت سوى حديث ابن عباس ، فإنه صحيح .
سادسا : أنه حتى لو لم يرد حديث : كتاب الله وسنتي ، فإن معناه صحيح متفق عليه ، بخلاف حديث العترة ، فإن أكثر أهل العلم على أن العصمة في كلام الله ، وكلام رسوله ، وإجماع الأمة ، وأن إجماع العترة : ليس حجة على القول الصحيح ، فضلا عن قول بعضهم ، أو عملهم .
سابعا : أننا إذا قلنا بأن إجماع “العترة” و”آل بيته” صلى الله عليه وسلم حجة ؛ فإن أهل البدع لم يطردوا ذلك القول ، ولم يحققوا المذهب ، بل جعلوه تابعا لأهوائهم ؛ يدخلون فيهم من شاءوا ويخرجون من شاءوا .
وينظر للفائدة : مقال مفيد لفضيلة الشيخ علوي السقاف ، حفظه الله ، حول حديث الثقلين ، رواية ، ودراية :
https://dorar.net/article/1716#_edn19
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب